الحوار بين الآباء والأبناء

طريق لبناء أسرة فاعلة في عالم متغير  إعداد الباحثة : وفاء علان العمايرة

 مدخل: تعددت الدراسات والأبحاث التي تناولت موضوع الأسرة ووظائفها وأشكالها، وفي إطار تحديدها لمفهوم الأسرة، نجدها قد ركزت في غالبيتها على اعتبار أن الأسرة جماعة أولية؛ بمعنى أنها أساس الإنجاب والتطبيع الاجتماعي للجيل التالي، وليس أساس وجود المجتمع فحسب بل هي مصدر الأخلاق والدعامة الأولى لضبط السلوك والإطار الذي يتلقى فيه الإنسان أول دروس الحياة الاجتماعية .


وقد عرف المجتمع الإنساني أشكالا مختلفة من الأسر، تمثلت بين أسرة ممتدة (Extended Family) تتكون من الأب والأم والأبناء المتزوجين وغير المتزوجين والجد والجدة والخال والعم في بيت واحد، وأسرة نووية (Nuclear Family) التي اقتصرت في أفرادها على الأب والأم والأبناء غير المتزوجين والجد أو الجدة في القليل منها. نعيش في أيامنا هذه عصرا يحدث فيه التغير بشكل ربما أسرع من أي عصر مضى، والأسرة كغيرها من المؤسسات الاجتماعية قد شهدت تغيرات كثيرة، بحيث اتسع مجال هذا التغير ليشمل وظائف الأسرة وأدوارها وظهور العديد من المؤسسات التي أوكل إليها بعضا من هذه الوظائف كالمؤسسات التعليمية التربوية والمؤسسات الدينية. وعليه، فإن للأسٍرة ركائز ومقومات إذا استندت عليها، أمكنها مواجهة هذه التغيرات والتواءم معها مع بقائها مستقرة متكافلة، نجدها بالمقابل إذا لم تكن مسلحة بكافة الوسائل والطرق والأساليب التي تمكنها من مواجهة هذه التغيرات؛ وبالتالي قيامها بمهمة التنشئة الاجتماعية الأولية للفرد، فإن ذلك من شأنه أن يخلق جيلا غير قادر على مواكبة عصره ومواجهة تحدياته. ونحن في سياقنا هذا ارتأينا التركيز على موضوع العلاقات الاجتماعية القائمة داخل الأسرة بدءا بالعلاقات بين الأبناء والآباء آخذين بعين اعتبارنا الحوار كواحد من أقصر الطرق وأنجعها في بناء أسرة فاعلة في هذا العالم المتغير، وبناء على ما تقدم، فقد عنيت هذه الورقة بإعطاء نبذة موجزة حول واحد من أهم أشكال العلاقات الاجتماعية داخل الأسرة وهو " الحوار" : ما هو الحوار؟ أهمية الحوار؟ وما هي أساليب وطرق الحوار؟ وكيف يمكن تحقيقه في الأسرة؟.

 
مفهوم الحوار:
 يمكن للحوار أن يكون تفاعلا لفظيا أو كتابيا بين اثنين أو أكثر من البشر بهدف التواصل الإنساني وتبادل الأفكار والخبرات وتكاملها، وهو نشاط يومي نمارسه في المنزل والشارع والعمل والمدرسة والجامعة وهكذا.... . فهو القدرة على التفاعل المعرفي والعاطفي والسلوكي مع الآخرين، وهو ما يميز الإنسان عن غيره مما يسهل تبادل الخبرات والمفاهيم بين الأجيال، ويتم التواصل الإنساني من خلال عمليتين هما: الإرسال (التحدث) والاستقبال (الاستماع). وللحوار علاقات وطيدة خصوصا مع النقاش، فالنقاش الجاد يحتاج حوارا متزنا، كما يزيد الحوار بزيادة الفئة العمرية فيرتفع بارتفاع معدل الأعمار من الأطفال إلى الشباب حتى باقي المراحل العمرية. من هذا كله يمكننا أن نقول أن الحوار ليس حلا سحريا لمشكلاتنا وأزماتنا، وإنما هو بوابة امتلاك الرؤية السليمة لمعالجة هذه المشكلات والأزمات، وإننا كأفراد وجماعات وشعوب ومجتمعات لا نمتلك أفضل من خيار الحوار لتفاهمنا المشترك أو لمعالجة مشاكلنا أو لضبط اختلافاتنا، وهو بذلك مفهوم ينطوي على قدر من المراهنة على تأسيس لواقع جديد لحياتنا الأسرية الاجتماعية في المجالات كافة.
 
