القيام بما يكفي مفتاح تجنب الاحتراق الوظيفي

تُعدُّ معرفتنا للقدر الكافي من العمل كل يوم هي السر والمفتاح لتجنب الاحتراق الوظيفي، لكن على الرَّغم من أنَّ هذه النصيحة قد تبدو بسيطة إلَّا أنَّها صعبة التطبيق؛ لأنَّ الحياة أكثر تعقيداً من ذلك؛ إذاً كيف نعرف ما هو حد الاكتفاء من العمل؟



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الكاتب داريوس فوروكس ( Darius Foroux)، ويخبرنا فيه عن تجربته في تجنب الاحتراق الوظيفي.

عندما ننظر إلى الأشخاص المنتجين على أنَّهم مراقب خارجي نفترض غالباً أنَّهم يعملون 18 ساعة في اليوم؛ إذ نرى أشخاصاً مثل الكاتب الأمريكي "ستيفن كينج" (Stephen King) الذي ينشر كتاباً سنوياً، ونقول: "لا بد أنَّ هذا الرجل يقضي وقته في الكتابة طوال اليوم"؛ لكنَّ هذا ليس صحيحاً؛ فقد كتب ستيفن كينج في مذكراته "حول الكتابة" (On Writing) ما يأتي: "أحب أن أكتب عشر صفحاتٍ يومياً وقد تصل إلى 2000 كلمة تقريباً".

قد يستغرق منه ذلك العمل بضع ساعات لا اليوم بطوله؛ فقد كتب في مذكراته عن توفر ما يكفي من الوقت خلال اليوم للذهاب في نزهةٍ على الأقدام، والقراءة، وقضاء بعض الوقت مع زوجته، ومشاهدة لعبة البيسبول.

لذا إذا كنت قد أنجزت عملاً كافياً فقد حان الوقت لتتوقف عن العمل لذلك اليوم، وبالنسبة إلى ستيفن كينج الاكتفاء يعني كتابة 2000 كلمة في اليوم فقط؛ لذا لتجنب الاحتراق الوظيفي، نحتاج إلى معرفة ما يكفي بالنسبة إلينا، هذه هي الطريقة الوحيدة المستدامة للحصول على حياة مهنية طويلة ومستمرة.

اكتشف الحد الأدنى لمستوى إنتاجيتك:

لتطبيق هذه الاستراتيجية أنت بحاجة إلى معرفة ما يجب أن يكون عليه "الحد الأدنى لمستوى إنتاجيتك" في اليوم أو الأسبوع أو الشهر، وذلك اعتماداً على نوع العمل الذي تعمل فيه؛ لذلك عليك أن تكون واضحاً بشأن المقياس الرئيس لعملك.

دعونا نواصل مع مثال ستيفن كينج؛ فالمقياس الرئيس في عمله هو الكلمات، فكيف حدد أنَّ 2000 كلمة كافية في اليوم؟ يقول: "تعدُّ الـ 180.000 كلمة المكتوبة على مدى ثلاثة أشهر مناسبة لتكون بحجم كتاب، شيء يمكن للقارئ أن يستمتع به إذا كُتِبَت الحكاية على نحو جيدٍ ومليءٍ بالحيوية".

إذاً لكتابة كتاب في ثلاثة أشهر يحتاج ببساطة إلى كتابة 2000 كلمة في اليوم، وهذا هو الحد الأدنى لمستوى العمل الخاص به؛ فهو لا يسعى إلى تأليف كتاب في شهر واحد فقط.

هذا هو المكان الذي يُخطئ فيه معظمنا؛ إذ إنَّنا نتخذ إجراءاتٍ يومية غير مستدامة، ووضعنا تلك الأهداف دون التفكير في النتيجة النهائية.

قال أحد أصدقائي: "أُخطِّط للجري كلَّ يوم، وهدفي هو أن أجري 50 كم في الأسبوع"، فسألته: "ما هذا! هل تريد أن تشارك في ماراثون؟" لقد أراد فقط الجري أكثر والحفاظ على حالة صحية وبدنية جيدة، وعلى الرَّغم من أنَّ الجري لمثل هذه المسافات الطويلة يعدُّ أمراً جيداً إذا كنت تتدرب من أجل منافسةٍ ما، لكن إذا كانت لديك أشياء أخرى تفعلها في حياتك، فهذا كثيرٌ جداً.

لقد ارتكبتُ هذا الخطأ أيضاً وانتهى بي الأمر بأنَّني آذيتُ نفسي، فنحن غالباً ما نُحمِّل أنفسنا أكثر من طاقتنا؛ ونتيجة لذلك نصل بسرعة إلى درجة الاحتراق الوظيفي.

إليك فيما يأتي أفضل استراتيجية للتعرف إلى الحد الأدنى لمستوى إنتاجيتك ومقدار الطاقة التي يجب أن تبذلها كل يوم:

1. تحديد هدف واقعي تتحكم به ويمنحك الوقت الكافي لإكمال هذا الهدف:

كن طموحاً، لكن لا تكن مجنوناً.

