العنوسة

ما زال كلامنا مستمراً عن المجالات التي تستطيع المرأة المسلمة أن تبذل فيها لأمتها ولدينها بشكل منتظم ثابت وبدون إخلال بمهمتها الأساسية والتي هي احتضان وتربية الأبناء وتوفير السُكْنَى للزوج.



 

لقد ذكرت في مقال سابق صورة من صور هذا البذل في المجال الاجتماعي واليوم نطوف معاً ونستعرض صوراً أخرى، مذكراً بالأصل الذي بنينا عليه المقالتين السابقتين، والذي سنعتمد عليه أيضاً في المقالات المقبلة بإذن الله والذي هو: ساعة واحدة في اليوم للأمة والدين.


ما رأيكم في قضية العنوسة؟ إنها بلا شك قضية من العيار الثقيل تفشت في مجتمعاتنا الإسلامية بشكل ينذر بعواقب وخيمة على كل الأصعدة، ولا شك أيضا في أنها مشكلة أسبابها متعددة وأطرافها كثيرة، وأنا لا أنوي أن أستعرض كل الأسباب التي أدت إليها فالمقام لا يتسع لذلك، غاية الموضوع أنني سأركز على السبب الرئيس من وجهة نظري وسنحاول معاً حله أو التخفيف من تداعياته بتطبيق قاعدتنا المتفق عليها: ساعة واحدة في اليوم للأمة والدين.


إن السبب الرئيسي لظاهرة العنوسة هو: الفقر، هو عدم القدرة علي إيجاد مسكن، وعدم القدرة علي تأثيثه، وهو صعوبة إهداء الشبكة والمهر، هو تمني فستان الفرح في ليلة العمر، هذه هي الأسباب التي سنركز عليها في مقالنا والتي ستحاول المرأة المسلمة الراغبة في خدمة أمتها ودينها المشاركة في حلها علي قدر استطاعتها والآن أستعرض تفاصيل الصورة التي نحن بصدد التعامل معها وهي كالأتي:

 
شاب ناضج مؤهل للزواج لا يملك إلا مرتباً يستطيع أن يدفع جزءاً منه إيجار لمسكن متواضع، وشابة معدمة لا تملك هي ولا أهلها شيئاً من متاع الدنيا، معهما في الصورة نساء مسلمات عازمات بحول الله وقوته – على تزويجهما ترى هل بتطبيقهن هذه القاعدة يفككن هذا الطلسم؟ أنا أقول إن هذا الطلسم من الممكن أن يحل عن طريق الهاتف والسيارة؟ إنني أدعو هؤلاء النساء المسلمات أن يستعلمن الهاتف ويثرثرن فيه الساعة المتفق عليها يومياً ولكن في اتجاه معين يخدم القضية ويساعد على حلها، إنني أدعو كل امرأة مسلمة معنية بما نتباحثه أن تتصل يومياً بست من صاحباتها أو أهل المعروف الذين يسارعون في الخير، وتعرض عليهم المشكلة وتطلب منهم أن يساعدوها بأي شئ من الممكن أن تجود به أنفسهم (ثلاجة قديمة، غسالة من العصر الحجري، مفارش أكل عليها الدهر وشرب، أكواب، مراتب، مرايا ولو مشروخة، ثياب مركونة، أي شئ يحتاجه البيت ليؤثث أو العروس لتتجهز).

 

أتخيل لو أن امرأة معينة بما نناقشه قد أخلصت في هذه الثرثرة لمدة شهر ولم تكسل فإنها ستبلغ بدائرة البذل (180) شخصا، ولو افترضنا أن ربع هذا العدد فقط يعني (45) شخصا هم الذين تفاعلوا مع الموضوع فسيكون ذلك شيئا عظيما وستكون الغنائم – بإذن الله وحوله – كافية إن لم تكن فائضة، حتى وإن كثرت في بند وقلت أو انعدمت في أخر، فستكون هناك قابلية لبيع هذه الزيادة أو الفائض لشراء ما قل أو انعدم في تجاه آخر، ما رأيكن في هذا الحل؟ أرجوكن لا تستغربنه وحاولنه، ولا تكن أسيرات التفكير النمطي الذي لم ولن يحل المشكلة؟ ألم أقل لكن: إن ساعة واحدة في اليوم للأمة والدين، من الممكن أن تنشئ وضعا أكثر تفاؤلا وأملا من الوضع الذي نحياه بل نقاسيه؟


إن المرأة المسلمة التي سعت إلى تزويج أخيها المسلم الفقير بأختها المسلمة المعدمة – بجانب أنها أسدت إليهما معروفاً مباشراً واضحا متمثلا في السكنى والمودة والرحمة وتوديع القلق والتوتر والإحساس بعدم الثقة في الذات، وغير ذلك مما لا يتسع له المقام – فقد أسدت إلى الإسلام، كذلك معروفا بليغا إذ أنها قطعت على الشيطان طرقه وأغلقت الأبواب والنوافذ التي كان يتسلل منها مؤججا نار الشهوة التي تدفع بهما إلى الحرام الذى تهتك فيه الأعراض، وتمتهن فيه الكرامة، ويراق فيه الشرف وتحل فيه الريبة والشك وتختلط فيه الأنساب ويكثر فيه اللقطاء وتنشأ بسببه العداوات المستحكمة، ويجن فيه جنون الثأر، وشهوة الانتقام الدامي وغير ذلك من الأمور التي لا تبقي ولا تذر.
إن المجتمع الذي ينتشر فيه مثل هذا الرجس ومثل هذه الطبائع بين أفراده مجتمع لا يطلب منه بذل لدين ولا دفاع عن دين ولا نصرة دين ولا دولة، إنه مجتمع مشغول في البداية بالطواف حول نار الشهوة وتقديم القرابين لها ثم لن يلبث أن يكون حطاماً لها بعدما تحرقه! قارن بين هذا المجتمع وبين مجتمع آخر أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان وكانت يد التأسيس فيه امرأة مسلمة أعطت ساعة واحدة فقط من يومها لأمتها ودينها ثم انظر أيهما أكثر فائدة للإسلام ومرضاة لله قال تعالى "أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ" التوبة 109، إن هذه اليد التي شاركت في هذا الطهر لم تدل فقط على الخير بل إنها دلت ودعت إليه وشاركت فيه، ولن يكون عاقبة إحسانها – بإذن الله – إلا الإحسان من الله قال تعالى (هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ) الرحمن 60، للحديث بقية بإذن الله تعالى، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

كتبه الأستاذ عمرو خالد بمجلة المرأة اليوم بتاريخ 4/5/2004