العنف ضد المرأة: أسبابه وكيفية الحد منه

العنف ضد المرأة ليس حالة ظرفية أو آنية وليدة اللحظة؛ بل هو مشكلة موجودة منذ بدء الوجود الإنساني على الأرض، لكن تتفاوت المجتمعات في درجة ممارسة ذلك السلوك، وذلك بحسب درجة التطور التي يمر بها المجتمع من النواحي الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية وسواها.



إنَّ قضية العنف ضد المرأة قضية اجتماعية عالمية خطيرة، فقد تزداد درجة ذلك العنف الممارَس ضدها على الرغم من صدور العديد من القوانين والتشريعات القانونية التي تسعى إلى إنصافها وحفظ حقوقها؛ إذ يطال العنف المرأة في كافة جوانب حياتها ويؤثر ليس فقط في صحتها الجسدية والنفسية؛ بل في قدرتها على المشاركة في المجتمع بشكل فعال، فهو مصدر معاناة المرأة بكل تفاصيل حياتها.

بحسب إحصائية قامت بها منظمة الصحة العالمية مؤخراً بينت أنَّ كل امرأة من كل ثلاث نساء في العالم تتعرض لعنف جسدي أو نفسي خلال حياتها، وأنَّ واحدة من بين كل أربع نساء تتعرض للعنف من قِبل الشريك بين سن 14 و25، كما أشار تقرير المنظمة إلى أنَّ أكثر بلاغات العنف التي تقدمت بها النساء كانت من قِبل الشريك؛ إذ قالت إنَّ 641 مليون امرأة حول العالم تعرضت له.

أشار التقرير كذلك إلى أنَّ نسبة النساء اللواتي تعرَّضن للعنف جاءت بنسب أكبر في الدول الأقل دخلاً، فكانت نسبة العنف ضد المرأة 37% في بلدان مثل دول أفريقيا وجنوب آسيا، بينما كانت نسبته أقل في الدول الأوروبية بين 16 و23% وفي آسيا الوسطى 18%.

في الحقيقة إنَّ ممارسة العنف ضد المرأة بكافة أشكاله هو وباء عالمي يهدد حياة النساء عامة على اختلاف أعمارهن، فهي آفة اجتماعية خطيرة تجتاح المجتمعات عامة والمجتمع العربي خاصةً، وقد أصبحت تعكس هذه الظاهرة الجانب الانحرافي المهدد للبنية الاجتماعية للأسرة والمجتمع.

العنف ضد المرأة:

العنف ضد المرأة هو كل فعل يتسم بالعنف القائم على الجنس ينتج عنه ضرر وأذى جسدي أو نفسي للمرأة، وتعرِّفه الأمم المتحدة بأنَّه أي فعل عنيف تدفع إليه عصبية الجنس ويترتب عليه أو يرجح أن يترتب عليه أذى أو معاناة للمرأة سواء من الناحية البدنية أم الجنسية أم النفسية، ومن ذلك التهديد بأفعال من هذا القبيل أو القسر أو الحرمان التعسفي من الحرية سواء حدث ذلك في الحياة العامة أم الخاصة، ويشمل العنف ضد المرأة العنف الذي يمارَس ضدها في الأسرة أو في المجتمع أو العنف الذي تعترف به الحكومة وتتغاضى عنه.

على الرغم من الانتشار الكبير لهذه الظاهرة عبر الزمان، إلا أنَّها لم تلقَ الاهتمام الكافي إلا في السنوات الأخيرة حين بدأت الحركات النسائية في العالم تتحرك في سبيل حصول المرأة على حقوقها، وذلك عبر ربط قضاياها وحقوقها بقضايا حقوق الإنسان والبدء بإنشاء المشاريع الخاصة بذلك التي تساعد المرأة على مجابهة العنف الممارَس ضدها، وتتعدد أشكال العنف ضد المرأة ومنها:

1. العنف النفسي:

يقصد به الفعل الذي يؤدي إلى أذى عواطف المرأة ومشاعرها دون أن تكون له آثار جسدية واضحة، ومن أشكاله عدم الاحترام والتقدير، والإهمال، والتحقير من شأن المرأة، والإهانات المتكررة بحقها، وتوجيه اللوم، والألفاظ السيئة والنابية، وإساءة الظن بها وسوى ذلك.

