السعادة من وجهة نظر علمية

هل تشعر أحياناً بأنَّك تعيس على الرَّغم من معرفتك بأنَّك تعيش حياةً جيدة؟



ملاحظة: هذا المقال مأخوذٌ عن الكاتب "داريوس فوروكس" (Darius Foroux)، ويتحدَّث فيه عن حقائق علمية تشرح آلية السعادة وكيف يمكن الاستفادة من هذه الحقائق.

من البديهي أنَّنا جميعاً نسعى وراء السعادة لأنَّها تحسِّن حياتنا، وهذا ينطبق على الجميع دون استثناء، لكن في الوقت نفسه يجب أن نتوخى الحذر بألا نخلط بين السعادة والمتعة، وإلا سينتهي بنا المطاف في سعي مستمر وراء المتعة من أجل الحصول على مزيد من السعادة.

تكمن المشكلة في أنَّ المتعة تمنحنا سعادةً مؤقتة، قد نحصل عليها من خلال تناول الطعام اللذيذ أو تدخين السجائر أو المرح والتسلية مع الأصدقاء، أو شراء أفخم الأشياء وأحدثها؛ إذ تجعلنا هذه الأشياء نشعر بالمتعة، لكن سرعان ما نعود إلى وضعنا الطبيعي.

علاقة السعادة بالوراثة:

نشر الأستاذان مايك بارتيلز (Meike Bartels) وفيليب كولنجر (Phillip Koellinger) في أمستردام (Amsterdam) البحث العلمي الذي شكَّل علامة فارقة في فهم السعادة.

لقد أُجريت لأول مرة في التاريخ دراسة عالمية واسعة النطاق شملت 298000 شخصاً، وعزل فيها الباحثان أجزاء الجينوم البشري التي يمكن أن تفسِّر الاختلافات في كيفية اختبار البشر للسعادة، وأهم ما توصَّل إليه بارتيلز وكولنجر هو: توجد ثلاثة اختلافات جينية تؤدي إلى التباين في اختبار السعادة.

تشير النتائج إلى أنَّ قدرتك على أن تكون سعيداً هي أمر خاضع لعوامل وراثية، ما يعني أنَّ بعض الناس أكثر عرضةً للاكتئاب، وهذا قد يعتمد على الحمض النووي الخاص بالشخص.

غيَّر هذا نظرتنا إلى السعادة؛ لأنَّنا كنا نراها سابقاً نتيجةً مباشرةً لظروف خارجية، مثل البلد الذي تقطن فيه، وعلاقاتك ومقدار ما تملك من مال، ومستوى التعليم الذي حصلت عليه وغير ذلك، لكنَّ العوامل التي تحقق السعادة أكثر تعقيداً من ذلك، وفي الواقع ما يزال مُعظمها مجهولاً بالنسبة إلينا.

على أيَّة حال يفتح هذا البحث الأبواب لمزيد من الأبحاث عن تأثير الجينات في السعادة، ويشتبه بارتيلز بأنَّ السعادة تتحدد بمجموعة من العوامل الوراثية والبيئية، ويقول: "أثبت البحث أنَّ الاختلاف في مثيلة الحمض النووي له علاقة بالسعادة، ما يعني أنَّ العامل المسؤول عن السعادة ليس الجين فحسب وليس البيئة فقط؛ بل التفاعل بين هذين العاملين.

شاهد بالفيديو: 8 نصائح بسيطة لحياة أكثر سعادة

الجينات ذات دور هام؛ لكنَّها ليست العامل الحاسم:

قد يكون لديك جين إيجابي يحدد سعادتك، إلا أنَّه ليس ثابتاً؛ أي إنَّ تأثيره لن يدوم وستخسر سعادتك، وخلاف صحيح؛ هذا يعني أنَّ الجين السلبي يؤدي دوراً لفترة محددة؛ ومن ثمَّ يتعطل وتعود لتشعر بالسعادة.

الأمر الجيد في هذا البحث هو أنَّه يوضح إمكانية الفرد في التأثير في شعوره بالسعادة، لكن مع هذا التوضيح، يبقى الأمر على درجة من التعقيد؛ إذ يوكِّد بارتيلز وكولنجر: "لا توجد طريقة معينة للشعور بالسعادة تنجح مع الجميع، فالناس مختلفون وراثياً".

