النساء والرجال متساوون في التكاليف الشرعية

 

ذكرت في مقال سابق أن 6 % فقط من النساء المسلمات في أمتنا – تقريبا خمسون مليون امرأة - لو يبذلن ساعة واحدة يوميا لخدمة الدين ، يثقلن ميزان عمل الإسلام بـ (ثمانية عشر مليار ساعة في العام) وأكدت أن هذه المليارات الثمانية عشر قادرة بحول الله وقوته على تغيير المعادلة الظالمة التي ترزخ تحتها أمتنا، وأوضحت أن هذا البذل هو دليل ولاء وانتماء لأمتنا ولديننا الذي لولاه ما كنا شيئاً في الدنيا ولن نكون بدونه شيئاً في الآخرة واليوم بإذن الله سنفتح الأبواب! أبواب العمل والبذل للإسلام التي تستطيع المرأة المسلمة أن تدلي بدلوها فيها وأن تشارك فيها مشاركة قوية ومؤثرة، ودون إخلال بمهمتها الأساسية من احتضان وتربية أبنائها وتوفير السكنى لزوجها، وأحب قبل فتح تلك الأبواب أن أذكر بقاعدة شرعية جرى عليها العمل عند علماء الأمة وفقهائها – لأهميتها – وهي أن النساء والرجال متساوون في التكاليف الشرعية إلى أن يرد نص مخصص يوجب على طرف دون الآخر عملاً معيناً، أو ينهى طرفا دون الأخر عن عمل معين.



 

والآن ما هي الأبواب أو المجالات التي تستطيع المرأة المسلمة أن تبذل فيها لأمتها ولدينها بشكل دؤوب ومنتظم غير موسمي أو استثنائي؟

 

أول هذه المجالات هو المجال الاجتماعي: إن واقع الأمة الاجتماعي فيه مشكلات كثيرة وعويصة وتستهلك الفرد وتبتلعه وبالتالي تجعل عطاءه للإسلام صفراً، ولو استطاعت المرأة المسلمة أن تخفف من حدة هذه المشكلات ستريح في الدنيا والآخرة، فأما في الآخرة فبتفريج الكربات وما أعظمها وما أكثرها، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من نفس عن مسلم كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة) وأما في الدنيا فبالإيناس بعون الله في كل خطوة من خطوات الحياة وكفي بذلك فضلاً وكرماً إذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه) وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته) يعني من سعي لقضاء حاجة لأخيه، قضى الله حاجته فالله تعالى لا يعوزه سعي – سبحانه – فأمره بين الكاف والنون، قال تعالى (إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) "النحل / 40" إنها الصفقة الرابحة التي لا يفرط فيها عاقل رجلا كان أو امرأة؟


وإذا كان المطلوب من الأخت المسلمة سبع ساعات في الأسبوع – كما اتفقنا – فسنحاول في عرضنا لكيفية مشاركتها أن نجعل هذه الكيفية واقعية وسهلة التنفيذ، حتى نذلل العقبات ولا نضيف عوائق فوق تلك الموجودة أصلاً، كيف تستطيع امرأة مسلمة أن تساعد أختاً لها فقدت زوجها فصارت أرملة، واضطرتها الحاجة إلى أن تخرج من بيتها لتعمل سعياً وراء رزقها ورزق عيالها الأيتام؟ هناك وجوه عدة من الممكن أن تساعدها بها: منها التصدق عليها بشكل ثابت بالمال الذي يسد رمقها ورمق عيالها – ويبقيها في بيتها راعية لهم مدبرة لأمورهم! وأما إذا لم يتيسر لها ذلك أو لم تستطع أن تبقى على صدقتها بشكل ثابت فتستطيع أن ترعي هي أولادها حتى تعود – أختها الأم - من العمل، إما بضيافة أولادها في بيتها. أو بانتقالها هي إليهم! إنه لن يضير ست نساء مسلمات ظروفهن مناسبة – أن يوزعن أيام الأسبوع الستة غير يوم الإجازة – عليهن. بحيث يسعفن أختهن الأرملة، راعية الأيتام بالشكل الذي ذكرت، ويا حبذا أن يكن قريبات في السكن أو جارات حتى تسهل المهمة أكثر وأكثر، ما الذي قدمته كل واحدة من الأخوات الست، لأختهن صاحبة الظروف الصعبة – بهذا الشكل؟!


