الطفل..في غياب الأب

ثمة آباء لا يهتمون بموضوع الحضور المنظم في الأسرة فيمهدون الأجواء بعدم اهتمامهم هذا لإصابة الأولاد وباقي أفراد الأسرة بالاضطراب خلال فترة غيابهم, ولا يملك الطفل وضعا جيدا ازاء غياب الأب، فيشعر بأنه فقد سلوته ومستودع أسراره وحرم من الجليس والأنيس, وقد يكون قاسيا جدا على الطفل أن يتحمل غياب الأب في البداية، لكنه سرعان ما يعتاد على هذا الوضع الجديد، وعندما سيفقد الأب قابلية التأثير على الولد والنفوذ إليه، وسوف يعمل الولد بما يرتأيه حتى انه لا يكترث أحيانا بأمه ونفوذها.



ويمكن للطفل أن يكتسب من غياب الأب تلك الدروس السيئة والمؤلمة. إذ سيحاول أن يكون حرا طليقا دون أية قيود، ويلجأ إلى ممارسات لا يتوقعها الوالدان أبدا مما سيكون لهذا السلوك نتائج سيئة على الأسرة والمجتمع.


كما ان الأب الذي يترك أسرته بانتظاره حتى منتصف الليل إنما يقدم درسا سيئا لطفله، وسوف يوجهه بشكل لاشعوري نحو الإباحية والتحلل، من المؤكد أن الطفل بحاجة إلى حبكم وعطفكم، وانه سيفرح كثيرا فيما لو اشتريتم له حاجة معينة لكنه بحاجة ماسة إلى حضوركم في البيت ووقوفكم إلى جانبه حتى يتحدث معكم ويناقشكم ويتعلم منكم، وإن غيابكم من أكبر المصائب التي تواجهه فالطفل لا يصبر على هذا الحرمان إلا بصعوبة بالغة، ولو أنه افتقد حضوركم المنظم في البيت لأدى به ذلك- في بعض الأحيان- إلى الاستهانة بقدسية الأسرة والهروب من البيت.


الغياب وتقليل النفوذ:

إن غياب الأب عن أسرته يقلل من نفوذه مما يخلق شعورا عند الأولاد بأنه لا داعي للالتزام بقوانين الأسرة أو إطاعة الأوامر والنواهي. إذ ستنخفض تأثيرات الأب الأخلاقية على الطفل، ويتعرض بناؤه الأخلاقي والاجتماعي إلى صدمة.

ولو كان الأب في غياب دائم عن البيت لغفل عن مراقبة أولاده ولما تمكن من تربيتهم تلك التربية الصحيحة بسبب انخفاض مستوى نفوذه. وسوف يلجأ الطفل إلى التحلل من الضوابط الأخلاقية ويشتد ميله إلى نظرائه في السن فينعدم الاتزان في عملية البناء.

توجد حالات أخرى نرى فيها آباء لا يحضرون بشكل كاف ومطلوب في البيت بسبب مشاغل الحياة والمشاكل التي تواجههم، فيكون السقوط هو مصير أبنائهم بل وحتى بناتهم.


أسباب الغياب:

ثمة أسباب عديدة لغياب بعض الآباء عن البيت وسوف نشير فيما يلي إلى أهمها وهي:

1-     كثرة المشاغل واللهو، بل حتى تقديم خدمات واسعة للناس فيكون النتيجة غفلة عن الحياة الأسرية الأولاد.

2-     عدم الرغبة في الحياة الزوجية بسبب الاختلاف مع الزوجة وظهور مشاكل عديدة في هذا الإطار.

3-     التسامح بشأن الأولاد وعدم إدراك النتائج الخطيرة لهذا التساهل.

4-     معاشرة أهل السوء والاستئناس بهم والمشاركة في محافلهم.

5-     الإنشغال بأمور المطالعة والدراسة والبحوث. حيث يمكن لهذه الأمور أحيانا أن تورط الأسرة في مشاكل أخرى.

