الديب ويب (Deep Web): مخاطره وكيفية الدخول إليه
الـ "ديب ويب" أو الويب العميق هو مصطلح يُطلَق على ما يخفى من الويب؛ بمعنى آخر يعبِّر الـ "ديب ويب" عن الجزء الخفي من عوالم الإنترنت التي لا يمكن لعناكب محركات البحث الوصول إليها، كما أنَّه يشير إلى المواقع التي يحتاج ولوجها إلى أذونات عديدة غير متاحة للمستخدمين العاديين، فتكون بذلك معلوماتها عصيَّة على الاختراق، وصعبة المنال من قِبل الأشخاص الذين لا يملكون السماحيات المناسبة.
يشكل الـ "ديب ويب" قسماً كبيراً من الإنترنت، وهو الجزء الذي يمنح مستخدميه السرية والحماية؛ وذلك لأنَّ المتصفحات ومحركات البحث في العادة مثل "غوغل كروم" و"فايرفوكس" هي طرف ثالث بين المرسل والمستقبل عبر شبكة الإنترنت، تكون على اطلاع بكل ما يتم تبادله بينهما.
وهي قادرة على تحديد المستخدمين وتملك معلومات وافية عنهم؛ لذا فإنَّ المستخدمين الذين يرغبون في تداول معلومات سرية دون أيَّة مراقبة يلجؤون إلى الـ "ديب ويب" الذي خصصنا هذا المقال للحديث عن مفهومه وعن مخاطره وكيفية الدخول إليه.
ما هو الـ "ديب ويب" (Deep Web)؟
هو مجموعة من مواقع الإنترنت غير المفهرسة على المتصفحات، التي لا يمكن الوصول إليها ببساطة وسهولة، وهو يشكل من يقارب 90% من الإنترنت، وقد أُنشئ هذا الحيز الافتراضي بناء على احتجاجات أُقيمت ضد "غوغل" التي تقوم بتخزين جميع معلومات المستخدمين والوصول إليها بشكل قسري؛ الأمر الذي أثار امتعاض بعض الناشطين والجمعيات، وطالبوا بإيجاد حيز افتراضي لهم يمنحهم ما ينشدون من الحرية، بعيداً عن أعين الرقابة والمتابعة، ودون أن يضطروا إلى التعريف بأنفسهم وكشف هوياتهم.
لذا فإنَّ الهدف من إنشاء الـ "ديب ويب" كان في بداية الأمر لضمان الحرية والخصوصية، ولكنَّ بعض المجرمين أساؤوا استخدامه فيما بعد، وسخروه لخدمة مصالحهم الخبيثة مستفيدين من فضاءات الحرية والسرية الموجودة فيه.
يحرص أصحاب الصفحات والمواقع في الـ "ديب ويب" على إبقائها مخفية عن المتصفحات، وتقييد الوصول إليها عن طريق جعل هذا الوصول محصوراً بالمستخدمين الذي يملكون عنوان (URL) الخاص بها، أو الذين يملكون رمز (IP)، ويتبعون لأجل ذلك واحدة من الاستراتيجيات الآتية:
- استخدام جدار الحماية الذي يحذر المستخدم الراغب في الدخول إلى الموقع من وجود فيروسات فيه عن طريق رسالة تحذيرية.
- استخدام جدار الدفع (PAYWALL) الذي يقوم بتحذير المستخدمين الراغبين في دخول الموقع من أنَّ عملية الدخول غير مجانية وتستلزم دفع رسوم أو اشتراكاً شهرياً.
- استخدام نماذج (HTML) التي تعرض على المستخدم صفحات عدة أو واجهات متتالية تطلب منه إدخال نص مكتوب في حقل معين، أو اختياراً محدداً من بين مجموعة اختيارات ولا يمكنه الاطلاع على أي جزء من الصفحة المطلوبة قبل اجتياز كل الإجراءات.
من هم مستخدمو الـ "ديب ويب" (Deep Web)؟
إنَّ مستخدمي الـ "ديب ويب" (Deep Web) هم مجموعات الأفراد الذين يرغبون في تبادل المعطيات عبر الشبكة العنكبوتية دون أن تتعرض هوياتهم للانكشاف أو تتهدد معلوماتهم التي يشاركونها بالسرقة أو الاختراق؛ لذا فإنَّ هذا الحيز مناسب لـ:
الصحفيين ومسربي المعلومات:
يُعَدُّ الـ "ديب ويب" المكان الأنسب من أجل فضح ملفات الفساد مع الحفاظ على سرية هوية الشخص المورد للمعلومات، الذي يكون في أغلب الأحيان أحد العاملين أو المديرين السابقين في مؤسسة أو منصب حساس ما؛ إذ يلجأ هؤلاء إلى الصحفيين الاستقصائيين ويتم التواصل بينهم عبر مواقع الـ "ديب ويب" من أجل تزويدهم بالمعلومات المتعلقة بملفات الفساد دون أن يضطروا إلى الإفصاح عن هويتهم.
