الشخصية الاعتمادية وكيفية التعامل معها وعلاجها

نحن نُصادف في مجتمعنا أحياناً أشخاصاً أكثر ما يُقال عنهم أنَّهم اعتماديون؛ ولكن، ما المقصود بالشخصية الاعتمادية؟ وما المقصود بالشخصية الاعتمادية غير المُستقلة؟ وما هو اضطراب الشخصية الاعتمادية؟ وما صفاته؟ وما المُضاعفات الناتجة عنه؟ وما أسبابه؟ وكيف يمكننا التعامل مع المُصابين به؟ وما العلاج المناسب له؟ سنقدم لكم كلَّ ذلك في هذا المقال.



الشخصية الاعتمادية:

الشخصية الاعتمادية شخصية من أهمِّ سماتها فُقدان الاستقلالية الذاتية والاعتماد على الأشخاص الآخرين في كلِّ شيء؛ فإذا افْتَقَدَت وجود الناس من حولها أو دعمهم لها، فإنَّها تُصاب بنوباتٍ من الهلع والقلق الشديد، والتي يمكن أن تُرافقها أعراض جسدية مثل الدوار، والإغماء، وضيق التنفس، وتسرُّع ضربات القلب.

تتميّز الشخصية الاعتمادية أيضاً بطريقة تعاملها مع الآخرين، حيث تُحاول دائماً الظهور بمظهر الشخصية المسكينة، بهدف استحواذها على عطف من حولها؛ كما تميل إلى تضخيم ما تُعاني منه، وتُقلِّل من المكاسب التي تملكها، ليزداد ما يمنحُه لها الأشخاص المُحيطون بها.

يعدّ المُجتمع الديكتاتوري أو البيروقراطي المُجتمعَ النموذجي للشخصية الاعتمادية، حيثُ أنَّها لا تُحب الحرية أبداً؛ ذلك لأنَّها تعني لها أنَّ كلَّ شخص مسؤول عن أفعاله، وعن العمل الذي يقوم به؛ لذلك لا تُفضِّل المُجتمع الديمقراطي.

تستمد الشخصية الاعتمادية طاقتها وقيمتها واستمراريتها في الحياة من خلال التواصل مع الآخرين، والاعتماد عليهم؛ لذلك فإنَّها تخشى من العُزلة والوحدة.

غالباً ما تهتمُّ الشخصية الاعتمادية بالأطعمة، والموضة، والسيارات، وطريقة الحديث، وطريقة الحياة؛ ويعود ذلك إلى أنَّها فارغة من داخلها، وتلجأ إلى مُسايرة الأمور السابقة لتظهر أمام الآخرين على أنَّها شخصية نموذجية. وغالباً ما تكون قراراتها الشخصية -مثل: الأمور المُتعلقة بالزواج، والعمل، والتخصص الدراسي، وغيره- صادرةً عن الأشخاص الذين يتولُّون أمرها، وليست صادرةً عنها شخصياً؛ فهي تميل دائماً إلى اتباع آراء الآخرين، ويمكن أن يبلغ مدى تبعيتها للأشخاص الآخرين إلى اتباعهم حتَّى في المذاهب الدينية والسياسية والاقتصادية.

على سبيل المثال: تكون الشخصية الاعتمادية تابعة في العمل للمدير، أو للشخص الأقوى، أو لصاحب الخبرة الأكبر في العمل؛ وتكون مُنجذبةً في المدرسة إلى الطالب القوي.

اضطراب الشخصية الاعتمادية:

اضطراب الشخصية الاعتمادية هو الإحساس بالعجز، والاستخفاف بالقُدرات والمهارات الذاتية، والشعور بالحاجة الدائمة والمُلحَّة إلى الرعاية والاهتمام من قِبَل الأشخاص الآخرين، وعدم القُدرة على تقديم المُساعدة واتخاذ أبسط القرارات اليومية، دون الحاجة إلى النصيحة والمُساعدة من قِبل الآخرين.

