النكد الزوجي

معروف أن الدموع أشهر أسلحة المرأة التي تحسن استخدمها ببراعة، وبعضهم يضيف الجمال والأنوثة كسلاح لا يقهر، إلا أن المرأة بعد الزواج ومرور السنين الأولى عليه تعتقد بأن هذين السلاحين لن يجديا نفعاً، فتلجأ إلى سلاح آخر هو >النكد< الذي يأتي عادة تفسيراً لعدم وجود الاستقرار النفسي نتيجة ظروف معينة تعيشها الزوجة، فالمرأة ليست نكدية بطبعها ما لم تسهم الظروف والمشكلات في وجود هذه الصفة.



  وتستخدم المرأة هذا السلاح عندما تريد أن تقول شيئاً ما لزوجها حيث تفترض مسبقاً أو من خلال تجاربها الحياتية معه بأنه لن يستوعب طلبها أو لن يفهم مقصدها.

وكثيراً ما يؤدي غياب لغة الحوار بين الزوجين إلى لجوء المرأة لافتعال المشكلات لإثارة هذا الرجل الصامت الذي لا يحرك ساكناً ولا يعبأ بكل ما يحدث حوله ومعروف أيضاً عن المرأة بأنها لا تقوى على كتمان مشاعرها؛ إذ إنها سريعة التأثر وسرعان ما تعبِّر عما في داخلها من ضغوطات ومشاعر، سواء سلبية كانت أو إيجابية، وربما هذا ما يجعل تصرفاتها تصنف في قائمة النكد.

  وبعضهم يرجع حالة النكد التي تسببها المرأة في المنزل إلى معاناتها من النظرة الدونية من قبل الرجل وإحساسها بأن حقوقها مهضومة باعتبارها امرأة، وأنها غير قادرة على الحصول على هذه الحقوق، ما يجعلها تلجأ للشكوى وتصبح كثيرة التذمر والصراخ لعلها تجد متنفساً عن مشاعرها.

ولاشك أن للأشياء الموروثة والمكتسبة من الأسرة علاقة بهذا الموضوع؛ إذ إن التي تكبر وهي تشاهد أمها تستخدم هذا الأسلوب مع والدها تتشرب هذه المعاملة وتبدأ لا شعورياً بتقليد أمها، وتلعب نصائح الصديقات التي لا يجب الأخذ بها دوماً دوراً في استخدام النكد كأسلوب لتحصل المرأة على ما تريد من زوجها.

  أيضا تتسبب الرتابة والملل الذي يدخل عش الزوجية في إشاعة جو النكد كما يسهم الضعف أو البرود الجنسي في وجوده بقوة.

  وقد يكون النكد بسبب طبيعة المرأة العاطفية الحالمة التي تجعلها تصدم بالواقع حين تواجه الحياة، حيث تعتقد الكثيرات أن الزواج شهر عسل دائم، ورومانسية لا تنتهي، وحين تدخل هذا العالم وتلمس حجم المسؤوليات الملقاة عليها وصعوبة الحياة بشكل عام يصيبها الاكتئاب ويدخل النكد في حياتها، الذي ينعكس تباعاً على الزوج والبيت والأطفال أيضاً.

   وقد يرجع الزوج السبب كله إلى زوجته ويدَّعي أنه لا يفهم لماذا هي نكدية ولماذا تختفي الابتسامة من وجهها معظم الوقت ويحل محلها الغضب والوعيد ؟! ولماذا هي لا تتكلم؟! لماذا لا ترد؟! والحقيقة أن هذا الزوج لا يعرف أن زوجته بصمتها الغاضب إنما هي تدعوه للكلام.

إنها تصدر إليه رسالة سلبية، ولكن هذه هي طريقتها لأنهما لم يتعودا معاً ـ الزوج والزوجة ـ على طريقة أكثر إيجابية في التفاهم.

 ويقلق الزوج ويكتئب هو أيضاً، ثم يغلي في داخله، ثم ينفجر، وتشتعل النيران، فهي ـ أي الزوجة ـ تصمت وتتجاهل لتثير وتحرق أعصابه وتهز كيانه وتزلزل إحساسه بذاته ليسقط ثائراً هائجاً وربما محطماً.

 وهنا تهدأ الزوجة داخلياً ويسعدها سقوطه الثائر حتى وإن ازدادت الأمور اشتعالاً وشجاراً، تتطاير فيه الأطباق وترتفع فيه الأصوات وهذا هو شأن التخزين الانفعالي للغضب.

