العلاج العائلي لمريض فصام الشخصية

د. محمد أحمد النابلسي  

كان فرويد وأتباعه من المحللين السباقين في اكتشاف دور الخلل العائلي في إحداث مرض الانفصام. فالتحليل النفسي يرد الأسباب النفسية للانفصام إلى ما وراء الأسباب الظاهرية التي ولدت المرض. وهم يركزون على المرحلة الفمية بالذات Stade Oral حيث يمكن أن تنشأ اتصالات مضطربة بين الأم ورضيعها. ويشبه المحللون اضطراب العلاقة بين الأم ورضيعها بـ نقطة ضعف في أساس العمارة (أي الشخصية).



ومن خلال دراستهم للحالات الفصامية توصل المحللون إلى وضع وتحديد أنماط عدة ((للأم المتسببة بالفصام)). ومن أهم هذه الأنماط وأكثرها مطابقة للمنطق التحليلي نمط الأم المتزوجة من رجل (أي والد المريض) ضعيف الشخصية ولكنه سريع الغضب والانفعال. ونظراً لضعف شخصية الوالد فإن المريض يحيا طفولة تغيب عنها السلطة الأبوية أو تشوه صورة الأب (وبالتالي السلطة الأبوية) في نظر الطفل من خلال عمليات النقد والتهجم المستمرة التي تمارسها الأم على الأب (قد يحصل ذلك في غياب الأب)

