الطلاق في الإسلام هل هو هضم لحقوق المرأة كما يراه البعض

يرى البعض ممن يجهلون عدالة ديننا الحنيف دين الإسلام لوجه الله، و يجهلون عدالته... ويرون روايات الباطل عن عدالة أحكامه... فإذ بالطلاق هضم لحقوق المرأة و استهتار بها... ومما لا شك فيه أننا إذا وقعنا بين أمرين أحلاهما مُرٌّ، فاختر وما فيهما حظٌّ لمختار، ولكن إذا وقعنا بين شرَّيْن فلا ريبَ أننا نختار الأهون والأبسط.



بفرض أن زوجاً اختار زوجة لجمالها أو للطفها وبعد انقضاء فترة على زواجهما تبيَّن أن هنالك تبايُنٌ في الطباع، وتنافر في الأخلاق وانكشفت متناقضات النفوس، فحلَّ الخصام محلَّ الوئام، فأصبح الزوجان كغريبين لا كحبيبين وانقضت شهوة علاقة الجسد بعد اشتعالها فخبت وحلَّ العداء فغدت الأسرة محطَّمة، وضاقت النفوس ولم يعد بإمكان الزوجين البقاء تحت سقف واحد، ففي هذه الحالة أليس من الأفضل للطرفين إلغاء عقد الرابطة الزوجية الذي عُقد للسعادة لا للشقاء وحرمان السعادة، وبعد الإلغاء يمكن أن يبحث كلٌّ منهما عن شريك لحياته يناسبه ويسعده حقّاً! وإذا أجبرناهما على البقاء بهذا الحال المريع بالإكراه، فسوف يفرُّ الزوج مشرِّقاً ويسلك سبُل تحقيق شهواته بالفواحش، فمتى شرَّق الزوج التعيس فستغرِّب زوجته بالمثْل وهناك القذف وتبادل الخيانات والله تعالى لا يجبر الناس حتى على عبادته {لا إكراه في الدين}، لذا فلا طريق إلاَّ الفراق والإطلاق بالطلاق، فالإجبار على إبقاء متباغضيْن تحت سقفٍ واحد بالإكراه لا يرضى به الضمير الإنساني، وما هو غَصْبٌ ترفضه كافة المجتمعات الإنسانية الراقية فهنا غدا الطلاق بغيضاً لا بدَّ منه وما حاجَكَ للمرِّ إلاَّ الأمرُّ.

بطلان الطلاق اللفظي (طلقتك بالثلاث): أما موضوع الطلاق اللفظي "كطلَّقتُكِ بالثلاث" والذي يعتقد البعض به يتم الطلاق فهو ليس من دين الله في شيء، فالقرآن حَكَمنا ولا جدل في ما نص به صريح القرآن... كما أن الزواج ليس بكلمة هو قائلها، بل له مراحل معلومة، كذا الطلاق له مراحل وقوانين ينبغي إتباعها وذلك عند حصول نزاعاتٍ حقيقية بين الطرفين (الزوج والزوجة)، فإذا وعلى سبيل المثال لم تستجب معه لأوامر الله واتبعت المرأة ما يودي بمركب الزوجية إلى الهلاك، عندها أباح الله له سلوك خطوات الطلاق الأربع التالية:

1.     الوعظ.

2.     الهجر.

3.     حكمٌ من أهله وحكمٌ من أهلها.

ثم بحال فشلها كلها تتم طلقةٌ واحدة يمكن التراجع عنها ورجوع بيت الزوجية بحال الاتفاق. وهذه المراحل "الطويلة المدى" كي تعود بها المرأة لرشدها وخضوعها لأمر الله لتدخل دائرة السعادة دنيا وآخرة وإلاَّ فالفراق البغيض الذي لا بد منه.

قال تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ...}: أي خروجهن عن طريق الحق وهذا فقط الذي يستدعي سلوك قوانين الطلاق. {فَعِظُوهُنَّ}: أي ذكرها بالموت، بالآخرة يجب أن تتعلم أنت وتعلِّمها، فإن لم تستجب لك أي للحق، عندها تسلك الخطوة الثانية وهي الهجر. قال تعالى: {وَاهْجُرُوهُن فِي الْمَضَاجِعِ}: أي لا تلتفت نحوها في الفراش، أَحْسِن معاملتها في النهار واهجرها في المضاجع ويمتد الهجر بالفراش أقصى حدّه لمدة أربعة أشهر لقوله تعالى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} وهذا حد صبرها عن المقاربة، لا تصبر أكثر... إن ما رجعت عندها تسلك الثالثة وهي الضرب، قال تعالى: {وَاضْرِبُوهُنَّ}: ضرباً إنسانياً خفيفاً لا ضرباً مبرحاً، وأكثر ما يكون ضرباً معنوياً، حيث أنه يعاملها أرقى المعاملات الإنسانية قبل هذه المرحلة ولما يضربها بشكل خفيف جداً فتكون لها بذلك ضربة معنوية لتفهم من الضرب أنه عازمٌ على الطلاق فإن كان في قلبها ذرة محبة لزوجها عندها ترضى بالعودة لطاعة الله "مع أن الإسلام يحرِّم الضرب إطلاقاً وعموماً إلاَّ في هذا الحال"، وإن لم تعبأ حتى بهذا الضرب فمعنى ذلك أنها لا تعبأ بزوجها ولا قيمة له عندها، أما إذا أطاعته فتعود مياه المحبة والمودة والرحمة إلى مجاريها كما قال تعالى: {فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُوا عَلَيْهِن سَبِيلاً}: أي لأنها رضخت للحق.

