الطب الشعبي.. حقائق وأوهام

الطب الشعبي.. حقائق وأوهام

بغداد - سهيل ياسين


بالرغم من التطور الحاصل في الطب الحديث وانجازاته المتعددة وما حققه من نجاحات متواصلة في القضاء على الكثير من الاوبئة والامراض والتوصل الى كشوفات جديدة وحقائق علمية وعملية غير قابلة للشك، تؤكد بالملموس والمحسوس حقيقة الطب العلمي ونتائجه الباهرة، فان البعض من الناس والعامة ما زالوا يترددون على العشابين وباعة الادوية والمراهم الشعبية او يصفون لبعضهم وصفات طبية قد تضر اكثر مما تنفع ترى ما سر اندفاع هؤلاء للعلاج بالطب الشعبي او الطب البديل وما مقدار علميته ومنافعه ومضاره واخطائه، هذه الاسئلة وغيرها توجهنا بها لاطراف معنية شملت اطباء ومتخصصين وعشابين ومواطنين من عينات مختلفة كنماذج لها صلة مشتركة بهذا الموضوع.



يقول”سعيد محمد محسن، موظف “: التداوي بالاعشاب ليس جديدا وانما هو طب قديم، وقد ازدادت الحاجة اليه في بلادنا ابان فترة الحصار في التسعينيات نتيجة النقص الحاصل بالعلاجات الدوائية الكيمائية المستوردة ولا اعتقد ان الطب الشعبي يشكل ضررا خطيرا كما لا اظن هناك تصادما بين التداوي بالاعشاب او الادوية الكيمياوية المعتمدة علميا ورسميا، اذا كانت النتيجة او الهدف هو تحقيق الشفاء للمريض ولكن على شريطة ان يتم العلاج العشبي على يد متخصص في هذا المجال وصاحب خبرة مجربة وناجحة، وخلاصة القول ان ليس كل ما هو طب شعبي مرفوضا كليا.

غير مأمونة الجانب
اما سناء محمد علي طالبة جامعية فتقول: يتعين على المريض استشارة الطبيب في اي دواء كون الامر يتعلق بالصحة، وانا شخصيا لا اؤيد العلاج الا في المستشفى او المستوصف الصحي، لان الادوية مستخلصة على اسس علمية ومرخصة رسميا لانها تتلاءم مع اسباب واعراض المرض، وما زاد يقيني بهذه الحقيقة العلمية المجربة وفاة احد اقاربي بفعل قلة خبرته ولجوئه الى التداوي بالاعشاب الطبية وبحسب حالته تسبب ذلك في حدوث مضاعفات واعراض جانبية انتهت بوفاته، التي من المرجح بل والاكيد كان وراءها سوء اختيار ونوع الطبيب المعالج او استشارة من لا خبرة علمية له، وانما معالج شعبي يداوي المرضى على طريقة الخطأ والصواب، فان حقق نجاحا في حالة ما قال دوائي كان السبب وان حصل خلاف ذلك قال اتاه حكم مقدور، وتضيف كيف اسمح لنفسي ولا حتى لافراد من اسرتنا ان يكونوا حقول تجارب لهؤلاء المعالجين او دعاة خبرة غير مأمونة الجانب لا يملكون من العلم والدراية الطبية الا اقل من القليل.

نتائج ناجحة

سنية ام محمد ربة بيت اوضحت قائلة: للعطارين القدامى او العشابين المشهورين خبرة بالطب الشعبي وما يصفونه من ادوية شعبية حتى هذه الايام هي تشفي الكثيرمن الآلام او بعض الاعراض كاستخدام الثوم لقتل ديدان المعدة، وتناول الكمون والبصل لعلاج الحالات الصدرية بشكل ناجح ولاوجاع الاسنان يستخدم الزعتر وشرب الماء بالملح والقرنفل على شكل مضمضة، وغيرها من كل هذه الامور كنا قد جربنا بعضها فعلا وكانت النتيجة جيدة ولدي دليل آخر ملموس اذ كنت اعاني منذ فترة من آلام المفاصل فقصدت طبيبا شعبيا وذلك بتوجيه من قبل جارتي التي كانت هي الاخرى مصابة بهذا المرض وشفيت والحمد لله بعد وصفة ناجحة الا وهي وضع التمر على مكان الالم وتدليك المفاصل بالدهن او الزيت كزيت الزيتون او زيت الخروع. ولا ادعي المبالغة ان قلت لك ان بعض الحكماء او المعالجين الشعبيين قد حققوا ما عجز عنه الطب الحديث والاطباء في بعض حالات مرضية واعراض غريبة.