ولو قمنا بتفحص المحيط العائلي لمريض الانفصام لوجدنا أن هذا المحيط قد يبدو طبيعياً دون أن تشوبه شائبة للوهلة الأولى. إلا أننا ولدى تعمقنا في دراسة أفراد هذه العائلة (وخاصة الأم والأب) نلاحظ نوعاً من القساوة والجمود العاطفي والفكري يهيمنان على أجواء هذه العائلة. كما نلاحظ انخفاض قدرة هؤلاء الأفراد على إقامة صلات عاطفية أو حتى حوارات حميمة فيما بينهم. وبمعنى آخر فإن عائلة المريض بالانفصام هي عائلة تعاني صعوبات علائقية مؤثرة في توازن المريض من الناحية النفسية على أكثر من صعيد.
وبالرغم من تحديد فرويد، والمحللين من بعده، للدور الهام الذي يلعبه الخلل العائلي في إحداث الفصام فإنه لم يتوجه للعلاج العائلي لهذا المرض. ولكن مع إرساء أسس العلاج النفسي العائلي التفت الباحثون نحو عائلة مريض الانفصام موجهين اهتمامهم نحو دراسة العلاقات العائلية للمريض وأثرها في ظهور المرض وفي تطوره أو تراجعه. (بالأحرى خموده). وقد حاول هؤلاء الباحثون علاج الانفصام عن طريق إصلاح علاقات المريض وأجوائه العائلية فلم ينجحوا. والحقيقة أن هذا الفشل لا يعود، في رأينا الشخصي، لقصور العلاج العائلي وإنما هو عائد إلى عدم قدرة المريض على استيعاب هذا العلا بطرقة فعالة. والدليل القاطع على ذلك نجده في قدرة العلاج العائلي على الحؤول دون حصول الانتكاسات المرضي أو على الأقل تأخير حدوثها. ففي دراسة للباحث Goldstein تأكدت فعالية العلاج العائلي في منع الانتكاسات لدى مرضى الفصام المعالجين دوائياً وعائلياً بالمقارنة مع المرضى المعالجين دوائياً فقط. وتشير هذه الدراسة وعديدة غيرها إلى أن العلاج العائلي يؤدي إلى تحسن جوانب نفسية عديدة في شخصية المريض لا يطالها التأثير الدوائي.
أما عن خطوات العلاج العائلي للانفصام فهي ترتكز على المبادئ التالية:
·         تحديد أفراد العائلة الذين يعايشون المريض والذين يتميزون بتعابير انفعالية سلبية مبالغة (الشعور بالظلم، الكره، الحسد، الرغبة بالثأر، التدمير ... الخ). وقد أطلق الباحثون الأميركيون على هؤلاء الأشخاص تعبير الـ High E.E)) واعتبروهم مسؤولين عن المساهمة في إحداث اضطرابات الشخصية لدى المريض واستمراريته. وهذا ما يؤكده الباحث Brown الذي يشير إلى أن 92% من الانتكاسات الانفصامية تعود لوجود مثل هؤلاء الأشخاص في عائلة المريض.
·         ضرورة إعادة التوازن للصورة الأبوية: وسنتبسط في شرح هذه النقطة بسبب أهميتها البالغة. فالطفل وابتدءً من سن الثالثة يبدأ باستيعاب النقاط التي تتيح للأب التفوق عليه. فإذا ما وصل الطفل إلى سن 5 ـ 6 سنوات تخلى عن الصراع الأوديبي لمصلحة والده وتحول صراعهما إلى محاولة الطفل تقليد أبيه والتماهي به. والطفل في هذه المرحلة يتخيل نفسه شبيهاً بأبيه عندما يكبر. فإذا ما تدخلت الأم وأحدثت تشويهاً في صورة الأب فإن الطفل يستشعر هذا التشويه في صورته الذاتية. ويكون هذا التشويه أولى دعائم اضطراب الشخصي لدى الطفل الانفصامي. ولذلك وجب توجيه الأم وتدريبها للعمل على تجميل الصورة الأبوية.
·         تثقيف العائلة في موضوع المرض: علينا أن نعمل ومن خلال جلسات عائلية موسعة يحضرها جميع أفراد العائلة (باستثناء المريض والأطفال دون الرابعة) الذين يعيشون مع المريض. وفي هذه الجلسات علينا أن نشرح للعائلة المظاهر المرضية والاضطرابات المرافقة للمرضى، النوبات وإمكانية ظهورها، أهمية العلاج الدوائي وضرورة الإشراف الطبي، احتمالات تطورات المرض وتأثيره على حياة المريض المستقبلية. وأخيراً الأساليب الواجب اتباعها في العلاقة مع المريض.
 ومناقشة مثل هذه المواضيع مع العائلة غالباً ما تكون مصدراً لعدد كبير من الأسئلة الاستيضاحية التي      يطرحها أفراد العائلة التي تجب الإجابة عليها بوضوح مع إعطاء التعليمات اللازمة.
·         إصلاح الجهاز العلائقي داخل الأسرة: بعد مناقشتنا للخطوات الثلاثة الأولى اصب من السهل علينا تبيين الأعطال الطارئة على جهاز العلاقات داخل الأسرة. ومن الوجهة الطبية ـ النفسية علينا أن نقوم بإصلاح هذه الأعطال اعتماداً على الطريقة التي نراها مناسبة سواءً أكانت سلوكية أم تحليلية أم إدراكية ... إلخ. فالهدف هو أولاً وأخيراً تأمين الأجواء العائلية الملائمة للمريض وإزالة التوتر والصراعات من هذه الأجواء منعاً لحدوث الانتكاسات.
·         الإصرار على إقتران العلاجيين الدوائي والعائلي: رأينا أن العلاج العائلي منفرداً لا يستطيع أن يحل مكان العلاج الدوائي. لذلك فإنه من العبث القيام بالعلاج العائلي إذا ما كان المريض ممتنعاً عن تناول علاجه الدوائي. ولعل أفضل الفترات للقيام بالعلاج العائلي هي فترة وجود المريض في المصح.
 وإذا كنا في مجال الحديث عن العلاج العائلي لحالات الانفصام فإننا لا نستطيع أن نتجاهل الأجواء الاجتماعية العامة للمريض ولعائلته. وهذا ما يدفعنا لطرح عدد من الأسئلة، نعرف سلفاً أن الأجوبة عليها سلبية:
1.       ما هي إمكانيات العلاج المتحضر لهذا المريض في مجتمعنا؟
2.       كم هي الحالات التي تشخص في الوقت المناسب؟
3.       من هي العائلات التي تتقبل بموضوعية فكرة كونها مساهمة في إحداث المرض؟ وكم عددها؟
4.       كم هي النسبة المئوية للمرضى الذين تم عرضهم على الطبيب؟
5.       ما هي نسبة العائلات القادرة مادياً على متابعة علاج من هذا النوع وعلى تحمل أعبائه؟
6.       هل عندنا أعداد كافية من الاختصاصيين في هذه المجالات؟
7.       هل سعينا أو نسعى لإعداد مثل هؤلاء الاختصاصيين.
8.       هل نعلم النسبة المئوية للإصابة بالانفصام في مجتمعنا؟ أو العدد التقريبي لهؤلاء المرضى؟
9.       هل وضعنا حداً لأساليب العلاج المتخلفة وذات الآثار السلبية على هؤلاء المرضى ... الخ.
وتطول هذه اللائحة ليس فقط بالنسبة لمرضى الانفصام ولكن أيضاً بالنسبة لسائر المرضى النفسيين والعقليين.

المصدر: موقع نساء سوريا