الزهد بنصائح الأهل.. لماذا؟

 

يطرح بعض الآباء والأمهات سؤالا مهما:
لماذا يُعرِض أبناؤنا وبناتنا عن نصائحنا؟ لماذا يسدّون أسماعهم عن وصايانا؟ لماذا لا يأخذون بتعاليمنا وتعليماتنا؟ هل انتهى زمن النصائح واندثر؟
من جهتهم، يقول الأبناء والبنات في الردّ على هذه المؤاخذة:
آباؤنا لا يملكون إلا النصائح المجرّدة.. لا نجد لما يقولون تطبيقا؟ نصائحهم لا تتناسب وطبيعة العصر.. زمانهم غير زماننا.. وقد يتحدّث آخرون بلهجة مغرورة فيقولون: نحن أفهم منهم فلماذا نلجأ إليهم؟
بين (أسف) الآباء المقرون (بالألم) أحيانا.. ورفض الأبناء المشوب (بالتكبّر) أحيانا.. يمكن أن نتلمّس خيط الحقيقة.


 

أولاً: لم ولن تفقد النصيحة قيمتها!
مهما كسدت بضائع في سوق المجتمع.. فان بضاعة واحدة لن تكسد ولن تبور وهي (النصيحة) لسبب معقول أن (النصيحة) تعني (الاخلاص) فاللبن الناصح ـ في اللغة ـ هو الخالص من أي غشّ، وطالما ان النصيحة لاسيما (الوالدية) مخلصة وغير مغشوشة، فان ذلك عامل من عوامل تأثيرها إن لم يكن الوقتيّ أو الظرفيّ أو الآني، فالمستقبلي حتماً.
القرآن يقدّم لنا (لقمان) واعظاً لابنه.. ويقدّم الانبياء واعظين ناصحين مشفقين لمجتمعاتهم.. والقرآن ـ بصفته الخالدية ـ لا يقدّم لنا علاجات زمنية مرهونة باسباب نزولها.. انه يقول بما عرف به من صدق: (النصيحة) خير ما يقدّم لانسان عزيز..
وكما سبق ان اشرنا، فنحن ـ رغم عدم توفر الأدلة البيانية عن تجربة لقمان العملية مع ابنه ـ لكننا نستطيع أن نجزم أنه لم (يعظ) بما لم (يتعظ) أو لم يقل بما لم يفعل!
لاحظنا ـ من خلال تجربتنا مع المؤتمرات والندوات والبرامج الشبابية ان سؤالا يتردّد بكثرة: ما هي نصيتحكم للشباب المعاصر؟ ولو كانت النصيحة كاسدة وبائرة، فلماذا يشتريها أو يقبل عليها الشبان المعاصرون؟
ثانيا: انتصح.. ثم انصح
في تجربة (الأئمة) (ع) مع الأمة انهم كانوا لا يأمرون بشيء الا وقد سبقوها للائتمار به، ولا ينهون عن شيء الا وقد تقدّموا عليها في الانتهاء عنه..
هذا هو سرّ إقبال (الأمة) خاصة عناصرها الواعية على طلب (النصح) و(الوصية) من الأئمة (ع).
تريد أن تكون ناصحاً مؤثرا.. إعمل بما تنصح به.. ليسبق عملُك قولَك.. لينصح عملك بلسانه فهو ابلغ في الواقع والتأثير.. وقد أكّد العقلاء ان الاعمال تتكلم بصوت أعلى من الأقوال، وأنّها خيرُ الدعاة وأبلغهم.
ثالثا: النصيحة (أسلوبٌ) وليس مضمونا فقط
يمكن تقديم النصيحة على اكثر من طبق: (طبق الانفعال)، (طبق الإلزام والإكراه)، (طبق التعالي) (طبق التعليم)، (طبق الشفقة) و(طبق الحب)..
أفضلها الأخير.. وبعده الذي قبله..
حين تخلو الأم بابنتها وتنصحها بلهجة ملؤها الرفق والحنان واللطف والعطف والمحبة ستتفتّح مسامع قلب البنت قبل اذنيها لنصيحة امها، وحين يخلو الأب لابنه ناصحا محبا وواعظا مرشداً يغمّس كلماته بدفء عاطفته، واشراقة ابتسامته، ورقّة نبرته.. ستنفذ كلماته الى الاعماق..
(طبق الشفقة) هو انك لا تريد لابنك.. أو لا تريدين لابنتك ان يقعا فيما وقعتما فيه، وان يخطئا فيما اخطئتما فيه، أو يقصّرا فيما قصّرتما فيه..
ربما يأتي السؤال من احدهما أو كليهما:
لماذا تنصحان بما لم تفعلا؟
الجواب:
اذا كنا لم نفعل فعسى أن تفعلوا، واذا لم نوفق فعسى أن توفقوا.. ربما لم نجد ناصحا.. ربما كانت ثقافتنا يومها أقل.. وربما كان اصدقاؤنا أسوأ.. ننصحكم الان بما نتمنى لو كنا انتصحنا به بالامس.. نقول ذلك حبا واخلاصا واشفاقا عليهم لانكم اعزّ الناس لدينا.
رابعا: النصحية (مطلوبة) و(ممنوحة)
اذا طلبها الشاب فهذا يعني أنه بحاجة إليها، واذا منحتها له في وقتها المناسب فهذا يعني انك تقدر حاجته إليها، وفي كل حال من الحالين إحدى الحسنيين.

المصدر: عرب نت