العلاقة بين الطبيب والمريض النفسى

يبدأ التشخيص والعلاج في الطب مع المقابلة السريرية للمريض ، إن جمع المعلومات وتقييمها ومناقشة العلامات السريرية والفحوصات مع المريض إضافة إلى تخطيط ووصف العلاج كلها تعتمد على المقابلة والفحص السريري ، فكلما زادت مهارة الطبيب بالقيام بذلك كانت أسس التشخيص أكثر دقة وسلامة.



وتعتبر المقابلة السريرية ذات أهمية مركزية لكافة مراحل رعاية المريض العلاجية والتأهيلية والتي تحتاح إلى مهارة يجب إن يكتسبها العاملين في المجال الطبي، فالطبيب الجيد هو الذي ينجح في إيصال المعلومات بشكل بسيط وواضح إلى المريض مع إعطاءه الإحساس بالطمأنينة والثقة بالمعالج والعلاج ، وتحتاج العلاقة الجيدة بين الطبيب والمريض إلى مقابلات سريرية كفوءة ومؤثرة وبما يضمن قدرة المعالج السيطرة على كافة مراحل العلاج وكذلك الحصول مبكراً على أية معلومات حول تطّور الحالة المرضية أو مضاعفاتها.

ولا بد من الإشارة هنا إلى أن الأفراد تتباين في بنائها الشخصي وتعاملها مع ظروف التوتر ، فهنالك من يتحدث عند معاناته وآلامه بلسانه ، وآخر من تكون قدرته اللفظية للتعبير محدودة ، كما أن الإنسان عند إصابته بحالة مرضية ما يحدث ما نطلق عليه نكوص أي عودته إلى مرحلة طفولية ، حيث تكون حاجاته هنا كثيرة ، فهو يريد الرعاية الخاصة ، وتكون بعض تصرفاته طفولية يريد (البزازة) أي ميزان الحرارة ، ويريد التربيت على جسمه (أي الفحص ) ويكون الكادر الطبي والطبيب خاصة رمز السلطة الأبوية ، وعليه تكون توقعاته منهم كثيرة ، فعليهم إستقباله والتعاطف معه ورعايته وإرشاده وإسنادة ، هذا بشكل عام ، أما إذا أدخل المريض المستشفى فالحالة تكون أكثر تعقيداً لأسباب عديدة منها:

أ.دخول المستشفى يعتبر بحد ذاته شدة نفسية للمريض ، يتم خلالها تجريده من سلطاته وصلاحياته ومسؤولياته وتحويل ذلك كله إلى الكادر الطبي والتمريضي.

ب- الردهة تلغي خصوصية الإنسان ، مما يضيف عبئاً جديداً.

ج- عند دخول المستشفى ، تظهر حالة الإعتماد Dependence ودرجاتها تختلف من شخص إلى آخر حسب طبيعته ، فمن كان أصلاً هو سلبي Passive أو إعتمادي يتضخم ذلك ويصبح المريض إعتمادياً بدرجة كبيرة .

مما تقدّم يتبين أهمية فهم ومعرف كيفية التعامل مع المريض ، وهذا الموضوع تمت الإشارة إليه منذ آلاف السنين وقد قال أقراط المتوفي سنة 377 ق.م في وصيته المعروفة بترتيب الطب : ((ينبغي أن يكون المتعلم للطب في جنسه حراً ، و في طبعه جيداً ، حديث السن ، معتدل القامة ، متناسب الأعضاء، جيد الفهم، حسن الحديث ، صحيح الرأي عند المشورة ، عفيفاً ، شجاعاً ، غير محب للفضة، مالكاً لنفسه عند الغضب ، وينبغي أن يكون مشاركاً للعليل ، مشفقاً عليه، حافظاً للأسرار، وينبغي أن يكون محتملاً للشتيمة.... إلخ)) . ومقابل ذلك أعتبر أن الطبيب شخصية عظيمة كريمة تستحق الإعظام وتستوجب الإجلال ، وعليه يجب ملاحظة ما يلي لضمان علاقة بين الطبيب والمريض سليمة وتحقق الغاية من علاج كفوء ومتكامل:

المقابلة مع المريض مهمة جداً ومن أسسها :

 

أولاً: هيئة المعالج:

يترك المظهر الخارجي للمعالج أثراً مهماً وفعالاً في ردود فعل المريض وإستجاباته ، فأداء التحية والإبتسامة والقيافة الجيدة ونظافة الجسم من الروائح غير المستحبة عوامل حيوية وفعالة في ترك آثار نفسية طيبة لدى المريض للإنفتاح وتقبّل الرعاية الطبية وإرشادات المعالج.