المستخدمين الذين يرزحون تحت وطأة الحكومات الديكتاتورية:
يُعَدُّ الـ "ديب ويب" مكاناً مثالياً للأفراد الذين يتعرضون للضغط من قِبل القادة السياسيين الديكتاتوريين الذين يقومون بحظر وصولهم إلى معلومات محددة تهمهم، فلا يبقى لديهم خيار سوى استخدام الـ "ديب ويب" من أجل الوصول إلى هذه المعلومات أو تسريبها إلى الجهات المهتمة بالحصول عليها.
المعارضين السياسيين وأصحاب المطبوعات الممنوعة من النشر:
يضطر هؤلاء إلى إخفاء هوياتهم عند إبحارهم على الشبكة؛ لذا يُعَدُّ الـ "ديب ويب" ملجأً آمناً لهم يحميهم من المساءلة والعقوبات القانونية.
مخاطر الـ "ديب ويب" (Deep Web):
إنَّ مخاطر الـ "ديب ويب" (Deep Web) تبدأ من كونه بيئة مجهولة تتيح لمستخدميها التجوال وإجراء النشاطات الشبكية الخاصة بهم بسرية تامة ودون أن يكشف هويتهم أحد؛ وهذا يجعل منه مكاناً غير آمن يجذب الكثير من المجرمين والمخترقين ومحبي الأذى، فإذا ما أراد شخص ما عادي أن يصل إلى محتويات الـ "ديب ويب"، يجب عليه أن يكون في قمة الوعي والحذر؛ وذلك لأنَّ نقرة خاطئة منه أو عشوائية يمكن أن تهدد أمانه وخصوصيته وتورطه في أعمال أو قصص لا يعرف عنها شيئاً.
إنَّ الدخول في عالم الـ "ديب ويب" يجعل الجهاز المُستخدَم للدخول عرضة للقرصنة في حال اكتُشِفَت أيَّة معلومة عنه؛ وهذا يجعل نظام التشغيل ومحتويات الأقراص الموجودة على الجهاز بين يدي المخترقين، كما يستطيع بعضهم الوصول إلى أجهزة الإدخال الخاصة بالجهاز المستخدم واقتناص عينات صوتية وصورية للمستخدم، واستخدامها بطرائق غير أخلاقية.
يستطيع قسم من المخترقين الوصول إلى أيَّة تطبيقات أو معلومات متعلقة بالحسابات البنكية الخاصة بالمستخدم وسرقتها أو استخدامها بشكل غير أخلاقي بالتأكيد، فضلاً عن سرقة العملات الرقمية، ويتيح الـ "ديب ويب" حصول المخترقين على معلومات خاصة بالمستخدم قد تعرضه للاختطاف أو الابتزاز وغيرها من الممارسات غير القانونية.
لعلَّ أهم مخاطر الـ "ديب ويب" هو احتواؤه على جزء مظلم يدعى الـ "دارك ويب" (Dark Web) الذي يُعَدُّ من أسوأ استخدامات الإنترنت؛ فهو مليء بالمواقع المعنية بالقتلة المأجورين ومدبري عمليات الاختطاف والاغتيال وتجارة الأعضاء واغتصاب الأطفال والتنكيل بهم بصورة لا تمتُّ للإنسانية بصلة.
شاهد بالفديو: 10 وسائل فعّالة لحياة رقمية أكثر أماناً
كيفية الدخول إلى الديب ويب (Deep Web):
لا يمكن الدخول إلى الـ "ديب ويب" عبر المتصفحات العادية التي نستخدمها في حياتنا اليومية مثل "غوغل" و"ياندكس" و"بينغ" وغيرها؛ وذلك لأنَّ هذه المتصفحات تقوم بفهرسة المواقع وحفظ معلومات المستخدمين؛ لذا فإنَّ الدخول إلى الويب العميق (Deep Web) يكون حصراً عبر استخدام متصفح خاص يدعى متصفح "تور" (Tor).
إنَّ هذا المتصفح يسمى متصفح "البصلة" وهو مستخدَم من أجل الدخول إلى الـ "ديب ويب" والـ "دارك ويب"، وسمي كذلك لأنَّه يحيط المستخدم بطبقات حماية عدة لهويته، فلا يمكن الوصول إلى حقيقته واكتشافه؛ وذلك عبر تشفيره للاتصال بالإنترنت بطريقة تمنع الحكومات أو الأفراد من التجسس على عملية الاتصال؛ وهذا يجعل هوية الفرد مجهولة بشكل كامل، مع هامش كبير من الحرية ودون وجود أي مواقع محجوبة أو إعلانات مزعجة وأي قيد، كما يمنح هذا للمستخدمين تصفُّحاً آمناً، فالمتصفح "تور" يُعَدُّ من أقوى المتصفحات وأكثرها أماناً بالنسبة إلى المستخدمين.
