المشاكل الزوجية: أسباب الخلل في العلاقة بين الزوجين

من الأمور التي تشكل حياة البشر، وتساهم في الكثير من الصعوبات في الحياة، هي المشاكل اليومية بشكل عام والمشاكل الإجتماعية والأسرية والزوجية بشكل خاص ، ولا شك أن للمشاكل الزوجية إرتباطا متبادلا مع المشاكل النفسية ، فقد تكون المشاكل الزوجية هي السبب في الإضطرابات النفسية أو أنها تنتج عنها،وفي بعض الأحيان تختلط الأمور بحيث لا يمكن التفريق بين المشكلة النفسية والمشكلة الزوجية ، كما أن المشاكل الزوجية يمكن أن تكون سبباً لمعاناة الأطفال ومشاكلهم العاطفية والسلوكية والدراسية في مختلف مراحل أعمارهم.



يجتهد الناس في إختيار شريكة أو شريك الحياة، ويعتمد الأفراد على مخزونهم الثقافي ومعلوماتهم العامة ومشاهداتهم اليومية ، وأحياناً ثقتهم الزائدة في إختيارهم ، ومع كل ذلك فإن الإختيار قد يكون فيه بعض الصعوبة وخصوصاً التوافق بين الطرفين ، فمن المفترض أن الفروق البسيطة في العمر لا تؤثر على العلاقة الزوجية أما إذا كان الفرق كبير مثل زواج فتاة في العشرين من رجل في الستين، فإن مشاكل كثيرة قد تنتج عن ذلك ، وفي أحيان نادرة و برغم فارق السن إلا أن نظرة كلا الطرفين لهذا الأمر تكون إيجابية بحيث أن هذا الفارق لا يؤثر سلباً على الحياة الزوجية ، أما الثقافة والتعليم فمن المفترض أن فروق التعليم لا تكون كبيرة مثل زواج الأمية من حامل الدكتوراة ، والفروق العادية لا يجوز أن تكون سبباً للخلاف إلا إذا كان هناك تركيز عليها، ومن المفروض بأن الأشخاص الذين يعتبروا موضوع الثقافة والتعليم والدرجة العلمية مهمة أن يراعوا ذلك في إختيار الزوج أوالزوجة ، 

وبالنسبة للتفاوت بين المستوى الإجتماعي والخلفية الثقافية لكل أسرة أو عشيرة لا بد أن تؤخذ بعين الإعتبار، خصوصاً أن الزواج في مجتمعنا العربي لا يعني زوجين منفصلين بل يعني علاقة طويلة متشابكة بين عائلتين أو عشيرتين ، فعلى سبيل المثال فإن التفاوت في درجة الحرية والتحرر التي تمارسها الأسرة في مجتمعنا الأردني كبير من أسرة لأخرى، وبالتالي فإن فتاة من أسرة محافظة جداً وشاب من أسرة متحررة جداً يصعب بينهما التفاهم، ويتحدث الكثير عن الإنسجام في الشخصية والطباع ، ولا شك أن التفاوت في شخصيات البشر لا حدود له ،وليس من المفترض أن تتطابق شخصية الزوج مع شخصية الزوجة كما يعتقد البعض ، ولكن المطلوب الإنسجام بين هاتين الشخصيتين بما في ذلك الإتفاق حول نقاط الخلاف، وقد لا يكون هناك داعي لتغيير نقاط الخلاف إذا لم تكن جوهرية وتمس أساس العلاقة الزوجية. 

يتحدث الناس عن الحب في الإختيار ومشاعر الحب من المشاعر التي يصعب تعريفها، ويفهمها كل إنسان بطريقة تختلف عن الآخرين ، ولو بحثت في المعاجم لوجدت أن الحب يعرّف على أنه شعور لدى الشخص يصفه بأنه حب ، وبالتالي فإن هذه المشاعر شخصية ويعرفها صاحبها وتبدأ هذه المشاعر بالإرتياح لشخص معين ثم الإنجذاب له ، ولا بد من إعطاء هذه المشاعر دور عند الإختيار ، ولكن من الصعب القول أن المشاعر وحدها كافية لتلغي البنود الأخرى.

