القياس التربوي: أهدافه وأخطاؤه

إنَّ طبيعة العصر الذي نحيا فيه - عصر العلم والتقانة - يحتِّم على المنظومة التربوية أن تكون مرنة وابتكارية وتُعِدُّ الأفراد للمستقبل، واستناداً إلى ذلك أصبح التعليم اليوم يقدَّم وفق أسس وقواعد علمية تتناسب مع استعدادات التلاميذ وقدراتهم؛ إذ يهدف التعليم عامةً إلى بناء الإنسان بشكل متوازن ومتكامل من كافة النواحي الجسمية والعقلية والعاطفية والاجتماعية والقومية والإنسانية، وذلك حتى يصبح إنساناً إيجابياً وفعالاً ومشاركاً في تطوير مسيرة مجتمعه ومسيرة الحياة الإنسانية عامةً.



من المتعارف عليه أنَّ المعرفة التي تتحصل عن التعليم هي الورقة الرابحة في التنافس الدولي، وأنَّ التقدم المعرفي للشعوب يُقاس بدرجة الدقة التي تصل إليها وكذلك في إمكانية قياسها، وفي مجال العلوم الإنسانية والتربوية يُعَدُّ الإنسان الموضوع الأساسي والأبرز فيها؛ إذ يتناول هذا المجال جميع المشكلات والقضايا التي يمكن للإنسان أن يتعرض لها خلال حياته، مثل التحصيل الدراسي والذكاء، وتكوُّن الشخصية ونموها، والتدريب المهني، والدوافع، وعمليات التفكير المختلفة، وإعداد المعلمين، والإشراف التربوي، والمشكلات السلوكية، وعمليات التعلم وسواها.

كان الهدف من الخوض في غمار هذه القضايا هو الكشف عن القوانين التي تحكمها وإمكانية التنبؤ بحدوثها في المستقبل، فالهدف اليوم جعل الإنسان مبدعاً ومتعلماً وواثقاً من نفسه، ومن هنا تبرز أهمية عمليات القياس بوصفها وسيلة هامة لإدراك نواحي القوة وتنميتها والكشف عن نواحي الضعف والعمل على تعديلها وعلاجها، ومن ثمَّ نصل إلى القول إنَّ القياس التربوي هو الوسيلة التي تحدد من خلالها مدى تحقق الأهداف.

تعريف القياس التربوي:

يشير القياس إلى الجوانب الكمية التي تصف خاصية أو سمة معينة مثل التحصيل الدراسي للطالب، كما يعني جمع المعلومات وترتيبها بطريقة منظمة من أجل تقدير الأشياء تقديراً كمياً بالاستناد إلى وحدة قياس محددة.

يرى "نناللي" (Nunnally) أنَّ القياس يتكون من قواعد استخدام الأعداد بحيث تدل على الأشياء بطريقة تشير إلى كميات من الخاصية، ويعرفه "صلاح الدين محمود علام" بأنَّه تعيين فئة من الأرقام أو الرموز تناظر خصائص أو سمات الأفراد طبقاً لقواعد محددة تحديداً جيداً، وهذا يعني أنَّ القياس التربوي والنفسي يعني تكميم خصائص أو سمات الأفراد؛ إذ إنَّنا لا نستطيع قياس الأفراد في ذاتهم؛ إنَّما نقيس خصائصهم أو سماتهم.

ضمن نفس السياق يقول "كمال الدين محمد هاشم" إنَّ القياس عبارة عن الجوانب الكمية التي تصف خاصية أو سمة معينة، مثل ارتفاع سائل ما أو حجم الكرة أو ضغط غاز أو الاستعداد اللفظي لطفل أو التحصيل الدراسي للتلاميذ.