ثانياً: كيفية بدء المقابلة :

يفضل البدء بتوجيه أسئلة مفتوحة للمريض مثلاً : (هل بالإمكان أن تحدثني عن المشاكل التي تعانيها) أو (أنا مهتم بسماع ما تود الحديث عنه يهم حالتك). وهذه أفضل من الأسئلة ذات النهايات المغلقة والمباشرة ... مثلاً (ماذا تعاني) فإذا أجاب المريض (أنني أعاني من صداع ) فقد يقع الطبيب في خطأ ويسأل سلسلة من الأسئلة مثل (متى وأنت تعاني من الصداع) و(كم تستغرق كل نوبة) و(من أين يبدأ ومصدر الألم) و(ماذا يساعد على إنهاء النوبة) وهكذا ... ولذلك يتوجب على الطبيب قبل شروعه بتوجيه الأسئلة المحددة الإجابة الصمت قليلاً ليفسح المجال للمريض للحديث والإنفتاح بشكل أوسع ومن المستحسن أن يتجنب المعالج أسئلة (لماذا؟) لأنها تبدو كحالة مقاضاة وإن مكان القصد غير ذلك.

ثالثاً: الإصغاء:

الإصغاء أمر أساسي للإتصال اليومي بين الناس يمارسه كل واحد منا عند ما يكون راغباً أو معنياً في محادثة إنسان آخر، ويعتبر الإصغاء من أعلى صور التقدير الذي يمكن أن يقدمه الفرد لشخص آخر ، فإصغاء المعالج بإهتمام إلى المريض يخلق جو الثقة بينهما ويبعث الراحة والطمأنينة في نفس المريض.

رابعاً: الصمت:

إن من أبسط الأمور التي يمكن أن يقوم بها الطبيب هو البقاء صامتاً ، وإعطاء فرصة للمريض للحديث والصمت هنا لا يعني عدم التواصل فتعابير الوجه وطريقة الجلوس للمعالج تخبر المريض بأن أمامه مستمع مهتم به وبمعاناته علماً أن المريض يسكت لفترات لأسباب عديدة منها خوفه من التشخيص أو عدم الراحة للحديث مع شخص ينتمي إلى جنس أو عمر أو طبقة أو عرق آخر وهذا لا يعني الإسراف في صمت الطبيب وخاصة في مجتمعنا لأن غالبية الأفراد يتضايقون من الصمت الطويل في المحادثات الإعتيادية ، ولذلك عند الشعور بأن الصمت يضايقة المريض فعلى المعالج أن يزيد من نشاطه.

خامساً: تسهيل الأمور :

إن عملية تسهيل الأمور تشجع التواصل ، أي أنها توحي للمريض بأن الطبيب مهتم بما يقوله المريض ويشجعه على الإستمرار ، كما أنه يوحي للمريض بأن يصرح أكثر ، ويتم ذلك عن طريق السلوك غير اللفظي واللفظي مثل الإيماءة كحركة الرأس أو تغيير تعابير الوجه أو الكلمات مثلاً إذا تحدثت الأم عن معاناة إبنها للحمى ، بالإمكان أن يقول لها المعالج لاحقاً ( أنت قلت أن إبنك عانى من الحمى هل توضحي ذلك ).

سادساً: المواجهة:

وهنا يستخدم الطبيب سلطته بشكل أكبر مما هو الحالة في تقنية تسهيل الأمور أو الصمت ، حيث أن تسهيل الأمور هو دفع المريض للتوسع بالحديث حول موضوع معين أما المواجهة فتوجه إنتباه المريض إلى شيء ربما لم يكن واعياً به أو مدركاً له ، ونتيجة لذلك تؤدي المواجهة إلى طرح موضوع جديد ، مثل (إنت تبدو خائف) ويجب أن تكون المواجعة بصيغة أسئلة مباشرة مثلاً ( لماذا تبدو غير مرتاح).

سابعاً: الأسئلة :

إن السؤال هو أعلى درجات السلطة والسيطرة ، ويمكن إعتباره إثارة موجهة مباشرة ، والأسئلة التي تتطلب إجابات محددة نادراً ما يفضل إستخدامها وهي دلالة على ضعف قدرة الطبيب للإستفادة من المعلومات لأن السؤال إذا تمت صياغته بشكل جيد فستكون الإجابة مليئة بالمعلومات أما توجيه الأسئلة المباشرة فيكون في حالات معينة مثل عند الفشل في الحصول على المعلومات المطلوبة بواسطة التقنيات الأخرى ، أو عندما تتوضح معالم الحالة وتبرز الحاجة إلى معلومات محددة حول بعض التفاصيل الضرورية.

