الرعاية بقلم د.فائقة حبيب

قال تعالى (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) فالرعاية أمانة وليست تشريف ولكي تصبح الحياة أكثر هدوءا لنستثمر كل ما نستطيع من كلمة أو سلوك أو فكرة ونسترعيها مع من ربطنا الله بهم بالميثاق الغليظ ونترجمها من خلال إعطاء حقوق الآخرين التي استأمننا الله عليها ونرعاها ونحفظها ولنؤدي واجباتنا كما علمنا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ( كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته) وإذا أردنا التعرف على مسؤوليات الراعي ومفهوم الرعاية لا بد من التدرج من الرعاية الزوجية للوالدية والامتداد لرعاية الآباء والأجداد.



أما إذا تساءلنا عن حاجة كل منا للرعاية بأي مفهوم أو أية مرحلة!! سنجد أننا اكتسبنا هذه السمة من أسرنا التي نشأنا فيها وأصبحت جزءا من سمات شخصياتنا، ولكنها قد تظهر بعدة مستويات وفقا لعدة عوامل منها البيئة المحيطة بالعلاقة الزوجية، أو نضج شخصية الأزواج وتحملهم المسؤولية، أوالضغوطات لاتي قد يتعرض لها كل زوج أثناء بناء العلاقة الأسرية وأهمها الأعباء المالية التي تجعله يهمل هذه العلاقة بعد الفصل الأول من بدء المهام الزوجية والاسرية لينصرف للعمل والاجتهاد من أجل إيفاء الديون المترتبة على بناء هذا الصرح وغيرها...

أما إذا تطلعنا في ذات كل من الزوج أو الزوجة سنجد ثلاث صور تحدد سلوك كل منهما واتجاهاته وتعامله مع الذات والآخر وتسيطر أحيانا إحدى هذه الصور على موقف أو أكثر من مواقفه، وتسمى هذه الصور بصورة الطفل أو الراشد أوالوالد وفقا لنظرية نفسية اهتمت بالتفاعلات التبادلية، ولكنها تعود لتجتمع بصورة واحدة هي الصورة الوالدية  التي تطغى في أغلب المواقف على تفكير وسلوك الزوجين أو أحدهما. ومن أهم سماتها الإحساس باستغراق الذات ، والإحساس بالرعاية الوالدية وهي التي تسبق مرحلة التكامل بين الزوجين وتحقيق ذات كل منهما وهوية أسرته

ويقصد بالرعاية في العلاقة الزوجية أن يصل الأزواج إلى مستوى العطاء أكثر من الأخذ وبذل الحب أكثر من طلبه، و التضحية من أجل الآخرين بدون مقابل  ، حتى يزداد اهتمام كل من الزوجين بالعمل والتفاني في سبيل رعاية الآخر، والإنفاق عليه والعناية به رغبة فيه وحبا له فتسمو العلاقة الزوجية إلى مستوى الرعاية الوالدية في العطف والحنان ،ويصحب ذلك إحساس  كل منهما أن الآخر أمانة في عنقه عليه حفظها ورعايتها وعدم تضييعها ويشعر نحوه بعاطفة الأبوة أو الأمومة فتحنو الزوجة على زوجها كأمه ويحنو الزوج على زوجته كأبيها ويزداد لدى كل منهما في هذه المرحلة   حب الأطفال وبذل الجهد في تربيتهم والعناية بهم والعمل من أجل الأسرة وتحسين ظروفها

والخطر الذي يتهدد النمو في هذه المرحلة استغراق أحد الزوجين في إحدى الصور في ذاته كصورة الطفل بأنواعه الثلاثة أو صورة الراشد أو حتى صورة الوالدية وربما تكون والدية انتقادية أو قسرية وقد لا يستطيع أن يتحرر من أنانيته وفرديته فيهتم براحته الشخصية ويعيش لإشباع شهواته وملذاته وسهراته ولا مكان عنده لرعاية الآخرين والعناية بهم ، وعند إجراء الدراسات يبحث الباحثون عن أرقام الزيجات فتسجل هذه الحالات من حالات الزواج نسب عالية في عدة مجتمعات، ولكننا مع الأسف في مجتمعاتنا العربية نفتقر الى الدعم لاجراء البحوث الاجتماعية، وعند تقويم نمو الزواج وتحديد مستويات نجاحه يعتمد على أساس استمرار عقد الزواج وليس على أساس مستوى التفاعل بعد عقد الزواج وما إذا تم تجسيد كلمات العقد إلى واقع وسلوك أم لا.