بذلك تكون الزوجة قد نجحت، أي استفزته إلى حد الخروج عن توازنه، لأنها ضغطت على أهم شيء يوجع رجولته وهو التجاهل ولكن هذه ليست حقيقة مشاعرها، فهي تغلي أيضاً لأنها غاضبة، غاضبة من شيء ما، ولكنها لا تستطيع أن تتكلم فهذا هو طبعها ربما يمنعها كبرياؤها، فهذا الزوج يخطئ في حقها وهو لا يدري أنه يخطئ، وأن أخطاءه ربما تكون غير إنسانية ربما هو يتجاهلها عاطفياً، ربما هو يتجاهلها فراشياً ربما بخله يزداد ربما بقاؤه خارج البيت يزداد من دون داع حقيقي لذلك ربما أصبح سلوكه مريباً ربماوربما وربما.

 

        ولكنه لا يدري، أو هو غافل، أو هو يعرف ويتجاهل وهو في كل هذا لا يدري أنها تتألم، أي أنه فقد حساسيته، ولكنها لا تتكلم ولا تفصح عن مشاعرها الغاضبة ربما لأنها أمور حساسة ودقيقة، وربما لأن ذلك يجرح كرامتها، وربما لأنهما لم يعتادا أن يتكلما، ولهذا فهي لا تملك إلا هذه الوسيلة السلبية للتعبير  وهي في الوقت نفسه وسيلة للعقاب والتجاهل.

        وإذا بادل الزوج زوجته صمتا بصمت وتجاهلا بتجاهل فإن ذلك يزيد من حدة غضبها وربما تصل هي إلى مرحلة الثورة والانفجار فتنتهز فرصة أي موقف ـ وإن كان بعيداً من القضية الأساسية ـ لتثير زوبعة لقد استمر في الضغط عليها حتى دفعها للانفجار، وضغط عليها بصمته وتجاهله رداً على صمتها وتجاهلها، وتلك أسوأ النهايات أو أسوأ السيناريوهات

        قد يستمر هذا الأسلوب في التعامل والتفاعل سنوات وسنوات، وهذا يؤدي إلى تآكل الأحاسيس الطيبة، ويقلل من رصيد الذكريات الزوجية الحلوة، ويزيد من الرصيد السلبي المر ويعتادان على حياة خالية من التفاهم وخالية من السرور ويصبح البيت فعلاً قطعة من جحيم فتنطوي الزوجة على نفسها واهتماماتها الخاصة، ويهرب الزوج من البيت، وتتسع هوة كان من الممكن ألا توجد لو كان هناك أسلوب إيجابي للتفاهم

        واستمرار حال الاستفزاز معناه تراجع المودة والرحمة، فهناك ألف وسيلة تستطيع الزوجة عن طريقها استفزاز زوجها وكذلك هناك أكثر من ألف طريقة يستطيع بها الزوج استفزاز زوجته، أهمها كما قلنا الصمت والتجاهل والوجه الغاضب والكلمات اللاذعة الساخرة والناقدة والجارحة أو يتعمد أي منهما سلوكاً يعرف أنه يضايق الطرف الآخر أو قد يلجأ كل منهما إلى أسوأ أنواع الاستفزاز وهي إثارة الغيرة والشك والعناد هو شكل من أشكال الاستفزاز، واستمرار الزوجين في العناد معناه عدم النضج أو معناه أن أحدهما يعاني ألماً نفسياً حقيقياً وأن الطرف الآخر يتجاهل عن عمد أو عن غير عمد هذا الألم

