المقارنة لص يسرق السعادة من حياتك

"فلان أفضل من فلان"، كثيراً ما تتوارد هذه الجملة إلى مسامعنا في مجالس النقاش؛ وغالباً ما تكون غير مُنصِفة بحق ذلك "الفلان"! ولكن هل فكَّرنا كيف هي وقع المقارنة في نفس المستمع، وخاصةً إذا كان هو الشخص المعني؟ أمّا الأصعب فهو حينما تتّخذ من مقارنة نفسك بالآخرين عادةً تمارسها، ظناً منك بأنَّها تساعدك على التطوّر؛ هذا إن جرى أخذها بشكلٍ واعٍ، وهو ما لا يحدث إلا نادراً.



أما في المجمل، تعمل مقارنة نفسك مع الاخرين بالبخس من قيمتك، ولن تجعلك ترى إلا الجانب المظلم في شخصك وقدراتك. ولك أن تتخيّل لو استخدم الأهل أسلوب المقارنة بين الأبناء، فماذا ستكون النتيجة؟ أو أن يقوم المعلمون بمقارنة الطالب المتفوق بآخر يعاني من بعض الصعوبات؛ ليس لأنَّه لا يفهم، ولكن لأنَّه يحتاج لمن يتفهم ظروفه، ويضيء شعلة الرغبة والثقة فيه ليُدهش الجميع بقدراته.

دعونا نتعرّف الآن على بطلات قصتنا التي تتمحور حول ثلاث فتيات: سارة، وليلى، وفرح، واللواتي تجمعهن تحدّيات حول المقارنة غير العادلة بحقّ أنفسهن، والتي يقوم بها أغلبنا من نَوَاحٍ عِدّة!

سارة:

انتقلت سارة -وهي طالبة متفوقة في الثانوية- مع عائلتها إلى مدينةٍ جديدة؛ لأنَّ والدها أتيحت إليه فرصة عملٍ ستُحسّن وضعهم المالي كثيراً، وتعرفت على صديقاتٍ من فصلها الجديد؛ ممن يعشقن الموضة والأزياء، وكل ما يخصّ الجمال. لقد كُنَّ يُمضينَ ساعات في مشاهدة فيديوهات تعليم المكياج، ومتابعة الفاشنيستات "Fashionistas" ومؤثري مواقع التواصل الاجتماعي، لدرجة أنَّ المدرسة والتعليم بات مُدرجاً في آخر قائمة اهتماماتهن. حيث بات يبدأ حديث الصباح عمّا فعلته هذه الفاشينستا "Fashionista" أو هذه المشهورة، وهل اشتريتِ عطرها؟ أو هل جربتِ القيامَ بتجميل وجهك؟

تأثرت سارة بهنّْ -وسارة بالمناسبة، على قدرٍ كبير من الجمال- وأصبحت تتابع هي وصديقاتها الفتيات المؤثرات على مواقع التواصل الاجتماعي بشكلٍ مبالغٍ فيه، وتقارن حياتها بحياة هذه المشهورة، أو حياة صديقاتها. وتذهب لوالدتها لتشتكي من أنَّها ليست جميلة، وتود شراء المنتج الذي رأته في الإعلان؛ حتى تزاد جمالاً. وتعيبُ حياتها وتقول لوالديها أنَّها تشعر بالملل، وتفصحُ عن رغبتها في السفر إلى إسبانيا كما فعلت صديقتها ياسمين في إجازة الصيف.

في الواقع، لا تعلم سارة أنَّ ياسمين أجرت عملية دقيقة في عينيها؛ بسبب استخدام عدسات لاصقة رديئة سبق أن روجت لها إحدى مؤثراتِ مواقع التواصل الاجتماعي.

ليلى:

تهوى ليلى التصوير، وهي فنانةٌ بالفطرة، وتمتلك نظرةً جماليةً مختلفةً ومميزة؛ فهي تستطيع التقاط صورٍ في مخيلتها، لتترجمها على أرض الواقع إلى لوحاتٍ فنيّةٍ مبتكرة. وقد شاركت في عدّة معارض.

