الظن والتواصل.

كم منا استمع لوجهات نظر أو أحكام لأشخاص أبدوها في أنفسهم، في أفراد أسرهم، في أقاربهم أو في الناس؟ أكيد أننا كلنا مررنا بهذا.
كم منا أخذ بهذه الوجهات نظر أو بهذه الأحكام وبدون أن يدرك تأثر سلوكه مع الآخر وفق هذا الأخذ؟ لاشك أننا كثيرون.
كم منا يتساءل باستمرار عن دقة أو صحة تطابق الوجهات نظر أو الأحكام مع الواقع الحقيقي؟ أعتقد القليل منا.

موضوع مقالي هو الظن وعلاقته بالتواصل.




"يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا..." سورة الحجرات .آية12.
أربع كلمات تلفت انتباهنا في هذه الآية الكريمة وهي: الظن، الإثم، التجسس ثم الغيبة .



تعريف المفاهيم الإجرائية:

تعريف الظن:
يعرف لسان العرب الظن بأنه":شك ويقين إلا أنه ليس بيقين عيان، إنما هو يقين تدبر، فأما يقين العيان فلا يقال فيه إلا علم". جزء6. ص 30.
أما ابن كثير فتعريفه للظن هو:"التهمة والتخون للأهل والأقارب والناس في غير محله، لأن بعض ذلك يكون إثما محضا، فليتجنب كثيرا منه احتياطا"تفسير ابن كثير.الجزء4ص249.
الظن عند الغزالي هو "عقد القلب وحكمه على غيره بالسوء " هو "عبارة عما تركن إليه النفس ويميل إليه القلب...فليس لك أن تحدث نفسك وتسيء الظن...وليس لك أن تعتقد في غيرك سوءا إلا إذا انكشف لك بعيان لا يقبل التأويل"إحياء علوم الدين، جزء3. ص159.

تعريف الإثم: الخطأ.الذنب.


تعريف الغيبة:
"الغيبة من الاغتياب، واغتاب الرجل صاحبه اغتيابا وهو أن يتكلم خلف إنسان مستور بسوء،أو بما يغمه لو سمعه وإن كان فيه، فإن كان صدقا فهو غيبة". لسان العرب.جزء6.ص705.


تعريف التجسس:
جس الخبر وتجسسه:بحث عنه وتقصاه. وقيل: التجسس: التفتيش عن بواطن الأمور، وقيل الجاسوس:الذي يتجسس الأخبار.لسان العرب.جزء2.ص130.


إذا قال عز من قائل:"اجتنبوا كثيرا من الظن " فهذا يعني أننا:
1-لا نتوقف عن القيام بعملية الظن .
2-أن هناك قسمان من الظن: القليل والكثير.
.القسم الكثير ينقسم بدوره إلى قسمين:الظن الذي علينا الاحتياط منه، ثم البعض الذي هو إثم.
إذا أمرنا الله عز وجل باجتناب الكثير من الظن فهذا يعني أن هذه العملية التي تطرأ في داخل الإنسان هي في مجملها سلبية ويتحول البعض منها إلى إثم (والإثم هو الذنب الذي نرتكبه في حق خالقنا أو في حق أنفسنا أو في حق الآخرين) وإذا كانت عملية الظن في مجملها سلبية فذلك يعني أن القليل منه الذي يبقى في إطار الظن هو –حسب رأيي-ما حدد في لسان العرب بأنه الظن الذي يراد به" يقين عيان ولا يقال فيه إلا علم"والدليل على ذلك في التنزيل العزيز: "إني ظننت أني ملاق كتابية" أي علمت .وكذلك قوله عز وجل:" وظنوا أنهم قد كذبوا" أي علموا. لسان العرب. جزء.ص 31.
بالنسبة للظن الكثير ففيه إذن درجتان:درجة سلبية خفيفة ودرجة أكثر خطورة وهي الإثم.
الذي يهمنا هنا هو النوع الثاني:
السؤال الذي يطرح هو كيف يصل الظن إلى مرحلة الإثم ؟ أو بصيغة أخرى ما هي المراحل التي يمر بها الإنسان لكي يصل بظنه إلى ارتكاب إثم؟


