العلاقات العامة في الأزمات

إن الأهمية الإستراتيجية لوظيفة العلاقات العامة لا تتضح تماماً إلا عندما تواجه الحكومات أو المؤسسات أزمة ما تهدد وضعها ومقدرتها على العمل والمنافس أو تهدد وجودها ذاته وقدرتها على البقاء ، في أوقات الأزمات تصبح المؤسسات عرضة لمراقبة الإعلام فتقوم وسائل الإعلام والجمهور معاً بوضعها على طاولة التشريح لفحصها بدقة وتصبح جميع حركات المؤسسة وسكناتها موضع مراقبة وتحليل وانتقاد من جمهورها بجميع شرائحه ، خاصة أن مصالحهم مرهونة بنجاح المؤسسة أو فشلها، ولذلك فهم عادة يهتمون بتتبع ما ستؤول إليه حال المؤسسة أو الجهة التي تتعرض للأزمة في نهاية الأمر.



 

والأزمة هي نقطة تحول في موقف مفاجئ يؤدي إلى أوضاع غير مستقرة ما يهدّد المصالح والبنية الأساسية وتحدث عنها نتائج غير مرغوب بها كل ذلك قد يجري في وقت قصير يلزم معه اتخاذ قرار محدّد للمواجهة تكون فيه الأطراف المعنية غير مستعدة أو قادرة على المواجهة وتظهر الأزمة عندما تخرج المشكلات عن نطاق السيطرة، وتتلاقى الأحداث، وتتشابك الأسباب بالنتائج ويفقد معها متخذو القرار قدرته على السيطرة على المؤسسة وعلى اتجاهاتها المستقبلية.

إدارة الأزمـة

 إن إدارة الأزمة تعني طريقة التغلب عليها والتحكم بضغطها ومساراتها واتجاهاتها وتجنب سلبياتها والاستفادة من إيجابياتها و تحقيق أقصى المكاسب في أقصر زمن والحدّ من الخسارات لأدنى حدّ ممكن .

وهكذا فإن إحدى وظائف العلاقات العامة هي الحيلولة دون حدوث أزمات والتغلب عليها في حال حدوثها وهذا ما يسمى بـ إدارة الأزمات ، و لا يعدّ حدوث الأزمات شيئاً جديداً في حد ذاته، سواء أكان على مستوى الفرد أم على مستوى منظمة ما أم على مستوى الدولة ككل ولكن الشيء الجديد هو أن الباحثين بدؤوا يولون هذه القضية الاهتمام اللازم، لأنهم شعروا أنه بإمكانهم فعل شيء حيال الأزمات وتحليلها، كما أن علم إدارة الأزمات، بدأ يظهر نتيجة لأن التطور العلمي، والتكنولوجي قدم وسائل وأدوات للتعامل مع الأزمات وإدارتها وتحليلها ، العلاقات العامة تقوم بدور كبير وفعّال عند حدوث الأزمة وخاصة أن النتائج غير المرغوب فيها للأزمات تنعكس على الأفراد بغض النظر عن نوع الأزمة ومستواها، والسبب في ذلك أن أبعاد الأزمة يمكن أن تكون اجتماعية أو اقتصادية أو بيئية أو حتى سياسية.

إقرأ أيضاً: أخلاقيات رجل العلاقات العامة

الاتصـال أثناء الأزمـات

المبدأ الرئيسي للاتصال في الأزمات هو " عدم الانعزال "في حال حدثت مأساة أو مشكلة ما والاتصال هو الأمر الأكثر فاعلية في ظروف الأزمة، الاتصال الذي يقدم بسرعة كبيرة المعلومات التامة والصريحة لوسائل الإعلام الجماهيري، الواقعة في مركز الأحداث. وفي أكثرية أو غالبية الحالات إن أول ما يجول في ذهن القيادة: " تعالوا ننتظر ريثما يتضح الموقف". إلا أن الصمت يستدعي الشك بأن الجهة التي تتعرض لأزمة قد اتخذت قراراً ما وهذا يزعج وسائل الإعلام، والمشكلة تتأزم أكثر ومن جهة أخرى قد تبرز مشكلة أخرى تتمثل في أن المعلقين والمراسلين في وسائل الإعلام المختلفة والراغبين في الحصول على سبق صحفي قد يستخدمون لغة انفعالية للغاية. إن أكثر رجال العلاقات العامة المهنيين مقتنعون أن القاعدة الأساس للاتصال خلال الأزمة يجب أن تكون:     " قل كل شيء، وقل ذلك بحرية واستقلالية ". وهناك قاعدة ذهبية تقول : عندما يُقدّم الخبر بسرعة فإنه يوقف زحف الشائعات والأقاويل، ويهدئ الأعصاب في الأوساط الاجتماعية وفيما يتعلق بأهداف السيطرة على الأزمة فلا تعقيد في ذلك ولكن ما هي أبرز هذه الأهداف.