2. العنف الاجتماعي:

أي الحرمان من حقوقها الاجتماعية والشخصية ومحاولة منعها من التواصل مع المجتمع الخارجي بشتى السبل المتاحة ورفض انخراطها في نشاطاته، وبتعبير أبسط حرمانها من مكانتها الاجتماعية.

3. العنف الجسدي:

هو استخدام القوة الجسدية ضد المرأة والتسبب لها بأذى جسدي واضح، فقد يكون بالصفع أو الركل أو العض أو الدفع أو اللكم أو الحرق أو شد الشعر وسوى ذلك.

إقرأ أيضاً: المرأة في الإسلام: حقوقها، مكانتها، ودورها في المجتمع

4. العنف اللفظي:

هو من أكثر أنواع العنف انتشاراً، ويُقصد به التلفظ بألفاظ قاسية تؤذي مشاعر المرأة.

5. العنف الصحي:

يقصد به عدم الاهتمام بصحة المرأة لا سيما في الحالات التي تحتاج فيها إلى عناية خاصة مثل الحمل والإنجاب، أو إجبار المرأة على الحمل المتكرر دون الاكتراث بصحتها وحرمانها من مراجعة الطبيب الدورية والتأكد من أخذها اللقاحات الأساسية وتلقيها التغذية الجيدة.

6. العنف الجنسي:

هو قيام الرجل باستدراج المرأة بالإكراه والقوة للمعاشرة الجنسية دون مراعاة لوضعها الصحي والنفسي.

7. العنف الاقتصادي:

هو حرمان المرأة من مالها والتحكم بطريقة إنفاقها للمال أو حرمانها منه وغير ذلك.

أسباب العنف ضد المرأة:

1. الأسباب والضغوطات الاجتماعية:

التي تفرض نفسها على أفراد المجتمع، مثل تفشي ظاهرة البطالة والفقر وعدم توفر فرص للحياة المرفهة؛ إذ تقوي النزعة لدى الأفراد لاستخدام العنف تجاه المرأة التي تُعَدُّ الحلقة الأضعف في المجتمع، إضافة إلى العادات والتقاليد السائدة في بعض المجتمعات التي تشجع على ممارسة العنف تجاه المرأة والتي تنتقل من جيل لآخر عبر التنشئة الاجتماعية، كما توجد أسباب اجتماعية أخرى مثل القسوة والضرب والحرمان من الحب والتباين العمري بين الزوجين والفروق الطبقية الواضحة بينهما وغيرها من الأسباب التي تؤدي إلى العنف.

2. الضغوطات النفسية:

التي تؤدي بصاحبها إلى الشعور بالإحباط واليأس، فمثلاً ضعف القدرة المادية للزوج وعدم قدرته على تحمل مسؤوليات تأمين الحاجات التي تحتاجها الأسرة يدفع به إلى الشعور باليأس ومحاولة تفريغ يأسه عبر تعنيف المرأة.

شاهد بالفديو: 7 مؤشرات تدلّ على أنّك تحت ضغط نفسي شديد

3. الضغوطات الاقتصادي:

غالباً ما ترجع أسباب استخدام العنف إلى أسباب اقتصادية ومادية، فنقص الموارد وقلة فرص العمل ذات المردود الجيد وانتشار البطالة وتفشي الفقر وازدياد متطلبات الحياة؛ كل ذلك يولد أنواعاً من الضغوطات التي تنعكس على شخصية الرجل والتي تدفعه إلى التعبير عن غضبه وسخطه تجاه المجتمع عبر تعنيف المرأة والنيل منها قدر المستطاع؛ وذلك في سبيل تخبئة عقد النقص الذي أصبح يشعر بها.

الكثير من النساء يتعرضن للعنف في أماكن العمل كنبذ الإنجازات اللاتي تحققنها وتحقيرها ووجود التكتلات الجماعية ضدها، كما تتعرض المرأة للمخاطر الصحية نتيجة الحالة المادية السيئة.

4. أسباب بيولوجية:

يرى بعض الباحثين أنَّ هرمونات الذكورة المرتفعة لدى الرجال غالباً ما تكون السبب وراء تعنيفهم للمرأة.