القراءة النفسية للآية:

إذا انطلقنا من مبدأ أن تسلسل الكلمات بطريقة معينة في القرآن الكريم لم يأت صدفة وإنما لذلك معنى وحكمة ،فإننا بالتالي نقول أن هذه الآية الكريمة تدخل في إطار تحديد قسط كبير من العلاقات التواصلية للإنسان ( مع ربه ومع نفسه ومع الآخرين) كيف ؟
حسب قراءتي هذه الآية تمثل درجات تطور سلوك معين وهو سلوك الغيبة: يعني أن الإنسان إذا ظن يكون بالتالي قد ابتدأ من الدرجة الأولى وهي الظن مارا بالدرجة الثانية وهي التجسس منتهيا إلى درجة الغيبة التي تمثل مستوى التواصل الواضح ومستوى الإثم.هذا التسلسل هو تسلسل زمني منطقي.
إذا نظرنا إذن إلى الآية من الجانب النفسي نستطيع القول بأن الظن هو عبارة عن أفكا ر نكونها في داخلنا ولنا المسؤولية في ذلك.
والتجسس هو محاولة الانتباه والملاحظة لجمع المعلومات على الشخص استنادا على أرضية الظن .
أما الغيبة فقد وصلنا إلى العمل بالفكرة وهو السلوك المترتب عنها.
بهذا نصل إلى القول بأن أي سلوك مترتب عن الظن( الذي يدخل في قائمة الظن السيئ) هو سلوك مرفوض( وهذه فرضية علمية)أي إذا لم يكن لدي مؤشرات على اليقين من الأساس فلا أبدأ أي عملية أو أي عمل.


الخطر من الظن أو بعبارة أخرى لماذا وجب اجتناب الظن ؟
هناك فرضية في علم النفس تقول أن هناك واقعان: واقع نفسي وواقع مادي،وتوجد كثير من الأسباب التي تجعل الإنسان يخطئ سواء على مستوى الواقع النفسي أو على مستوى الواقع المادي، هناك عمليات تشويه نفسية تقع غالبا وهي التي تؤدي إلى الضبابية في رسائلنا للآخرين: كثيرا ما نظن أن هناك رسالة موجهة إلينا وهي ليست كذلك وهذا ما يسمى بعملية التقمص Identification،أو نضفي على شخصيتنا ما هو للآخر ما يسمى بعملية الإدخال Introjection، أو نلصق بالآخرين صفات من مخيلاتنا وهو ما يسمى بالإسقاط Projection.
هناك أسباب خارجية وأخرى داخلية تؤدي إلى هذه الضبابية في التواصل، الخارجية تتمثل خاصة في اللغة، أما الداخلية فهي التي تتمثل في عمليات التشويه التي ذكرتها والتي تحدد قراءتنا لرسالة الآخر اللفظية منها أو غير اللفظية،كلنا نجد صعوبات في بلورة ما بداخلنا و تمريره إلى الآخر بشكل دقيق وواضح، نظن أننا نفعل ذلك ولكن نكتشف أن الآخر هو بدوره غالبا ما يجد تلك الصعوبة في ترميز رسائلنا ومواقفنا.
تقول ماري لويز بييرسون وهي محللة نفسية ومختصة في التواصل :"أي صورة، أي إنسان،..أي رسالة وأي علاقة هي حاملة لمعنى : حب أو تهديد، متعة أو تنافر، كره أو تآلف، تقيد أو حرية الذات إلا وهي تفرعات لمشاعر عديدة أحيانا غير واضحة تحضرنا ونحن موجودين مع الآخر ".
هذا راجع إلى أن كل إنسان ينشأ في بيئة يدركها من خلال جسده وحواسه وطريقة اشتغال ذهنه بالإضافة إلى التجارب التي مربها والمعنى أو النظرة التي يعطيها لها.وبالتالي تتكون" ذاكرة داخلية " يرجع إليها الإنسان كلما احتاج لها شعوريا أو لاشعوريا لقراءة كل تفاعلاته مع الواقع ، هذا ما يفسر أن حدثا واحدا نعطيه دلالات ومعاني مختلفة باختلاف مرجعياتنا المخزنة في تلك الذاكرة الداخلية.
استنادا على ما قيل فإن الإنسان في تواصله مع الآخر يكون أفكارا وصورا عنه،وكلما ابتعدنا في قراءتنا لرسالة الآخر عن المعنى المبتغى إيصاله كلما فتحنا المجال للظن وما الظن إلا ابتعاد عن حقيقة الرسالة وعن الواقع المادي ،هذا ما يسمى في علم النفس ب"الدين المعرفي ".La dette cognitive:
نركب إذن صورا عن الآخر غير حقيقية أو غير مطابقة للواقع.هذه الصور وهذه الأفكار المترتبة فقط عن ظننا، سنبحث في الواقع عن سلوكيات لذلك الآخر( وهي سلوكيات حقيقية) نفهم نحن منها ونعطيها المعنى الذي يؤكد ظننا (وذلك حسب مرجعيتنا) وهي مرحلة التجسس.
التجسس لا يأتي من فراغ، أثناء هذه العملية يحصل انتقاء غالبا لاشعوري لأخبار أو معلومات تتوافق( بحكم المعنى الذي نضفيه عليها) والأفكار المسبقة في أذهاننا والتي تمثل الظن.
مرحلة التجسس هذه تؤدي بنا بكل سهولة إلى المرحلة التي تليها وهي الغيبة وهي تمرير هذه الفكرة أو الصورة المكونة في الذهن سواء عن أنفسنا أو عن الآخرين إلى أشخاص من محيطنا، وهنا تكمن درجة الخطر من الظن، بمعنى أن مرحلة الغيبة الخطر فيها يتجلى فيما نسميه" بظاهرة العدوى" وهي بدئ في تعميم الفكرة أي نقلها إلى الآخرين وغالبا ما يصدقها الآخرون بسهوله لأنها تأتي من شخص مركبة ومنظمة حتى أنه يأتي لك ببراهين (وهي ما التقطه في عملية التجسس) وأي حدث من الواقع يصدر من الشخص المغتاب إلا وسيقرؤه ويفسره من هذا المنبر.


