الشخصية الكارزماتية

إن الله سبحانه وتعالى قد خلق الإنسان ووضع له من صفات تجعله يختلف عن باقي الكائنات الحية. وأن هذا الإنسان لديه من الصفات ما تؤهله للقيام بواجباته الحياتية واليومية وإن من حكمة الله تعالى أنه جعل البشر يتفاوتون عن بعضهم البعض من حيث القدرات العقلية والنفسية وإن شخصياتهم تختلف من شخص إلى آخر وهو ما يعرف في علم النفس بالفروق الفردية.

فهناك الشخصية التابعة وهناك الشخصية القيادية التي لديها من الخبرات ما يجعلها تقود مجموعة من الناس.

ولا شك أن القائد الناجح هو الذي يمتلك من الصفات ما تؤهله لكسب ثقة الجماهير التي تحبه كثيرا وأن هناك من القادة ما يتصفون بأن لديهم شخصية كارزماتية.



تعريف الشخصية الكاريزمية:

تعريف الشخصية: كلمة شخصية مشتقة من الكلمة اللاتينية persona والتي تعني Mask وتعريف الشخصية هكذا بأنها تشبه القناع الموضوع على الممثل أثناء أداء الدور يعني أنه من المقبول لنا أن نختار ما نظهره أو نكشفه للآخرين من شخصيتنا.

وهناك اتجاه آخر من التعريفات يلقي الضوء على الشخصية كجهاز معقد من الاستجابات وهذا يعني أن سلوكنا يدل على شخصيتنا أو كما نقول في العامية (أصلك فعلك) .

والشخصية تعني :أسلوب عام منظم نسبيا لنماذج السلوك والاتجاهات والمعتقدات والقيم والعادات والتعبيرات لشخص معين وهذا الأسلوب العام هو محصلة خبرات الشخص في بيئة ثقافية معينة .(السيد عبد الرحمن, 1998).

تعريف مصطلح الكاريزما:

الأصل اللغوي لمصطلح الكاريز(charisma) يراد به كما ورد في قاموس ويبستر القوة الفائقة التي منحت السيد المسيح في إبراء وشفاء المرضى , وبعد ذلك استخدمت للإشارة إلى النصراني أو المسيحي الموهوب بواسطة الروح المقدسة , الذي يملك القدرة على الشفاء لصالح الكنيسة.

أما أصل المصطلح من حيث التسمية ونسبها التاريخي فمعناه هدية وهي كلمة يونانية الأصل ومن هذا الأصل استخدمت الكلمة للإشارة إلى نوع من القيادة المتميزة بمواهب شخصية تشبه السحر التي تثير ولاءا وحماسا شعبيا . (الحريري ,2003)

من هنا فإن الجمع بين التعريفين الشخصية والكاريزما وهي أن الشخصية الكاريزمية:تعني القوة الشخصية المؤثرة التي تنفرد بها شخصيات تاريخية تظهر ملامحها عليها منذ نعومة أظفارها بحيث تعطي تلك الشخصيات طبائع وعادات تكون مقبولة من قبل التابعين لها ,من باب الانبهار أو الإلهام والانجذاب إلى تلك الشخصيات , حيث تعتبرها رمزا لآمالها وأمانيها وتمثل الصورة المشرقة لها بين بقية الأمم .(الحريري,2003)

أهم نظريات القيادة:

أولا: نظريات السمات : تعتبر نظرية السمات من أولى المحاولات التي ظهرت في إطار المدخل الفردي لتفسير القيادة والكشف عن السمات المشتركة للقادة الناجحين.

ويقوم مفهوم نظرية السمات على أساس أن النجاح في القيادة يتوقف على سمات معينة تمتاز بها شخصية القائد عن غيره. (نواف كنعان،1995)

ثانيا: النظريات الاحتمالية: فقد أشارت هذه النظريات إلى الأسلوبين التسلطي والديمقراطي والى مستوى نضج العاملين للحكم على القيادة الناجحة ، فقد تناولت الأسلوب القيادي على أنه مجموعة من الأساليب تقع على امتداد محور استمراري طرفاه الأسلوب التسلطي والديمقراطي .(عسكر والموسى،1999)

ثالثا: النظريات السلوكية: وتعتمد هذه النظرية على نوعية السلوك من جانب القائد في علاقته مع العاملين على أمل الوصول إلى نوعيات من السلوك تميز القائد الفعال ، وصنفت السلوك إلى بعدين:

  • المبادأة بالتوجيهات :أي تحديد القائد لدوره ودور العاملين معها
  • إعطاء الاهتمام او الاعتبار : أي الثقة المتبادلة والاحترام والمساواة في بيئة العمل.

