الشخصية والصحة النفسية

سليمان فواز الكفيري  

إن الظروف التي تعيشها البلاد وتمر بها الأوطان، والتي تضغط بكل ما لديها من قوة على المجتمعات والأفراد وبكل أشكال الضغوط الاقتصادية والاجتماعية والنفسية،


لا شك تترك بآثارها السوداء على الصحة النفسية للفرد, وقد تتحول عند البعض إلى درجة المرض النفسي أو العقد النفسية.

 ما هو رأي علم النفس في الصحة النفسية والمرض النفسي؟
 أولا: من الأمانة المعرفية والعلمية القول بأنه في هذه الموضوعات توجد إبداعات جديدة ولكن توجد أيضا اختلافات جدية ونظريات وفروض مختلفة،ويعود هذا الأمر إلى أنها موضوعات هامة وتتعلق بحياة الفرد والمجتمع،وهي موضوعات شائكة وملامسة للواقع في ماضيه وحاضره ومستقبله،فلا عجباً من أن تتعدد الآراء والنظريات، ويضاف إلى ذلك أن الواقع غني وقد لا يتوافق تماما مع ما هو نظري، وخصوصاً إن المتغيرات في الواقع غنية ومتسارعة ومتعددة الاتجاهات.
 لذلك يجب أن نتسلح بالفكر النقدي ونحتكم دائماً إلى ما تثبته التجربة والملاحظة..
 على ضوء ما تقدم نستعرض بعض التعريفات للصحة النفسية والمرض النفسي.
 _ "الصحة النفسية هي التوافق مع المجتمع".
 بناءً على هذا التعريف يحضرني السؤال التالي: المبدعون، والمصلحون، والثوار، والأنبياء، هل ينطبق عليهم التعريف السابق؟ وهل هم فاقدو الصحة النفسية، لأنهم يخالفون المتعارف عليه والسائد في المجتمع؟
 ثانياً: الصحة النفسية هي قدرة الإنسان على التطور، والمرض النفسي هو عدم التطور بما يتناسب مع مرحلة النمو.. مثلاً: الراشد الذي ما زال يسلك سلوك المراهقين، أو سلوك الأطفال.
 لذلك الصحة النفسية هي توافق أحوال النفس الثلاث، حالة الأبوة وحالة الطفولة وحالة الراشد، والشخص السليم نفسياً يعيش في تناغم وانسجام بين هذه الحالات، دون طغيان إحداها على الأخرى
 ثالثاً: من التعريفات المهمة، (الصحة النفسية هي القدرة على الحب والعمل). والحب هنا،المقصود حب الفرد لنفسه، لكن بعيد عن الأنانية المفرطة والنرجسية، والحب هو حب الآخرين أي الأثرة والإيثار، فيكون المرض النفسي هو كراهية الذات أو الآخرين أوكليهما معاً, أو طغيان أحداهما على الأخرى ومن الجدير قوله هنا أن التوافق الاجتماعي (التكيف الاجتماعي), والتكيف الشخصي (أي قبول الإنسان لذاته) هي من المؤشرات الواقعية للصحة النفسية.
 رابعاً: لا أستطيع أن أتجاوز رأي سيغموند فرويد، وهو ابرز علماء مدرسة التحليل النفسي بل مؤسسها حيث يؤكد أن هناك ثلاث جوانب في الشخصية.
 الهو: وهو جزء فطري غريزي يتعلق بالدوافع الحيوية والغرائز البدائية، وهو جانب لا شعوري.
 الأنا الأعلى: وهو جزء مكتسب من البيئة الخارجية (المجتمع وعاداته وتقاليده وقيمه........الخ) وهو جانب لا شعوري.
 الأنا: وهو الشعور بالشخصية، وارتباطها بالواقع وانفصالها عن الهو، وهو جانب شعوري.
 والسؤال هنا وهو سؤال مفتوح: ما علاقة هذه الجوانب عند فرويد فيما يسمى في معارفنا الإسلامية بالنفس المطمئنة والنفس اللوامة والنفس الأمارة بالسوء؟ قد تكون النفس المطمئنة هي الأنا والنفس اللوامة هي الأنا الأعلى والنفس الأمارة بالسوء هي الهو.