النتيجة :

يصبح من الصعب على الشخص الذي اغتيب أن نأخذ منه صورة أخرى غير الصورة التي تكونت ابتداء من مرحلة صغيرة وغير مؤذية في بدايتها (الظن) وانتهت إلى أخرى أخطر منها(الغيبة) والأمثلة كثيرة في الواقع مثل حادثة الإفك عن أمنا عائشة رضي الله عنها، وأمثلة أخرى لاتعد نعاينها داخل النسق الأسري أو في المدارس أو في الإدارات ...كم من حالات عاينتها في العيادة النفسية تفاقمت وكان مبدؤها ظنون آباء في أبنائهم أو أزواج فيما بينهم..أو زملاء عمل...كم من طفل ظلم في قدراته أو في شخصيته من طرف مدرسيه...
مثل غالبا ما يتكرر في حياتي المهنية وهو يخص الطفل، الطفل ابتداء من الشهور الأولى تتولد لديه نزعة طبيعية لاكتشاف المحيط الذي يعيش فيه تتطور هذه النزعة لتصل إلى ذروتها ما بين سنة ونصف إلى خمس أو ست سنوات حسب الأطفال.
الأطفال شخصياتهم مختلفة هناك الهادئ وهناك الحركي، الخجول والمبادر...ولهم إيقاع نمو متفاوت نجد البطيء والسريع...و كل متميز في ذكاء، هناك من له ذكاء لغوي وهو أكثر اجتماعي ومن له ذكاء عملي غالبا ما يتميز بالرسم والخط...
أمام هذه النزعة الطبيعية عند الطفل لاكتشاف بيئته وأمام هذه الاختلافات يصطدم كثير من الآباء أو المدرسين خاصة في غياب الوعي بخطورة وأهمية هذه المراحل من النمو ويكون الصدام في أكثر الحالات حين تجتمع الخصائص التالية في الطفل: الذكاء خاصة الذكاء اللغوي، الحركية، رهافة الحواس، المبادرة..ينعكس ذلك على سلوكياته : يطلب أشياء ويصر على أن تنفذ له ، يكتب على الجدار أو على أشياء أخرى، يريد أن يختار بنفسه، كثيرا ما يقول لا...كل هذه سلوكيات يعبر بها الطفل عن حاجته الطبيعية لإبراز شخصيته و لاكتشاف البيئة التي يعيش فيها بهدف التعلم.



