النسيان اعجاز و بيان

النسيان هو فشل فى استرجاع المعلومات التى حفظناها ( أو نعتقد أننا حفظناها) , وهو يمكن أن يحدث فى الشخص العادى فى حدود مقبولة كظاهرة نفسية طبيعية ويمكن أن يحدث نتيجة لبعض الإضطرابات النفسية أو العضوية.



ومع أهمية الذاكرة وفوائدها الكثيرة في حياتنا العامة تأتي كذلك أهمية النسيان , فالنسيان مفيد في كثير من الأحيان بل قد يكون ضرورياً ؛ فالذاكرة في واقع الأمر مزيج من التذكر و النسيان . ولا تعجبن من قولنا أن النسيان ضروري للحياة النفسية لأن ما تقع عليه أبصارنا كل يوم وكل ساعة وكل لحظة لا يدخل تحت حصر وكذلك جميع ما يصل إلينا بطريق الحواس ؛ فلو ذكرنا كل شيء لاختلط الجليل بالتافه وامتزج المفيد باللغو والباطل

ثم إن الحياة بطبيعتها متطورة متغيرة يحتاج فيها المرء إلى ملاءمة نفسه مع هذه الألوان المتغيرة من الحياة فيضطر الى تحرير نفسه من الماضى بنسيانه ليتسنى له التوافق مع الحياة الجديدة . لذلك كان النسيان ضروريا ًلحرية الإنسان فلا يعاود حياته الماضية كما هي.وكثيراً ما يكون النسيان رد فعل طبيعي لسلامة الحياة واستقامتها فقد تمر بالإنسان ذكريات فاجعة كلما استعادها تألم الألم الشديد كالذي ذهبت ثروته أو فقد ابنه الوحيد ؛ فإذا لم يستطيع هذا الشخص النسيان بإرادته فضل الموت على حياة مملوءة بالآلام فأقدم على الانتحار .

والشواهد على ذلك كثيرة في التاريخ نذكر منها مأساة كليوباترا ومارك أنطوان.

و يمكن تقسيم النسيان إلى نوعين رئيسين هما :
1-النسيان غير المرضى.
2- النسيان المرضى.
والتفرقة بينهما مهمة من ناحية التشخيص والعلاج والمآل .

أولا : النسيان غير المر ضى :

لو تخيلنا أن كل الأحداث التى مر بها الإنسان تظل حاضرة بتفاصيلها كاملة فى وعيه فإن ذلك من شأنه أن يسبب مشكلات عقلية ووجدانية هائلة حيث يواجه الجهاز النفسى بكم هائل من المعلومات المتراكمة و ما يصا حبها من مشاعر , وهذا مالا يحتمله الإنسان ,, لذلك فالنسيان له وظيفة هامة( فى حدوده الطبيعية ) وهى طي الصفحات غير المهمة أوغير المطلوبة فى اللحظة الحاضرة حتى يتيح فرصة للمعلومات الجديدة أو المعلومات الهامة أن تظهر على صفحة الوعى الآنى بشكل واضح دون مزاحمة أو تداخل .

والسؤال الآن : هل تختلف درجة النسيان الطبيعى من شخص لآخر ؟

والإجابة : نعم , وهذا يعتمد على شخصية الفرد وعلى نوعية المعلومات وعلى الظروف المحيطة . فبالنسبة للشخصية وجد أن الشخصيات الشكاكة ( البارانويه ) والشخصيات الوسواسية والشخصيات الإنبساطية تكون ذاكرتها للتفاصيل أقوى ونسيانها أقل .

يضاف إلى ذلك أن المعلومات ذات الأهمية الخاصة و المصحوبة بمشاعر عميقة يكون نسيانها أصعب وخا صة إذا كانت الظروف المحيطة تساعد على ذلك من حيث الحالة الصحية للشخص وعدم وجود وسائل تشويش أو تداخل .

وقد حاول علماء النفس تفسير ظاهرة النسيان ووضعوا لذلك ثلاث نظريات هى :

1- نظرية التلاشى والضمور :

ومفادها أن المعلومات التى لا نستخدمها لفترة طويلة تبدأ فى الضمور تدريجيا حتى تتلاشى من صفحة الوعى .

2- نظرية التداخل :

لوحظ أن النوم بعد المذاكرة ( أو حتى الإسترخاء ) يجعل تذكر المعلومات أسهل .. أما مشاهدة التليفزيون أو الجلوس إلى الإنترنت فإنه يحدث تداخلا فى المعلومات وتشويشا عليها . وهناك نوعين من التداخل :

أ- التداخل الرجعى :

حيث تشوش المعلومات المدخلة حديثا علىالمعلومات المكتسبة من قبل

ب- التداخل القبلى :

حيث تجعل المعلومات الموجودة حاليا على صفحة الوعى دخول المعلومات الجديدة صعبا بمعنى أن صفحة الوعى تكون مشغولة أو ممتلئة بالمعلومات القديمة .

3- نظرية الكبت :

فحين ترتبط المعلومات بذكريات مؤلمة لا تحتملها النفس فإن المعلومات وما يصاحبها من ذكريات تلقى فى غياهب العقل الباطن ( اللاوعى ) حتى لاتسبب قلقا للجهاز النفسى.

4- نظرية الجشتالت :

وموجزها أن غياب التنظيم فى إدخال المعلومات يساعد على نسيانها .

ومعرفة هذه النظريات مهم فى عملية تقوية الذاكرة حيث تنبهنا إلى ضرورة استعمال المعلومات وتنشيطها من وقت لآخر حتى لا تضمر , وإلى ضرورة صفاء الذهن قبل وبعد إدخال المعلومات المهمة حتى لا يحدث تداخل أوتشويش , وإلى ضرورة تهيئة ظروف نفسية جيدة أثناء اكتساب المعلومة حتى لا تتعرض للكبت , وأخيرا إلى ضرورة التنظيم والترتيب فى إدخال المعلومات حتى تستقر فى الجهاز النفسى بشكل أفضل .

ثانيا : النسيان المرضى :

وقد تكون أسبابه نفسية أو عضوية , وأحيانا الإثنين معا

الأسباب النفسية : وأهمها القلق والإكتئاب والهستيريا . ففى حالات القلق يحدث نوع من التشتت فى الإنتباه وضعف التركيز والعجلة وعدم التأنى وضعف الإتقان فى استقبال المعلومة وترتيبها وإدخالها , كما أن الخوف المصاحب للقلق يؤثر على كفاءة بقية الوظائف النفسية ويقلل من فاعليتها. أما فى حالات الإكتئاب فإن الشخص المكتئب يعانى من كسل فى جميع الوظائف النفسية والعضوية بما فيها الذاكرة , ويعانى من عدم الإهتمام بأى شئ , فهو
بطئ الكلام والحركة والتفكير , وليست لديه رغبة لعمل أى شئ , وتتبقى فقط ذاكرته للأشياء الحزينة والمؤلمة .

وفى حالات الهستيريا يحدث نسيان مؤقت للماضى بأكمله بما فى ذلك هوية الشخص ذاته , أو يحدث نسيان لفترة محدودة ارتبطت بأحداث مؤلمة .

الأسباب العضوية: مثل تعرض المخ لصدمات أوالتهابات أو أورام أو ضمور , وحالات الصرع المزمن أو الشيخوخة , أو تصلب الشرايين , أو سوء التغذية الذى يؤدى إلى نقص الفيتامينات وخاصة فيتامين ب المركب وبعض العناصر الهامة مثل الفوسفور والحديد والزنك وبعض الأحماض الدهنية والأمينية الهامة .

المصدر:منتدى المدربون المحترفون