الممرات البرية: أنواعها ومستخدموها وأهميتها

هل رأيت مرةً جسراً معلَّقاً يكسوه التراب والنباتات ماراً فوق طريقٍ معبَّدٍ، أو أنفاقاً تحت الطرقات تبدو وكأنَّ البشر لا يمرون فيها، أو حتى سبلاً واسعةً بين الغابات والحقول تمر فيها أو تعيش حيواناتٌ ونباتاتٌ من مختلف الأنواع؟ تدعى هذه الطرقات بالممرات البرية.



ممرات الحياة البرية وتُعرَف أيضاً باسم الممرات الخضراء؛ فهي مناطقٌ تعمل بوصفها أماكن انتقالية آمنة للحيوانات المهاجرة، وفي بعض الأحيان قد تعيش الحيوانات وتزدهر في هذه المناطق إلى أجلٍ غير مسمى، ومن خلال المحتوى الآتي من هذا المقال، سنتعرف إلى ممر الحياة البرية وأنواعه المختلفة وفوائده ومستخدميه وغيرها المزيد؛ لذا تابعوا معنا.

أنواع الممرات البرية:

يمكن تصنيف ممرات الحياة البرية عموماً إلى نوعين، وهما ممراتٌ طبيعيةٌ وممراتٌ من صنع الإنسان، وفي هذا القسم سوف نتعرف إليها بالتفصيل:

الممرات البرية الطبيعية:

إذا تم إنشاء ممرٍ للحياة البرية بشكلٍ طبيعيٍ بسبب خصائصَ جغرافيةٍ محددةٍ مثل الجبال والغابات الكثيفة، فيمكن تصنيفه بوصفه ممراً طبيعياً؛ إذ تمتد هذه الممرات عادةً لأكثر من 900 كم، وتغطي أكثر من 50000 كم من حيث المساحة الإجمالية.

الممرات البرية الطبيعية

تُعَدُّ المناطق المشاطِئة "تقع بمحاذاة ضفاف الأنهار" الحالية في بيئتنا مثالاً ممتازاً للممرات الطبيعية؛ إذ توفر هذه المناطق نباتاتٍ وأراضي وافرةً، وتضمن ممراً أكثر أماناً للأنواع التي تنتقل من منطقة تجمعٍ إلى أخرى.

نظراً لدرجة الحماية التي توفرها، تُعَدُّ هذه المناطق المشاطِئة ممراتٍ طبيعيةً أفضل من غيرها، وتشمل الأمثلة الشائعة للممرات الطبيعية مناطق الفراشات المشاطِئة ومسارات هجرة الطيور في أمريكا الشمالية وممرات المحيط الهادئ الشهيرة.

الممرات من صنع الإنسان:

إنَّ الممرات التي من صنع الإنسان هي ممرات الحياة البرية التي أنشأها البشر لدعم التنوع البيولوجي والحفاظ عليه، وأكثر الممرات التي من صنع الإنسان شيوعاً هي الممرات العلوية والسفلية التي يتم إنشاؤها على الطرق، وتشمل الممرات الأخرى الأسيجة المتوفرة في الأراضي الزراعية الريفية والحدائق الصغيرة.

الممرات من صنع الإنسان

والغرض الأساسي من هذه الممرات هو تسهيل حركة الأنواع البرية التي شهدت تجزئةً في الموائل بسبب التحضر أو ​​تحسينات البنية التحتية، وتُعَدُّ جسور "بانف" للحياة البرية و"طريق النحل السريع" في النرويج بعض الأمثلة الشائعة للممرات التي من صنع الإنسان.

مستخدمو الممرات البرية:

يمكن تصنيف مستخدمي ممر الحياة البرية إلى فئتين، هما السكان ومستخدمو الممر، فقد يظل سكان ممر الحياة البرية في الممر لفترةٍ غير محددةٍ، ويمكن أن تتراوح بين يومين إلى سنواتٍ عديدةٍ، فالبرمائيات والأشجار والزواحف والثدييات والحشرات هي بعضٌ من سكان ممر الحياة البرية.

من ناحيةٍ أخرى، فإنَّ مستخدمي الممر هم نوعٌ من الأنواع التي تبقى مؤقتاً في الممر في وقت العبور، في حين أنَّهم يحتاجون في المقام الأول إلى هذه الممرات في أثناء هجرتهم، فقد يحتاجون إليها أيضاً في أثناء وجودهم وسط نطاقٍ واسعٍ من المنازل.