كيف يقابل الآباء هذه السلوكيات؟
عادة وحسب تجربتي يقيس الكبار سلوكيات الصغار بمقياس تفكيرهم ومنطقهم دون اعتبار خصوصيتهم، والنتيجة خلل في التواصل بمعنى أنه في أول سلوك مثير( مثلا في هذا الإطار علاقة الآباء بالأبناء) أول فكرة ظن مثلا:أن ابني ليس كالآخرين أو ينقصه الذكاء، أو كثير الكذب ونحن نعلم أن الطفل في السنوات الأولى لا يدرك مفهوم الكذب بل يسمى في علم النفس "شبه الكذب" " “pseudo-mensongeأو هو خبيث وهل يدرك الطفل أن يكون خبيثا وهو المقرون بصفة البراءة ؟ وحين يتحرك يظن به مشاغب .... إلى غير ذلك من الظنون والأحكام .
هذه الظنون تولد شعورا بالتخوف أو القلق أو الحرمان...لدى الكبار(على تبعات هذا النقص من الذكاء أو الكذب أو الخبث...)الذي يؤسس وبسهولة عملية التجسس وهو انتقاء غالبا لاشعوري لسلوكيات للطفل واقعية يفسرها الأب أو الأم على أنها تؤكد حديث النفس الأول وهو الظن. مما لا يخلو من تعبير لفظي أ و/ وغير لفظي وبالتالي كل صورة تكررت كثيرا في حديث الوالدين إلا وانتهت بعد صراع وصدام باقتناع الطفل على أنه فعلا كذلك. وسيؤدي به إلى الإتيان بالسلوكيات التي تعكس تلك الصور والأفكار، فيتفاقم الأمر حين يتعدى ذلك إلى مرحلة الغيبة وهي أن يشهر أحد الوالدين أو كلاهما بتلك الصورة أو بذلك السلوك عن ابنهما، فتعمم الصورة داخل بيئته ويصبح صعبا على الابن أن يتحرر منها.
ما أكثر ما أسمع حين معاينتي للحالات سواء في العيادة أو في المدرسة كلمات مثل: ظننت، حسبت، توقعت، حدثتني نفسي...و هي تصب في معنى واحد وهي قراءة الواقع النفسي والمادي للآخر قراءة ظن سيء .