أهمية الحوار:
 " من كان مرباه بالعسف والقهر من المتعلمين أو الخدم، غلب عليه القهر، وضاقت نفسه، وذهب بنشاطها، وحمل على الكذب والخبث، خوفا من انبساط الأيدي بالقهر عليه، وعلمه المكر والخديعة لذلك" تتبدى لنا أهمية الحوار كشكل من أشكال العلاقات الاجتماعية الأسرية تماشيا مع المكانة الأساسية التي تشغلها الأسرة في المجتمعات الإنسانية بشكل عام. وعندما نجد أن الأسرة تتبنى التنشئة الاجتماعية وهي عملية تزويد الفرد قيم ومقاييس ومفاهيم مجتمعه الذي يعيش فيه؛ بحيث يصبح متدربا على إشغال مجموعة من الأدوار التي تحدد سلوكه اليومي. من هنا يأتي التركيز على وظيفة الأسرة كأول وحدة اجتماعية تحيط بالفرد؛ فهي بتبنيها الحوار كوسيلة للتعامل بين أفرادها تمكنهم من تبادل الآراء والتعرف على مواقف الآخرين، وبالتالي الحكم على مدى اتفاقها أو اقترابها مما يحملونه من مواقف ويمتلكونه من آراء. فالحوار في عصرنا الراهن ضرورة حتمية مع سيادة عصر العلم والتكنولوجيا ، وتعدد اوجه النشاط البشري واتصال البشر بعضهم ببعض بشتى وسائل الاتصال التكنولوجية الحديثة كالانترنت مثلا، وبهذا تصبح المعرفة نشاطا جماعيا وقاسما مشتركا بين الجميع. ومن شأن ذلك أن يسهل مهمة الساعين إلى الحوار. فبالحوار نستطيع أن نفهم الآخرين، وبالحوار نستطيع أن نقنع الآخرين بوجهة نظر معينة، ونستطيع توسيع المساحات المشتركة وبلورة أطر وأوعية للفهم والتفاهم المتبادل. وهنا يختلف الحوار في مفهومه عن الجدل؛ فالجدل لا يتعدى العمل على إثبات تفوق الذات على الآخر عن طريق مهاجمته أو الدفاع حيال هجمات الآخر... بينما الحوار يتجه إلى تفكيك واقع سيئ يضغط على كلا الطرفين أو الأطراف المتعددة، لذلك فهو يستهدف معالجة مشكلة معينة فردية أو اجتماعية ، راهنة أو مستقبلية، لهذا نجد أن عملية الحوار تسعى في مضمونها وأشكالها إلى توسيع المساحات المشتركة وضبط النزاعات والاختلافات والعمل كمحصلة نهائية على بلورة الأهداف والتطلعات المشتركة. فهو الاستماع الحقيقي للأقوال والأفكار والآراء والقناعات.
مستويات الحوار: للحوار مستويات تبدأ بحوار الإنسان مع نفسه يحاسبها ويقيمها بقوله تعالى " يوم تأتى كل نفس تجادل عن نفسها" فحواره مع أفراد أسرته " نصف رأيك عند أخيك"، ومن ثم حواره مع المحيطين في مجتمعه الذي يعيش فيه. ونحن هنا في هذا البند بصدد التركيز على الحوار بين الأفراد داخل الأسرة الواحدة والمقصود الحوار العائلي – الأسري وكيف يمكن أن يكون هذا الحوار؟ وما هي انعكاساته على الأسرة؟. إن ما أود قوله في هذا المجال هو أن الوصول إلى النشأة النفسية السليمة للأسرة وأفرادها لابد وأن يسبقه جو اسري سليم وصحي لينعكس ذلك على الأبناء ، وفي هذا السياق يمكننا أن نأسس سعادة العاطفة: إن وجود العاطفة التي تقويأسرية تستند على مجموعة من الأسس أهمها: الروابط بين الوالدين والأبناء من مودة ورحمة وثقة واحترام متبادل يعد مسكنا للنفس واستقرارا للحياة، وهي تتجسد وتظهر من خلال التصرفات، وهذه العاطفة الدائمة من خلال تقاسم أعباء الحياة اليومية، والمشاركة في أفراحها وأتراحها، تحقق التفاهم والسعادة المعاملة: إذا تعود الأطفال على مشاهدة رقةوقد أصبحت ضرورية جدا لسعادة الأسرة؛ المعاملة بين الوالدين فسوف تصبح بالنسبة لهم طبيعة ثابتة، وكذلك من المهم معاملة الآباء للأبناء بطريقة رقيقة، فالشدة المبالغ فيها والصراخ بصورة دائمة والألفاظ السيئة، والشتائم، قد لا تأتي بالنتيجة المطلوبة، بينما رقة المعاملة ومحاولة المشاركة: في الأسرة لابدالتفهم هي أفضل الوسائل لتربية الأبناء وتحقيق السعادة؛ من توزيع الأدوار والمسؤوليات بين الزوجين وحتى بين الأبناء، فكل واحد منهم سيتحمل بهذا دورا يقوم به دون أن يسبب ضغطا على الطرف الآخر، وهنا يترسخ مبدأ المساواة النظام: إن تنظيم العلاقات بين الآباأيضا ويقوى بناء الأسرة وتسعد؛ ء والأبناء يساعد على فهم المعنى الحقيقي للأخذ والعطاء وكيف يحدث التوازن بينهما، وهذا يقلل من فرص الأنانية بين أفراد الأسرة ويدفعهم إلى طريق النجاح، والنظام ضروري في تحديد مواعيد وساعات وجبات الطعام وأوقات النوم، والعودة إلى المنزل تجنبا للمشاكل التسامح: ما دام الانفعالوالمشاحنات، وبهذا تتحقق السعادة بين