المستخدمون الشائعون لممرات الحياة البرية هم الحيوانات العاشبة الصغيرة والكبيرة، والحيوانات آكلة اللحوم متوسطة الحجم، وأيَّة أنواعٍ حيوانيةٍ أخرى مهاجرةٍ بطبيعتها؛ إذ يحتاج ممر الحياة البرية إلى كل ما تتطلبه أنواع الحياة البرية للبقاء الصحي، وهذا يشمل التربة المناسبة لعملية الإنبات والثقوب الواسعة لاحتياجات الحفر.

إقرأ أيضاً: 8 بلدان تمتلك أكبر مساحة مياه داخلية في العالم

أهمية ممرات الحياة البرية:

تتعدد فوائد ممرات الحياة البرية كثيراً، وفي هذا القسم سنتعرف إلى المزيد عنها:

الممر الآمن:

أهم ما يميز ممرات الحياة البرية هو حقيقة أنَّها تساعد على الحفاظ على الحياة البرية النادرة وسط المجتمع البشري؛ إذ تساعد الحيوانات على البقاء على قيد الحياة مع توفير ممرٍ آمنٍ لها في أثناء الهجرة، وهذا هو السبب في أنَّ ممرات الحياة البرية مفيدةٌ خاصةً للأنواع المهاجرة مثل الذئاب والأيائل والدببة وغيرها.

تعزز التنوع الجيني:

توفر ممرات الحياة البرية الملاذ الذي تكون الحيوانات التي تعيش في المناطق المهددة بشدةٍ من قِبل الحيوانات المفترسة والمتسللين الآخرين بأمسِّ الحاجة إليه، إضافة إلى ذلك فإنَّها تعزز أيضاً التنوع الجيني بين الحيوانات "عندما تبقى الحيوانات في موطنٍ معينٍ على نطاقٍ واسع، فإنَّها تميل بطبيعتها إلى زواج الأقارب"، لذلك مع مرور الوقت، يمنع هذا الاضطرابات الوراثية ويجعل هذه الحيوانات أقل عرضةً للأمراض الوراثية والمميتة.

تمنع التجزئة:

ومن أبرز ما يميز هذه الممرات أنَّها تساعد على معالجة مشكلة تجزئة الموائل، وهذا هامٌ لأنَّ الحيوانات المعرضة لتجزئة الموائل تصبح أكثر عرضةً للكوارث الطبيعية وكذلك الافتراس.

تساعد النباتات على الازدهار:

كما هو الحال مع الحيوانات، تقدِّم ممرات الحياة البرية فوائد هائلةً لمختلف أنواع النباتات، فهي تساعد النباتات على النمو والازدهار في بيئةٍ محميةٍ وصحيةٍ.

تمنع الاصطدام بين الحيوانات والمركبات:

من الجدير بالذكر أنَّ الممرات البرية مفيدةٌ أيضاً للبشر، فعندما يتم إنشاء ممرٍ سفليٍ أو ممرٍ علويٍ للحياة البرية، فإنَّه يقلل على الفور من احتمالية اصطدام السيارة بحيواناتٍ ضخمةٍ.

وفقاً لشركة التأمين الحكومي على المزارع بالولايات المتحدة الأمريكية، كانت هناك الملايين من حالات اصطدام الغزلان بالسيارات، وقد ارتفعت الأرقام بنسبة 20% على الأقل في السنوات القليلة الماضية.

فلا تؤذي حوادث المركبات هذه مالك السيارة والحيوان فقط؛ بل تؤدي أيضاً إلى زيادة نفقات التأمين والإصلاح، ويمكن للممرات البرية منع هذه المشكلة والحد منها تقريباً عن طريق إنشاء مساحةٍ آمنةٍ للحيوانات الكبيرة والصغيرة.

تقلل من التفاعل بين الإنسان والحيوان:

تشتهر هذه الممرات بتقليل التفاعلات بين الحيوانات والبشر، ويتم ذلك عن طريق إنشاء مكانٍ آمنٍ لصيد الطعام للحيوانات المفترسة مثل الدببة الرمادية، ففي حال قلَّ التفاعل بينهم، يقل تهديدها على الناس بشكلٍ أكبرٍ.

تمنع زحف الحياة البرية وسط الكوارث الطبيعية:

أخيراً قد تقلل ممرات الحياة البرية من زحف الحياة البرية إلى المناطق المأهولة بالسكان في أثناء حدوث حريقٍ هائلٍ أو أيَّة كارثةٍ طبيعيةٍ مماثلة.