ثامناً: الإسناد والطمأنة:

إن لكلمات الطمأنة مفعولاً عجيباً مساعداً عند طرحها على مسامع المريض الخائف والقلق ، ولتحقيق الغرض المطلوب يجب الإستناد على حقائق ومشاعر حقيقية ، وعدم منح الطمأنينة بطريقة تخلق تطلعات غير معقولة، ومن أنسب الأوقات للتعبير عن الدعم هي عندما تظهر إنفعالات حادة عند المريض أو عند مواجهة حول حالته ولا يفضل إستخدام تعابير لفظية مثل (لا يوجد داعي للخوف) أو (كل شيء سيكون على ما يرام) ، ولكن بالإمكان القول (أنا أفهم ما تتحدث عنه) أو (لا بد أن ذلك كان أمراً مزعجاغً) أو (أنك تحرز تقدماً مرضياً) ، وهكذا.

تاسعاً: الإتصال غير اللفظي:

يكون الإتصال مع المريض من خلال يكون قناتين الأولى القناة اللفظية (الحديث) والثانية غير اللفظية أو ما يطلق عليه بلغة الجسم ، وهذه الأخيرة مهمة جداً ، من خلاله يمكن فهم ما يود المريض أن يقوله ، إضافة إلى ملاحظة الطبيب لسلوك المريض كطريقة المشي والتصرف والجلوس وتعابير الوجه ونبرة الصوت أثناء المقابلة ، إضافة إلى أن المريض يتأثر أيضاً بسلوك وتعابير وجه الطبيب المعالج.

المقابلات في الإختصاصات الطبي والجراحية : يختلف العاملون في حقل الصحة بعضهم عن بعض من حيث المعلومات التي يريدون معرفتها من المريض ، فهؤلاء في أقسام الباطنية والأطفال والنفسية يحتاجون معلومات كثير ولذلك تكون مقابلاتهم طويلة ، بينما أطباء الجلدية يحتاجون إلى معلومات قليلة ، وتتباين الحاجة المطلوبة إلى عمق العلاقة مع المريض ومدى قوتها من إختصاص إلى آخر ،

إلا أن هنالك معوقات للمقابلة يجب معرفتها وهي:

المقابلة السريرية القصيرة:

وتشمل تقديم نفسك للمريض مع ضمان سماعه لإسمك ، والجلوس في مكان يضمن للمريض سهولة رؤيتك لأن ذلك يولد إنطباعاً بأنك لست مستعجلاً ومستعد لإعطاء إهتمامك كله لمشكلة المريض ، وعليك شرح دورك للمريض بشكل يفهمه تماماً وحاول الحصول على التاريخ المرضي والشخصي الذي تحتاجه خلال سياق الفحص ، وعليك توفير فرصة للتحاور قبل الشروع بالإجراءات ،

مثلاً شرح ما سيكون عليه الفحص والتعاون المطلوب من المريض ويجب أن تسأل جميع الأسئلة وخاصة الأسئلة الحرجة قبل فحص المنطقة المعينة فلا يجوز سؤال المريض هل أصاب أحد أفراد عائلته بالسرطان أثناء فحص المنطقة التي تقلقه ويتوجب عليك تلخيص إستنتاجك وملاحظاتك بشكل مفهوم بعد إكمال الفحص وفي حالة الحاجة لإجراء عملية ما فيتوجب أن يعرف المريض ما ستسبب له العلمية من آلام أو إزعاجات قبل الشروع بها ويجب وصف كافة الخطوات بشكل واضح مع ذكر كافة الإحتمالات في حالة إخضاعه للتخدير العام وأخذ موافقته على ذلك.

مقدمة تتضمن عدد من الأساسيات لضمان علاج كفوء ورضا المريض وذويه والمجتمع

إن السلوك الإنساني عموماً، يجب أن يرتكز على قاعدة من الفضائل العامة ، وحب الخير للجميع ، والأمانة مع الآخرين والصدق مع النفس ، والإبتعاد عن الأنانية والمصلحة الفردية ، ومن كمال الإنسان أن يكون متصفاً بمكارم الأخلاق متحلياً بمحاسنها ، آخذاً بالفضائل ، وإن كان عالماً فالعلم يجب أن يصان بالأخلاق الفاضلة ، ويحافط بالسلوك الحسن، ومن أهم العلوم وأكثرها إنسانية : الطب.

والطب قديم قدم الإنسان ، والمرض ورد ذكره في القرآن الكريم ، ومن آياته تعالىL(ليس على الأعمى حرج ، ولا على الأعرج حرج ، ولا على المريض حرج)).

وفي قوله (ص): ((إن الله أنزل الداء والدواء ، وجعل لكل داء دواء ، فتداووا ولا تداووا بالمحرّم)).

 

المصدر: نفساني