الخلل في العلاقة بين الزوجين:

قد يحسن كل من الزوجين الإختيار وتبدأ رحلة العمر سوياً ولكن ما تلبث أن تتعثر وتبدأ الخلافات والنزاعات، منها البسيط العابر ومنها الشديد المستمر، والذي قد يؤدي إلى علاقة سيئة وإنفصال وطلاق ، وعند الخوض في أسباب الخلافات الزوجية نلاحظ أن هناك عشرة عوامل مختلفة يمكن أن تكون أساساً لهذا الخلل:

1- عدم التكيف والتأقلم مع الطرف الآخر:

هذه مشكلة كثيراً ما تحدث بين الأزواج عندما يقرر أي من الطرفين أنه لن يغيّر من عاداته اليومية أو طباعه في الطعام والشراب والملابس والصرف والتعامل مع الآخرين وغير ذلك ، وهذا منافي لفكرة الزواج الأساسية التي تأتي بفردين من بيئتين مختلفتين وآراء وإتجاهات خاصة وتطلب منهما الإنسجام والتفاهم والتأقلم ، ومن لا يكون لديه نية لهذا التأقلم والتكيّف فإن زواجه سيتعثر لا محال. 

2- الحوار:

في فترة الخطوبة كثيراً ما ينحصر الحوار في إطار الحب والمشاعر والآمال والشوق والطموح، ثم ينتقل فوراً لترتيبات الزواج والدعوات والحفلات والبيت والأثاث وما إلى ذلك من تفاصيل ، ومن المستغرب أن الكثير من الأزواج يتفقوا أن لا يحدث بينهما مشاكل، وأن لا يختلفوا لأنهم من المحبين والهائمين، وبالتالي لا يضعوا آلية لحل المشاكل والنزاعات، ويبدأ الزواج ويستمر الحوار ويتحول إلى صدام وعنف قد يتبعه حالة من الصمت وإنقطاع الحوار ، وغالباً ما تجد أن كلا الزوجين يريد أن يتكلم ولا يريد أن يسمع وهنا تصبح الحياة صعبة. 

3- الإحترام:

قد يرى البعض أن موضوع الإحترام لا يندرج تحت العلاقات الزوجية ، ولكن الحقيقة أن الحوار مع الإحترام يشكّل جوهر العلاقة الزوجية الناجحة، وقد يكون إنعدامه سبباً لمشاكل لا حدود لها ، ولا يخلو نقاش بين زوجين مختلفين من إشارة إلى أن الزوجة لا تحترمني أو أن الزوج لا يحترمني، أو أنه يحرجني أمام الناس بإنتقاداته وهكذا.

4- الإخلاص والوفاء:

إن مفهوم الزواج يعني إتخاذ قرار مع الطرف الآخر، وتكريس الحياة لهذا الشخص بشكل مطلق وعدم إدخال أية علاقات أخرى تسيء للعلاقة الزوجية، وبالتالي فإن الإخلال بالوفاء والإخلاص قد يهدم أقوى علاقة زوجية وخصوصاً أنه قد يولد الغيرة الزوجية والتي هي مقبولة في حدود محدودة وإطار الإرتباط الكامل ولكنها تصبح ظاهرة سلبية إذا زادت وإنحرفت عن هذا الهدف. 

5- التعاون:

لا بد لأي زوجين التعاون في أمور الحياة المادية والمعنوية ولا بد لهذا التعاون أن يكون أمراً مسلماً به ولا يعتبر منة أو معروف يقدمه الطرف للآخر ولا هو جهد إضاف. مثال ذلك التعاون في رعاية الأبناء والتعاون في أعمال البيت والتعاون المادي ، وإذا كانت الزوجة عاملة أو لها ممتلكات خاصة أو أموال، فإن هذا التعاون قد يأخذ أشكال كثيرة ، ومن الصعب تخيّل زواج ناجح فيه أنانية وفردية لدى طرف من الطرفين أو كلاهما. 