من الجدير بالذكر أنَّ لاحقة المواقع الموجودة في الـ "ديب ويب" التي يتم الوصول إليها عبر المتصفح "تور" تكون (.onion) بدلاً من (.com أو .org أو .edu) وغيرها من اللاحقات المعروفة في المواقع التي نستخدمها.
خطوات الدخول إلى الـ "ديب ويب" (Deep Web):
- تحميل متصفح "تور" (Tor) وعدم فتحه قبل إعادة تشغيل الجهاز.
- الدخول إلى المتصفح الرئيس وتسجيل الخروج منه ومن جميع الحسابات المصرفية المرتبطة به أو المرتبطة بتطبيقات أخرى موجودة على الجهاز، ومن ثم إعادة تشغيل الجهاز.
- تشغيل (VPN) قبل فتح المتصفح "تور" (Tor) من أجل المزيد من السرية والأمان وإخفاء عنوان الخاص بالمستخدم.
- تغطية الكاميرا الأمامية أو تعطيلها قبل فتح أي رابط طلباً للمزيد من الأمان، وتجنباً لحالات التقاط فيروسات تستغل الأجهزة الملحقة لمعرفة هوية المستخدم والتقاط صور له وابتزازه أو استخدامها بطرائق غير قانونية.
- فتح المتصفح "تور" الذي نذكِّر بأنَّه ليس محرك بحث قوي، كما أنَّ الإبحار على الإنترنت في الـ "ديب ويب" بطيء بسبب تكثيف إجراءات الحماية للهوية.
- جعل حجم صفحة المتصفح في أصغر قياس يمكن مشاهدته، وبعيدة قدر المستطاع عن الأيقونات الأخرى؛ وذلك لأنَّ بعض المخترقين العابثين يستخدمون أيقونة المتصفح من أجل سرقة بيانات المستخدم وتخريب معلوماته، وإنَّ هذه الإجراءات من شأنها أن تحافظ على أمان المستخدم داخل الـ "ديب ويب".
- من المفضل عدم الدخول إلى الـ "ديب ويب" من الشبكة المنزلية أو شبكة العمل، واللجوء إلى صالات الإنترنت في عمليات تصفح الـ "ديب ويب"، كونهم يقومون بحذف جميع التفاصيل والسجلات والمعلومات في كل عملية إيقاف تشغيل للجهاز، وهذا الأمر من شأنه أن يعزز أمان المستخدم ويرفع مستوى خصوصيته.
الفرق بين الـ "ديب ويب" (deep web) والـ "دارك ويب" (dark web):
يحدث الكثير من الخلط بين مصطلحي الـ "ديب ويب" (deep web) والـ "دارك ويب" (dark web)، ويعتقد بعضهم أنَّهما يدلان على الشيء ذاته؛ لذا وجب توضيح ماهية الفرق بينهما.
يشمل الـ "ديب ويب" جزءاً كبيراً من الشبكة العنكبوتية يُقدَّر بأكثر من 0.95% منها، أما الـ "دارك ويب" فهو جزء صغير جداً من الـ "ديب ويب" لا يتجاوز عدد مواقعه آلافاً معدودة، أما عن نسبته بالنسبة إلى الشبكة العنكبوتية فهو لا يتجاوز 0.01% منها، ويعتمد الـ "دارك ويب" على برمجيات خاصة للوصول إليه ووسائل تشفير عديدة من أجل حماية هويات مالكي المواقع وأماكن وجودهم.
إنَّ مواقع الإنترنت الموجودة على الـ "ديب ويب" لا تعني بالضرورة وجود مشكلات أمنية، فهو يحتوي على الاشتراكات الرقمية في الخدمات مثل الاشتراك بخدمة "نتفليكس" ومحتويات حسابات البريد الإلكتروني المحمية بكلمات مرور، أما الـ "دارك ويب" فهو مرتبط بالأمور غير الشرعية والمخالفات والممنوعات.
في الختام:
إنَّ الـ "ديب ويب" هو الجزء الأكبر من الشبكة العنكبوتية، الذي يتطلب الوصول إليه متصفحاً خاصاً حفاظاً على سرية الهوية، ويُعَدُّ دخوله مغامرة تهدد المستخدم وتعرضه لاحتمالات خطيرة تهدد أمن معلوماته وحياته في بعض الأحيان.