الطفل الخجول

لينا تقلا  

ثيراً ما نرى بعض الآباء يأمرون طفلهم الخجول بأن يكون مقدام جريء كما لو أن الطفل بيدهم أداة طيعة لتنفيذ الأوامر، غير مدركين أنهم بهذه الأسلوب يهدمون شخصية الطفل ويزيد ونه خجلاً.


بينما نرى في الوقت نفسه بعض الآباء يتعرفون الطريق الصحيح ويشجعون طفلهم الخجول ويوجهونه التوجيه السليم فينجحون في بناء شخصيته.فترى ماذا يفعلون؟

قبل أن نجيب على هذا السؤال سنحاول أن نتعرف من هو الطفل الخجول؟
يحدث الخجل عند الطفل كانفعال معين بعد سن الثالثة من العمر تقريباً ومن فترة لأخرى بمناسبة أو موقف من المواقف ويرافقه مظاهر تتجلى باحمرار الوجه والإحساس بالضيق والتوتر والقلق واضطراب الأعضاء ومحاولة الهروب والاختفاء عن أنظار الموجودين، كأن يخبئ الطفل عينيه ويغلق أذنيه حتى لا يسمع شيئاً ويدفن رأسه في حضن أمه . ليتجنب ملاحظات الآخرين وانتقاداتهم أو تعليقاتهم.
فغالباً ما نلاحظ الطفل الخجول، طفل غير آمن، تنقصه المهارات الاجتماعية يفتقر إلى الثقة بالنفس والاعتماد على الذات، تردد، لا مبالي، منطو على ذاته غير مستقر، يخاف بسهولة، يتجنب الألفة والمبادرة والدخول في المغامرات الاجتماعية والاتصال مع الآخرين فلا يبدي اهتماماً بهم أو بالتحدث إليهم، ويشعر بالاختلاف والنقص وعدم الارتياح الداخلي ويحاول دائماً الابتعاد عن الاندماج أو الاشتراك مع أقرانه في نشاطاتهم ومشاريعهم في المدرسة لخوفه من تقييمهم السلبي له واعتقاده بأن الآخرين سينقدونه ويفكرون به على نحو سيء وغالباً ما يكون خوفه مصحوباً بسلوك اجتماعي غير مناسب يتصف بالارتباك وقلة الكلام مما يحول دون استمتاعه بالخبرات الجديدة أو الحصول على الثناء الاجتماعي من قبل معلميه وأصدقائه والذين بدورهم يتجنبونه على الأغلب .
ويعود خجل الطفل الشديد إلى فقدان الإحساس بالأمن والطمأنينة الكافية وإلىاتباع الوالدين أساليب عشوائية في تربيته والتي تظهر في نماذج مختلفة: كاستخدام أساليب القسوة واللوم المتكرر والشدة الزائدة على الطفل في أن يكون مهذباً والإفراط في توجيه وإرشاده، أو نبذه بالقول أو بالفعل أو إهماله وعدم الاكتراث به، أو عدم الثبات في معاملته والتأرجح (تارة بين الحزم الغير العنيف وتارة التعاطف والتساهل جداً أو العقاب بعنف) أو توجيه النقد الزائد له والبحث عن أخطائه والسخرية من عيوبه والإكثار من توبيخه وتأنيبه لأتفه الأسباب وتصحيح أخطائه بأسلوب قاسي وعلى نحو متكرر وخصوصاً أمام الآخرين، مما يزيد من شعوره بأنه لا يستطيع أن يفعل شيئاً صحيحاً ويتوقع دائماً الاستجابات السلبية .مما يؤدي بالطفل إلى مزيد من مشاعر القلق والخوف.
وأيضاً من الأسباب التي تجعل الطفل يفقد الشعور بالأمن العناية الزائدة به أو إفراط الأهل بحمايته والذي يأخذ أشكال متعددة: كرغبة الأم باعتماد طفلها عليها في المأكل والمشرب وقضاء الحاجة وتنظيف الجسد) أو عدم إتاحة الفرصة له بالخروج مع أصدقائه في نزهة واللعب معهم خوفاً من وقوع الأذى عليه أو حتى لا يكتسب السلوكيات السيئة من قبل الآخرين وغيرها من مخاوف قد تجعل الطفل اتكالي، سلبي غير فاعل وفرصته في المغامرة محدودة.
أيضاً هناك ممارسات والدية خاطئة أخرى تعزز الشعور بالخجل عند الطفل والتي تظهر في معاملة الطفل( الذكر) أو الوحيد ووكأنه بنت (كإطالة الشعر مثلاً أو مخاطبته وكأنه أنثى) وذلك لاعتقاد الأهل بالخوف من الحسد، مما يجعل الطفل ينزوي ويشعر بالنقص لإحساسه بالتفاوت بين معاملة البيت وخارجه.