نتائج البحث رائعة فهي تؤكِّد أنَّ الفرد هو المسؤول عن سعادته، وهذه ليست مجرد وجهة نظر تندرج في سياق تطوير الذات؛ بل حقيقة مدعومة بالعلم، ومع ذلك، يجب أن تدرك أنَّ السعادة تتطلب العمل الجاد، هذا هو السبب في أنَّ الأشخاص الذين يدَّعون أنَّك يجب أن تتوقف عن السعي وراء السعادة يفتقدون الهدف، إنَّهم ينظرون إلى السعادة من مستوى محدد لهم سلفاً.

بالنسبة إلى معظمنا تتطلب السعادة عملاً دؤوباً، وهي في ذلك مثل باقي الأشياء في الحياة التي لا يمكن تحقيقها دون اجتهاد، لكن لأنَّها تتطلب السعي الدؤوب؛ فهي في متناول اليد.

إقرأ أيضاً: ما هي فلسفة السعادة البسيطة عند أبيقور؟

كونك إيجابياً في حياة الآخرين هو أكثر ما يؤدي إلى السعادة:

كانت النقلة النوعية التي حققتها في حياتي عندما غيَّرت وجهة نظري عن السعادة، فحتى سنوات قليلة مضت، كنت أعتقد أنَّ السعادة هي الهدف الوحيد المنطقي في الحياة، لكن أدركت أنَّني مخطئ؛ لأنَّك عندما تسعى بطريقة محمومة إلى السعادة، قد تحقق منها الكثير؛ لكنَّك أيضاً تفقد الهدف، والسبب أنَّ هذا المنظور مفرط في الأنانية، فأنت تقول لنفسك لا يوجد شيء آخر ذو أهمية غير سعادتي.

في هذه الحالة أنت لا تفكِّر في الناس حولك؛ بل تتجاهل الجميع وتهتم بسعادتك فقط، وفي حين أنَّ بعضنا يناسبه هذا المنظور في الحياة إلا أنَّ الحياة تنطوي على أكثر من ذلك.

أضف إلى ذلك أنَّ الوحدة تقوِّض السعادة، والحياة الواقعية تفرض عليك أحياناً التضحية بأشياء معينة في سبيل الآخرين، وهذا ليس شيئاً سلبياً إذا ما امتلكت المنظور المناسب، وأنا أؤمن بأنَّ الهدف من الحياة ليس السعادة، لكن مدى فائدتك للآخرين، وأن تكون نافعاً للآخرين هي مسألة عقلية، وأي عقلية تريد أن تتبناها فأنت تحتاج إلى قرار في البداية.

وضَّحت إحدى متابعات مدونتي، ميليندا (Melinda)، ذلك لي من خلال رسالة عبر البريد الإلكتروني، فقد قرأت مقالتي عن أهمية أن يكون المرء إيجابياً في حياة الآخرين، وأرسلت لي هذا البريد الإلكتروني: "لقد ساعدتني على تخفيف الاكتئاب كثيراً من خلال ما تطرحه في مدونتك، وقد أردتك أن تعلم ذلك، وقد كتبت عن هذا في مدونتي وعندما أعدت قراءتها اليوم، قلت لنفسي: أريده أن يعلم كم ساعدني في التخلص من اكتئابي، فلم أكن بهذا القدر من السعادة منذ سنوات".

هذا يعني لي الكثير، لكن أكثر ما أعجبني هو صلابة ميليندا وكيف خصصت الوقت لتكتب عن هذا الموضوع في مدونتها، إنَّها تعمم التجربة ليستفيد منها الآخرون.

إقرأ أيضاً: 6 خطوات سهلة للحصول على السعادة الأبدية

في الختام: الحقيقة تؤدي إلى أفضل النتائج

لا تأخذ الحياة على محمل الجد، ولا تفرط في التفكير؛ بل افعل شيئاً مفيداً فقط، مهما يكن، فقد قال جون ديوي (John Dewey)، الفيلسوف البراغماتي وأحد مؤسسي علم النفس الوظيفي ذات مرة: "الحقيقة هي التي تحقق النتائج المرجوة"؛ لذا تمعَّن في هذا الاقتباس، وستدرك أنَّ مهمتك في الحياة هي إيجاد ما تؤمن به، آمن بشيء يجعلك تمضي قدماً، وهذا هو الشيء الوحيد الهام في الحياة، والشيء الذي يحقق لك السعادة.




مقالات مرتبطة