2. تقسيم الهدف إلى الحد الأدنى من الإجراءات اليومية:

لنفترض أنَّك حددت هدفاً لبدء نشاط تجاري جانبي مربح في غضون عام واحد، وقسمته إلى أفعالٍ يومية، هذا ما يمكن أن يبدو عليه الأمر في حال العمل على أساس يومي:

  1. تخصيص ساعة واحدة يومياً للعمل على هذا النشاط ليس فقط بضعة أيام.
  2. التوقف عن العمل بعد إنجاز القدر الكافي من الجهد فيه.
  3. عدم مراقبة الأشخاص الآخرين ذوي الأعمال الجانبية والتفكير في أنَّك يجب أن تعمل بجدٍّ أكثر.
  4. الاستمتاع بأيامك.
  5. العمل على نشاطك الجانبي كل يوم.
  6. إذا كنت تشعر بالسوء ليوم أو يومين، فلا تعمل.
  7. عدم لوم نفسك على ذلك.
  8. استئناف العمل.

إذا كنت مشغولاً حقاً، وخاطبت نفسك قائلاً: "أريد إنجاز المزيد"، تذكر أنَّك أنجزت ما يكفي، فالأمر كله يتعلق بالنتائج طويلة الأمد، كيف تبني مشروعاً تجارياً مربحاً عبر الإنترنت يوفر لك 10 مصادر دخل؟ بأن تبدأ بإنشاء هذا المشروع.

شاهد: 7 علامات للاحتراق المهني

تجنُّب الاحتراق الوظيفي يتطلب الرفض:

هذا ما تعلمته بعد دراسة الإنتاجية الشخصية مدة 10 سنوات، فمن الأسهل أن تقول: "نعم" بدلاً من أن تقول: "لا" لنفسك وللآخرين.

لا ينبغي أن نستخف بانجذابنا للمظاهر الخارجية، وأنا أتحدث عن هذه الأنواع من الأفكار التي قد تشغل ذهنك، كأن تقول:

  1. أنا بحاجة إلى تنمية عملي بسرعة أكثر.
  2. أحتاج إلى الحصول على ترقية كل عامين.
  3. أحتاج إلى نشر شيء ما على وسائل التواصل الاجتماعي كل يوم.
  4. أنا بحاجة إلى العمل كل يوم.
  5. أنا بحاجة إلى شراء منزل جديد.

قائمة "الاحتياجات" لدينا لا حصر لها، وهذا كله يؤدي إلى زيادة الفوضى في عقلك؛ ونتيجة لذلك لا يمكنك التفكير بوضوح، ويصبح ميلك الطبيعي هو إنشاء نظام؛ إذ إنَّنا نحاول تنظيم المزيد باستخدام قوائم المهام المعقدة أو أنظمة الإنتاجية التي تدفعنا للقيام بالمزيد من العمل.

عندما أنشأت نظام الإنتاجية الخاص بي في عام 2016، قمت ببنائه على أساس القيام بالقدر من العمل نفسه في وقتٍ أقل، بالنسبة إلي هذا هو جوهر مضاعفة إنتاجيتي، ولا يعني ذلك قضاء ضعف الوقت.

إقرأ أيضاً: كيف تتعافى من الاحتراق الوظيفي؟

لكن أظنُّ الآن أنَّه من الخطأ إنجاز مزيدٍ من العمل خلال وقت أطول؛ فقد يأخذ هذا كل المتعة من الحياة، ومن يهتم بزيادة إنتاجيتك بمقدار 10 أضعاف إذا كان عليك التخلي عن حياة سعيدة؟ فليس على كل شخص أن يكون "إيلون ماسك" (Elon Musk) الذي يعمل 100 ساعة في الأسبوع.

لكن بدلاً من ذلك ركز على ما تود الخروج به من الحياة، فإذا فكرنا في ذلك بعمق يدرك معظمنا أنَّنا لسنا بحاجة إلى بذل كثيرٍ من الوقت، لكن من خلال إنجاز العمل الكافي على نحو فعال، سيكون لديك المزيد من وقت الفراغ للقيام بأشياء أخرى، وتلك الأشياء الأخرى هي التي تمنحنا الطاقة والفرح والإثارة وما إلى ذلك.

إقرأ أيضاً: الاحتراق الوظيفي: العدو اللدود للاحتفاظ بالموظفين

في الختام:

في كل مرة تعتقد أنَّك بحاجة إلى فعل المزيد، قد تكون في الحقيقة بحاجة إلى عمل أقل لكن بفاعلية أكثر؛ والسبب في ذلك هو مدة وجودنا في هذه الحياة، ففي حين تبدو أيامنا قصيرة وحياتنا طويلة، فعندما نحاول حشر كل شيء في فترة زمنية قصيرة ونتوقع كثيراً من أنفسنا، فإنَّنا نسبب لأنفسنا الاحتراق الوظيفي، إنَّه قانون يسري على الجميع، ولم أقابل أبداً أيَّ شخص مُحصن ضد ذلك.

لكن إذا فعلنا ما يكفي كل يوم يمكننا تجنب الاحتراق الوظيفي، والمفتاح لذلك هو تحسين حياتك لتتمكن من المثابرة، وعندما تنتهي من القيام بما يكفي، توقف عن العمل وتابع في اليوم التالي.

المصدر




مقالات مرتبطة