أولاً:وضع نهاية فورية للأزمة.

ثانياً:جعل الخسائر في حدها الأدنى .

ثالثاً:إعادة الثقـة.

ُيعدّ التخطيط أحد الشروط الهامة للسيطرة على الأزمة، وإن ذوي الآراء الطائشة هم الذين يلحقون الضرر الأكبر بالتخطيط لمواجهة الأزمة وكأنهم يقولون "إن ذلك لا يمكن أن يكون" وهذا بالذات ما حدث مع ( ناسا ) "التي بدت في وضع حرج بسبب مأساة السفينة الفضائية الأمريكية " تشيلينجر " التي انفجرت في العام 1986. إن الوكالة الأمريكية الهائلة للأبحاث الفضائية بدت بلا حول ولا قوة أمام هذه الكارثة.

ويبرهن رجال العلاقات العامة المهنيون على أنه ما إن تنشب الأزمة فعلى المؤسسة التقويم المتعدد الجوانب لقنوات اتصالاتها، لاسيما من وجهة نظر تلبية طلبات وسائل الإعلام الجماهيري. ولهذا الهدف يجب عليها أن تسأل المؤسسة نفسها

-          ما الفائدة من التعاون مع وسائل الإعلام الإطلاق للمؤسسة    إن كانت المقابلة الصحفية غير مفيدة على الإطلاق للمؤسسة عندئذٍ لا حاجة لإجرائها عموماً.

-          ما درجة المخاطرة ؟                                       

تتعلق الإجابة بماهية العلاقات المتكوّنة بينها وبين وسائل الإعلام الجماهيري، ومن سيجري المقابلة ؟ وكم من الوقت خصص للاستعداد لها وما مستوى المسؤوليأن يقالنية ؟وما الخسائر التي ستتحملها المؤسسة إذا كان ما يجب أن يقال يصبح معلوماً دون إجراء المقابلة؟

-          هل هناك إمكانات لإيصال الخبر؟

هل ستسمح القناة الإخبارية هذه بالإيصال الواضح لمضمون الخبر إلى مسامع الوسط الاجتماعي(الجمهور) ؟

-          هل هذا الجمهور يستحق مثل هذه الجهود ؟

غالباً ما تستطيع القناة التلفزيونية أو أية جريدة تنشر الخبر أن تكون بعيدة عن شريحة الوسط الاجتماعي التي تهم المؤسسة.

-          كيف تستجيب القيادة ؟

 تعدّ الاستجابة المحتملة للقيادة العامل الأهم في تقدير ضرورة الظهور أمام الجمهور. وإن كان عاجلاً أم آجلاً فسيتحتم عليها تقديم التفسير لهذه أو تلك من النصائح والأفعال.

-          هل تسمح الصلاحيات الرسمية بتلبية الحاجة الاجتماعية ؟

أحياناً يتعلق أمر بذلك بالذات على الرغم من أن المستشارين القانونيين في الشركة غالباً ما يكونون غير موافقين على ذلك.

-          هل هناك طريق أفضل ؟ هذا سؤال مبدئي.

 إن كانت هناك إمكانية للابتعاد عن المقابلة الصحفية لا يفترض أن يُعطى لوسيلة الإعلام. وعلى الرغم من أن الظهور أمام الوسط الاجتماعي ضروري بمساعدة الصحافة غالباً ما يكون أفضل وسيلة اتصال في ظروف الأزمة.

