العلاقات الخارجية في الأسرة: حرص واعتدال وتعارف وبر

على الرغم من أن الأسرة كيان مستقل له صفاته الخاصة وحوائجه الخاصة وميزاته الخاصة, إلا أنه كيان ضمن مجموعة كبيرة من الأمواج المتلاطمة من الأسر والأفراد, وهذه الأسرة أو تلك ليست وحيدة على الساحة بل تتأثر و تؤثر بما يحصل في خارج محيطها, وتتفاعل معه.



ولم يكن الإسلام ليترك هذه العلاقات الخارجية على أهميتها دون ضبط ودون توجيه, وخاصة أن الأسرة أول المعاقل الإسلامية التي يجب أن تحصن تحصينا جيدا حتى لا يتخلخل جسد الأمة.

والعلاقات الأسرية الخارجية علاقات متشابكة ومتداخلة ومتنوعة, تنطلق من علاقة الزوجين بعائلة كل واحد منهما إلى علاقة الأولاد مع الخالة والعمة والخال والعم وأولادهم.

العلاقات الخارجية هذه لابد أن تتصف بالصفات التالية:

الحرص:

فحرص المسلم على بيته من الأولويات في حياته, وهو حرص يشمل الحماية والرعاية والخوف من التسربات المختلفة نتيجة هذه العلاقات لذلك لا بد أن يكون المسلم حريصا على بيته أشد الحرص ولقد أمرنا رسول الله عليه السلام بالحرص فقال: (احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كان كذا وكذا ولكن قل قدر الله وما شاء فعل فإن لو تفتح عمل الشيطان) (مسلم). ولا شيء ينفع المسلم اليوم كحرصه على بيته, فعندما يرى مثلا أن بعض الزيارات لبعض الأشخاص تؤثر على بيته سلبا فلا بد أن يحد من هذه العلاقة.

الاعتدال:

فلا إفراط ولا تفريط وأي علاقة زادت عن حجمها الطبيعي فقد تؤدي إلى خطورة متوقعة, وأي علاقة وقع التقصير فيها فهي جفوة وقطيعة لا يرضاها الإسلام.

وهذه العلاقات أيضا لا بد أن تحقق الأهداف التالية:

التعارف:

فالزواج ليس علاقة بين فردين فقط بل هو علاقة بين أسرتين وعائلتين , وبهذا الزواج يزيد الإنسان من قاعدته المعرفية بالناس التي هي أحد الأهداف التي رصدها الإسلام فقال تعالى: "ياأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير) (الحجرات: 13). (وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا وكان ربك قديرا) (الفرقان: 54). قال القرطبي: "النسب والصهر معنيان يعمان كل قربى تكون بين آدميين". والزواج أحد أسباب الرزق لأنه يحقق علاقات جديدة وكما يقول د. البكار "العلاقات الجيدة مصدر رزق جيد".

البر والإحسان والتواصل:

وهي من أهم أهداف هذه العلاقات المتنوعة لأن هذه القرابة لها حقوق كثيرة (وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيرا) (الإسراء: 26 ). (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا) (النساء: 36).

وهذه العلاقات المتشابكة علاقات بالغة التعقيد, ترك الإسلام للمسلم حرية التصرف والإدارة فيها بما يحقق الأهداف الأساسية لهذه العلاقات ولكنه رسم لذلك الخطوط العريضة ومنها:

أولا:علاقة الزوج مع أسرة الزوجة

الضوابط لهذه العلاقة هي الضوابط العامة للإسلام مع تركيز على عدد من النقاط المهمة:

1. الاحترام المتبادل:

وهو أن يحترم الزوج أهل الزوجة ويكرمهم, ويخاطبهم بأحب الأسماء إليهم, ويقدمهم في مجالسه.

2. عدم التكلم بالكلام البذيء أمام أهل الزوجة:

وخاصة بما يمس أمور الجماع وغيرها وهذا الأمر يضعهم في دائرة الحرج والخجل, والمسلم بطبيعته ينبغي ألا يحرج أحدا فكيف إذا كان أهل زوجته, ولقد فطن لذلك علي رضي الله عنه فأبى أن يكلم رسول الله صلى لله عليه وسلم في حكم فقهي هو بحاجة له لأنه كان زوجا لابنته فأرسل رسولا هو المقداد بن الأسود فقد روى الإمام مسلم عن علي قال: (كنت رجلا مذاء وكنت أستحيي أن أسأل النبي صلى الله عليه وسلم لمكان ابنته فأمرت المقداد بن الأسود فسأله فقال يغسل ذكره ويتوضأ).

3. عدم إفشاء سر الزوجة أمام أهلها:

وهذا من الأمور الخطيرة التي قد يرتكبها بعض الرجال في حق نسائهم, سواء كان الأمر أمام أهلها أو غيرهم, ولقد اعتبر الإسلام أن ذلك الرجل من أشر الرجال روى الإمام مسلم عن أبي سعيد الخدري قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرها)، حيث أفرد الإمام مسلم في صحيحه بابا سماه باب تحريم إفشاء سر المرأة.