6-     6- نوع العمل الذي يمارسه الأب فيكون مضطرا أحيانا لقضاء بعض الوقت في مدينة أخرى أو العيش فيها أو تركه باستمرار لبلدته بسبب مهمات وظيفية وإدراية.

7-     وأخيرا فإن من أسباب غياب الأب هيا اللامبالاة والتي تكشف عن ضيق أفقه وتفكيره.
ومهما يكن من أمر فإن غياب الأب يمهد الأجواء لظهور مشاكل واضطرابات عديدة، وفقدان السيطرة على زمام أمور الأطفال مما سيدفعهم نحو مستقبل مجهول.


أعراض الغياب الطويل:

لو كان الغياب قصيرا فإن له أعراضا محدودة، أما لو تكرر الغياب أو كان لفترة طويلة فإن له نتائج سلبية مضاعفة. ولا فرق في بعض الأحيان بين الغياب الطويل للأب وموته لأنهما يؤديان في النهاية إلى نتيجة واحدة وهي انحلال الأسرة وتبعثرها. ومهما كانت أسباب الغياب الطويل إلا أنها ستدفع الطفل إلى الشعور بالحرمان من دعم الأب ورعايته، وأن يكون في النهاية قاسيا وفوضويا وفاقدا للأدب.


ومن نتائج الغياب الطويل أيضا لجوء الطفل إلى ممارسة السرقة والتشرد والبحث عن الأصدقاء والقيام بجنح وانحرافات مختلفة. ويؤثر غياب الأب على خلق الطفل ودراسته وسلوكه وإنه مقدمة للقضاء على الأجيال. كما إنه السبب في ظهور بعض المشاكل السلوكية وامتناع الطفل عن القيام بممارسات شريفة. ويتوقف عن محاكاة والده ويبحث عن قدرات أخرى وأشخاص آخرين يسببون له المتاعب أحيانا.


ذكر أحد المفكرين أن غياب الأب عن أولاده يشبه غياب الزوج عن زوجته مما يؤثر في العاطفة والنفسية, وقد كشفت التجارب أن هؤلاء الأطفال قلما يشعرون بالاتزان النفسي، وتخفت في الأبناء صفات الرجولة وفي البنات صفات الأنوثة بل ويتظاهرون بالقوة والعنف في حين انهم جبناء.

ويخرج الطفل أحيانا عن حالة الاعتدال بسبب غياب الأب فنراه يناديه في منامه أو يصاب بالخوف والاضطراب دون مبرر أو يتعلق بأمه تعلقا شديدا , ويحاكي النساء في سلوكهن رغم أنه من الذكور.

ويرتبط كل هذا بسن الطفل ومستوى ذكائه والتزامه الخلقي.

ضرورة الحل:

لو لم يتمكن الأب من متابعة شؤون أولاده وكان في غياب دائم تقريبا لتوجب عليه أن يكون جذابا في تلك الأوقات التي يتواجد فيها في بيته، وخاصة عندما يعود من سفره مثلا حتى يعوض عن النقص والحرمان.
خصصوا الفترات القصيرة من تواجدكم في البيت لأطفالكم واتركوا كل شيء حتى قراءة الصحف.
ينبغي أن يبذل الأب، الذي يعود لبيته بعد سفر وغياب طويل، جهده وسعيه كي ينسى الطفل فترة الغياب ويستثمر حضور والده.

كما يجب على الأب أن يواسي طفله ويؤمله في الحياة، فيما لو اشتكى من حياته السابقة أو من مشكلة واجهته، وأن يصبره على المشاكل ويزيل عنه القلق والاضطراب ويجعله مستأنسا به ويشبعه حبا وعطفا.
حري بالأب المضطر لغياب طويل عن البيت أن يدعم مكانة الأم ويقوي موقعها ويحث الأطفال على طاعتها، وذلك للتقليل من أعراض الغيبة، أو أن يساهم في حل المشكلة التي قد تعترض لها الأم ويلزم ولده بإطاعة أوامرها والانتهاء عن نواهيها.

 

موقع الأسرة السعيدة