الآباء والأبناء؛ والغضب أو سوء التفاهم أمرا واردا داخل كل أسرة، فلابد من أن يتعلم كل فرد فيها التسامح مع الآخرين، وأن يواجه بحكمة، ولعل أفضل تصرف هو تجنب الاستمرار في المغاضبة، والانسحاب من المواجهة إلى أن تهدأ الأعصاب الثائرة، وينطفئ الغضب، ومن ثم محاولة الحديث والمناقشة بعد فترة بهدوء، وتشرح وجهة النظر وعدم العودة إلى التضحية: جانبالتحدث فيه مرة ثانية، فالتسامح عامل مهم في الحياة وسعادة الأسرة؛ مهم جدا بالنسبة لسعادة الأسرة، ويتمثل في بعض التنازل من قبل أحد الزوجين للآخر والعطاء والتضحية مقابل أخذ القليل من أجل المصلحة العامة من دون مبالغة في هذا الأمر حتى لا يظهر الطرف المتنازل في موقف الضعف لأنه يلقي كل أفكاره ورغباته لصالح  الآخرين، فمن المهم أن يشعر كل شخص في الأسرة بأنه يأخذ ويعطي في الوقت نفسه؛ المرح: لابد من إشاعة المرح في الأوقات السعيدة والظروف العصيبة التي تمر بها الأسرة على حد سواء، فالمرح مهم في وقت النجاح، كما أنه مهم في وقت الضيق، لتخفيف الضغط العصبي عن أفراد الأسرة في حالات الفشل، ولابد من تهيئة الأجواء اللازمة التي يبتغيها أفراد الأسرة ويطلبون توافرها كي تستكمل أجواء الفرحة والحب، ويسود جو من الحوار: من المهم  الدعابة والمرح والذي غالبا ما يكون شائعا في الأسرة السعيدة؛ جدا أن يوجد الحوار بين أفراد الأسرة لأن أسلوب الأمر والزجر لا يعطي الفرصة لوجود علاقات قوية بين الأزواج وزوجاتهم أو بين الآباء وأبنائهم، وقد يشعر الأبناء في هذه الحالة بعدم حب الآباء لهم مما يدفعهم إلى الانحراف في مرحلة المراهقة، فوجود مثل هذا الحوار ومعرفة ما يدور في ذهن الأبناء مهم جدا، وفهم وجهات نظرهم أيضا، وهذا الترابط: إن وجود عرىيقوي روابط الأسرة بصورة واضحة ويحقق لها السعادة المنشودة؛ التواصل بين الأبناء وآبائهم يعد نوعا من الترابط في الأسرة، وهذا صحيح في السنوات الأولى في حياة الأبناء، أما بعد ذلك فيجب أن يتاح لهم تكوين روابطهم الاجتماعية الخاصة من خلال الأصدقاء مع التوجيه والمراقبة لكي يتعلموا مواجهة الحياة بمفردهم والاعتماد على النفس وكيفية التصرف الصحيح، وينبغي أن يظهر الترابط الحقيقي والأصيل وهذا يجعل كل أفراد الأسرة في سعادة حقيقية. تعزيز الحوار بين الآباء والأبناء ورفع سوية الوعي يسهم في تدعيم الثقة المتبادلة بينهم؛ فمن الممكن تخصيص ساعة للحوار يوميا بين الزوجين، فلا أقل من تخصيص ساعة للحوار يوميا بين الأبوين من جهة والأبناء من جهة أخرى، على أن يكون الحوار بشكل مفتوح، ويتم خلاله الحديث مع الأبناء عما فعلوه خلال يومهم المدرسي أو الجامعي أو المهني مثلا، ومعرفة ما يحبونه أو يكرهونه، والإجابة عن الأسئلة التي تخطر ببالهم على أن يظهر كل من الزوجين في صورة النموذج الطيب والقدوة الصالحة لأبنائه. من المهم أيضا خلال الحوار المفتوح بين الآباء وأبنائهم أن يوضحوا لهم أن الإنسان يتعرض في مسيرة حياته إلى العديد من المشكلات والعقبات لكي يتجنب الابن الصدمات عندما يبدأ في التعامل مع العالم المحيط به. وهذا يقود إلى الحديث عن ضرورة توافر عنصر المصارحة في الحوار بين الآباء والأبناء شريطة أن يكون ذلك في إطار النقد البناء والبعد عن التجريح وبث روح العدوانية. والمصارحة تعني في الوقت نفسه مناقشة الابن بخصوص ما قد يرتكبه من أخطاء ومعرفة العوامل التي دفعته لارتكابها، وهل فعلها عن وعي أم جهل، بحيث يكون العقاب هو الأسلوب الأخير الذي يلجأ إليه الأبوان في التعامل مع مثل هذه المشكلات، وإذا اضطر الأبوان إلى ذلك فيجب أن يتم برضى الابن وتفهمه، فغير ذلك قد يؤدي إلى اعتقاد الابن أن والديه يكرهانه وأن هذا الكره ينعكس في أساليب عقابهما له. يرتبط بذلك أيضا عنصر الثبات فيما يبديه الأبوان من ردود فعل ومواقف تجاه ما يصدر عن أبنائهما من سلوك؛ بمعنى عدم تغيير أساليب التعامل بين الفينة والأخرى، بهدف عدم فقدان مصداقية الآباء أمام أبنائهم، مع الحرص على أن يتم ذلك على الوجه السليم، وأن يتفهم الأبناء السبب في هذه التصرفات من خلال المناقشة والحوار بهدف الوصول إلى الإقناع، وليس شرطا بالطبع اقتناع الأبناء بتصرفات آبائهم فقط، وإنما من الممكن أن دع الشك وضعيحدث العكس ويقتنع الآباء بوجهة نظر أبنائهم.
 