إضافة إلى أمور تتعلق بوجود إعاقة جسمية لدى الطفل والتي تجعل الأطفال الآخرين يتجنبوه أو وجود تلعثم عنده وضعف قدرته على التعبير أو وجود أهل خجولين وتحدثهم بصورة سلبية عن الآخرين مما يزرع الخوف عند طفلهم.وغيرها....وكلها أساليب تؤدي إلى شعور الطفل بالدونية وعدم الأمان تجعله يعيش بتوتر وصراع وانطواء ورغبة في تقليص الصلة بينه وبين الناس والبعد عن النشاطات والحركة والاندماج الاجتماعي.مما ينعكس سلباً على صحته النفسية والصحية وتحصيله الدراسي.
إرشادات حول التعامل مع الطفل الخجول:
يمكننا تخفيف حدة مشاعر الخجل الشديد والحساسية العالية عند الطفل وإعادة ثقته بنفسه وتصحيح فكرته عن ذاته وتنمية مهارات اجتماعية إيجابية لديه إذا عنينا:
-          توفير مناخ عائلي للطفل يسوده الشعور بالأمن والثقة والمحبة والوفاق الأسري.
-          إشعاره بالتقبل والحب والتقدير والصداقة والإنصات له ليفصح عما في نفسه من مشاعر غضب وقلق ومخاوف وهواجس ومحاولة إيجاد الحل لها.
-          الإصغاء إلىأفكار الطفل ومشاعره أرائه ومتطلباته وقصصه ومحاولة فهمها لدى التعبير عنها ومناقشته بابتسام ولطف.
-          البعد عن استخدام الأساليب السلطوية وعبارات الغضب والتأنيب والتهديد والمهانة من مثل (إياك أن تحدث أباك عن...) أو (لا أريد أن سماع صوتك) أو (أنت مزعج، متعب، بليد ...) وغيرها من كلمات قد تثير القلق وتزيد من خجله.
-          عدم مقارنته بأخوة أو أصدقاء أفضل منه من حيث القدرات والاستعدادات.
-          تشجيع حب الاستقلالية والاعتماد على النفس بشكل تدريجي عند الطفل الخجول والتقليل من حمايته الزائدة أو الاستمرار في تدليله وذلك لكي يستعيد ثقته بنفسه.
-          تعليمه التصرف بالطريقة المناسبة لعمره.
-          إتاحة الفرصة للطفل ليقول لا في المواقف التي يستطيع الاختيار فيها
-          تعليمه التعامل والتكيف مع مزاح الآخرين وإغاظتهم بدرجة بعيدة عن الحساسية المفرطة.
-          تشجيعه على زيارة ومشاركة أصدقائه في النزهات والرحلات واللعب معهم وعلى تطوير مهاراته من خلال إتاحة الفرصة له للانتساب إلى إحدى النوادي لتنمية هواياته ومواهبه في (الرسم والموسيقى و...) وذلك بهدف التقرب والاختلاط تدعيم تفاعله مع الآخرين أثناء قيامهم بنشاطات متنوعة.
-          تدعيم خطواته وتشجيع مبادراته ومكافأته على أعمال أو مهمات تحداها وأنجزها بمفرده أو على قيامه بسلوكيات اجتماعية حسنة.
-          محاولة تفهيم الطفل (مفهوم العلاقات الاجتماعية)إن أمكن، كيف يفكر ويشعر ويسلك الآخرون وكيف أن الصديق الجديد قد لا يتقبله الناس ببساطة وأنه من الطبيعي عدم التوافق مع كل الأشخاص.
-          المساواة بين الأطفال الذكور والإناث في المعاملة وتشجيع (البنات) على أخذ المبادرة وإبداء الرأي.
-          استخدام أساليب العقاب الموجهة والبعيدة عن الضرب بقصد تعقيل سلوك معين عند الطفل أو تصويبه.
-          التعاون مع الأخصائي النفسي أو المرشد المدرسي في التعرف على حاجات الطفل ودوافعه ومصادر خجله ودراسة حالته وظروفه من جميع النواحي الصحية والاجتماعية ومساعدته على مواجهة أسباب الخجل مواجهة واقعية.