من هنا نقول أننا كثيرا ما نحدث أنفسنا عن أبنائنا حديثا ليس له امتداد في الواقع الحقيقي قد نظلمهم به ، ونكون بالتالي قد ارتكبنا أخطاء في حقهم، ولك أن تتخيل تجليات هذه الأخطاء، حين تنبني على سوء الظن، في أمراض نفسية، ونكون بالتالي نساهم في بناء أجسام بنفوس مقيدة ضعيفة لا تنفع نفسها ولا محيطها ولا الأمة ، ومن هنا أقرأ الحديث الشريف "كفى بالمرء إثما أن يضيع من يعول".
لك أن تعمم هذا التسلسل في العلاقات التواصلية سواء في المدرسة، في البيت، في العمل، أو في الشارع...ومع أي كان ،من الظن إلى التجسس إلى الغيبة إلى الاثم.
من أجل هذا كان التحذير قويا في الإسلام، قال رسول الله عليه الصلاة و السلام: " ثلاث لازمات لأمتي:" الطيرة والحسد وسوء الظن"(ابن كثير ص.249) وقال عليه أزكى الصلاة و السلام:" إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث".( نفس المرجع ) ولماذا كان الظن أكذب الحديث؟ لأنه وبكل بساطة بعيد عن الحقيقة ووجوده لا يمثل إلا فكرة في داخلنا.
عن عبد الله ابن عمر قال:رأيت النبي عليه الصلاة والسلام يطوف بالكعبة ويقول:" ما أطيبك وأطيب ريحك، ما أعظمك وأعظم حرمتك، والذي نفس محمد بيده، لحرمة المؤمن أعظم عند الله تعالى حرمة منك، ماله ودمه، وأن يظن به إلا خيرا"( ابن كثير الجزء 4 ص249).
روي عن أمير المؤمنين عمر ابن الخطاب رضي الله عنه قال:" ولا تظنن بكلمة خرجت من أخيك المسلم إلا خيرا، وأنت تجد لها في الخير محملا " وأؤكد على عبارة: "تجد" أي أنت تعطيها معنى إيجابيا.
وقال أيضا رضي الله عنه: "التمس لأخيك ثلاث وسبعون عذرا..." قول مشهور.
قال الرسول عليه الصلاة و السلام ...".وإذا ظننت فلا تحقق" (ابن كثير جزء4.ص249.) لأنك حسب رأيي حين تظن، صعب أن تتحرر من أفكار الظن وبالتالي التأثير على التحقيق يكون في غالب الأحيان شخصي، أفكارك توحي أنك على حق، و قد تقع فيما يقوله الحبيب عليه الصلاة والسلام: "إنك إن اتبعت عورات الناس أفسدتهم" ابن كثير ص248.هذا دليل قاطع أنك بمواقفك في الظن و التجسس حتما ستتواصل معهم بطريقة لفظية أو غير لفظية شعورية أو لاشعورية، وبما أن سوء الظن هي فكرة سلبية، فستنعكس في شعور وسلوك سلبيين اتجاه الآخر يترتب عليه رد فعل غالبا سلبي أيضا، وهذا ما يسمى" بالعلاقة اللولبية" في التواصل.



خطوات عملية للحل:


في ثراتنا الإسلامي نجد أن ابن قيم الجوزية قد قدم تسلسلا عظيما و دقيقا فيما يخص العلاقة بين الفكرة والسلوك وهو يفوق الطرح الذي طرحه علم النفس الغربي من حيث الدقة ،كما يمثل أعظم تمثيل لمراحل تكوين السلوك واستقراره كعادة، فهو حدد أن الإنسان يمر من المراحل التالية: الخطرة ثم الفكرة ثم العزيمة إلى الهمة إلى السلوك إلى العادة.
ما يهمنا هنا هو الخطرة والفكرة.
خطر-الخاطر جمع خواطر:ما يخطر في القلب من تدبير أو أمر، وأخطر الله بباله أمر كذا، وما وجد له ذكرا إلا خطرة، ويقال خطر ببالي وعلى بالي كذا وكذا...إذا وقع ذلك في بالك ووهمك، وخطر الشيطان بين الإنسان وقلبه:أوصل وساوسه إلى قلبه. لسان العرب .
الخطرة إذن هي ما يقع في البال أو القلب أو الوهم، وهي درجة أقل من الفكرة، والفكرة بالتالي هو ما صيغ عبر الحوار الداخلي للإنسان ليعطي معنى وتجسيدا للخطرة، وفي هذا المستوى بالذات تكمن مسئولية الإنسان، في نفس السياق يقول الغزالي:"أما الخواطر وحديث النفس فهو معفو عنه ...ولكن المنهي عنه أن يظن".

بناء على ما سبق نقترح الخطوات التالية لاجتناب فكرة الظن:
• حاول أن تتعرف على الحد الفاصل بين الخطرة و الفكرة.
• احترس، إذا خطر لك خاطر لا تجعله يتطور إلى أفكار من نوع سوء الظن.
• اعلم أنك إن أعطيت معنى لسلوك ما، فهو ليس بالضرورة المعنى الذي يعطيه الآخر.
• إن حصل وظننت ظنا سيئا تجنب ترويجه، استر الآخر.
• أعط قيمة للوقت قد يتأكد الظن أو يظهر العكس.
• قد تظن وتخطئ نتيجة هذا الظن في ظرف لحظة، دقائق، ساعات أو يأخذ منك وقتا أطول حسب الحدث.
• اجعل في بالك أن الفكرة ( وهنا الفكرة هي الظن السيئ )تترجم إلى شعور ثم إلى سلوك.
• في تواصلنا علينا أن نحضر في أنفسنا مقياسا كمقياس الحرارة لنزن به مدى حدة الظن أهو إيجابي أم سلبي، درجة سلبية خفيفة أم درجة الإثم.
• لا تتفاعل مع أول رسالة للآخر، توخ الهدوء، استمع، ولا تتسرع في الحكم عليه.



