الطلاق النفسي روتين الحياة

غالبية المجتمع يمر بالطلاق النفسي، ليس بين الزوجين فقط وإنما بين الأب والابن، بين الأم والابن. ولكثرة الحالات التي أشاهدها وأسمعها يومياً أردت أن أطرح جزءا صغيرا عن أسباب الطلاق النفسي المعاشة يومياً ضمن أسر تختلف عن بعضها في كافة المستويات (الاقتصادية-الاجتماعية-التعليمية) ولكنها تشترك مع بعضها (بدون تعميم) ولكن الأغلبية بنفس الحالة.



فكثير من العلاقات الزوجية تعيش حالة من الفتور العاطفي وافتقاد اهتمام كل طرف بالآخر وعدم مساندته نفسياً وعاطفياً وأخلاقياً ويظهر كل من الطرفين عدم قدرته على تقديم أي شيء إيجابي فتسير العلاقة، ويكون الدافع هو حفظ الهيكل الخارجي للعلاقة. فكل طرف لديه مخاوفه التي تجعله متمسكاً باستمرار العلاقة رغم موتها وخاصة المرأة.

والسبب برأيي يعود إلى أن نسق القيم والمعايير في المجتمع هو الذي يحدد أدوار الذكور والإناث ويفضل الذكور على الإناث ويعظم من سلطتهم العائلية والاجتماعية على حساب شأن الإناث وتكريس تبعيتهن وطاعتهن للذكور.

ونسق المعايير هذا يستمد شرعيته من مصادر مختلفة من أهمها الثقافة الاجتماعية السائدة، التراث الشعبي، القانون، المؤسسات الإعلامية، الدين الموجه. فلو أخذنا الثقافة السائدة كمثال فإننا نجد أنها لا تعترف بدور الأنثى إلا بدورها كربة بيت وزوجة. فالثقافة السائدة هي ثقافة الطبقة الحاكمة.

وإذا أردنا تحليل مضامين التشريعات والقوانين الخاصة بالمرأة والأحوال الشخصية نجد أنَ بعض هذه القوانين كفيل بتوضيح مظاهر التمييز ضد المرأة في مسائل كثيرة كالزواج، الطلاق، الإرث، الولاية. هذا التمييز سيفرز بالضرورة حالة قهرية تؤدي إلى تعنيف القوي للضعيف، وبالتالي توتر في العلاقة بين الطرفين. وطبعاً علينا أن لا ننسى التحولات التي طرأت على المجتمعات العربية من خلال استيرادها لثقافة النظام الرأسمالي التي تؤكد النزعة الفردية، وتخلي الفرد عن إنسانيته، هذه الفردية التي تُعتبر أنها سر نجاح المجتمعات الرأسمالية اقتصادياً عصفت بالمؤسسات العائلية وغيرت ولاء الأفراد اتجاه بعضهم البعض حيث أصبح الأفراد يحصرون جلَ اهتماماتهم العملية على تحقيق رغباتهم الشخصية دون الاكتراث لمسؤولياتهم الاجتماعية اتجاه أسرتهم. وجعلت قيمة الفرد بقدر ما يستهلك وشجعت ثقافة الاستهلاك وهذا ما نلاحظه من خلال وسائل الإعلام التي جعلت المرأة والرجل غير راضيين. فعلى سبيل المثال ًكيف يمكن لامرأة تشاهد برنامج يبيَن مواطن الثراء في (المسكن، المأكل، الملبس) أن ترضى بمستوى معيشة أقل. طبعاً ونفس الأمر بالنسبة للرجل الذي يجلس يومياً أمام شاشات التلفزة يشاهد امرأة بجمال إنجيلينا جولي وغيرها أن يرضى بزوجته.

إنَ هذه الأسباب تُعتبر الأساس في إحداث طلاق نفسي ولكن الإنسان العادي لا يعترف بها أو بالأحرى لايشعر بها لأنه تعايش معها وأصبحت جزء من تركيبته العقلية والنفسية والدليل على ذلك عند اختيار الزوجين لبعضهما نجد أن الاختيار يجب أن يخضع لاعتبارات يرضى عنها المجتمع بغض النظر إذا كانا غير متوافقين نفسياً وعقلياً.

وللأسف هذا يعود إلى عدم تكريس ثقافة الحب وثقافة الحوار في التربية، وبالتالي يقود إلى طلاق نفسي بين الأخ والأخت، بين الأم وابنتها. كل هذه الأسباب مجتمعةً سوف تولَد اغتراب منزلي تكثر فيه السلبية من كلا الطرفين يتقاسمها الأولاد الذين يعايشون أجواء الاختلاف وتبادل الاتهامات.

هذا كله ليس لأنَ الزوجين جُنات فيما يحصل، وإنما هم ضحايا لسياقات اجتماعية أكدتها مفاهيم وأحكام خاطئة تدعم بقاء العلاقة وإن كانت خاطئة.

المصدر: بوابة المرأة