5. التنشئة الاجتماعية وأساليبها:

غالباً ما يكون العنف نتيجة التعلم والاكتساب؛ إذ يكتسب الفرد خلال عملية التنشئة الاجتماعية التي يخضع لها في حياته مشاعر التمييز العنصري أو الديني، والذي يؤكد ذلك وجود العنف بصورة واضحة في ثقافة معينة بينما يكون أقل في ثقافات أخرى، وبعض المجتمعات تعطي السلطة إلى الرجل وتسوق له المبررات لممارسة عنفه ضد المرأة، كما يوجد قسم كبير من أفراد المجتمعات الذين ينتفي لديهم الوازع الديني والأخلاقي ويزداد تعنيفهم للمرأة، فالكثير من المجتمعات تتخذ من العنف ضد المرأة مقياساً لقياس صلابة الرجل ومدى رجولته.

إقرأ أيضاً: اليوم العالمي للمرأة بين الورود والهواجس

ما هي الخطوات التي يمكن اتباعها للحد من العنف ضد المرأة؟

  1. توعية المرأة بحقوقها وواجباتها وإقامة الدورات التثقيفية التي تعلمها استراتيجيات لحل المشكلات التي تواجهها بطريقة بعيدة عن العنف.
  2. إقامة دورات التأهيل لكل من الزوجين قبل الشروع بالزواج وتثقيفهم بكيفية التعامل مع زوجاتهم.
  3. التأكيد على أهمية احترام الآخر في المجتمع واحترام حقوقه ومشاعره وأهمية التسامح والبعد عن العنف ونبذه.
  4. إصدار القوانين والتشريعات الرادعة للعنف ضد المرأة.
  5. تنفيذ العقوبات التي تنص عليها قوانين الشعوب دون أي تهاون فيها للحد من العنف تجاه المرأة بشكل جدي.
  6. إنشاء قاعدة معلومات سرية تتضمن أسماء النساء اللاتي تتعرضن للتعنيف لمتابعة حياتهن ومحاولة مساعدتهن قدر المستطاع وتقديم الدعم اللازم لهن.
  7. نشر ثقافة اللجوء إلى القانون والقضاء بين النساء بحيث لا يخفن من اللجوء إليه عند تعرضهن للعنف.
  8. السعي نحو إعطاء المرأة حريتها الشخصية ومنحها حقوقها كاملة في تحديد مصيرها وتحديد الأشياء التي تريدها.
  9. مساعدة المرأة على تحقيق استقلالها المادي والاعتماد على نفسها بعيداً عن سلطة الرجل.
  10. نشر ثقافة مقاومة العنف في المجتمعات المختلفة لرفض كافة أشكال العنف الممارَس ضد المرأة الاقتصادي والاجتماعي والنفسي والصحي والجسدي.
  11. حث المجتمعات المختلفة على الاهتمام بصحة المرأة لا سيما الإنجابية منها وتأمين الظروف المناسبة لها ولطفلها.
  12. الاهتمام بالصحة النفسية للمرأة وتعزيز ثقتها بنفسها وإدراكها لذاتها لا سيما في أماكن العمل وبعد مرورها بحالات صحية معينة كالإنجاب؛ وذلك عبر الحرص على اللجوء إلى المرشدين النفسيين والاجتماعيين.

في الختام:

يصادف يوم 25 من شهر تشرين الثاني/ نوفمبر من كل عام اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة، هذه الظاهرة التي تتسبب للمرأة بمجموعة من الأضرار الجسدية والنفسية والاجتماعية، فهي في الحقيقة ليست ظاهرة خاصة تتعلق بالمرأة فحسب؛ بل ظاهرة اجتماعية تهدد أمن واستقرار الأسرة والمجتمع، وهذا العنف الممارس ضد المرأة ليس خاصاً بدولة معينة أو إقليم بعينه أو ثقافة مجتمع بحد ذاته؛ بل يوجد في كل مكان حول العالم، لكن يختلف من حيث درجة شدته ودرجة قبوله بين أبناء المجتمع.

من الملاحظ أنَّ درجة العنف تزداد في المجتمعات التي تواجه مستوى معيشياً متدنياً أكثر من باقي المجتمعات، فيجب التصدي لهذه الظاهرة وإيجاد الحلول للتخلص منها بأشكالها سواء عنف الرجل ضد زوجته أم عنف العادات والتقاليد تجاه المرأة وغيرها؛ وذلك لإتاحة الفرصة للمرأة لاختبار قدراتها وإثبات ذاتها ضمن المجتمع ومشاركتها مشاركة فعالة في مسيرته التنموية.




مقالات مرتبطة