تحسس وراقب إذن خواطرك حتى لا تتطور إلى عملية ظن سلبي، فالإنسان ميال أن يتحسس جسده أكثر من نفسه، إذا مرض الجسد يعمل غالبا على مداواته، أما النفس فكثيرا ما يستهان بها وإن كان سقم النفس أخطر على الإنسان في تحديد علاقاته مع خالقه ونفسه ومحيطه .


مبدأ أساسي من مبادئ الإسلام وفرضية من فرضيات علم النفس المعرفي ألا وهي المسئولية :نحن مسئولون عن أفكارنا، الإنسان حين يكون أفكارا تصبح تلك الأفكار ملكا له، تترجم لديه إلى مشاعر ثم إلى سلوك،وهنا تكمن القدرة الفائقة للأفكار، وأقوى إستراتيجية أن تحتفظ بالإيجابي وتتحرر من السلبي في تواصلك، وقل في داخلك كما يقول الغزالي:"مهما خطر لك خاطر بسوء على مسلم، فينبغي أن تزيد في مراعاته وتدعو له بالخير..." سيجعلك تقي نفسك والآخرين تبعات الظن السلبي وبالتالي تستثير تواصلا إيجابيا في محيطك، ظن بالله ، وظن بنفسك وبالآخرين ظن الخير سيجعلك تتسامح مع الكل، وما " التسامح إلا عملية التخلص من الأفكار السلبية في عقلك، إنه عملية المداواة لعقلك وروحك"جيرالد.ج .جامبولسكي.
يقول ستيفن كوفي :"من خصائص الناس الذين يعيشون وفق المبادئ أن...علاقتهم بالغير أغنى وأكثر نفعا...هم متسامحون لا يحملون ضغينة، لا يغتابون، ولا يكونون انطباعات ثابتة عن الغير، ولا يصنفونهم مقدما، أو بدون التأكد من الحقيقة "والمبادئ التي تحقق السلام في حياة الإنسان-حسب ستيفن كوفي- هي" سلام الضمير وسلام الفعل وسلام العلاقات وسلام الجسم."
هذه المعاني تشملها وتؤكدها فلسفة الإسلام، لو كل منا عمل على الاشتغال على ذاته في تواصلنا مع الآخرين لوفرنا كثيرا من الطاقة والوقت، لتجنبنا كثيرا من الخلل في النفوس، لكنا حقا أغنى وأكثر نفعا للناس، وكل هذا يصب في مصب واحد وهو بناء وإرساء الخير وهذا هو الهدف الأسمى من وجود الإنسان ومن خلافته لله على وجه الأرض.

المراجع:

ابن منظور، لسان العرب.
ابن كثير، تفسير القرآن العظيم
الغزالي، أبو حامد ابن محمد.إحياء علوم الدين.
جامبولسكي جيرالد ج، التسامح أعظم علاج على الإطلاق، مكتبة جرير،2001.
كوفي ستيفن ر، العادة الثامنة من الفعالية إلى العظمة، ترجمة الدكتور ياسر العيتي، دار الفكر، 2006.
Hauvette Didier All ,Mieux vivre avec ses émotions… et celles des autres ;EYROLLES 2005.
PIERSON Marie-louise , L’intelligence relationnelle ;Edition d’organisation,1999
COTTRAUX Jean ; Les thérapies cognitives, comment agir sur nos pensées et nos sentiments ? RETZ ,2001
HANSENNE Michel ; psychologie de la personnalité, DE BOECK ,2005
ANTIER Edwige ; j’aide mon enfant à se concentrer, ROBERT LAFFONT, 1999.
WATZLAWICK Et All ; Une logique de la communication. Edition Du SEUIL ,1972(pour la traduction française)

تأليف صليحة الطالب