6- العلاقة الجنسية:

يبالغ البعض في أهمية أو عدم أهمية العلاقة الجنسية، وكثيراً ما يلاحظ ضعف المعلومات في هذا المجال لدى الطرفين، وذلك ينتج عنه عدم الرضا ، وجرت العادة لدى معظم الأزواج أن لا يتحدثوا في هذا الموضوع لا قبل الزواج ولا خلاله، ولا يعرف كلا الزوجين رأي الطرف الآخر في العلاقة الجنسية ، وفي الواقع أن العلاقة الجنسية مهمة ولا يمكن تقليل أهميتها ولكنها يجب أن تنسجم مع النقاط السابقة ولا تؤخذ بمعزل عنها ، وفي كثير من الأحيان ترى الزوجة تحتج أن العلاقة الجنسية لا يمكن أن تأتي دون الملاطفة والود وأنه من الصعب عليها قبول علاقة جنسية بين نزاع وشقاق إستمر طوال اليوم. 

7- الصراحة:

رغم أن معظم الأزواج قد يقسموا منذ بداية التعارف على الصراحة ، إلا أنهما على أرض الواقع لا يتحملانها وينتقل الأمر إلى الإختيارية والإنتقائية في الصراحة وأحياناً عدم الصراحة والكبت والإحتفاظ بالأمور كل لوحده بحيث مع مرور السنوات يصبح كل من الزوجين في عالم خاص به وبالتالي تتزعزع أسس العلاقة الزوجية. 

8- الثقة المطلقة:

إن العلاقة الزوجية بما تحمله من خصوصية وإرتباط يستحيل أن تقوم دون وجود ثقة مطلقة بين الزوجين، وذلك أن الربط بين الأحداث وإستخلاص نتائج سلبية من تصرف الطرف الآخر قد لا يكون له صلة بالواقع، وهو مطب يمكن الوقوع به وبالتالي زعزة الثقة مع غياب الحوار والصراحة ، وإذا لاحظ أحد الزوجين أن الثقة بدأت تهتز فلا بد من أن يبحث عن حل سريع لأن الثقة المهتزة قد تعني غيرة مرضية وشك وتوهّم وقد تصل إلى القتل والإنتحار. 

9- خصوصية العلاقة الزوجية:

من الملاحظ أن كثيراً من الأزواج لا يعتبرون أن ما يجري بينهما أمراً خاصاً مقتصراً عليهما فقط ، وقد يشاركوا الأبناء مهما كانت أعمارهم، أو العائلات من الطرفين وأحياناً الجيران والأصدقاء ، ويلاحظ أن المرأة العربية في مجتمعنا كثيراً ما تتحدث عن أمور زواجها بتفاصيلها وأسرارها حتى لإمرأة أخرى تجلس بجانبها في حافلة دون معرفة سابقة ، وهذا غالباً ما يؤدي إلى تدخلات من كثير من الأطراف تتخذ طابعاً سلبياً نقدياً تحريضياً ، ومن من الممكن أن يلجأ البعض لتضخيم الأمور حتى أن الزوجين أصحاب العلاقة يكونا قد نسيا المشكلة الأساسية ولكن الذين حولهم يصرون على إستمرار الحديث والمشاركة والتحريض، ويصل الأمر أحياناً إلى أن يسؤل الزوجان عن المشكلة ويتطرقان للمداخلات ولمن قال ولمن فعل وكيف كانت ردود العائلة وخلافه، ولكنهم يجدون صعوبة في تحديد أصل المشكلة. 

10- الإعتراف بالفضل والجميل:

يعتبر الكثير من الأزواج أن العلاقة الزوجية كافية، ولا داعي لأن يقول كلمات( شكراً) و(أعتذر) أو (آسف) ويثني على الطرف الآخر علي الدور الهام الذي لعبه في تحقيق هدف معين، إذا كان واجب الزوج الإنفاق على الأسرة فهذا لا يعني أن كلمة شكراً من الزوجة والأبناء ممنوعة ، وإذا كان يفترض بالزوجة أن تعتني بشؤون البيت هذا لا يعني أن كلمة(يعطيك العافية) تصبح ممنوعة، وفي معظم الحالات فإن الإعتذار يقترن بالضعف وعدم الثقة والخضوع وهذا غير صحيح لأن الإعتذار من أكثر صفات الإنسان السوي القوي الواثق .