الرموز اليونانية القديمة: خصائصها ومعانيها

كان الإغريقيون القدماء يؤمنون بتعدد الآلهة، مستندين في افتراضاتهم إلى الحقيقة المتصوَّرة بوجود كثير من الآلهة التي تعيش جنباً إلى جنبٍ مع كائناتٍ خارقةٍ للطبيعة تتحكم بعالمنا ومصيرنا، وقد كان لديهم تسلسلٌ هرميٌ للآلهة؛ إذ كان الإله "زيوس" قائداً لجميع الآلهة الأخرى، فهو ملك جميع الآلهة والمتحكم بهم وبجميع الخلق، على الرغم من أنَّه لم يُعَدُّ القدير.



كانت الآلهة مسؤولةً عن أشياء مختلفة على الأرض؛ فعلى سبيل المثال، كان "زيوس" إله السماء، وله القدرة على إرسال الرعد والبرق، بينما كان "بوسيدون" إله البحر، وهو من يرسل الزلازل والطوفان إلى الأرض، وتوجد الكثير من الرموز اليونانية القديمة الأخرى المسطَّرة في أساطيرها، وكلٌّ منها يحمل معنىً ودوراً هاماً على الأرض كما كانوا يعتقدون، وفي مقالنا الآتي سنتعرف إلى بعض من هذه الرموز وخصائصها ومعانيها؛ لذا تابعوا معنا.

رمز "عصا أسكليبيوس":

عصا أسكليبيوس

عصا أسكليبيوس، هي رمزٌ يونانيٌ قديمٌ يُعرف اليوم بوصفه رمزاً للطب في جميع أنحاء العالم، ويصوِّر الرمز أفعىً تلتف حول عصاً، ويرتبط هذا الرمز اليوناني بنصف الإله أسكليبيوس، الذي كان معروفاً بقدراته العلاجية ومعرفته الطبية.

تقول الأسطورة إنَّ الثعابين تهمس بالمعرفة الطبية في آذان أسكليبيوس، ويمكن لهذه الثعابين أن تسلخ جلدها لتبدو أكبر وأكثر صحةً وأكثر لمعاناً من ذي قبلٍ.

لقد استُخدِم نوع غير سامٍ من الثعابين ويدعى بثعبان إسكولابيان، ووُضِع ليعيش ويتجول في المستشفيات والمهاجع التي تأوي المرضى والجرحى اعتقاداً منهم بأنَّه يساعد على شفائهم، وكانت هذه الثعابين أيضاً جزءاً هاماً من كل معبدٍ جديدٍ لأسكليبيوس.

ومنذ 300 عام قبل الميلاد، اكتسبت عبادة أسكليبيوس شعبيةً كبيرةً؛ إذ كان يتهافت الحجاج من جميع أنحاء العالم لزيارة معابد أسكليبيوس الشافية من أجل البحث عن علاجٍ لأمراضهم.

كانوا يقدمون القرابين للإله بوصفها طقساً من طقوس التطهير، ثم يمكثون عشيةً وضحاها في أقدس منطقةٍ في المعبد، وفي حال مراودتهم لأيَّة أحلامٍ أو رؤىً، يقومون بإبلاغ الكاهن الذي يقوم بتفسيرها ووصف بعض أشكال العلاج، كما تبنت بعض المعابد العلاجية ممارسة لعق الكلاب المقدسة بنظرهم لجروح المرضى والجرحى ظناً منهم أنَّها تساعد على شفاء الأسقام والجروح.

رمز "ألفا وأوميغا":

الحروف الأولى والأخيرة من الأبجدية اليونانية، ألفا وأوميغا هي أيضاً جزءٌ من سفر الرؤيا، بوصفها عنواناً للمسيح والله، وهذا الزوج من الأحرف هو جزءٌ من الرموز المسيحية، وعادةً ما يُستخدم مع الصليب، "تشي رو" "أول حرفين للمسيح في اللغة اليونانية" ورموزٍ مسيحيةٍ أخرى.

كان رمزا ألفا وأوميغا جزءاً من المسيحية، ونجدها في اللوحات والمنحوتات المسيحية المبكرة، خاصةً على ذراعي الصليب، وحتى على بعض الصلبان المرصعة بالجواهر.

على الرغم من كونها جزءاً من الثقافة اليونانية، إلا أنَّ هذه الرموز موجودةٌ بشكلٍ أكثر شيوعاً في اللوحات والمنحوتات المسيحية الغربية، أكثر أيضاً من اللوحات المسيحية الأورثوذكسية الشرقية، وتظهر على الجانب الأيسر والأيمن من رأس المسيح، جنباً إلى جنبٍ مع هالته.

لقد استُخدِمَت بوصفها بديلاً لـ "كريستوجرام" الذي كان شائعاً في اللوحات والمنحوتات الأورثوذكسية، ويشير رمزا ألفا وأوميغا على جانبي رأس المسيح إلى أنَّ النهاية والبداية في المسيح مرتبطتان في كيانٍ واحدٍ.