        والخطأ الأكبر الذي يقع فيه الزوجان أن يجعلا المشكلات تتراكم من دون مواجهة، من دون توضيح، من دون حوار بصوت عال هادئ، من دون أن يواجه كل منهما الآخر بأخطائه أولاً بأول، من دون أن يعبر كل منهما عن قلقه ومخاوفه وتوقعاته وآلامه وهمومه يجب أن يرفع كل منهما شكواه إلى الآخر بكلمات واضحة وصوت مسموع ونبرة ودودة، ويجب الاستمرار والمثابرة والإلحاح في عرض الشكوى حتى تصل إلى ضمير الطرف الآخر قد يكون تجاهل الزوج لمتاعب الزوجة ليس عن قصد أو سوء نية أو خبث، ولكن لأنه لا يعرف، لا يعلم، لأنها لم تتحدث إليه، لأنها لم تعبِّر بشكل مباشر ربما لأنها تعتقد أنه يجب أن يراعى مشاعرها من دون أن تحتاج هي أن تشير له إلى ذلك، ربما تود هي أن يكون هو حساساً بالدرجة الكافية، ربما تتمنى أن يترفع عن أفعال وسلوكات تضايقها وتحرجها وهذا جميل وحقيقي، جميل أن يكون لديها هذه التصورات وهذه الأمنيات المثالية ولكن الأمر يحتاج أيضاً إلى تنبيه رقيق إشارة مهذبة تلميح راق، كلمات تشع ذوقاً وحياء من دون مباشرة ولا مانع وخصوصاً في الأمور المهمة والحساسة والدقيقة من المواجهة المباشرة والحوار الموضوعي فهذا حق كل منهما على الآخر، وهذا هو واجب كل منهما تجاه الآخر، وهذا هو أصل المعنى في المودة والرحمة لأن الزوجين اللذين وصلا إلى هذه المرحلة من الاستفزاز المتبادل يكون قد غاب عنهما تماماً المعنى الحقيقي للمودة والرحمة.

        وينبغي أن لا يخاف أي من الزوجين تطور الحوار إلى قليل من الانفعال، فالشجار ليس بداية النهاية بل بالعكس بداية استقرار الحياة الزوجية، فعقب كل شجار يسعى الزوج والزوجة جدياً للتوفيق بين طباعهما وميولهما، وحاجاتهما، وطموح كل منهما في الحياة والشعور بخطر المنازعات الزوجية على مسيرة الزواج

        كل هذا ينتاب الرجل أكثر مما ينتاب المرأة، لأسباب كثيرة في مقدمها أن الرجل نفسه هو الذي اختار هذه المرأة من دون سائر النساء لتكون شريكة حياته في حلوها ومرها وكثيرا ما يصدق ظنه، ولكن ما أكثر أيضا ما يخيب ظنه في هذه المرأة، ويكتشف أنه تزوج إنسانة غريبة تختلف عنه في الطباع والميول والنظرة للحياة بصفة عامة

إن أفضل وسيلة لتسوية أي خلاف ينشأ بين الزوجين، هي المناقشة الهادئة بالمنطق والحجة، ومراعاة كل منهما ظروف صاحبه، وأيضا تنازل كل طرف عن جزء من رغباته للوصول إلى منتصف الطريق ومعظم المشكلات بين الزوجين تنبع من اختلاف البيئة التي ينشأ فيها كل منهما، واختلاف الطباع والعادات والميول وغير ذلك وتعتبر النظرة الواقعية للزواج هي المدخل الحقيقي لحل أي مشكلات تواجه الزوجين في بدء حياتهما الزوجية النظرة الواقعية التي ترى حقيقة الزواج أنه ليس مجرد شهر عسل دائم، بل حياة مشتركة فيها الحقوق والواجبات وفيها أيضا المسؤوليات

        ولذلك فعلى الزوجين أن يسلِّمان في أوائل عهدهما بالزواج بأنه لا مفر من المنازعات، ثم يتفقان على أسلوب المناقشة بينهما، والطريقة التي ستتبع في حل خلافاتهما فهناك فارق كبير بين أن يختلف رجل مع امرأته على موضوع معين، ثم يجلس الاثنان معا ويبحثان خلافاتهما بهدف الوصول إلى حل لها وبين أن يختلف الزوجان ثم يتضح أن سبب الخلاف هو رغبة كل من الزوجين في فرض شخصيته أو كلمته على الآخر

وأسوأ ما يمكن أن يحدث بين زوجين أن ينشب بينهما نزاع في مكان عام، أو أمام الأقارب أو الأصدقاء، وما قد يترتب على ذلك من إفساح مكان للغرباء للتدخل ونصرة رأي أحد الزوجين على الآخر، وتكون النتيجة هو أن يتمسك كل طرف برأيه في محاولة لحفظ ماء الوجه، فضلا عما يثيره هذا التدخل من شعور في نفس الزوج والزوجة معا بأنهما أصبحا غريبين، وما يتركه ذلك من رواسب يكون لها أسوأ الأثر في مستقبل العلاقة الزوجية فأي شجار بين الزوجين يجب أن يسوى بينهما من دون أن يتركا المجال لأحد مهما كانت علاقته بالطرفين بالتدخل لفض هذا النزاع