الماضي "المتغير" ودوره في صناعة المستقبل

لطالما كانت المراحل الثلاث من الزمن: الماضي والحاضر والمستقبل هي أساس فهمنا للعالم؛ فالماضي حدثَ وانتهى، والحاضر يحدث الآن، وسيحدث المستقبل نتيجةً للماضي والحاضر.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الكاتب "إيفان تارفر" (Evan Tarver)، ويُحدِّثنا فيه عن تجربته في الاستفادة من تجارب الماضي لتغيير المستقبل.

إذاً فالماضي - وفقاً لفهمنا - ثابت وهو ما حدث لنا، ومن ثمَّ لا يمكن تغييره، ومع ذلك، يمكننا الاستفادة مما حدث فيه لقيادة أفعالنا وسلوكنا في الوقت الحاضر وتوجيه مستقبلنا.

فعلى سبيل المثال، إذا استقلت من وظيفتك بسبب مدير قاسٍ لا يلين ولا يرحم، فستدرك أهمية العثور على وظيفة بثقافة تنظيمية إيجابية وقادة يعملون بصفتهم مينتورز، وطالما أنَّه لا يمكنك تغيير الماضي، يمكنك استخدام المعرفة المكتسبة من تجاربك السابقة لاتخاذ قراراتٍ أفضل في الحاضر والمستقبل؛ لذلك كل تجربة سابقة هي إيجابية إذا تعلمت منها وأخذت العبرة.

إنَّ هذا أمرٌ رائع بالطبع؛ فللماضي الثابت قيمة، لكن لا يجب أن يكون ماضيك ثابتاً؛ بل متغيراً باستمرار مثل العديد من مراحل المستقبل المحتملة إذا وضعت كامل اهتمامك فيه؛ فإذا كنت قادراً على فهم فكرة الماضي المتغير والاستفادة منها، يمكن أن يزوِّدك هذا الماضي بمعرفة وخبرة أكثر مما يفعله الماضي الثابت.

اجعل الماضي متغيراً:

الماضي المتغير هو ذلك الذي يتغير مع تطوُّر إدراكك ونظرتك للحياة، ويؤثر تأثيراً مباشراً في إدراكك وتوقعاتك، وهذا يجعلك تنظر إلى الماضي بمنظورٍ جديد.

فعندما تشرع في رحلة حياتك الشخصية، وإذا كنت تعيشها عيشة صحيحة، فستواجه العديد من السيناريوهات والمواقف الفريدة، وستحتفظ بتصرفاتك أو ردود أفعالك تجاه تلك المواقف والسيناريوهات في ذاكرتك، وستصبح ماضيك، ومع تقدُّم الحياة، ستستمر في جمع الخبرات التي تشكِّل شخصيتك، لكن مع وجود ماضٍ ثابت، ستبقى على ما أنت عليه مثل أي وقتٍ مضى.

باستخدام المثال المذكور آنفاً، إذا كان لديك ماضٍ ثابت، فستكون دائماً ذلك الشخص صاحب الأداء الضعيف في العمل بسبب مدير متعجرف، ويمكنك استخدام هذه المعرفة لمصلحتك في المضي قدماً، لكن ستبقى تلك "العيوب الصغيرة" جزءاً من حالتك الماضية.

شاهد بالفيديو: 7 خطوات تساعدك على التعلم من أخطاء الماضي

يمكن مع الماضي المتغير أن تتحول هذه العيوب إلى نقاط قوة:

فكر في الأمر بهذه الطريقة: ستجعلك تجربة سابقة واحدة تنظر إلى ماضيك نظرة محددة وفريدة، ثم تجبرك على التصرف في الوقت الحاضر بناءً على وجهة النظر هذه التي تؤثر في مستقبلك، ومع ذلك، تتراكم عدة تجارب سابقة تؤدي إلى فهم تلك التجربة بتنوع أكبر؛ لذلك، في حين أنَّ تجربة سابقة واحدة هي ثابتة، لكنَّ التجارب السابقة المتعددة متغيرة.