إقرأ أيضاً: تحويل المجهول إلى فرصة: دروس لرواد الأعمال من بيل غيتس وأساطير اليونان

"المتاهة":

وفقاً للأساطير اليونانية، صُمِّمَت المتاهة من قِبل الفنان الأسطوري "ديدالوس"، وتألفت من هيكلٍ محيِّرٍ ومعقَّدٍ بُني خصيصاً للملك "مينوس" من "كريت" الواقعة في "كنوسوس"، وقد بُنِيَت لتستوعب الوحش "مينوتور"، وصممها "ديدالوس" بطريقةٍ معقدةٍ ليصعب على "ثيسيوس" الهروب منها، ولكنَّ "ثيسيوس" خرج منها بعد أن قتل المينوتور داخل جدرانها.

تُستخدَم كلمة (Maze) في اللغة الإنجليزية التي تعني المتاهة، للتفريق بينها وبين الكلمة اليونانية (Labyrinth)؛ نظراً للتاريخ الكبير والرمزية المطلقة واختلاف المسارات التي تشتهر بها المتاهة اليونانية عن المتاهات العادية؛ لذا اقترح العلماء الفصل بين المصطلحين.

المتاهة الشائعة عبارةٌ عن أحجيةٍ معقدةٍ متعددة المسارات والاتجاهات، بينما المتاهة اليونانية لها مسارٌ واحدٌ فقط ويقع في مركزها؛ وهذا يجعلها أكثر تعقيداً وأصعب في التنقل داخل جدرانها.

"الإله زيوس":

الإله زيوس

"زيوس" هو أب الآلهة والبشر وفقاً للأساطير اليونانية، وكان حاكم الأولمبيين في جبل "أوليمبوس"، كالأب الحاكم لعائلته، وقد اشتُهر "زيوس" أيضاً باسم إله الرعد، وكان النظير الروماني لـ "زيوس" هو كوكب المشتري، بينما كان نظيره الأتروري هو "تينيا"، فكان "زيوس" ابن "كرونوس" و"ريا" الفرد الأصغر في العائلة، وتقول الأسطورة إنَّه كان متزوجاً من "هيرا"، وفي "أوراكل" كانت قرينته "ديون"، وقال الإلياذيون إنَّ "أفروديت" هي ابنتهما.

"الإله أبولو":

يُعرف "أبولو" أحد أهم الآلهة الأولمبية الموجودة في الأساطير اليونانية والرومانية، باسم إله النور والشمس، وارتبط الإله "أبولو" بالحقيقة والنبوة والطب والشفاء والموسيقى والشعر الفن وكذلك الطاعون، و"أبولو" هو ابن "زيوس" و"ليتو"؛ الصيادة العفيفة، و"أرتميس" هي أخته التوأم.

"المينوتور":

كان المينوتور يُصوَّر في الأساطير اليونانية القديمة بهيئة مخلوقٍ نصفه رجلٌ ونصفه ثورٌ، وكان حبيس المتاهة اليونانية التي بُنيت خصيصاً للملك "مينوس".

يُعَدُّ المينوتور كائناً مجيداً وله احترامه وهيبته، وهو من نسل الملكة "كريت باسيفاي"، ولكنَّ شكله الوحشي والضخم والمخيف جعل من الملك "مينوس" يأمر ببناء المتاهة لسجنه فيها وإبعاده عن الناس، وقد قُتل لاحقاً على يد "ثيسيوس" البطل الأثيني.

"الجورجونز":

توجد عدة أوصاف خاصة بوحوش الجورجونز في الأدب اليوناني القديم، وكلٌّ منها يختلف عن الآخر، فكان رمز جورجونز في الأدب اليوناني المبكر مرتبطاً بالأخوات الثلاث ذوات الشعر المكون من الثعابين المخيفة، وكانت الكلمات الأكثر شيوعاً المرتبطة بذكر جورجونز هي: الزئير العالي، والمنظر الرهيب؛ إذ تمتلك هذه الوحوش أنياباً طويلةً وحادةً ومظهراً مخيفاً وزئيراً مرعباً.

إذا نظر أي شخصٍ إلى عيونهم مباشرةً، يتحول إلى تمثالٍ من الحجر، وتقول الأسطورة إنَّ اثنتين من الأخوات جورجونز، "سينثو" و"يوريال" كانتا خالدتين، بينما لم تكن الأخت الثالثة "ميدوسا" كذلك؛ لذلك هُزمت وقُتلت في معركتها ضد "بيريوس" البطل ونصف الإله.

نظراً لسمعة الأخوات جورجونز المخيفة، قام اليونانيون باستخدام وجوههم ونحتها على جدران معابدهم ومخازن النبيذ لردع اللصوص وإخافتهم، وقيل إنَّه قد تم استخدام حزامٍ من الأفاعي وتقييد الأخوات جوجونز معاً لتتلاقى نظراتهن ويتحولن إلى حجارةٍ.

