المعيــار الإسلامي للخير والشّر

 

في الإسلام عندما يكون شئ ما محرما فهو شر ولكن قد يأتي ظرف معين أو حاجة معينة يكون فيها الحرام حلالا , (إنما حرم عليكم الدم والميتة ولحم الخنزير وما أهل به لغيرالله فمن إضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم)(البقرة 173) .


 

فالشئ قد يكون شرا بلحاظ طبيعته , وقد يكون خيرا إذا كانت هناك مصلحة بحيث تتغلب على المفسدة الموجودة فيه , كما هو الحال فيما يسمى بـ (قاعدة التزاحم) .
هذا هو المعيار في الخير والشر , ولا نريد أن نبقى في التنظير , بل نريد أن نتحرك في الواقع, فمن الطبيعي أن من يمارس الشر فهو شرير , وأن من يمارس الخير فهو خيّر, وربما تكون هناك بعض الأعمال التي تمثل مستوى عاليا في الشر أو مستوى عاليا في الخير وهذا ما وردت فيه عدة نصوص في الكتاب والسنة فيمن هو شر الناس , ففي الكتاب (إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون) (الأنفال 22) .
وهذه إشارة للإنسان فالله خلق كل دابة من ماء فبعضهم يزحف على بطنه وبعضهم يمشي على أربع وبعضهم يمشي على رجلين, فكلهم دواب والدابة هي ما دب على وجه الأرض من مخلوقات الله تبارك وتعالى , وهذا كناية عن الأشخاص الذين لديهم السمع ولكن لا يسمعون لأنهم لا يحرمون أسماعهم فيما يرفع مستوى عقولهم , وبالتالي يرفع مستوى حياتهم ومستوى حياة الناس من حولهم .
أن الذين ينطقون ولكنهم لا ينطقون بالكلمة التي تنفع الناس , بل كلامهم هجو ولغو , ولذلك عبّر الله سبحانه وتعالى عنهم بأنهم الصم البكم , والأصم هو الذي لايسمع والأبكم هو الذي لا ينطق لأن معنى أن تكون سميعا هو أن تعرف قيمة سمعك فيما يتصل بإنتاج الحياة من خلال ما تسمع.
وهكذا الأمر بالنسبة إلى النطق , فقيمة النطق هي أن تستعمله وسيلة من أجل إغناء عقول الناس وقلوبهم وحياتهم بما ينفعهم ويرفع مستواهم فإذا كان سمعك لاينفتح إلا على اللغو , وإذا كان كلامك لا يتحرك إلا باللغو فمعنى ذلك أن سمعك ليس منتجا وأن لسانك ليس منتجا , بل وجوده كعدمه تماما كالأصم الذي لا يسمع والأبكم الذي لا ينطق , وقد ورد في القرآن أيضا (ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها) (الأعراف179 ) .
وركز على الصم البكم الذين لا يعقلون , أي الذين لا يتحرك العقل فيما يسمعون ليسمعوا ما ينتجه لهم عقلا من خلال ما يختزنه من عقل , وليتكلموا بما ينتج للناس عقلا من خلال ما يختزنه من عقل , فهؤلاء هم شر الناس , والشريّة هنا في اللاعاقل وفي تحريك طاقتك فيما لا يحقق للحياة إنتاجا بل يسبب لها ضررا لأن الله سبحانه وتعالى أعطانا كل هذه الطاقات من أجل أن تكون عنصر إنتاج للحياة, فأنت حي ومسؤولية حياتك أن تعطي من حياتك حياة لأن الله أعطاك الحياة وعليك أن تحركها لتصنع منها حياة اوسع وأغنى .
فليست المسألة هي أن تلد إنسانا بل هي أن تلد فكرا وأن تلد خطا ومشروعا وهدفا وأسلوبا مما ينفع الناس (فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض)(الرعد 17) .
فالمهم هو أنك عندما تفارق الحياة فليس الأمر في مكوث جسمك في الأرض ولكن في مكوث عقلك وفكرك في الأرض من أجل أن تخضرّ الأرض العاقلة العالمة الحركية بما عندك هنا وهناك .
 المصدر: شباب عالنت