رابعا: نظرية الرجل العظيم: يرى القائمون على هذه النظرية إن القيادة سمة مميزة للفرد وأن عددا قليلا من الأفراد لديهم من السمات الشخصية والقدرات ما يمكنهم من أن يكونو قادة.(نواف كنعان،1995)

السمات الشخصية اللازمة للقيادة:

توصل "رالف ستوجديل" من خلال تقيمه لأكثر من خمسة عشر دراسة ميدانيه تمثل معظم الجهود التي قام بها علماء النفس بين الحربين العالميين لمعرفة السمات التي تجعل الإنسان قائدا ناجحا، وأهم هذه السمات ما يلي :

  1. المقدرة وتتضمن : الذكاء ، طلاقة اللسان ، اليقظة ، الأصالة ، العدالة .
  2. مهارة الإنجاز: وتتضمن الثقافة والتعليم ، المعرفة الواسعة ،القدرة على إنجاز الأعمال ببراعة ونشاط.
  3. تحمل المسؤلية : وتتطلب المبادأة ،الثقة بالنفس ، المثابرة ، الاعتماد على النفس ، السيطرة والرغبة في التفوق والطموح.
  4. روح ألمشاركة : وتتطلب النشاط ، الروح الإجتماعيه الطيبة ، المساهمة والتعاون ، القدرة على التكيف ، روح الفكاهة والدعابة .
  5. المكانة الإجتماعية وتتطلب الشعبية أي أن يكون القائد محبوبا سواء داخل التنظيم او خارجه .
  6. القدرة على تفهم الموقف : ويتطلب مستوى ذهني جيد .(نواف كنعان،1995)

ويعد "جاك تيلور"الخصائص الرئيسية للقيادة كما استخلصها من مجموعة الدراسات التجريبية الواسعة التي قام بها وهي:

  • القدرة العقلية
  • الاهتمام بالعمل
  • المهارة في الاتصالات
  • القدرة على حفز المرؤوسين إلى إنجاز العمل

المهارة الاجتماعية في التعامل مع المرؤوسين. المهارة الإدارية واختبار المرؤوسين. المهارة الإدارية التي تتطلب القدرة على التصور المبادءة والتخطيط والتنظيم والتقرير. (نواف كنعان، 1995)

خصائص الشخصية الكاريزمية:

أولا: الحساسية لبيئة العمل: تعتبر قدرة القائد على إجراء تقويم دقيق للبيئة المحيطة به من العوامل ذات الأهمية البالغة لتحديد فاعليته .

إن ما يميز القائد الكاريزمي عن غيرة من القيادات هو قدرة القائد الكاريزمي على إدراك أوجه القصور في البيئة الحالية .

ثانيا: الرؤية المستقبلية: يقوم القائد بعد تقويم البيئة المحيطة به بصياغة الأهداف الملزمة لتحقيق ما تصبو إليه المؤسسة أو الدولة المسئولة عنها.
إذ يتمتع القادة الكاريزميون عادة بروح الرؤية أو الهدف الإستراتيجي.

ثالثا: تحقيق الرؤية: بعد أن يتم وضع الرؤية المستقبلية من قبل القائد الكاريزمي بما يحقق مصلحه لأتباعه يجب عليه أن يسعى جاهدا لتحقيق هذه الرؤيا أو الأهداف من أجل مصلحة أتباعه ومؤيديه.(مركز الإمارات للدراسات2001)

الشخصية الكاريزمية وعلاقتها بالظاهرة السياسية:

لقد أصبح المفهوم الحديث للكاريزما يقوم قبل كل شيء على مزايا تفوُق شخصية الزعيم أو القائد وقد يتمتع القائد الكاريزمي بقوة خارقة وشجاعة بالغة أو ذكاء لا يعرف الحدود أو أية خصوصية أخرى من شأنها أن تجعل منه إنسانا غير اعتيادي .