عيب ليلى أنَّها لا تكف عن مقارنة أعمالها بأعمال زملائها من محترفي التصوير، والذين وصلوا إلى درجةِ الاحتراف بعد الكثير من الدورات والممارسة العملية، أو من خلال السفر لتعلّم آخر التقنيات في هذا المجال.

لم تطوّر ليلى نفسها، واكتفت بموهبتها ولم تصقلها إما بالدراسة أو حضور دورات، أو حتى الاستفادة من التقنيات التي قد تعلَّمها زملاؤها. فكان كلّ ما تفعله حينما تتلقى دعوةً لحضور أحد المعارض، هو مقارنة أعمالهم بأعمالها، لتُدخِلَ نفسها حينئذٍ في دوامةٍ من الاكتئاب وتحطيم الذات.

فرح:

هي أمٌّ لأول مرة، ولديها طفلان توأمان انشغلت معهما كثيراً في الشهور الأولى، فابتعدت عن صديقاتها وحياتها المليئة بالنشاطات وتنظيم الفعاليات المتعلقة بالأعمال الخيرية؛ والتي كانت تشكل معظم حياتها.

قرّرت صديقاتها في أحد الأيام بأن يُفاجِئنها بزيارةٍ لتفقد أحوالها وتشجيعها على العودة لنشاطها السابق. سمعت فرح قَرْعَاً على الباب، ولكنَّهُ ليس بالغريب، فلصديقاتها طريقتهنَّ الخاصة في قرع الباب قرعاً أشبهَ بدقِّ طبول الفرح، فهنَّ شعلةٌ من النشاط والحيوية التي باتت تفتقدها أم أحمد بسبب حياتها التي انقلبت رأساً على عقب.

وبعد أن فتحت الباب، اختلطت مشاعرها بين السعادة والذهول والدموع، وجلست الفتيات في الحديقة وكانت نسمات الهواء الباردة فرصةً لاحتساء قَدَحٍ من الشوكولا الساخنة، تماماً كما كنَّ يفعلن في هذه الأجواء سابقاً.

تبادلن خلال اجتماعهن أطرافَ الحديث، وحان وقت المهمّة الأساسية؛ ألا وهي إقناعُ فرح بالعودة تدريجياً لأعمالها. وكانت الصدمة حينما انهمرت الدموعُ من عَينَي فرح، وبدأت تقارن حياتها قبل الإنجاب بحياتها بعد الإنجاب، وكيف أنَّها تشعر بالفشل وعدم الفائدة من حياتها! إذ تتلخّص مهمتها الاّن في رعاية أطفالها، وواجباتها كزوجةٍ وربّة منزل، ولا تستطيع أن تستقطع وقتاً لنفسها لكي تُدِيرَ مشاريعها، رغم أنَّ لديها عاملتين، وتساعدها والدة زوجها الحنونة في الاهتمام بصغارها.

إقرأ أيضاً: 6 أسرار تمنحك الثقة بالنفس

بعد أن استعرضنا قصة كلّ من سارة وليلى وفرح، هيا لنكتشف سويةً بعض المهارات التي تزيد رضانا وثقتنا بنجاحاتنا الشخصيّة دون مقارنة أنفسنا بالآخرين، وتساعدنا على الاستفادة والتعلّم من تجاربهم؛ كي نطوّر ونَصقُلَ مهاراتنا وقدراتنا:

1. طوّر مهاراتك حتى تصبح متمكّناً بحرفيّةٍ عالية:

يعتمد بعض الأشخاص على موهبتهم، أو يكتفون بالمرحلة التي وصلوا إليها، دون مواكبة التطوّر. لنأخذ ليلى مثلاً، فهي لا ينقُصُها سوى التدريب وتَعَلُّم مهاراتٍ وتقنياتٍ جديدة في التصوير، حتى تُضِيفَ الحرفيّة والتميز إلى موهبتها. ولنضرِب لكم مثالاً آخر: وهي شركة نوكيا التي لم تكمل مسيرتها في عالم الهواتف الذكية؛ لأنَّها ابتعدت عن التطوّر المتسارع الذي طرأَ على سوق الهواتف المحمولة. باختصار؛ كن مُنفتحاً على الجديد، وخُذ منه المفيد.