هذا وإن لم تستجب رغم اتخاذ الخطوات الثلاث كاملة، عندها تتم الخطوة الرابعة بقوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا}: أي أهلها خافوا الشقاق. {فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاَحاً يُوَفِّقْ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِن اللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً}: الحكمان يحاولان الإصلاح عسى أن يتم ولا يقع الفراق.

قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُن لِعِدَّتِهِن وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ}: ألا وهي مدة الهجر بالشرط الثاني التي ذكرناها. إذاً هنا بيان لإتباع قوانين الطلاق من وعظ وهجر وضرب. وخلال الهجر يعاملها أفضل المعاملات الإنسانية، ولكن عند النوم يدير لها ظهره ويمتنع فقط عن المقاربة لمدة أربعة أشهر كما بين تعالى، وبعد ذلك يا إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان. {فَإِنْ فَاءُوا}: للحق الطرفان. {فَإِن اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ، وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاَقَ}: بعد أربعة أشهر. {فَإِن اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}.

فهذا بيان من الله ينفي أن الطلاق مجرد لفظةً نفياً قاطعاً ولا طلاق إلاَّ بإتباع هذه القوانين حتى ولو عُقد اليمين يترتَّب عليه فقط دفع كفارة يمين الطلاق، أي إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم، ولا كلام لبشرٍ يعلو على كلام الخالق العظيم.

هذا فإن حصل الطلاق، فله أيضاً قوانينه لقوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِن ثَلاَثَةَ قُرُوءٍ...}: أي تبقى في بيت زوجها ثلاث حيضات. {وَلاَ يَحِلُّ لَهُن أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِن إِنْ كُن يُؤْمِن بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ}: إذ بهجره لها أربعة أشهر ثم ببقائها من بعد الطلاق في بيته (ثلاث حيضات أي ثلاثة أشهر تقريباً) يصبح لها سبعة أشهر مهجورة (أربعة قبل الطلاق وثلاثة بعده) عن المقاربة فقط، مع المعاملة الإنسانية الرحيمة أثناء النهار وتأدية الطعام واللوازم بأحسن الوجوه مع الهجر عن المقاربة بالفراش، فإن كانت حامل حتماً سيظهر حملها واضحاً ولا تستطيع النكران لتخلص من البقاء في بيت زوجها لأن عدتها تصبح ممتدة (لتلد حملها) وخلال ظهور الحمل جلياً يعود الزوجان للتفكير بمصير المولود و لربما تذعن للحق فيلغي الطلاق، وهذا ما يريده الله وتلك من حِكَمِ الله تعالى من تلك الخطوات. {وَبُعُولَتُهُن أَحَقُّ بِرَدِّهِن فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاَحًا}: من أجل الولد، وخلال مُدَّة القروء الثلاثة أي الحيضات. {وَلَهُن مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِن بِالْمَعْرُوفِ}: أي يعاملها كزوجة وله الحق خلالها بإرجاعها، عندها يرفع الله شأنه. وقد بيَّن تعالى أنه لا يجوز إخراج الزوجة المطلقة من بيت زوجها مدة العدة و القروء الثلاثة والحاكم يشرف على ذلك {لا تدري لعلّ الله يحدث أمراً}: عند بقائها في بيت زوجها لعل ترجع للحق، فبرؤيتها لمعاملته الإنسانية الجيدة خلال فترة بقائها في بيته ترى أن معاملته لها كانت لله ليس لشهوة أبداً فبذا يمكن أن تفكر وتعدل عن غيها وتؤوب للحق.

قال تعالى: {الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ}: الطلاق الأول حيث حقَّ له إرجاعها ثم حدث الطلاق الثاني "بقوانينه كاملةً" أيضاً يحق له إرجاعها. {وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُن شَيْئاً إِلاَّ أَنْ يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ}: بفترة القروء التي ببقائها في بيت زوجها إن حصل نزاع وأرادت أن تفدي نفسها بالمال "أي سامحته" إن كرهته وما أرادت البقاء ببيته وخافت أن تقع بالحرام وكذلك خاف الرجل عليها، عندها يحق لها فداء نفسها بالمال وتذهب حرة "لتتزوج إن أرادت"، (فإن طلقها): ثالث مرة بعد رجعتين بطلاقين على ترتيب الإله كما ذكرنا: {فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا}: الزوج الثاني. {فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا}.

للزواج الثاني شرطان:

1.     البقاء مدى الحياة.

2.     المهر.

ولهذا الرجوع بعد الزواج من زوج ثاني أيضاً له حكمة إنسانية بالغة، فالدين الإسلامي دين إنسانية وشرع الله الكامل كله لنعامل بعضنا بالإحسان وبعد الموت نلاقيه تعالى بوجه أبيض بإحساننا فندخل الجنان.

 

موقع الأسرة السعيدة