أهداف القياس التربوي:

  • التعرف إلى مختلف جوانب شخصية الإنسان وتحديد خصائصها الشخصية والنفسية والعقلية بهدف التوصل إلى القوانين التي تحكمها.
  • جمع المعلومات عن الأفراد وترتيبها وتوظيفها بالشكل الذي يفيد المجتمع ويتناسب مع متطلبات التنمية فيه.
  • ترتيب وتصنيف الأفراد ضمن مستويات محددة بالاستناد إلى سمات وخصائص معينة ووفقاً لمجالات محددة.
  • تحديد أهلية الفرد وصلاحه على القيام بمهمة ما أو الانخراط ضمن عمل محدد؛ إذ يحدد العمل المناسب لكل فرد.
  • توجيه العملية التعليمية والتعرف إلى جوانب قوة الطالب وضعفها وإلى البرامج وطرائق التعليم.
  • المساهمة في اتخاذ القرارات التربوية الصائبة.
  • توفير التغذية الراجعة للمعلمين والإدارة التربوية عن مدى كفاءة عناصر العملية التعليمية.
  • جعل المدرس على معرفة ودراية بنمو تلاميذه وحاجاتهم واستعداداتهم والكشف عن مواهبهم وميولهم.
  • حصر الإمكانات النفسية أو التعليمية لمجموعة من الأفراد لمراحل عمرية وتشخيص حالاتها لبناء برامج تدريبية وعلاجية مناسبة لها.
إقرأ أيضاً: 6 معايير أساسية لاختيار المدرسة الأنسب لطفلك

مستويات القياس التربوي:

1. المستوى الاسمي: (يصنف ولا يرتب):

هذا المستوى هو أدنى مستويات القياس، والهدف منه هو التصنيف مع مراعاة الفروق الفردية؛ إذ يُستخدم مع المتغيرات النوعية التي تتطلب تنظيم الأفراد ضمن مجموعات بالاستناد إلى سمة معينة، ومن أمثلة متغيرات هذا المستوى (النوع: الذكور، الإناث)؛ إذ تأخذ مفردة الذكور رقم (1)، بينما تأخذ مفردة الإناث رقم (2).

مثال آخر (الحالة الاجتماعية: متزوج، عازب، منفصل، أرمل)؛ إذ تأخذ هذه المفردات الأرقام (1، 2، 3، 4) على التوالي، وهذه الأرقام لا يمكن أن تُجمع مع بعضها؛ بل يمكن إجراء عمليات الجمع فقط للنوع الواحد.

2. المستوى الرتبي: (يصنف ويرتب، لكن لا يبين الفرق):

يُستخدم هذا المقياس استخداماً كبيراً في قياس السمات الوجدانية لا سيما المتعلقة بالاتجاهات والآراء والتفضيلات بسبب سهولته، وهو نوع من القياس الرتبي الذي يقوم على ترتيب الأفراد أو الأشياء وفقاً لسمة معينة، فمثلاً يمكن ترتيب ميول التلاميذ المهنية؛ إذ يمكن للفرد أن يعطي مهنة المهندس رقم (1) ويعطي مهنة المعلم رقم (2) وهكذا، ولكنَّ الأعداد التي تمثل الرتب لا تسمح بإجراء عمليات حسابية؛ بل فقط تفيد في الترتيب كأن نقول: "محمد يحب أن يصبح مهندساً أكثر من أحمد".

3. المستوى الفئوي: (يصنف ويرتب، ويبين الفرق):

يختص هذا النوع من القياس في تحديد مقدار الفرق بين شيئين أو شخصين، ويُستخدم استخداماً كبيراً في القياس التربوي؛ إذ يتيح المقارنة، فمثلاً يمكن المقارنة بين ذكاء شخصين أو أكثر، وما يميز هذا المستوى بأنَّ الصفر لا قيمة له؛ بمعنى الفرد الحاصل على درجة صفر في الرياضيات مثلاً لا يعني عدم وجود أيَّة معلومات لديه عن الرياضيات، فالسمات لا تنعدم عند الأفراد.

4. المستوى النسبي:

هو أفضل مستويات القياس؛ إذ يتميز بوجود صفر مطلَق على ميزان القياس، ومن ثمَّ يسمح بإجراء النسب بين قيم المتغيرات، ومثل ذلك الأطوال والأحجام.

شاهد بالفديو: 10 طرق لتنمية الذكاء والقدرات العقلية عند الأطفال

أنواع القياس التربوي:

  • القياس المباشر: نقيس الصفة مباشرة مثل الطول أو الوزن.
  • القياس غير المباشر: لا يمكننا هنا قياس الصفة مباشرة؛ بل نقوم بقياسها بالاستناد إلى الآثار المترتبة عنها مثل العواطف والاتجاهات والشعور والانتباه والإدراك والذكاء والميول وغير ذلك.