يعمل تراكم الخبرة من التجارب المتعددة على تحديث تصوُّرك ونظرتك للحياة في الحاضر والمستقبل باستمرار، ثم عندما تنظر إلى الماضي، فإنَّك تنظر إليه باستمرار نظرة مختلفة وأكثر إيجابية.

فكر في المثال الأول مرة أخرى، فقد تركتَ وظيفتك بسبب مدير لا تتفق ولا تتفاهم معه؛ وقد تأثر أداؤك في العمل ونفسيتك سلباً، وكان الخيار الوحيد المعقول بالنسبة إليك هو المغادرة.

بالنظر إلى هذا الحدث الفريد بوصفه تجربة ثابتة من الماضي، قد تكون النتيجة أنَّك شخص فاشل ولديك مشكلة أو ضعف في التعامل مع الآخرين أو مع السلطة، وأنا متأكد من أنَّه يمكن قول الأسوأ، لكنَّ ماضيك لم ولن ينتهي؛ إذ سيشكل كل يوم تعيشه يوماً إضافياً في ماضيك، ومع تقدُّمك، ستفهم هذه التجربة الفريدة من ماضيك من خلال مزيدٍ من التجارب والأحداث التي ستمر بها.

وفي متابعة للمثال المذكور آنفاً: نظراً لأنَّك تفهم القيمة النهائية لوقتك، ولأنَّك كنت تبني تجربة تلو الأخرى، فقد قررت بدء مشروعك التجاري الخاص بدلاً من البحث عن وظيفة أخرى، وبالاعتماد على تجربة الاستقالة بسبب بيئة العمل السيئة، فإنَّك تلتزم سريعاً بنشر ثقافة عمل إيجابية.

تبدأ عملك بوصفه مشروعاً مستقلاً، لكنَّ تركيزك على الثقافة الإيجابية ينتقل على الفور إلى الطريقة التي تعامِل بها العدد القليل - لكن المتزايد - من عملائك؛ فمع وجود مزيدٍ من العملاء، تحتاج إلى مزيد من المساعدة، وفي النهاية تعيِّن أشخاصاً لمساعدتك على بناء عمل تجاري أكثر استمرارية.

دون أن تنسى الماضي أو التزامك، فأنت تزرع ثقافة قائمة على الإيجابية ورفع الروح المعنوية مع موظفك الأول؛ وهذا يؤدي إلى زيادة الإنتاجية إلى أقصى حد، والحفاظ على النمو، والأهم من ذلك، خدمة العملاء بنجاح، وتصبح بذلك شركتك ناجحة؛ وكل ذلك بسبب لحظة من الزمن كنت تَعُدُّها في الأصل "فاشلة".

إنَّ النظر إلى الماضي في تلك اللحظة سيجعلك تبتسم؛ فقد كانت تجربة أدت مباشرةً إلى نجاحك في المستقبل؛ وبهذا أصبح ماضيك متغيراً؛ إذ تستفيد من الإخفاقات في الوقت الحالي لتغذية حاضر ومستقبل ناجحَين.

إقرأ أيضاً: بعض الاستراتيجيات لتحرير نفسك من الماضي

في الختام:

مع وجود ماضٍ متغير، نلزم أنفسنا بالحصول على مجموعة منتقاة من التجارب؛ وهذا يجعل كل الأحداث الماضية إيجابية، وكيف لا يكون ذلك وأنت تنمو وتتطور بسبب تجاربك السابقة؛ إذ إنَّ هذا سيجعلك مولعاً أكثر بماضيك؛ وذلك لأنَّه مع كل نجاح، ستدرك أكثر وأكثر أنَّ ماضيك هو ما أوصلك إلى ما أنت عليه.

المصدر




مقالات مرتبطة