العنف الأسري وثقافة الموروث الاجتماعي

 

 العنف الأسري من أول الأسباب وأقواها وأكبرها في ضياع الأبناء وتشتتهم سواء كانوا ذكورًا أو إناثًا، خاصة عندما يكونوا صغارًا في أعمارهم ، ولكن الإناث هن الأوفر حظًا من ذلك العنف والأكثر، لأنهن ضعيفات ولأنهن ليس لديهن مكان يلجأن إليه في حالة ما يقع عليهن العنف ، ولأنهن الأكثر ضررًا مما يقعن فيه من حرج في مجتمع لا يرغب أكثر من هم فيه أن يعرف لأنثى قيمتها وحيزها في الإنسانية ولا يريدون أن يفهموا كيف يتعاملون معها كإنسان وأن يقتنعوا بتلك الإنسانية التي خصها الخالق بها كما خصهم وذلك بفعل ما وقعوا تحته من موروثات اجتماعية كلها أو جلها تصب في كسر الأنثى وإضعافها .



 

وذلك في اعتقادهم هو الصواب متناسين قوله تعالى: (أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى) ومتناسين أن إذلال الإنسان وكسره مهما كان جنسه ونوعه هو ظلم وأن الظلم يوم القيامة ظلمات وأن هذه الأنثى التي وئدت على مر العصور سواء بالعنف الجسدي أو غيره من العنف اللفظي والقهري الذي تقع تحته سوف تسألهم عنه وسوف تسألهم بأي ذنب هي وئدت وبأي ذنب هي قتلت ، والقتل هنا ليس فقط إنهاء الحياة بل القتل الأكثر هو قتل الإنسانية فيها وقتل المشاعر وقتل النفس فمتى ما دمرت النفس فهل يرجى من الجسد فائدة.

لذلك حسن المعاملة والمداراة ومساعدة الأنثى أو الصبي خاصة إذا كانوا صغارًا لتخطي ما يجري على أي إنسان من طفولته إلى شبابه حتى يعي ما يدور حوله ويلم بأمور الحياة حق وواجب على كل زوجين أو غيرهما ممن له الرعاية بأن يراعوا الله في هذه الأمانة التي وضعت لديهم ، وأن ينظروا إلى أولادهم قبل أن ينظروا لأنفسهم ؛ لأن هؤلاء الأبناء أمانة في أعناقهم .

كما يجب على الجهات المخولة بهذا الأمر البحث عن الراعي والحاضن المناسب لتلك الطفولة قبل أن يقع عليها العنف وتدخل في متاهات كان من الواجب تجنبها قبل وقوعها ووقوع ضحايا كثر خلفها ، ولا نعني بهذا الكلام الدلال الزائد عن الحد فلا ضرر ولا ضرار ولا عنف ولا تعنيف ولا إفراط ولا تفريط فكيف إذا ضاع ما بين أيديهم وما كانوا السبب في ضياعه فهل ينفعهم ما جمعوه من موروث ضحل ليكملوا به الحياة؟

فما نسمع به اليوم من قصص لطفولة أزهقت أرواحها ومن أخرى تشردت ومن غيرها من ارتكبت الجرائم في حق نفسها وأهلها والباقية هربت من المنزل والأخرى وقعت في الكثير من المشكلات في حياتها الأسرية ومنها من أقدمت على الانتحار وزهدت في الحياة إلا نتيجة لما وقع عليها من ذلك العنف وإلا كان دليل قوي ونتيجة حتمية ومؤلمة لذلك العنف الذي كان موجودًا في السابق ولكنه ظهر الآن واضحًا بالثمن الباهظ الذي دفعته تلك النفوس التي وقع عليها العنف وكانت الضحية له.

لقد غير العنف المتزايد الكثير من الحياة السوية التي يحلم بها كل إنسان إلى الحياة التي بها من العراقيل والصعاب الشيء الذي لا يخفى على الحصيف وممن كان يرجى أن يكون لهم العون والمعين وممن كان يرجى أن يسهلوا لهم هذه الحياة التي وجدوا أنفسهم فيها . فما ذنبهم لكي يدفعوا ثمنًا لم يكن لهم فيه رأي أو مشورة عند زواج الوالدين ؟ فليتق الله كل راع في رعيته وليعلم أن يوم الحساب ليس عنه ببعيد.

 

موقع الأسرة السعيدة