لا على حساب صحة الآخرين
يقول عبد الله عبد الرزاق صاحب محل اعشاب منذ ما يقارب العشرين عاما وانا امتهن هذه الحرفة التي ورثتها ابا عن جد حيث انحدر من عائلة معظمهم من العطارين وباعة الاعشاب وبحكم ذلك اكتسبت خبرة كافية في هذا المجال ولولا نجاح التداوي بالاعشاب واقبال الكثيرين على شرائها وبشكل مستمر وقناعتهم التامة بها لما جعلتني ان ازاول مهنتي طوال الفترة المذكورة وحتى الان، وليس همي الربح على حساب صحة الاخرين او ضررهم بقدر ما اتوخى الدقة والحذر بتشخيص حالة المريض ضمانا لسلامته وشفائه، ولا اخفيك سرا بانني ليس متبصرا وعارفا في كل الحالات، او اعطي دواء ناجعا فهناك بعض الحالات احيلها للاطباء المتخصصين او انصح بمراجعة المستشفى او المستوصف الصحي، وليس دفاعا عن حرفتي ان قلت ان التداوي العشبي هو دواء مأمون وخير علاج لمعظم الامراض واجدى من الدواء الكيميائي فيما لو استغل واستخدم بالصورة الصحيحة والسليمة وعندئذ لا تكون له اية مضاعفات جانبية او اضرار مختلفة كما يحصل في علاج الدواء الكيميائي واود ان اشير هنا الى واحدة من العديد لحالات مرضية استطعت بعون الله ان احقق نتائج طيبة الا هي حالة لمريض بالسكري والداء الذي يشكل حتى الان تحديا كبيرا للطب والعلم كمرض لا يمكن الشفاء منه وانما التعايش معه اذ تررد هذا المريض لاكثر من مرة لتناول الاعشاب اللازمة اذ كان يعاني من ارتفاع السكري بالدم بنسبة تصل الى اكثر من 400 وبعد تطبيق الوصفة التي أعطيتها له مع نظام غذائي تماثل للشفاء بعون الله في زمن قياسي.

ليس علاجا لجميع الامراض
اوضح يوسف محمد قاسم صيدلاني بطلان الفرضية او الاعتقاد السائد بأن الاعشاب كدواء لكل الامراض بالقول: ليس صحيحا هذا الاعتقاد لان اي عشب يتكون من مئات المركبات الكيمياوية والعضوية وكل مركب كيمياوي من هذه المواد عندما يتناوله المريض يحدث تأثيرا مختلفا عن المركب الاخر وقد يكون ضارا او مفيدا ولا يصح ابدا ان نضحي بصحتنا وهي ثروتنا الحقيقية التي لا يمكن تعويضها ولا ننقاد وراء تكهنات او احتمالات غير مضمونة النجاح او قد تخطئ ولا تصيب فمن المعلوم طبيا وعلميا ان الكثير من الحالات المرضية المستعصية من جراء تعاطي بعض الاعشاب لم يفلح الطب الحديث في علاجها، واضاف: لابد من ضرورة تجنب اسلوب الارتجال والاقبال على الاشياء من دون دراية وخبرة مسبقة، وتوخي الدقة والاستخدام يقف في مقدمة الضرورات اللازمة في هذه القضية البالغة الاهمية والحساسية والمرتبطة بصحتنا وحتى بعض الادوية الكيمياوية المنتجة وفق اسس ومعايير علمية وتطرح الى السوق كعقار مرخص ببيعه ومعتمد في تداوله لا يمكن ان يتحقق له الثبات في صلاحية استخدامه، اذ تبرز بعد ذلك اثار جانبية له فكيف في طب الاعشاب التي يقتضي جهودا كبيرة وخبرة عالية الى جانب مصانع ومعامل بتقنيات متطورة من خلالها يمكن الاستفادة من الاعشاب في علاج بعض الامراض وليس كلها.

مخاطر وآثار جانبية
الدكتور محمد العبيدي طبيب باطنية واطفال لا ينفي استخدام الطب العشبي كعلاج لبعض الامراض والاوبئة، ويشير الى الاهتمام المتزايد للعلاج بالاعشاب حتى من قبل مؤسسات وشركات كبيرة كما هو المثال في الصين التي تتعامل بطريقة علمية وحديثة مع هذا الموضوع وتنقية العشب من جوانبه الضارة ومن المعلوم طبيا ان جزءا ليس قليلا من الادوية يستخرج من الاعشاب اصلا والبذور والاوراق والثمار الموجودة في الطبيعة، وبالرغم من ذلك فلا يعني الانجرار كليا او التسليم التام بهذه الطريقة من العلاج فانها في بعض الاحوال تنطوي على مخاطر كبيرة ونتائج غير محمودة، واثار جانبية من دون الخبرة بكيفية التصرف بها، ولابد من سعة نظر وعلم دقيق في خواص الاعشاب والعلاج بها، وبوصفي متخصصا بامراض الاطفال اود ان اشير هنا الى وهم شائع او معتقد خاطئ يتعلق برضاعة الطفل عند النوم عن طريق الرضاعة الصناعية وان تعويده على ذلك يساعد على تنويمه بسرعة، لا انفي حقيقية هذا لكن لهذا مخاطر واثار جانبية على الاسنان فالحليب الصناعي يحتوي على سكريات تؤدي الى تسوس الاسنان ويصاحب ذلك كثير من الالم لاحقا الى جانب الانتفاخات المقززة.