يحدث اضطراب الشخصية الاعتمادية في مرحلةٍ مُبكرة من العمر، وحتَّى مُنتصف سنِّ البلوغ؛ وهو ليس مُقتصراً على جنسٍ مُعين، حيثُ يُصاب به كلا الجنسين من الرجال والنساء.

الشخصية الاعتمادية غير المُستقلة:

الشخصية الاعتمادية غير المُستقلة هي الشخصية التي تميل إلى الخضوع للآخرين، ولا تُعبِّر عن رغباتها وحاجاتها إلَّا نادراً، وتعدُّ نفسها غير جديرةٍ بتحمُّل المسؤولية، وغالباً ما تُعاني من التوتر وقلق الانفصال عن الأشخاص الآخرين، وتَعتقد أنَّها لا تستطيع التعامل مع الحياة لوحدها، وتحتاج إلى المشورة دائماً، وتُفضِّل ترك اتخاذ قراراتها الخاصة للآخرين المُحيطين بها؛ وفي حال أُجبِرت على اتخاذ القرار، ستتخذه على مضض.

إقرأ أيضاً: الفرق بين تفكير الشخص الناجح والشخص الفاشل

صفات الشخصية الاعتمادية:

  1. غالباً ما تتجنَّب تحمُّل المسؤولية الشخصية.
  2. تكون حساسةً بشكلٍ مُبالغٍ فيه عند سماعها أيَّ نوع من أنواع النقد.
  3. تكون غير قادرة على اتخاذ أيِّ قرار، حتَّى أصغر قرارات الحياة اليومية.
  4. غالباً ما تكون خائفة من الاعتراض على أفكار الآخرين وآرائهم، وذلك خوفاً من فُقدانهم، وخسارة دعمهم لها.
  5. تكون غير قادرة على اتخاذ زمام المُبادرة، والبدء بأيِّ مشروعٍ مُستقلٍّ عن الآخرين.
  6. تكون مُتسامحة في معظم الأوقات، حتَّى مع إيذاء الآخرين لها.
  7. تتجنَّب الوظائف التي تتسم بتحمُّل المسؤولية.
  8. تخاف من الوحدة.
  9. تكون فاقدة الثقة بنفسها، ومُقتنعةً بأنَّها غير قادرة على الاعتناء بنفسها.
  10. تتجنَّب تحمُّل المسؤولية الشخصية.
  11. تخاف كثيراً من تخلِّي أيِّ شخصٍ عنها، وتشعر بالضياع عند انتهاء أيِّ علاقةٍ لديها؛ لذلك سُرعان ما تسعى إلى تكوين علاقةٍ جديدةٍ لتعويض النقص الذي حدث.
  12. غالباً ما تكون ساذجة، وتميل إلى العيش في الخيال بعيداً عن الواقع.
  13. غالباً ما تضع حاجات الآخرين ورغباتهم، قبل احتياجاتها ورغباتها.

كيفية التعامل مع الشخصية الاعتمادية:

عند تعاملك مع الشخصية الاعتمادية:

1. ضَع العواطف جانباً:

إحدى أبرز صفات الشخصية الاعتمادية هي قُدرتها الكبيرة على الابتزاز العاطفي؛ فهي تستخدم في معظم الأحيان عبارات وكلمات يُمكن من خلالها أن تستدرَّ عطفكَ وتضامُنكَ معها، وتُقنعكَ بتنفيذ رغباتها؛ لذلك يجب عليك تجنُّب التعامل بعواطفكَ مع الشخصية الاعتمادية.

2. تَجنَّب أسلوب الطلب، واتبع أسلوب الأمر والضغط:

عندما تُكلِّف الشخصية الاعتمادية بمَهمَّةٍ ما، ولو كنتَ لستَ مُقتنعاً بقُدرتها على القيام بها وتنفيذها؛ كلِّفها بصيغة الأمر، وليس بصيغة الطلب؛ لكي لا تسمح لهذه الشخصية بمفاوضتكَ أو مُناقشتكَ حول ما يتوجَّب عليها القيام به.