ولا شك  أن الأسرة تلعب أغلب الأدوار التي تؤهل الفرد كي يكون راعيا ومسؤولا، ومنتميا لأسرته ومجتمعه  ويفتخر بهذا الانتماء لأنه يشعر بالاستقرار والسواء النفسي ويشعر بالسعادة،  إذ أن الأصل في صفات المسلم أن يسعى لتقديم الرعاية لمن يحتاجها ومن هو في رعيته، ومن الرعاية تقديم النصيحة لمن يجهلها وحمايته مما يؤذيه وتقديم الخدمات التي تنمي في نفسه الخير بمعانيه وأساليبه.

ولا ننسى أننا اتفقنا أن يكون رسولنا الكريم هو قدوتنا وقد قال صلى الله عليه وسلم لابن عباس عندما كان يركب خلفه ليربيه ويملء وقت الطريق معه (يا غلام ، إني أعلمك كلمات : احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده تجاهك ، إذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله ، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء ، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك ، رفعت الأقلام وجفت الصحف )

وكان صلى الله عليه وسلم يهتم في رعاية أهل بيته والأقربين وتعليمهم أمور دينهم ودنياهم

وقد ذُكر عن الأولين أن من أكثر الأعمال أجرا أن يرعى الرجل عياله ويعضهم وينفعهم ويعينهم ومن خلال ذلك يكسب قلوبهم ولا يقتصر على ذلك بل ويشمل أقرباؤه وصلة رحمه، وعلينا أيضا تقديم الرعاية على وجه الخصوص لكبار السن والأيتام الذي نحتاج لرعايتنا لهم أكثر من حاجتهم إلينا من خلال تفاعلنا معهم، إذ أن جلستنا معهم تعيد إلينا بناء الذات وتماسكها بالأصالة والحكمة، وكذلك رعايتنا للمريض والطفل الذي يفتقد الرعاية والحنان وتلبية حاجاته الأساسية التي يحتاج إليها لينمو نموا سليما.

وهنا أسأل الأزواج والزوجات هل تؤدي الرعاية بنا إلى الشعور بالسعادة والرضا ؟

وهل هناك خطوات يمكن اتباعها لتحقق لنا الرعاية السعيدة ؟؟

وهل تؤدي الرعاية إلى تفجير طاقاتنا المخبأة وثرواتنا المكنوزة في ذات كل منا؟؟

وأشارككم ببعض الاقتراحات وهي:

  • انفتاح الأزواج على الأفكار الجديدة المنسجمة مع معتقداتنا واتجاهاتنا
  • أن لا يتوقف كل منا عند حد معين من التعليم أو الثقافة والتكيف فالعالم من حولنا في تغير دائم ولا بد من المعرفة لتحقيق النجاح  في تعاملنا مع أزواجنا بل ومع أولادنا وبمن حولنا.
  • بناء الرغبة للتغيير في نفوسنا وبالتأكيد التغيير للأفضل وبما لا يتقاطع مع تعاليم ديننا الإسلامي ،وعدم مقاومة التغيير وقيادة أولادنا إلى حياة تسهم في تعمير الأرض وتسليحهم بسلوكيات تسهم  في بناء القيم والمبادئ ذاتها .
  • بناء شعور الرعاية والاهتمام  لدى كل منا في الآخر من خلال تطوير رعايتنا لذواتنا وللآخرين من حولنا مبنية على التقدير المتبادل والتعبير لأفراد أسرتنا عن مشاعر الاهتمام بهم.
  • تعزيز ثقة كل منا بذاته دون إفراط
  • رعايتنا لأزواجنا وأنفسنا وأولادنا مما يحيط بهم والوقاية خير من العلاج
  • تعزيز أخلاقياتنا وتثبيتها تسهم في تحقيق أهدافنا الذاتية والأسرية
  • إنجاز خططنا اليومية وملئها بالرعاية والحب والتقارب والمحافظة على هويتنا.
  • واستمرار بالتفكير بمفهوم الرعاية والوالدية وحسن الخلق مع أفراد الأسرة كما نحسن الخلق مع الاصدقاء وأفراد المجتمع حتى يصل كل منا الى الرضا وتحقيق ذاته ورسم الهوية المتميزة للأسرة، وليتذكر كل من الزوج والزوجة وبالأخص أخواني الأزواج إلى أن زوجاتهم وأولادهم أمانة عندهم  ولا بد من رعايتهم لهم

وكن حافظاً أن النساءَ ودائِعٌ عَوانٌ لدينا احفظ وصيَّة مُرشِدِ

وعن أبى هريرة عن الرسول صلى الله عليه وسلم ( أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خُلقا، وخياركم خياركم لنسائهم) .