وفي النهاية إن عملية الاتصال في ظروف الأزمة، ترتبط بالتقدير الدقيق للمخاطرة، وفائدة الإعلان عن الخبر، وترتبط فاعلية الخبر أيضاً بالدرجة التي تؤخذ فيها النصيحة المقدمة من المهنيين الكبار، ورجال العلاقات العامة المجربين. إن التحدي الذي تفرضه الأزمات يتطلب طريقة فردية واهتماماً بخصائص المشكلة المتأزمة في هذه الحالة. ولا أحد يستطيع تقديم الضمانات حول الأفعال التي ستساعد المؤسسة على الخروج السريع من الأزمة. لكنّ هناك شيئاً واحداً لا شك فيه ألا وهو أن مهنية رجال العلاقات العامة وخبرتهم تُخْتَبَرُ بالقَدْر الذي يستطيعون فيه إخراج المؤسسة من الأزمة، وكأنهم مرشدون بحريَّون يتجنبون المكان الضحل.

النجـاح أثناء الأزمات

هناك ثلاثة عوامل رئيسية لنجاح الاتصالات في ظروف الأزمة هي:

-          وجود خطة اتصالات كجزء لا يتجزّأ من الخطة العامة للتغلب على الأزمة.

-          تشكيل فريق خاصّ لمكافحة الأزمة، إن نشبت.

-          استخدام شخص واحد كي يقوم بمهمة الناطق الإعلامي- الصحفي خلال الأزمة.

عند وضع خطة الاتصالات لابد من تذكر أن مستخدمي المؤسسة سوف يناقشون بلا شك مسائل الأزمة مع جيرانهم، ومعارفهم بغضّ النظر عن أنهم مفوّضون بذلك أم لا. لذلك على خطة جهود الاتصالات أن تأخذ بالحسبان الحجم الكبيربما في الوسط الاجتماعي داخل المؤسسة وخارجها. في غضون ذلك من المهم جداً وضع جدول معين لمثل هذا الإعلام بما في ذلك استخدام المذكرات، والنشرات الإخبارية، والصحافة، والإذاعة، والتلفاز، والاتصالات الهاتفية، وغيرها. ويجب أن يعين أناس موثوق بهم من بين مستخدمي المؤسسة للمشاركة في وضع خطة الاتصالات، ومعالجة نظام تدقيق التصريحات وغيرها من الوثائق قبل الإعلام عنها.

وفيما يتعلق بالمواد الإعلامية وغيرها من الأنباء، من المهم أن يعدّها فريق متخصص مركزياً تعيّنه رئاسة المؤسسة. ويجب أن يتلقى الدعم الكبير من العاملين في الشؤون القانونية أو من المستشارين الذين يمكن دعوتهم من إدارات متخصصة أخرى. وعلى جماعة المستخدمين المسؤولة عن مسائل الاتصالات أن تكون معفاة من عملها الأساسي خلال الأزمة. وإن لم يتم ذلك فإن هؤلاء المستخدمين سوف يستفرغون طاقتهم خلال الأزمة، ولن يستطيعوا السيطرة على الحالة العامة .

إن بعض المستخدمين الذين يعينون في فريق مكافحة الأزمة ملزمون بتحمل كل عبء العمل المتعلق بجمع المواد ودراستها وتوظيفها وتصنيفها وتحري المعطيات المتناقضة، ومراقبة الأنباء وتقديمها للعاملين الآخرين في الجماعة المسؤولين مباشرة عن توزيعها، ونشرها، وأيضاً إلى الشخص المتخصص ( الناطق الصحفي ) الذي يتحدث باسم المؤسسة . ولابد أيضاً من تعيين الشخص الذي عليه أن يقدّر مدى تأثير الأزمة في مختلف فئات الوسط الاجتماعي، وأن يقود الفريق الذي يقدر مدى التأثير الذي تتركه الأخبار على هذه الفئات.

تنشأ خلال الأزمة كقاعدة تناقضات بين النصائح المقدمة لرئاسة المؤسسة من رجال القانون من جهة وبين العاملين في خدمات العلاقات العامة من جهة ثانية. وليس سراً أن يكون المستشارون في الشؤون القانونية أكثر ميلاً " إلى الامتناع عن إعطاء أي تعليقات " ، أما العاملون في العلاقات العامة فيصرون على " العلانية ". عندئذٍ هؤلاء وأولئك يسوّغون ويبرهنون على أساليبهم معتمدين على ما يحدث في عملية تطور الأحداث. فمثلاً إن المستشارين القانونيين ينطلقون من أن القوى المعارضة تتمسك بكل كلمة حرفياً لذلك لابد من التقليل من الكلام قَدْرَ الإمكان. لذلك يمكن فهمهم لأن العلانية في واقع الأمر تحدث مشكلات إضافية عديدة للقانونيين الذين يسعون حسب رؤيتهم للدفاع عن المؤسسة.