إقرأ أيضاً: بالصور: أطول الأبراج في العالم

مخاوف بشأن الممرات البرية:

من أكبر المخاوف بشأن ممرات الحياة البرية هو الافتقار إلى الأموال الكافية لإجراء الأبحاث والتطوير عليها؛ إذ تجد العديد من المنظمات التي تناقش وتروج لفوائد ممرات الحياة البرية صعوبةً بالغةً في الحصول على تجاوباتٍ مناسبةٍ، ونظراً لأنَّ معظم الناس ليسوا على درايةٍ بهذه الممرات، فإنَّ الحصول على الأموال اللازمة لبنائها أمرٌ صعبٌ بنفس القدر.

سنناقش فيما يأتي الاهتمامات الحيوية الأخرى لممرات الحياة البرية:

  • ينبغي إنشاء ممراتٍ للحياة البرية لأنواعٍ حيوانيةٍ معينةٍ، وهذا سوف يمهد الطريق لتحسين حفظ هذه الأنواع، ونظراً لأنَّ العديد من ممرات الحياة البرية قريبةٌ من طرقٍ مزدحمةٍ أو أماكنَ بها عددٌ كبيرٌ من السكان، فإنَّ العديد من الأنواع تخاف من تلك المناطق، وهذه مسألةٌ يجب أن تؤخذ في الحسبان.
  • مصدر قلقٍ رئيس آخر بشأن ممرات الحياة البرية هو حقيقة أنَّها قد تؤدي إلى ارتفاع معدلات الافتراس، فإذا انتشرت فريسةٌ عبر ممرٍّ، فستكون بمنزلة مكانٍ مثاليٍ للحيوان المفترس للاستفادة منه، ولكنَّ هذا القلق لم يثبت بأدلةٍ علميةٍ، ولم يكن هناك أي دليلٍ قويٍ على زيادة معدلات الافتراس بسبب وجود الممرات.
  • يجب أن تكون الممرات أيضاً واسعةً للغاية للحفاظ على نفس تأثير البرية وشكلها، وللأسف مثل هذه الأراضي غير متوفرةٍ على نطاقٍ واسعٍ، وحتى عندما تكون كذلك لا يُسمح باستخدامها بوصفها ممراتٍ للحياة البرية.
  • في أثناء إنشاء ممرٍ للحياة البرية، يجب على السلطات المسؤولة تقديم موطنٍ مماثلٍ للموطن الأصلي السابق لهذه الأنواع، وما لم يتم اعتماد هذا الإجراء، سيبدو الممر غير طبيعيٍ بالنسبة إليها.
  • يجب إجراء الأبحاث المناسبة لمعرفة المزيد عن عادات هجرة الحيوانات، ومن الهام أيضاً البحث في المزايا العامة لممرات الحياة البرية؛ إذ يساعد هذا على التأكد مما إذا كانت تستحق التأسيس في المقام الأول أم لا، بالإضافة إلى ذلك يجب الحفاظ على ممرات الحياة البرية الحالية بشكلٍ جيدٍ؛ لأنَّها وحدها تضع حجر الأساس للحفظ النهائي للحيوانات المحلية.

تعمل منظماتٌ مثل (Florida Wildlife Corridor) على الحفاظ على الحياة البرية من خلال هذه الممرات، وقد حاولت النشاطات البيئية الداعمة مراراً وتكراراً زيادة الوعي المناسب المتعلق بالتخطيط وأهمية إنشاء هذه الأماكن الآمنة.

حتى الآن، ساعدوا بنجاحٍ على إنشاء ممراتٍ عبر أجزاء عديدة من "فلوريدا"، ومع مرور الوقت يتطلعون إلى الخروج بمزيد من الحملات لبناء ممراتٍ للحياة البرية في "ألاباما" و"جورجيا" وأجزاء أخرى من الولايات المتحدة.

في الختام:

تُعَدُّ ممرات الحياة البرية بمنزلة موطنٍ ممتازٍ للنباتات والحيوانات في جميع أنحاء العالم، ونحن بأمسِّ الحاجة إلى اتخاذ تدابيرَ ملموسةٍ لإنشاء المزيد من هذه الممرات لأنواع مختلفةٍ من النباتات والحيوانات لدرء الأخطار البشرية عنها والمحافظة عليها من الانقراض.

المصدر




مقالات مرتبطة