-          التعاون مع معلم الطفل ومرشده النفسي أيضاً على تنمية نواحي الضعف وتعزيز الجوانب القوية والمميزة عنده بدلاً من انتقاد نقاط ضعفه وإبرازها وخاصة أمام الآخرين.
-          تشجيع الطفل الخجول على الاندماج في العلاقات الاجتماعية رغم توقعات الأهل المنخفضة عنه بهذا الشأن وتشجيعه على التعبير عن خيبته أو فشله في بعض المواقف كي لا تتراكم المشاعر المحبطة في داخله وتسبب له مزيد من القلق.
-          توفير الظروف الملائمة للتلاقي مع أصدقائه، وتدريبه من خلال اللعب وقراءة القصص على تنمية مهارات اجتماعية إيجابية تساعده على بناء علاقات خارج إطار أسرته.
-          عدم تكليف الطفل بأعباء تفوق قدراته العقلية واللفظية والجسمية بل يجب أن تكليفه بالأعمال التي يشعر بأنه قادر على القيام بها وتشجيعه عليها ليكسبه شعوراً بالأهمية والتقدير.
-          تدريب الطفل على التفكير الإيجابي وتعديل معتقداته حول أن يكون كاملاً وجعله يتحدث عن نفسه بطريقة إيجابية.من مثل أنا جريء، أنا اجتماعي ...
-          التعاطف مع الصعوبات التي يواجهها ومساعدته بتقديم الاقتراحات البديلة له في كيفية التعامل مع المواقف الصعبة بالنسبة له.
-          تكييف توقعات الوالدين لدى ملاحظتهم سلوك طفلهم الاجتماعي الخجول في مناسبات معينة وذلك حسب إمكانياته وقدراته الاستيعابية والسلوكية وشخصيته ويفضل التريث وعدم توجيه النقد له ومضايقته.
-          تنبيه الطفل على أخطائه على انفراد دون تعريضه لمواقف الخجل أمام أخوته وأصدقائه وعدم إبداء الحساسية الزائدة لتعليقات الآخرين عليه.
-          تعليمه الفرق بين الحياء والخجل الشديد وعدم التحدث عن سلوك الخجل الزائد على أنه سلوك محبب ومهذب.
-          التعاون مع المرشد المدرسي أو الأخصائي النفسي على إعطاء صورة للطفل الخجول عن كيفية تصرفاته وأدائه الاجتماعي والطريقة التي يجب أن يتعامل فيها مع الآخرين مما يساعده على معرفة مستوى مهاراته الاجتماعية وتشجيعه على تطويرها بطرق مختلفة.
-          مساعدة الطفل بالتعاون مع المختص على الاسترخاء للعمل على خفض الحساسية التدريجي من الاستجابات للمثيرات المسببة للقلق.
-          هذا ويمكن للأهل استخدام ألعاب من مثل الورق والرسومات ولعبة الشطرنج فهي مثيرة ومشجعة للطفل في التعبير عن نفسه وتطوير مهارات الاتصال لديه. أو اللعب بالتمثيل مع طفلهم الخجول أدوار ليجرب بشكل مباشر طرق جديدة للتفاعل مع من حوله (كأن نجعل الطفل الخجول يمثل الدور الأكثر شعبية ويقوم بدور المضيف، والأم أو الأب مثلاً بدور الضيف الصامت ويطلب منه استقبالهم والتحدث معهم بهوايات أو أشياء يحبها وتثير اهتمامه وبذلك يجرب بعض السلوكيات والمهارات الاجتماعية، ويمكن إعطاءه بعض الاقتراحات المشجعة على تطوير مهاراته.
وانطلاقاً من هذا لا يفوتنا القول بأن إن الدور الذي يقوم به الوالدان على جانب كبير من الأهمية في تنمية شخصية الأبناء وحمايتهم أو معالجتهم من الخجل لكن يتوقف نجاح هذا الدور على مدى التوافق بين الأم والأب حول أسلوب واحد للتربية في البيت. فالتوجيه السليم والثقافة المتزنة لدى الوالدين تتيح الفرصة للطفل ليعبر عن قلقه ومخاوفه وإحباطا ته في جو عائلي دافئ مليء بالمحبة وبالتالي تشجّعه على إقامة علاقات طيبة وطبيعية مع الآخرين والتحدث معهم وطلب الجواب منهم ومداعبتهم والتسامح معهم.

المصدر: موقع نساء سوريا