لكن في الوقت نفسه لا يجوز نسيان أن الصراحة والعلانية في ظروف الأزمة تعد أيضاً مثمرة في تأثيرها على الرأي العام. ولابد من التذكير: بضرورة الأخذ بالحسبان هل سينظر في الأزمة قضائياً على مستوى المحكمة العادية مثلاً أو على مستوى المحكمة العليا. وهذه العملية سوف تترافق بمناخ معين للرأي العام. إذا كان هذا المناخ في صالح المؤسسة، فهذا جيد وهناك رأي آخر فيما يتعلق بأفضلية العلانية: لدى كل مؤسسة تقع في أزمة يكون الخيار بسيطاً على الدوام. إما أن تعلق هي بالذات، وإما أن يقوم بذلك طرف آخر، والأفضل أن تقوم المؤسسة بذلك . أكد روبرت ديلينشنايدر الرئيس السابق لإحدى الشركات الكبرى في الولايات المتحدة المتخصصة بالعلاقات العامة قائلاً : " على المؤسسة التي تتعرض لأزمة أن تخرج إلى الجمهور مباشرةً بعد الإعلان عن هذه الأزمة في قنوات الأخبار ووسائل الإعلام الجماهيرية ".

بعد وضع خطة الاستجابة للأزمة، وإعلام الوسط الاجتماعي (الجمهور) داخل المؤسسة وخارجها عن أوضاع المؤسسة،يجب تشكيل فريق متخصص للقيام بالخطوة التالية والمهمة جداً ،والموجهة نحو الخروج من الأزمة وهي: تعيين ناطق- رسمي- صحفي يتمتع بالثقة والحضور، و لاشك أن الاختيار الصحيح لهذه الشخصية (الناطق الرسمي) والذي يتمتع بصفات جيدة خطوة مهمة للتغلب على الأزمة، وهذا ما يؤكده مشاهير رجال العلاقات العامة .

الناطق الصحفي

إن دور الناطق الصحفي يمكن أن يأخذه على عاتقه مدير المؤسسة، لكن ذلك ليس مسوغاً دائماً. فمثلاً لا يجوز أن ننسى أن المدير هو المسؤول أيضاً عن اتخاذ القرارات التقنية المهمة لحلّ الأزمة. لكن مهما يكن من أمر فإن المعين والمعطى صلاحية الناطق الصحفي عليه أن يكون معروفاً و أن يتمتع بالشهرة والثقة، وأن يقبل كشخصية تمتلك آخر الأنباء عن كل ما يحدث. وعليه أن يعرف كل جوانب الأزمة ويدرك أهميتها والآثار المتوقعة والمحتملة، وكذلك تكون لديه الصلاحيات الاستثنائية بالتحدث باسم المؤسسة. فمثلاً،يار الناطق الصحفي الذي له علاقة بمضمون ونطاق الأزمة. فمثلاً ، إن انفجرت فضيحة ذات طبيعة أخلاقية فيجب أن يكون الناطق الصحفي أي شخص من بين الخبراء المعروفين في هذه المسائل. لكن كل ناطق صحفي عليه أن يتعلم مسبقاً طريقة الحوار في وسائل الإعلام الجماهيري.

والقاعدة هنا هي أن الناطق الصحفي يجب أن يكون ضمن تشكيلة الفريق المسؤول عن مكافحة الأزمة ، وأن يقوم بمهمة الشخصية الرئيسة التي تقيم اتصالات مع جميع وسائل الإعلام. وفي الحالات التي تنشأ فيها ضرورة استبدال الناطق الصحفي بناطق صحفي آخر ( هذا يمكن أن يحدث عند مرض الأول) أو عندما تكون هناك ضرورة لتعيين شخصية أخرى إضافية،       (مثلاً تحت ضغط التطور المتسارع للأحداث)، ولابد من التأكد من أن هذا التغيير متكافئ أو أن الناطقَين الصُحفيَين يقدمان أنباء مماثلة. وإن اختلاف الأنباء مسموح به فقط في تلك الحالات، عندما يخبر أحد المستخدمين العاملين بالشؤون الداخلية للمؤسسة، وبالواجبات الوظيفية للكادر، أو بالقضايا الاستثنائية الناشئة لدى المستخدمين.