3. لا تستجب لطلباتها:

من أهمِّ الأمور التي تُساعد الشخصية الاعتمادية في الاعتماد على ذاتها وتحمُّل المسؤولية هو عدم الاستجابة لطلباتها، وعدم تقديم المُساعدة لها عند قيامها بمَهمَّةٍ مُكلَّفةٍ بها، وتكرار الرفض في كلِّ مرةٍ تطلبها.

4. حفِّزها:

من الأمور التي تزيد من ثقة الشخصية الاعتمادية بذاتها هو اعتماد أسلوب التحفيز، سواءً كان معنوياً أم مادياً؛ فعندما تُنفِّذ الشخصية الاعتمادية أيَّ مَهمَّة موكلَة إليها، وحتَّى في حال عدم اقتناعك الكامل بإتقانها؛ يتوجَّب عليكَ تحفيزها.

5. واجهها:

في حال فشلت جميع المُحاولات السابقة، عليك اتباع أسلوب المواجهة الصريحة الكاشفة لجميع عيوب الشخصية الاعتمادية؛ فهي تُعدُّ الطريقة الأنسب التي يمكن لها أن تُساعدها في تعديل سلوكها إلى حدٍّ ما.

أسباب اضطراب الشخصية الاعتمادية:

لم يُحدَّد إلى الآن سبب مُعين ومُباشر للإصابة باضطراب الشخصية الاعتمادية؛ ولكن هناك بعض العوامل التي تزيد من خطر الإصابة به، منها:

  1. عوامل وراثية تعود إلى التاريخ العائلي من اضطراب الشخصية.
  2. الحماية الزائدة من الأبوين في الصغر، أو استبداد الآباء.
  3. التربية المُسيئة، والتنشئة غير المُعتدلة.
  4. الإهمال لفترات طويلة من قِبَل الأهل.
  5. العلاقات العاطفية السيئة، وذات المدى الطويل.

مُضاعفات اضطراب الشخصية الاعتمادية:

يكون الأشخاص الذين يُعانون من اضطراب الشخصية الاعتمادية:

  1. أكثر عُرضةً إلى الإصابة بالخوف المرضي من أشياء مُختلفة، بالإضافة إلى اضطرابات القلق والتوتر والاكتئاب.
  2. مُعرَّضين إلى الإيذاء النفسي من قِبَل الأشخاص الآخرين بشكلٍ كبير؛ وذلك بسبب مُحاولتهم إرضاء الآخرين على حساب أنفسهم.
إقرأ أيضاً: اضطراب الشخصية الوسواسية القسرية: تعريفه، أسبابه وعلاجه

علاج اضطراب الشخصية الاعتمادية:

1. العلاج النفسي لاضطراب الشخصية الاعتمادية:

إنَّ العلاج النفسي أساس مُعالجة الأشخاص الذين يُعانون من اضطراب الشخصية الاعتمادية؛ ذلك لأنَّها تُساهم بشكلٍ كبيرٍ في مُساعدتهم على فهم حالتهم الطبية، حيثُ أنَّها تُعزز من ثقتهم بأنفسهم، وتُعلمهم أساليب جديدة لإنشاء علاقات جديدة وجيدة مع الأشخاص الآخرين.

يجب أن يكون العلاج النفسي للأشخاص الذين يُعانون من اضطراب الشخصية الاعتمادية قصير المدى؛ ذلك لأنَّ العلاج الطويل المدى يمكن أن يجعل هؤلاء الأشخاص يعتمدون بشكلٍ كبيرٍ على الطبيب النفسي، أو المُعالِج.

2. العلاج الدوائي لاضطراب الشخصية الاعتمادية:

تعود أهميّة العلاج الدوائي إلى أنَّه يُسيطر على نوبات الهلع، وحالات التوتر الشديد والقلق التي تُصاحب الأشخاص الذين يُعانون من اضطراب الشخصية الاعتمادية؛ لذلك عادةً ما يصف الطبيب النفسي أو المُعالج العلاج الدوائي إلى جانب العلاج النفسي.

 

المصادر: 1، 2، 3، 4




مقالات مرتبطة