بين العلم والايمان بالخرافة
وعن علاقة الطب الشعبي كعلاج للامراض النفسية وكون هذه العلاقة اكثر التباسا وتداخلا يكثر فيها سوء التقدير وتنتشر فيها المعتقدات والمفاهيم الخاطئة لدى العامة من الناس، فقد اوضح سلمان محمد صالح باحث في علم النفس بالقول: ان الممارسات الخاطئة التي يقوم بها ادعياء الطب والدجالين والمشعوذين مستغلين معتقدات بعض الناس، التي يعزا الكثير منها الى علاقات واسباب وهمية عارية من الصحة والعلمية، لابد ان يوضع حدا لها وعدم الخلط بين العلم والايمان بالخرافة والدجل، فهناك البعض من اصحاب  الامراض النفسية والهلاوس المختلفة يقصدون في البداية المعالجين الشعبيين كونهم لا يستطيعون فهم الحقائق العلمية التي اثبتت ان غالبية الامراض النفسية الرئيسة هي نتيجة تغيرات كيميائية في الجهاز العصبي ويمكن علاجها عن طريق تعديل الخلل الذي يعاني منه المريض باستخدام الادوية النفسية الحديثة من تلك الامراض الوسواس القهري مثيلا حيث ارتبط بوسواس الشياطين حسب الاعتقادات السائدة لدى البعض وقد كشف العلم النقاب عن اسباب وعلاقات لها صلة ببعض المواد الكيميائية في المخ وهي حالات يتعامل معها الطب النفسي حاليا بالعلاج الدوائي وباستخدام الادوية الحديثة ولا علاقة للشيطان بذلك، وكذلك مرض الصرع الذي ظل موضوعا للكثير من الخرافات والأوهام.
ويعتقد أن الاسباب التي تكمن وراء حدوثه هي الأرواح والشياطين، في الوقت الذي كشفت الابحاث الطبية انه نتيجة لخلل في موجات المخ الكهربائية بفعل شحنات زائدة من بؤر نشطة تسبب اثارة الخلايا العصبية ويمكن علاج الصرع عن طريق الادوية التي تسيطر على الخلل الوظيفي في المخ ولا صلة للارواح والشياطين بهذا المرض اطلاقا كما يعتقد في الطب الشعبي.

أوهام فندها العلم
يقول ماجد قاسم/طبيب اسنان:
- هناك الكثير من المفاهيم المغلوطة لدى بعض الناس والممارسات الخاطئة التي مازالت قائمة فيما يتعلق بالعلاج وتفضل التداوي بالأعشاب على الدواء الكيمياوي تعود اغلبها لاسباب في مقدمتها فقدان الوعي الصحي والجهل في معرفة العلاج الناجع المثالي الذي يقتضي مراجعة وزيارة الطبيب المختص واتباع الطرق الصحيحة، وفي اطار اختصاصي باعتباري طبيب أسنان أود أن اشير الى بعض الأوهام المضرة بصحة الأسنان، ثبتت بالتجربة والاجراء العلمي خطورتها ومضارها وآثارها السلبية، من هذه الاوهام

*غسول الفم باستمرار يساعد على منع التسوس والتهاب اللثة بخلاف الحقيقة العلمية التي تؤكد ان غسول الفم في علاج اللثة بعضها يحتوي على مادة الكلور وهيكسيدين التي يؤدي استخدامها لفترات طويلة الى تلون الاسنان باللون الاسود ولذلك يتعين استخدام بعض الانواع الاخرى الخالية من هذه المادة،

*وكذلك الاعتماد على استخدام السواك فقط كون هذا لا يضمن نظافة جميع اسطح الاسنان ولابد من تجديده وغسله بعد الاستعمال كما أن وضعه في الجيب مكشوفا يعرضه لتراكم الاوساخ ومن الاوهام ايضا في استخدام الفحم المطحون لتبييض الاسنان من الطرق الخاطئة التي لا ينصح بها في اي حال من الاحوال لانها تسبب تآكل طبقة المينا في الاسنان

*وان مادة الفحم والمواد الكربونية تعد من مسببات سرطان الفم كما تؤكد الحقائق والتجارب العلمية .

فضلا عن ممارسات أخرى خاطئة وغاية في الخطورة على صحة أسناننا واعتماد مراجعة طبيب الاسنان المناسب بانتظام من أجل صحة أفضل

*كما يعتبر الطب الشعبي طبا بديلا لطب الأسنان وأنه يساعد على القضاء على أمراض اللثة، واستخدام زيت القرنفل يساعد على التقليل من انتفاخات اللثة وآلام الاسنان وهذا من الاوهام والاستخدامات الخاطئة، اذ لا يمكن تحقيق العلاجات الناجحة الا بعلاج ميكانيكي يتضمن ازالة التسوس وأن استخدام القرنفل يسبب هيجان اللثة والتهابها اذ صنعت المسكنات كلها للتأثير على الجهاز العصبي وليس للاستخدام المباشر على الاسنان.
ان الكثير من الأوهام الشائعة بشأن صحة الفم والاسنان فندتها الحقائق العلمية.

 

جريدة الصباح -شبكة الاعلام العراقي