نشير في هذه الأثناء إلى أنه إن دعت الحاجة إلى تعيين ناطق صحفي محدد لإخبار الوسط الاجتماعي الداخلي، فيجب أن تتمتع شخصيته بثقة كبيرالأزمة.تخدمي المؤسسة بالذات. أما فيما يتعلق بالناطق الصحفي المكلف بإخبار الوسط الاجتماعي الخارجي فيجب أن تكون شخصيتة محترمة، تتمتع بشهرة كبيرة في الوسطين الاجتماعيين الداخلي والخارجي على حدٍ سواء. إذا لم يتحقق ذلك فإن الثقة بأخبار المؤسسة ستكون مغايرة، وتبدأ الأقاويل بالظهور، الأمر الذي سيضر بسمعة المؤسسة، وبعملية التغلب على الأزمة .

العاملون في المؤسسة

إضافة إلى هذه العوامل التنظيمية الأساسية الثلاثة، هناك عوامل أخرى لها أهمية كبيرة أيضاً، كما أشرنا سابقاً وهي أن المستخدمين في المؤسسة يشكلون عاملاً مهماً من عوامل الاتصالات الناجحة. وليس صعباً التخمين بأن المستخدمين بالذات هم الحاضرون في الرتل الأول للاتصالات. خاصة في ظروف الأزمة، ففي وقت التماس مع الوسط الاجتماعي (الجمهور) الخارجي يعدّ هؤلاء ممثلين للمؤسسة، وآراؤهم ستكون محل ثقة خاصة، وإن فكرنا بهذا الظرف بالذات وفي سياق أوسع يصبح من الواضح أن الناس الذين يتواصل معهم العاملون في المؤسسة خارج هذه المؤسسة هم من حيث الجوهر إما ممثلو كل فئات الوسط الاجتماعي من ذوي الأولوية بدءاً من العاملين في وسائل الإعلام وانتهاءً بالمستهلكين الذين يرتبط بهم خروج المؤسسة من الأزمة، وهم بدورهم ستكون لهم اتصالات معهم، وبالعلاقة بما يتحدث به العاملون وبطريقة إجابتهم عن الأسئلة وبتصرفاتهم يتشكل فهم المؤسسة الواقعة في حالة أزمة. وللأسف إن رئاسة المؤسسة تعير اهتماماً قليلاً في ظروف الأزمة بالمستخدمين من وجهة النظر هذه بالذات. ويشهد هذا ليس فقط على عدم احترامها للعاملين فيها، بل وعلى مظاهر ضعف مواقف المؤسسة ومواقعها.

إن العاملين في المؤسسة يكونون في حالة خمول خلال مدة الأزمة كلها وحتى في حالة كآبة، إذ يقلقهم قبل كل شيء مصيرهم الخاص، ومن ثم مصير المؤسسة. إنهم جميعاً يصبحون أسرى القنوات الداخلية لنشر الأقاويل، والأنباء المنتشرة خارج المصادر الرسمية للأخبار. في هذه الظروف من المهم جداً أن يحصل المستخدمون على المعلومة من رئاستهم وأن لا يبدوا في وضع يطلعون فيه على الأحداث المهمة الجارية في مؤسستهم عن طريق وسائل الإعلام الجماهيري أولاً. وتكون رئاسة المؤسسة ملزمة بأن تدرك أن مستخدميها بالذات يمكن أن يكونوا عاملاً مهماً ومفتاحياً من عوامل قدرة المؤسسة على العيش والاستمرار في ظروف الأزمة والتغلب عليها وعلى آثارها.

قيادة المؤسسة

إن العامل الآخر والمهم للاتصال الناجح هو سلوك قيادة المؤسسة في ظروف الأزمة. وعلى رجال العلاقات العامة الافتراض المسبق للمناخ الخاص بالاتصالات بالعلاقة بالطريقة التي سوف تتصرف بها القيادة- الرئاسة في حال تعرضت المؤسسة لكارثة. يقدم المتخصص الأمريكي بقضايا مكافحة الأزمات   ( بوب كاريل ) بعض العناصر الخاصة بالحالات القادرة على تعقيد سلوك قيادة المؤسسة في وقت الأزمات وهي :

-          في لحظة تفجّر الأزمة ليس سهلاً دوماً تحديد أبعادها.

-          ليس سهلاً على الدوام الإقرار، مَنْ الأشخاص وفئات الوسط الاجتماعي التي بدت تحت وقع الأزمة.