 أساليب الحوار:
 الأفكار موضع التمحيص والاختبار واحترام الرأي الآخر وعدم إسقاطه على الآخرين؛ إنهِ الحوار السلبي بالإيجابية والاتفاق؛ ابدا في الحوار بالأفكار المشتركة؛   استمع لما يريد أن يقولهأعط ابنك الاهتمام في كل ما يصدر عنه من كلمات وسلوكيات؛   نمي حاول أن تحدثه بهدوء واسترخاء مستعملا الدعابة؛ لك بهدوء وأشعره أنك معه؛ عادة الحوار الهادئ والتعويد على عدم رفع الصوت أثناء الحديث وعدم مقاطعة لا تستمع بأذنيك فقط، وإنما بكامل جسمك، توقف عن العمل الذي تقوم بهالمتحدثين؛   لا حاول أن تستنتج المشاعر التي ترافق كلامه وعباراته؛  أثناء الحوار مع أبنائك؛   شجعه على النظر في وجهة نظرتحرج ابنك أو تنتقص من قدره أو تستهزئ به أمام أخوته؛   أن الأبناء دع أبناءك يدلون بآرائهم ووجهات نظرهم؛  الآخرين عندما يتحدث معهم؛ بحاجة إلى احترام الشخصية لتنمو وتقوى.
 
 الخاتمة: إن التربية الاجتماعية تهدف في أي من المؤسسات التربوية الاجتماعية بدءا بالأسرة إلى تحقيق فردية الإنسان وجماعيته، فهي تعمل على تنمية قدرات الفرد، وتهذيب ميوله وصقل فطرته، وإكسابه مهارات عامة في نواحي حياته، من هنا جاء حديثنا عن الأسرة بأهميتها وعن الحوار كواحد من أهم المهارات التي لابد وأن تترسخ في نمط شخصية سلوك الفرد حتى يصبح قادرا ومهيأ لأن يعيش سعيدا مع نفسه ومع الآخرين ويتكيف معهم ويسهم في نشاطاتهم ويحترمهم. وحري بنا في أيامنا هذه أن نوجه جزءا -ولو بسيط- من اهتمامنا على تلك الوسائل والطرق التي من شأنها أن تزود الأسرة وتمكنها من مواجهة هذا العصر بعولمته وبنظامه الجديد ، بالتركيز على البرامج والدراسات الموجهة للأسرة كبناء اجتماعي أساسي في المجتمع الإنساني بشكل عام. انتهت الورقة إعداد الباحثة : وفاء علان العمايرة