 بعد أن استعرضنا بعض الآراء في تعريف علم النفس للشخصية، لا بد من القول: باًن الوراثة ركن أساسي في تكوين الشخصية، لكن بعض العوامل الو راثية لا تبقى ثابتة بل تتفاعل مع البيئة (الاجتماعية والطبيعية) وتتأثر بها.
 مثال: الذكاء استعداد فطري (وراثي) لكنه يتأثر بالبيئة، فإذا نما في بيئة جيدة نبغ الذكاء وإذا لم تتوفر له البيئة المناسبة طٌمس الذكاء.
 هذا يقودنا للقول: يجب الانتباه للعوامل الو راثية التي تتأثر بالبيئة للعمل على تطويرها وإعطائها البعد المناسب للشخصية الناجحة. وهذا لا يلغي بان هناك صفات وراثية لا تتأثر بالبيئة كلون العيون.
 أخي القارئ كلِ منا يعاني من مشكلات وعقد وأمراض نفسية والاختلاف في درجة هذه المشكلة أو المرض أو العقدة والخلاص من هذه الأزمة أقترح عليك أن تكون واقعياً ومتفائلاً.
 خامساً: ستطرح على نفسك السؤال التالي: هل أنت قوي الشخصية؟ وهل أنت بصحة نفسية جيدة؟ اختلفت الآراء حول من هو قوي الشخصية وكل منا يحب أن يقال عنه أن شخصيته قوية..
ولكن ما هو المعنى الحقيقي لقوة الشخصية؟
البعض يعتبر قوة الشخصية بأنها القدرة على السيطرة على الآخرين.
فهل المدرس الذي يرتعد منه الطلبة ويضبط الفصل قوي الشخصية؟ وهل كل من يفرض رأيه على الآخرين يعتبر قوي الشخصية؟
الشخصية المسيطرة التي لا يُرفض لها طلب لا تعتبر شخصية قوية, والسيطرة بالتخويف والإرهاب
لا يعني أبداً بأنها ناتجة عن شخصية قوية وسليمة.
فالمدرس مثلا قد يضبط الفصل لأنه يهدد الطلبة ويضربهم وقد تجد نفس هذا المدرس يقف خائفا مرتعدا أمام
 المدير أو الوزير لذلك لا يمكن اعتباره قوي الشخصية.
 البعض الآخر يَعتبر صاحب الشخصية القوية بأنه ذلك الذي يستطيع كسب المال أكثر من غيره ويصل بذلك إلى مكانة اجتماعية متميزة، في هذا التعريف وجه سلبي ومؤثر يجب الانتباه إليه, هذا التعريف يتهم الشرفاء بأنهم ضعاف الشخصية لذلك لا يمكن القبول به, كما انه يشجع على الوصولية والانتهازية, والأخذ بمبدأ الغاية تبرر الوسيلة, والبعض يعتبر الشخصية القوية بأنها الشخصية التي تستطيع أن تتصرف بنجاح في المواقف المختلفة, والواقع إن التصرف الناجح قد يكون غير أخلاقي في بعض الأحيان فقد ينجح التاجر مثلا في تجارته نجاحا كبيرا بسبب اعتماده على الغش والكذب كوسيلة لتصريف تجارته ويصبح هذا التعريف غير مقبول.
 فما هو إذاً التعريف الصحيح؟
 الشخصية القوية.. هي الشخصية التي تستمر في النمو والتطور, وبناءً عليه يكون صاحب العقلية المتحجرة ضعيف الشخصية., ومن لا يستفيد من وقته وصحته وإمكانياته.. ضعيف الشخصية, ومن لا يعدل من سلوكه ويقلع عن أخطائه.. يكون أيضا ضعيف الشخصية.
 قوة الشخصية تعني أيضا.. القدرة على الاختيار السليم.. والتمييز بين الخير والشر والصواب والخطأ.. وإدراك الواقع الحاضر.. وتوقع المستقبل.
 نستنتج مما سبق بان النمو والتطور شرطان أساسيان لكي تكون شخصيتك قوية ومثمرة في نفس الوقت، والواقعية والموضوعية والتفكير النقدي والقدرة على التكيف والانسجام،سمات للشخصية الناجحة والقوية والسليمة...

المصدر: موقع نساء سوريا