-          وليس سهلاً دائماً تفسير أسباب حدوث الأزمة. وأحياناً تبقى أسبابها غير مفهومة حتى النهاية بشكل عام.

-          إن الوسط الاجتماعي الذي تمّسه الأزمة مباشرة يشعر باستمرار أنه مصاب.

-          إن فئات الوسط الاجتماعي ، لاسيما تلك التي تؤثر فيها الأزمة تنتظر الخبر الدقيق والضروري لها، مع العلم أن هذا الانتظار يأخذ الشكل المتضخم في بعض الأوقات.

-          اتخاذ القرار عن نشر الخبر يفرض نفسه في ظروف حالة توتر عالية أحياناً.

-          تستدعي الأزمة إلى تقوية العامل الانفعالي في سلوك كل من تمسه.

يؤكد أكثرية المتخصصين في مسائل العلاقات العامة ، أن سلوك القيادة في حالات الأزمات يتحددّ في كثير منه بماهية أسلوب السلوك ( " مغلق" أم " منفتح ") الذي تنتهجه هذه القيادة، ونشير إلى أن هذا العنصر كأسلوب السلوك يتكون على أساس الفهم النظري " الثقافة الجماعية " وهذا يشترط نهج استجابة القيادة لمتطلبات الوسط الاجتماعي الداخلي والخارجي .

إلى جانب ما ذكرنا أعلاه من عوامل أساسية، وغيرها من العوامل المهمة المؤثرة في الاتصالات على الأغلب، مع فئات الوسط الاجتماعي ذوات الأولوية في ظروف الأزمة، لابد من توجيه الاهتمام إلى بعض العناصر النموذجية: ثوابت الأزمة. أي عندما يدور الحديث حول تقبل ( تقدير) الناس الذين لا يقفون مباشرة تحت تأثيرها. وغالباً ما تكون رئاسة المؤسسة ميًالة إلى إعطاء الاهتمام غير الكافي لقيام الاتصالات مع الوسط الاجتماعي ذاك " غير المركزي". ونذكر أكثر هذه الثوابت أهمية:

أهم الثوابت في الأزمات

أولاً : إن الناس يعلمون بشكل رئيس عن الأزمة عن طريق قنوات الاتصالات الشخصية ( بين الأفراد). إن ذلك في الغالب يحدث في تلك الحالات عندما تنشب الأزمة من الناحية الجغرافية، بالقرب أو إن كان هناك رابط متبادل بين المركز مركز الأزمة_ وبين الانتشار السريع للخبر عن طريق قنوات الاتصال الشخصي، ( مثلاً، حدث انفجار في مصنع يقع بالقرب من مركز سكاني وعمال المصنع يستطيعون نشر هذا الخبر بين سكانه قبل أن تنشره وسائل الإعلام الجماهيري).

ثانياً: إن الناس ميالون إلى تفسير أهمية الأزمة وجديّتها من وجهة نظر المخاطرة الشخصية والخطر على الحياة، الأمر الذي يجعلها عندهم مهمة. إن هذا الفهم يمكن أن يبنى قبل كل شيء على العوامل الموضوعية أكثر من العوامل الذاتية.

ثالثاً : تعد المصادر الحكومية للأنباء الأكثر هيبة بين مصادر الأنباء الأخرى.

رابعاً : الحجم العام للأنباء عن الأزمة في وسائل الإعلام الجماهيري يشكل عند الأوساط الاجتماعية العريضة مؤشراً على جديتها.

خامساً: إن وجود الخبر عن الأزمة في وسائل الاتصالات سهلة التداول يخفف من زحف الأقاويل، ويساعد على دقة تقديرات الوضع عند الأوساط الواسعة من المجتمع.

يجب على قيادة المؤسسة التي نشبت فيها الأزمة، وهي مسؤولة بالكامل عن التغلب عليها، أن تدرك أن العديد من المؤسسات الأخرى والشخصيات القانونية وغير القانونية َتنشدّ نحو الأزمة. وتترقّب ليس فقط مدى النجاح والفاعلية اللتين تمَّ فيهما التغلب على الأزمة، بل ومدى المهنية والسرعة اللتين أخبرت فيهما الآخرين (الجمهور) عن ذلك في وسائل الإعلام الجماهيرية. وإن المؤسسة غير القادرة على السيطرة على الأزمة أو تقوم بذلك بلا مهارة وإتقان ستفقد الثقة بها .