"عقدة هرقل":

عقدة هرقل

تُعرف عقدة هرقل بعدة أسماءٍ، منها عقدة الحب، وعقدة الزواج، وغالباً ما كانت تُستخدم بوصفها رمزاً للزواج والحب الأبدي والالتزام الدائم؛ إذ يتكون رمز عقدة هرقل من حبلين متشابكين يرمزان وفقاً للأسطورة اليونانية إلى خصوبة هرقل.

من المثير للاهتمام أنَّ عقدة هرقل كانت تُستخدم في مصر القديمة بوصفها سحراً للشفاء، بالإضافة إلى أنَّها رمزٌ للحب أيضاً عند الرومان القدماء، وتميمةٌ حاميةٌ لمن يرتديها، كما تم تخصيصها بصفتها جزءاً من حزام العروس الذي يقوم العريس بفكِّه لاحقاً في حفل الزفاف، ويقال إنَّ أصل عبارة "ربط العقدة" أو "عقد القران" مشتقةٌ من عقدة هرقل.

"ثعبان اللانهاية أوروبورس":

ثعبان اللانهاية أوروبورس

يُصوِّر رمز أوروبورس ثعباناً أو تنيناً يلتهم ذيله، نشأ في الأيقونات المصرية القديمة وأصبح من التقاليد اليونانية، وعُدَّ رمزاً للغنوصية والهرمسية والكيمياء، وأصبح الرمز جزءاً من سحر عصر النهضة والرمزية الحديثة لعلم الكيمياء في العصور الوسطى.

يُستخدم أيضاً لتمثيل التأمل، والعودة الأبدية أو الدورية، وخاصةً عند الإشارة لشيءٍ يعيد إحياء نفسه باستمرار، ويُستخدم هذا الرمز أيضاً لتصوير دورة الطبيعة التي لا تنتهي والمتجددة دائماً، وخلقها اللانهائي، والدمار والحياة والنهاية والموت.

"الصليب الشمسي":

اكتُشِف رمز الصليب الشمسي القديم في أواني الدفن من العصر البرونزي، وعلى الرغم من كونه جزءاً من العديد من الثقافات، إلا أنَّه أصبح في النهاية جزءاً من المسيحية وارتبط بالصلب؛ إذ يشبه الصليب الشمسي الصليب العادي ذا الأربع أذرعٍ لكن محاطاً بهالةٍ، ترمز إلى الشمس وتُصوِّر أذرعه الفصول وعناصر الطبيعة الأربعة.

إذ كانت عبادة الشمس موجودةً منذ ظهور الإنسان، وكثرت في المجتمعات الزراعية التي تعتمد على ضوء الشمس في نمو محاصيلها وكسب قوَّتها، وارتباط الصليب بالشمس المحيطة به جعل من الكثيرين يقومون بعبادته.

لقد ارتبط الصليب الشمسي بعنصر النار أيضاً التي استُخدمت في طقوس عبادة الشمس؛ لكونها رمزاً للحرارة والطاقة المشابهة للشمس، وبالنسبة إلى اليونانيين القدماء، كان يُنظر إلى النار على أنَّها عنصر التطهير والتدمير، ويُرمز للذكورة والخصوبة، واستُخدِم رمز الصليب الشمسي للتجديد وإحياء الطقوس الجديدة، وأيضاً بوصفه تقويماً للاحتفال بالانقلاب الشتوي.

إقرأ أيضاً: أساطير في عالم التداول يجب أن تعرفهم

"وعاء هيجيا":

يرمز وعاء هيجيا في العصر الحديث إلى علم الصيدلة، ويُعَدُّ من أشيع الرموز التي توضع على لافتات الصيدليات، ويتمثل بالهاون والمدقة والأفعى الملتفة حوله، وارتبط هذا الرمز بالصيدليات منذ عام 1796م، ونُقِش على عملةٍ معدنيةٍ سُكَّت لمصلحة جمعية الصيدلة الباريسية.

فكانت "هيجيا" (Hygeia) معروفةً في الأساطير اليونانية بأنَّها آلهة الصحة والنظافة، كما يوحي اسمها الذي اشتُقت منه كلمة (Hygiene) الإنجليزية التي تعني النظافة، وكانت مرتبطةً بنصف الإله أسكليبيوس الذي أصبحت عصاه رمزاً للطب والرعاية الصحية في جميع أنحاء العالم.

وغيرها الكثير من الرموز اليونانية الأخرى، مثل "عجلة هيكات" و"عجلة الشمس" و"الفأس مزدوج الرؤوس" و"أومفالوس"، وغيرها، كلٌّ لها دلالاتها ومعانيها المميزة.

في الختام:

لقد تعرَّفنا في هذا المقال إلى عددٍ من الرموز اليونانية المثيرة للاهتمام، مثل رمز "أسكليبيوس" و"ألفا وأوميغا" و"المتاهة" و"زيوس" و"أبولو" و"المينوتور" و"الجورجونز" و"عقدة هرقل" و"أوروبورس" و"الصليب الشمسي" و"وعاء هيجيا"، وشرحنا معانيها وتاريخها ودلالاتها.

المصدر




مقالات مرتبطة