الخوف عند الطفل

الخوف من الظلام... الخوف من أن يبقى الطفل وحيداً...الخوف من المشاهد المرعبة التي تعرض في التلفاز...والخوف من الصراخ العالي...

كلها أشكالاً عديدة ولكن أكثرها الخوف من المناظر والمشاهد المرعبة التي تعرضها أفلام الرعب في شاشة التلفاز...هذا النوع من الخوف يجمع بين العديدين من الأطفال...

ونرى ذلك الطفل يرفض تماماً أن يبقى في غرفة ما، وحده ولو للعب.. لأنه يخاف..و لأن كل ما شاهده من مشاهد خوف وإثارة في الأفلام تتجلى له حينذاك في تلك الغرفة وكل جدار فيها هو وحش يريد التهامه وتخويفه...



وهذه الحالة ليست مع أحد الأطفال فقط ...بل أكثر الأطفال من حولنا.. وحتى المراهقين... وأنا أيضاً عندما كنت في مثل سنهم كنت أعاني من هذه المشكلة... ليس بالضرورة أن يكون مصدر الخوف هو فيلم رعب...ولكن أي فيلم فيه إثارة أعصاب يشكل خوفاً لي ولكم حين كنتم أطفالاً كأن يكون البطل يحمل بندقية كبيرة ويدخل مكاناً مظلماً وهو يتلفت خائفاً من أي مفاجأة فإذا به يفاجأ بأحد من خلفه وهكذا.. حتى أن معظم الأطفال عندما يمشون ويتنقلون من غرفة لأخرى في البيت فإنهم يخشون أن يلتفتوا وراءهم فيروا ما لا يسرهم أبداً...

 
ونرى الطفل لا يمكنه أن ينام وحده في الغرفة أبداً.. ولذلك هو ينام مع أمه أو أبيه في غرفتهم ليشعر بالأمان... وكثيراً من الأوقات يطلب منا أن نظل متجهين نحوه ولا يجوز أن نعطيه ظهرنا...
 
الحقيقة أن ما يمرُّ به الأطفال في حالة الخوف التي يشعرون بها من مشاهدة أفلام الرعب أو أساليب تخويف الأطفال من الظلام أو الوحش الذي سيبتلعهم إن لم يناموا ...أو الخوف من أن يبقى الطفل وحيداً.....وما إلى ذلك ليس إلا أحد الاضطرابات الانفعالية التي تبدأ عند كثير من الأطفال دون تدخل الأهل ...وفي أحيان أخرى يكون للأهل دور كبير في مخاوف الطفل...
ومن الممكن أن يكون عمر الطفل عشر سنوات أي أنه في منتصف المرحلة الابتدائية من التعليم، ويخاف من التواجد لوحده في الغرفة...
يسمى هذا الخوف في الطب النفسي اضطراب قلق الانفصال في الطفولة، حيث يوجد قلق مركزي مفرط يتعلق بالانفصال عن الأفراد الذين يتعلق بهم الطفل عادة كالأهل أو أفراد آخرين في العائلة...
 
وقد يأخذ القلق في هذا الاضطراب أشكالاً عديدة، ولكن غالباً ما يصبح ضحايا هذا الخوف أشخاصاً طبيعيون عندما يكبرون، وهناك قلة يتحولون إلى أشخاص عصبيين في الكبر، لكن الأغلبية يبرؤون تماماً من هذه الاضطرابات وهو ما تؤيده نتائج كثير من دراسات الطب النفسي.
 
وصحيح أن الدراسات الغربية تشير إلى أن السن الذي تبدأ فيه هذه الحالة غالباً ما يكون بين السابعة والثامنة من العمر إلا أن حدوثه في عمر العاشرة وحتى أثناء المراهقة أمر مألوف أيضاً...
 
وغالباً ما نجد الطفل الضحية طفلاً يقظ الضمير، مطيعاً ومستجيباً للتوجيهات ومحاولاً أن يحقق توقعات أعضاء أسرته، كما توجد بعض العوامل الوراثية في هذا الاضطراب إضافةً إلى نوعية معينة من الصفات التي تميز تعاملات أعضاء الأسرة مع بعضهم البعض ومع الطفل.
 
فكثيراً ما نجد حماية زائدة، واهتماماً ورعايةً للطفل أكثر مما يجب، وهذا ما يعتبر أمراً وارداً جداً في حالة الابن البكر والابن آخر العنقود أكثر من باقي الحالات...
 
يجب أن نبتعد عن نظرتنا للأمر على أنه ناتج عن مشاهدة مسلسلات العنف أو الرعب أو أفلام الإثارة البوليسية كالخطف وما إلى ذلك، كما أن نتيجة تعرض الأطفال لهذه النوعية من الأفلام والمسلسلات تكون بالتأكيد أن يصبحوا يعانون من بعض الخوف...ولكن سرعان مايتلاشى مع بدء كبرهم،
ولكن.. الخطر الأكبر والأكثر وروداً الذي يسببه مشاهدة هكذا أفلام كما بينت نتائج دراسات عديدة هو أن يسلك الأطفال سلوكاً يتسم بالعنف نتيجة لما شاهدوه من سلوكيات أبطال تلك المسلسلات وعنفهم وسفكهم للدماء، أي عكس الخوف وهذا ما يعتقده الكثيرون منا..
 
إذاً ليس العلاج بأن نمنع الطفل من مشاهدة مثل هذه الأعمال الدرامية أو البوليسية أو أفلام الرعب لسبب بسيط.. هو أننا إذا أردنا فعلاً ألا يخاف من تلك المشاهد يجب أن نضعه أمامها...ولكن بشكل تدريجي مع متابعة حالته واضطراباته ومع الشرح له بأن كل مايراه ليس حقيقياً بل خيالاً وتمثيلاً ومن الممكن إثارة الضحك قدر الإمكان حتى يصبح الأمر عادياً جداً ويتقبله الطفل....
 
ويجب أن ننوه إلى نقطة مهمة جداً وهي عدم الإكثار من تعريض الطفل لمشاهدة التلفاز بقصد المعالجة من الخوف...لأن أضرار المشاهدة الطويلة للتلفاز على الأطفال وعلى الكبار لا تحصى، ونستطيع القول بأن أسوأ هواية يهواها الناس هي متابعة التلفاز، وذلك لأنه يحول المشاهد إلى متلق سلبي خامل... إضافة إلى أنه يجعل الطفل بالذات أكثر عرضة للبدانة بسبب قلة الحركة، والبدانة في الأطفال ظاهرة آخذة في التزايد بشكل مرعب ...
 
أيضاً من الضروري جداً لمعالجة الخوف عند الطفل عدم التعقيب السلبي على سلوكه، لأن ذلك سيجعله يشعر بالنقص وربما يدفعه للانطواء وغيره...وعدم نعته بالخواف والجبان لأننا بهذا نعطي تنبيهاً للدماغ كي يركز على الخوف والجبن...
 
 
 
 
 
 
 
 
 
من الممكن مثلاً أن نعد له برنامجاً علاجياً سلوكياً يكافأ فيه عندما يتسم جزء من سلوكه بالشجاعة والإقدام..
وفي نفس الوقت يجب أن يلاحظ أن ظهور علامات الخوف التي يشعر بها عليه وعلى وجهه ونبرة صوته يقابل بعدم الاكتراث منا وبعدم السخرية أو التوبيخ...
وشيئاً فشيئاً ومع حبنا وحناننا سوف تصبح الأمور طبيعية جداً.