السعاده أن تواصل اشتهاء ما تملك

نمني أنفسنا بأوقات أكثر بهجة. آن لنا أن نعي أن السعادة اكتشاف متأخر، نقع عليها عندما نكون قد خسرناها. إنها الفردوس المفقود حينا، والموعود غالبا. قدر السعادة أن تكون عصفورا معلقا على أغصان الذكرى، أو على شجرة الترقب. لكأن الذي قال "عصفور في اليد أفضل من عشرة على الشجرة" كان طباخا، أو موظف بنك. لو كان شاعرا لأدرك أن السعادة هي المسافة الفاصلة بينه وبين الشجرة.. لا أكثر. إنها طائر على أهبة الإفلات من يدنا عند أول سهو. وعلينا، كي نكون أهلا لها، أن نعيشها كلحظة مهددة، وفرحة منهوبة، نغافل الزمن كي نسرقها من قبضته.



البعض، يتسلق ما يصادف من أشجار، يتعلق بأغصانها على أمل قطف ثمار البهجة، من قبل أن يتأكد إن كانت قد نضجت. وقد يقع أرضا ويصاب بكسر، أثناء مطاردته طائرا لن يمسك به في جميع الحالات. ثم، يحدث يوما أن يحط ذلك الطائر على درابزين شرفته، أو يذهب إلى حد تناول ما تساقط أرضا من فتات عند أقدام مائدته. وتغدو السعادة عندئذ مرهونة فطنة المرء، وتنبهه إلى وجودها.. عند قدميه!

من هنا جاءت نصيحة أحد الحكماء: "السعادة في بيتك فلا تبحث عنها في حديقة الآخرين". ذلك أننا كثيرا ما لا نتنبه إلى الأشياء التي تصنع سعادتنا، لمجرد أنها في متناولنا، وملك يدينا. وننصرف عنها لمراقبة وتمني ما في حوزة الآخرين، بينما معجزة السعادة تكمن في مواصلة اشتهاء ما تملك، والحفاظ عليه كأنه مهدد بالزوال، بدل هدر العمر في مطاردة ما قد يصنع تعاستنا إن نحن حصلنا عليه.

أما كل أمنية، يحضرني قول أوسكار وايلد: "ثمة مصيبتان في الحياة: الأولى ألا تحصل على ما تريد، والثانية أن تحصل عليه!".

في هذه الحكمة ما يواسي خسارات بعضنا، يمكاسب البعض الآخر، التي إن تعمقنا فيها وجدناها ضربا من ضروب الخسارة الباذخة.

الدليل جاءنا مجددا. في إحدى الدراسات التي تم إعدادها بعد متابعة متأنية لحياة ثلاثمئية ثري. صعقتنا النتيجة فرحا، نحن التعساء. ذلك أن "الشباب والصحة والوظيفة والملامح الجميلة والسيارة الفارهة، كلها لا تجعل الإنسان سعيدا". ولو أجريت هذه الدراسة في موناكو لكان أميرها وأميراتها دليلا على ذلك.

الأثرياء الثلاثمئة، أكدوا أنهم لا يشعرون بالسعادة والأمان، لعلمهم أن إعجاب الناس بهم يعود لكونهم أغنياء فقط، مؤكدين أن المباهج البسيطة للحياة اليومية هي ما يفتقدونه، بسبب الثراء الفاحش الذي يعرضهم لمستويات عالية من القلق، لعلمهم أن الأقارب والأصدقاء لا يفكرون سوى في استغلالهم.

اعتراف يجعلنا، لفظاعته، نصدق قول الشاعر:

"كل من لاقيت يشكو دهره

ليت شعري هذه الدنيا لمن؟".

 

المصدر: موسوعه تعلم معنا مهارات النجاح