4. السماح للزوجة بزيارة أهلها والسماح لهم بزيارتها:

وهذا من أنواع البر والترفيه للمرأة, فمساعدتها على بر ذويها والسماح لهم برؤيتها, وفتح قلبه لهم قبل بيته, وتفهمه لطبيعة العلاقة بينها وبين ذويها يشعر المرأة بقرب الزوج منها, وتشعر بأمن وهي في مملكتها التي تعيش فيها, فهي بذلك لم تخسر أهلها, وربحت زوجها فمن أحسن منها حالا. إن من الأخطاء الشائعة والقاتلة أن الزوج يريد أن يقطع وريد زوجته عن أهلها, ويغير الدم الذي يجري في عروقها, فيمنع ويهدد ويحذر من زيارة أو حتى اتصال فتعيش الزوجة في قلق دائم, ويسري هذا القلق إلى المفاصل المختلفة من الأسرة فيعمل فيها حتى يشلها.

إن ضبط العلاقة مع أسرة الزوجة بهذه الضوابط وبغيرها من الضوابط العامة للإسلام تجعل من البيت المسلم في مأمن من كثير من المآزق المحتملة والتي تكون غالبا بسبب إهمال في مثل هذه النقاط وتجاهلها وبالتالي توتر دائم في هذه العلاقة وشعور بالقلق يسري في أوصال الأسرة.

إقرأ أيضاً: الرد على مثنى وثلاث ورباع وما ملكت أيمانكم

ثانيا: علاقة الزوجة مع أسرة الزوج

وهي علاقة دقيقة بعض الشيء إذ أن الزوجة تنتقل من بيت أهلها إلى بيت الزوجية حيث تصبح علاقتها مع بيت أهل زوجها علاقة مباشرة واحتكاكها معهم شبه يومي, لذلك لا بد أن تكون الزوجة حكيمة في علاقتها معهم, دقيقة الملاحظة لتصرفاتها, سريعة البديهة لتجاوز الأخطاء إن وقعت.
وهذه العلاقة أيضا علاقة ترك الإسلام فيها حرية التصرف للطرفين بما يحقق أهدافه السامية ويزيد ترابط العلاقة بين جميع الأطراف ومن هذه الضوابط:

1. احترام أهل الزوج:

فوالد الزوجة كالوالد تماما وحرمته حرمة مؤبدة, وأم الزوج كذلك فهي أم أهدت للزوجة فلذة كبدها, وهذه الهدية هي أغلى هدية للزوجة فلا بد من احترام مهديها وتقديره ومراعاة شعوره وتقديمه في المناسبات والمحافل واستخدام اللباقة وحسن الكلام معه.

2. تشجيع الزوج على بر والديه وأشقائه:

فليست أم الزوج منافسة للزوجة في زوجها, ولكنها أم فقدت ولدها الذي كان بين يديها ليكون بين يد امرأة أخرى, فهي تشعر بفقد وفراغ كبيرين في حياتها ولا سيما إذا كانت الأم نرجسية بعض الشيء في حبها لولدها, وهنا تأتي حكمة الزوجة في إزالة هذه الفكرة من ذهن الأم بتشجيع زوجها على بر والدته و أشقائه وإظهار رغبتها بذلك أمامهم بحب ولطف وأن تذكرهم بخير أمام الناس وتذكر حب زوجها لأهله فهذه السيدة عائشة تتعامل مع السيدة فاطمة بحكمة وهي (ابنة زوجها) وتذكرها بخير فقد روى الترمذي عن جميع بن عمير التيمي قال: (دخلت مع عمتي على عائشة فسئلت أي الناس كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت فاطمة) (قال أبو عيسى هذا حديث حسن غريب). فعندما تسمع فاطمة بهذا الكلام الذي ذكرته زوجة أبيها (عائشة) لن يكون منها إلا المبادلة بالمثل من ذكر بالمعروف والخير.

3. زيارتهم والتودد لهم:

الزيارة بلسم من بلاسم الشفاء للأمراض الاجتماعية المختلفة فهي يد من الرحمن لمسح الآلام المختلفة لما فيها من رأب للصدع وتقريب للقلوب وإزالة للجفوة, وتخفيف للآلام وتعبيد للطرق الوعرة.

ولقد حث الإسلام على الزيارات بين الناس ولا سيما إذا كان الرابط لهذه الزيارة مرضاة الله وتحقيق أهداف الإسلام فعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قال الله عز وجل: (وجبت محبتي للمتحابين في والمتجالسين في والمتزاورين في والمتباذلين في المتزاورون في سبيل الله) (أحمد ومالك).

وإعراض بعض الناس عن الزيارات وخاصة زيارة الكنة لأهل زوجها يسمح لكثير من المتطفلين الدخول والعبث بأمن الأسرة فينقلون الكلام ويحللون ويؤولون وهم في مأمن من أن هؤلاء لا زيارات بينهم.

الحياد الإيجابي بين الأطراف:

العلاقات الخارجية في الأسرة كأي علاقة يصيبها أعراض وأمراض مختلفة, والمسلم تجاه هذه الأعراض ليس سلبيا إلى درجة مقيتة, بل هو يتعامل مع الأطراف المختلفة تعاملا حياديا ولكنه حياد ايجابي, بحيث لا ينقل إلا خيرا ولا يقول إلا خيرا, ويبتعد عن التحديات الجازمة وعن التحزب ضد أحد في محيط الأسرة, ويأخذ دور المصلح الذي تهفو إليه القلوب وتطمئن له النفوس وتودع عنده الأسرار.

فإذا وقعت قطيعة بين بعض الأطراف في الأسرة فواجب الزوجة مثلا أن تكون حيادية ما استطاعت ولا تتحزب لأحد وتحاول الإصلاح مضيقة شقة الخلاف ومطبقة قول النبي عليه السلام: (ليس النمام الذي يقول خيرا).

 

موقع الأسرة السعيدة