على المستوى المادي
: قدمت كل واحدة منهن – السبع ساعات المتفق عليها أسبوعياً (ساعة في اليوم).

 

أما على الصعيد النفسي:

فقد كفلت كل واحدة منهن أيتاماً، فليس المقصود بالكفالة الكفالة المالية. فقط بل يدخل فيها وقبل المال الرعاية والاحتواء والاحتضان النفسي، إن كافل اليتيم والساعي على الأرملة امرؤ تعلق بعروة وثقي، وله أن يستبشر بما يقوم به ما خلصت نيته فيه لله، إذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا). ثم شبك رسول الله صلى الله عليه وسلم بين إصبعيه "السبابة والوسطى" ليدل على ملازمة المقام معه صلى الله عليه وسلم تشريفاً وتكريماً لكافل اليتيم! أما بالنسبة للساعي على الأرملة (سواء كان رجلا أو امرأة، كما هي الحالة التي نحن بصدد الحديث عنها) فلها أجر المجاهد في سبيل الله، وكما هو معلوم فالجهاد في سبيل الله عمل لا يدانيه عمل آخر لا في فضله ولا في ثوابه، إن الله برحمته سيحفظ لهذه الأخت المسلمة التي ساعدت أختها وكشفت عنها كربتها خيرها الذي بذلته في أولادها، وسيشكر لها بهذه الساعة التي قدمتها يومياً والتي بها طمأنت أم على أبنائها وأمنت بها روعتها عليهم في غيابها، سيجزيها الله خيراً على هذه الساعة التي حفظت بها أولاد المسلمين من أن تبعثر معنوياتهم أو أن تكرس عندهم العقد النفسية نتيجة لغياب أمهم الاضطراري عنهم، قال تعالى (وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) المزمل 20.


قد تتساءل قارئة أو قارئ. فيقولان وما الذي استفاده الإسلام بهذا البذل الذي يبدو ظاهرياً أن منافعة فردية عائدة على من قدم له أو قدمه؟ إن الإسلام استفاد من عدة زوايا. وفي اتجاهات متعددة منها تربية هؤلاء الأيتام تربية سوية تحفظهم من أن يكونوا معول هدم في مجتمعهم بقابلية الميل للسلوك العدواني، ومنها تخفيف العبء على الأم بما يتيح لها فرصة تعلم الإسلام والبذل له، ومنها إعطاء القدوة والمثل للمرأة المسلمة المتدينة، التي تدعو بالأفعال لا بالأقوال فقط، الأمر الذي من شأنه أن يعلي قيمة الدين والتدين في نفوس الأبناء والأم جميعاً فيلجأون إليه حباً وتقديراً لما لمسوه من صاحباته ذوات الهمم العالية.

 

لقد نقشت الأخت المسلمة بهذا البذل في عقلية الأبناء وأمهم ونفسيتهم، أن الخير مرتبط بالإسلام وليس بغيره، لقد وطدت علاقتهم بالإسلام وأحكمت صلتهم به وضمنت بذلك المستقبل للإسلام لأنها جعلت من قضية انتماء هذه المرأة وأبنائها للإسلام ولأمته قضية محسومة لصالح الإسلام لقد أضافت هذه الأخت ببذلها جنوداً أخر للإسلام هو في أشد الحاجة إليهم وصدق من قال: إن عمل الرجل في ألف رجل خير من قول ألف رجل في رجل" وللحديث بقية بإذن الله تعالى، والسلام عليكم ورحمة الله

وبركاته.  

 

كتبه الأستاذ عمرو خالد لمجلة المرأة اليوم بتاريخ 27/4/2004