والعلاقة بين القيادة الكاريزمية والسلطة الكاريزمية إن القيادة الكاريزمية تعتمد على المواهب الشخصية بينما السلطة الكاريزمية تعتمد على علاقة تنقطع عن هذه السمة الشخصية، وهناك أنواعا للكاريزما ؟فالكاريزما الأصلية : هي حاله تنشأ مع ولادة وظهور القائد الكاريزمي إلى الوجود أما الكاريزما آو السلطة الكاريزمية فهي بمنزلة استعادة صفات كاريزمية لإضفاء مسحه من هالة الإلهام على قرارات السلطة الكاريزمية التي تسعى إلى الحصول على تأييد الجمهور . وقد يتحول الولاء للزعيم الكاريزمي إلى عدم الاكتراث عندما تفقد الجماهير أساسها بصفة الإلهام والجاذبية لدى الزعيم الذي يتصنع الكاريزما.

ويؤكد روجيه كايو أن السمات الأسطورية للزعيم الكاريزمي يجب أن ينظر إليها من خلال أمرين متلازمين :

الأول طبيعة وصوله إلى السلطة وهل كان بفضل سحر الجماهير بشخصيته وأفكاره .

الثاني: التخيل الجماهيري الذي يضفي القداسة الأسطورية على شخصية الزعيم ، وهكذا لا يعتبر هذا القائد بمنزلة المنتخب بل هو المنتظر أو المصطفى ، ويظهر من خلال حركة تنظيم سرية أو علنية تتنامى جماهيريا أو طبقيا أو دينيا أو عسكريا ويتم حمله في نهاية المطاف إلى قمة السلطة بوصفه بطلا منقذا وليس رئيسا عاديا للدولة.

ولا بد من الإشارة إلى أن أغلب الآراء تتفق على أن القيادة الكاريزمية غالبا ما تظهر في دول العالم الثالث بسبب دور الحركات السياسية التي تسعى للخروج بمجتمعاتها التقليدية إلى واقع المجتمعات الحديثة القائمة كما حصل في الغرب الصناعي ، ولكن التعويل على هذه النتيجة يبقى نسبيا إلى حد ما فليس شرطا أن تظهرا لقيادة الكاريزمية فقط في دول العالم الثالث وإنما من الممكن أن تظهر في المجتمعات الصناعية المتقدمة عندما تمر بأزمات حادة كما حصل في إيطاليا(موسوليني) وألمانيا الهتلرية .

وهناك سؤال يدور في أذهان الكثيرين وهو: هل يتجه العالم نحو القيادة الكاريزمية بعد ولوجه في ثورة المعلومات وانتشار الديمقراطية ومثل المساواة وحكم المؤسسات؟

إن المتغيرات السياسية الدولية والاجتماعية والإقليمية في التسعينات من القرن العشرين وتحديد آثار العولمة وانتشار وسائل الاتصال السريع ورغبة دول العالم في التوجه إلى سأسسة حياتها الديمقراطية بعد انهيار الإتحاد السوفيتي وقيم حرب الخليج الثانية عام 1991.

ويعد التحول في قطاع المعلومات من أهم التحولات العالمية التي وضعت في الربع الأخير من القرن العشرين وفي ظل ذلك تتجه الدولة إلى فقدان جزئي لسيادتها ،ويفقد صانع السياسة والقرار صلاحيات حقيقية وفعلية حتى وإن ظلت موجودة دستوريا وقانونيا ،إن ذلك قد يصطدم مع التأصيل النظري للكاريزما التي يغلب عليها إنفراد القائد الكاريزمي رأيه وإصدار القرار بفعل سحر شخصيته وانقياد المؤيدين والمناصرين له ،وان هذه التغيرات إذا طبقت على واقع الحال في المستقبل أي إنفراد وظهور قائد كاريزمي فيمكن أن تكون حالة من تغييب الوجه الديمقراطي للحياة المعاصرة الذي تنشره الشعوب والدول ونوعا من مصادرة حق التعبير والرأي و الرأي الآخر بعد انتشار وسائل الاتصال السريع الدولي .