2. اقرأ ثم اقرأ:

احرص على ألّا تكون نفس الشخص بعد قراءة كتاب؛ إذ سوف تولد من جديدٍ بعد كلّ معلومة، وسيُضيف كلّ كتابٍ لحياتك ويُغيّر أفكارك ويُصحّح معلوماتك، أو يُنِيرَ بصيرتك بما كنت غافلاً عنه، أو يُبهِركَ بعجائب الكون التي أبدعتها يدُ الخالق.

لنأتي لفرح، فقد كانت لديها فرصةٌ ذهبية للقراءة في أوقات الفراغ، أو الاستماع للكتب الصوتية؛ حتى تستفيد من وقتها وتتعلم أشياء جديدة؛ من خلال تصفح المواقع والحسابات المفيدة.

إقرأ أيضاً: أربع طرق لاختيار كتابك القادم

3. اعلم أنَّ الآخرين لا يعيشون حياةً مثالية:

لا تعتقد أنَّك الوحيد الذي يواجه تحدّيات على كافة المستويات، ولا تظنّ أنَّك الوحيد الذي لا تخلو حياته من المنغصات أحياناً؛ فحياة صديقات سارة ليست بالحياة المثاليّة، فصديقتها ياسمين كادت أن تفقد إحدى عينيها بسبب منتجٍ رديء سُوِّقَ له من خلال مشاهير التواصل الاجتماعي الذين أعماهم الطمع بالمال والشهرة.

4. كُن عبداً شكوراً:

قال الله تعالى في مُحكَمِ تنزيله: "لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ"، أي أنَّك كلما شكرت وحمدت الله؛ بارك لك فيما أعطاك، واستمتعت بما منحك من فضل كرمه؛ فعدم الرضا ومراقبة ما لدى الغير من نِعَم، سيقضي حتماً على جودة حياتك، ويُدخلُ الحسد إلى قلبك.

رغم أنَّك قد تكون تمتلك أكثر مما يملكه الطرف الآخر، ولكنَّكَ تحصرُ زاوية اهتمامك به دون أن تركز على نفسك. لذا أمسك ورقةً وقلماً وأحصي نِعَم الرحمن عليك، وتأملها يومياً وابتسم.. فبالحمد تدوم النعم.

5. قارن نفسك بين اليوم والأمس، واصنع مستقبلاً أفضل:

إذا كنت ترغب بالمقارنة حقاً، فكل ما عليك فعله هو أن تقارن نفسك بما حققته في العام الماضي. قارن نفسك بالأمس، أو بالشهر الذي مضى، وألقِ نظرةً على تحدياتك التي جعلتك تُخفِق، وفكر كيف تتداركها، واعلم ما هي محفزاتك التي جعلتك تُنجِز وتنجح. ثق تماماً بأنَّك الوحيد القادر -بطريقة تفكيرك- على غَلقِ أو فَتحِ باب النجاح في حياتك.

المقارنة لصٌّ يسرق السعادة من حياتك. فلماذا تعتقد أنَّك أقل من الآخرين بسبب توقعاتٍ واهية لا تُمثِّلُك؟ ولماذا تضع عينيك على الأشخاص الذين برزوا أو نجحوا، وتملأ قلبك بالغل والكره؟ ولماذا لا تقف بصف نفسك وتصبح صديقاً لها، لا عدواً مدمِّراً ومُحبِطاً؟

إقرأ أيضاً: قصص نجاح نسائية: كيف تثبتين خطأ من يُقلّل من شأنك؟

تمنّى الخير لغيرك، وساعِد الآخرين؛ فالقمّة تَسَعُ كلّ مجتهد. واعمل من كل قلبك وروحك؛ لتفوز وتحظى بما أنت أهلٌ له. وعندما تُركّز على حياتك وتطور من قدراتك، لن يكون لديك متسعٌ من الوقت لعقد مقارناتٍ عديمة الفائدة؛ لأنَّك ستصبح مشغولاً في تحقيق أهدافك.




مقالات مرتبطة