عناصر القياس التربوي:

  • الموضوع: يتناول القياس موضوعاً محدداً؛ إذ يقيس سمات معينة في الأشخاص، فمثلاً لا نقيس الفرد بذاته؛ بل نقيس ذكاءه أو اتجاهاته أو ميوله أو تحصيله الدراسي.
  • العدد: هو الرمز أو التعبير الكمي الذي يدل على كمية السمة المقيسة؛ إذ إنَّ استخدام العدد يوفر قدراً من الدقة لا يمكن أن يوفره التقدير الكيفي، ويمكن من خلال استخدام العدد المقارنة واستخلاص النتائج والعلاقات المتعلقة بالموضوع المقيس.
  • المقياس: أي استخدام أداة قياس معينة أو مقياس ينسجم مع طبيعة سمة أو خاصية موضوع القياس.

أخطاء القياس التربوي:

  • الخطأ الناجم عن اختيار أداة قياس غير مناسبة أو غير دقيقة، فمثلاً عند اختيار أداة غير دقيقة سوف تكون النتائج غير دقيقة، ويظهر ذلك عند إعادة القياس أكثر من مرة؛ إذ نحصل في كل مرة على نتيجة مختلفة عن سابقتها.
  • الخطأ الناتج عن الثبات في الصفة المقيسة.
  • الخطأ الإنساني؛ أي الخطأ الذي ينتج عن الإنسان الذي يقوم بالقياس، وقد يقع هذا الخطأ بسبب مرور الإنسان بحالات معينة تؤثر في نشاطه وتركيزه، مثل الشعور بالتعب أو المرض أو التحيز وعدم الموضوعية.
  • نقص الخبرة في مجال القياس، فإنَّ إعداد المقاييس يتطلب الكثير من التدريب والإلمام بالمعارف بشكل جيد، فنقص الخبرة يؤدي إلى حدوث خلل، وهذا يعوق تحقيقه للهدف الذي وضع من أجله.
إقرأ أيضاً: أشهر 3 نظريات تعليمية في التصميم التعليمي

بماذا يختلف القياس التربوي عن التقويم التربوي؟

يوجد خلط كبير بين مفهومي القياس والتقويم؛ إذ يُستخدم التقويم في الكثير من الأحيان بوصفه مرادفاً لعملية القياس، لكن في الحقيقة القياس هو فقط يقدم المعلومات للتقويم، فهو عملية سابقة للتقويم يهتم بوصف السلوك، بينما التقويم يقدم الحكم على هذا السلوك، كما أنَّ القياس يقتصر على التقدير الكمي، بينما التقويم يشمل كلاً من التقدير الكمي والكيفي للسلوك، إضافة إلى حكم يتعلق بقيمة هذا السلوك؛ بمعنى أنَّ التقويم أكثر شمولاً من القياس.

كذلك يعمل التقويم على الربط بين جوانب الموضوع قيد الدراسة من كافة الجوانب ويعمل على مقارنة الفرد بنفسه ومع الآخرين، بينما يكتفي القياس هنا بإعطاء وصف للموضوع المراد قياسه، كما يقوم القياس على الدقة الرقمية، بينما يقوم التقويم على مجموعة من المبادئ، مثل التشخيص والشمول ومراعاة الفروق الفردية.

في النهاية يمكن القول إنَّ القياس يتحلى بالموضوعية أكثر من التقويم، ولكنَّه في الوقت ذاته أقل أهمية، فمعرفة النتائج دون تقويمها وتعديلها فيما بعد لا تعَدُّ ذات أهمية، بينما إذا تم اتخاذ هذه النتائج أساساً في التقويم لمساعدة المتعلمين على النمو السليم المتوازن يغدو ذا فائدة كبيرة.

في الختام:

يعني القياس في المجال التربوي قياس مقدار أو كمية ما يملك الشيء المقاس من الخاصية المقيسة، فهو عبارة عن مقارنة فرد في مجموعة ما وفي صفة ما وتحديد لمركزه في سمة أو صفة معينة ضمن المجموعة، فالقياس هو الخطوة الأولى لعمليات تربوية لاحقة مثل التقويم الذي يحكم على مدى تحقق الأهداف التربوية في نظام تعليمي محدد؛ لذا من الهام تدريب المعلمين على أساسيات القياس وكيفية إعداد المقاييس وتطبيقها بشكل سليم خالٍ من الأخطاء.




مقالات مرتبطة