وسوف تكون نقمة الشخصية والقيادة الكاريزمية نقمة على الشعوب بسبب عزلتها وتقوقعها على نفسها .(الحريري، 2003)

بعد هذا التفصيل لكل ما يتعلق بالشخصية الكاريزمية هناك جملة من الحقائق وهي:

  • إن مفهوم القيادة الكاريزمية يوحي بوجود قدرات وإمكانيات نوعية لدى الشخصية الكاريزمية تسمح له بحرية الانتشار والتفوق.
  • تتمتع الشخصية الكاريزمية بقدرة على كسب أصوات المؤيدين لها سعيا للفوز بموقع القيادة.
  • تبرز القدرات الشخصية للقيادة الكاريزمية عندما تنجح بالتأثير في أغلب شرائح المجتمع.
  • تتمتع الشخصية الكاريزمية بالقدرة على اتخاذ القرارات الاستثنائية لحسم وحل المشكلات المستعصية التي لا تستطيع القوانين الوضعية والدستورية معالجتها.
  • يبرز الوجه المشرق للقيادة الكاريزمية عبر نسف كل الحواجز المؤسساتية والسياسية للاتصال المباشر بالجماهير التي تعشقها وتبدي الولاء المطلق لها .
  • الكاريزما هي تزاوج بين مواهب شخصية وعناية ربانية لنشوء القيادة التاريخية.
  • تتميز المجتمعات الحديثة بسيطرة النماذج البيروقراطية والشركات عابرة القارات وهذا المتغير سيكون عاملا حقيقيا في الحد من ظهور النماذج الكاريزمية في المستقبل المنظور.
  • هناك علاقة بين الكاريزما والأخلاق والقانون لأن القائد الكاريزمي يحاول أن يتصرف بموجب الأعراف والنواميس الخلقية والقوانين ، ويسهر على حقوق الآخرين ، ويلتزم بالدستور .(الحريري، 2003)

نماذج من القيادات الكاريزمية:

النموذج العربي والإسلامي : لاشك أن الرسول محمد (ص) من أهم القيادات في تاريخ البشرية على الإطلاق فقد كانت قيادته للدولة الإسلامية وتأثر المسلمين بالدعوة الإسلامية التي نادى بها المصطفى محمد (ص) والتي ما زالت إلى يومنا هذا له دليل على الصفات التي يتميز بها عليه السلام،
وقد برزت شخصية الزعيم المصري جمال عبد الناصر في مرحلة الستينات من القرن العشرين بوصفه أحد الشخصيات الكاريزمية المهمة .

الخاتمة:

لا شك أن كل أمة تحتاج لنهضتها ورفع شأنها وحمايتها إلى قائد كاريزمي يتسم بالعديد من الخصائص والسمات والمهارات الفنية والإنسانية، والذي يكون قادرا على الإقناع بوجهة نظره ولديه القدرة على العمل مع الآخرين عن طريق استخدام مبادئ العلاقات الإنسانية وتسخيرها لإيجاد جو عمل تزدهر فيه القيم والمبادئ الإنسانية ، عن طريق سماته الحسنة وعلاقاته الواسعة وصفاته التي تلهب عاطفة الحب والاحترام والتقدير له .

والقائد الكاريزمي يجب أن يسخر نفسه لخدمة أبناء شعبه وليس العكس فالشهيد يحيى عياش كرس نفسه لخدمة قضية شعبه فكان محبوبا عندهم ، وهكذا فإن القادة يتكبدون التعب والمشقة من أجل راحة الأتباع أو أبناء شعبهم، صادق فيما يقوله، لديه من الأخلاق ما تؤهله ليكون قدوة يحتذى به بين الجماهير و بين أمم العالم كلها.

المراجع:

* جاسم يونس الحريري،(2003)، دور القيادة الكاريزمية في صنع القرار الإسرائيلي : نموذج بن جوريون،مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية، الإمارات.
* نواف كنعان،(1995)،القيادة الإدارية، مكتبة دارالثقافه للنشر والتوزيع،ساحة الجامع الحسين،عمان.
* ياسين،حمدي وعسكر، حسن، علي وموسى، (1999) ،علم النفس الصناعي والتنظيمي بين النظرية والتطبيق ، دار الكتاب الحديث ، الكويت .

إعداد: خالد عياش