العناية و الاهتمام بمشاكل الآخرين

 

(وإنّك لعلى خُلق عظيم ) .. لا عجب إذا وقف الإنسان مذهلاً أمام عظمة هذا الرسول (ص) وتساميه الأخلاقي والانساني الفريد . . فالمتتبع لسلوكه وسيرته العملية لا يملك إلاّ أن يسلّم بأن هذا الخلق هو حقاً خلق نبي عظيم ، يكرّس كل جهده وحياته لتخفيف آلام الإنسان ومعاناته ، وإعادة الأمن والطمأنينة إلى نفسه . .


 

إن تحليل ما صدر عنه من مواقف سلوكية في هذا المجال تجسد أخلاقية الرحمة التي افتقدها الإنسان في عالم القسوة وموت الضمير وتجسّد أخلاقية التواضع في عالم تستولي عليه روح الكبرياء والغرور . . وتجسد روح الهم والاهتمام بالآخرين وحل مشاكلهم ، في عالم تسيطر عليه روح الأنانية واضطهاد الإنسان . . فهو في كل سلوكه وسيرته يجسِّد قول الله الحق : (وما أرسلناك إلاّ رحمة للعالمين ) . لنقف أمام صورة رائعة أخرى من صور هذا السلوك الإنساني النبيل يصنعه الرسول لجارية مملوكة في مجتمع العبيد والأسياد . .
إنّه يسير في سوق المدينة ليشتري قميصاً متواضعاً شأنه شأن سائر الناس . . وما أن يشاهد أحدُ الأشخاص الرسولَ ، وقد ابتاع القميص من الحانوت ، حتى يطلب منه أن يكسيه ويشتري له قميصاً ، فينزع رسول الله (ص) ذلك القميص ويعطيه له . . ثمّ يواصل سيره فيلتقي بجارية قد استولى على قلبها الحزن والخوف ، وراحت تبكي وتذرف الدموع . . استوقف هذا المشهد الحزين قلب الرحمة والحب لكل الناس . . قلب محمد (ص) وراح يسألها ما يبكيك .. ؟ فتجيبه وتعرفه بمشكلتها . . لنترك رواية القصة للمؤرخين وكتّاب السير ، فنقرأها كما رويت . .
قال ابن كثير راوياً هذه الحادثة عن سلسلة من الرواة عن ابن عمر : «سمعت رسول الله (ص) ، رأى صاحب بز فاشترى منه قميصاً بأربعة دراهم ، فخرج وهو عليه ، فإذا رجل من الأنصار ، فقال : يا رسول الله اكسني قميصاً ، كساك الله من ثياب الجنّة ، فنزع القميص فكساه إيّاه ، ثمّ رجع إلى صاحب الحانوت فاشترى منه قميصاً بأربعة دراهم ، وبقي معه درهمان ، فإذا هو بجارية في الطريق تبكي ، فقال : ما يبكيك ؟ فقالت : يا رسول الله دفع إلي أهلي درهمين أشتري بهما دقيقاً فهلكا ، فدفع إليها رسول الله الدرهمين الباقيين ، ثمّ انقلب وهي تبكي فدعاها فقال : ما يبكيك وقد أخذت الدرهمين ؟ فقالت : أخاف أن يضربوني ، فمشى معها إلى أهلها فسلّم ، فعرفوا صوته ، ثمّ عاد فسلم ، ثمّ عاد فثلّث فردوا ، فقال : أسمعتم أوّل السلام ؟ قالوا : نعم ، ولكن أحببنا أن تزيدنا من السلام ، فما أشخصك بأبينا وأمّنا ، فقال : أشفقت هذه الجارية أن تضربوها ، فقال صاحبها : هي حرة لوجه الله لممشاك معها ، فبشرهم رسول الله بالخير والجنّة».
                      

المصدر: شباب عا نت