الحكمة الخامسة: اجتهادك فيما ضُمِنَ لك، وتقصيرك فيما طُلِبَ منك، دليل على انطماس البصيرة منك

دعونا، قبل أن نبدأ بشرح هذه الحكمة، نجب عن سؤال أخٍ استشكل ما قلناه في الدرس الماضي أو الذي قبله، من أن هذه الأشياء التي نسميها أسباباً، ليست فيها قوة أودعها الله فيها، فبها تؤثر في الأشياء، وبها تتحقق سببيتها، بل إن التأثير آتٍ من عند الله لحظة فلحظة، أي عندما تقترن بمسبباتها. يقول هذا الأخ: فإذا كانت النار مثلاً باردة في أصلها لا تحرق، فلماذا أخبرنا الله بأنه قال لها، يوم قذف بسيدنا إبراهيم فيها:((قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ  )) [ الأنبياء: 2169].



أقول لهذا السائل: إن النار بطبعها، أي قبل أن يوجهها الله إلى أي وظيفة، ليست فيها حرارة ذاتية ولا برودة ذاتية. ولكنها تتلقى من الله تعالى الأمر بالإحراق عندما يشاء فتحرق، وتتلقى منه الأمر عندما يشاء بغير ذلك فتستجيب لأمر الله وحكمه.

فإذا توجه أمر الله إلى النار بأن تكون برداً وسلاماً، فليس في ذلك دلالة على أنها كانت قبل ذلك تختزن طبيعة الإحراق في داخلها.

أرأيت إلى قوله لها:((قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ ))  [الأنبياء: 2169], هل يستلزم ذلك أن تستقر فيها طبيعه البرودة النسبية هذه على الدوام؟ ليس في هذا الخطاب ما يستلزم ذلك قط, بل العكس هو المفهوم, خلق البرودة فيها عندما شاء ذلك, واستمرت البرودة فيها, بخلق مستمر لها, طوال مشيئة الله ذلك.

فكذلك الحــرارة المحرقة. هي الأخرى تتحقق بأمر صادر من الله عز وجل، وتستمر الحرارة والإحراق، مع استمرار توجه الإرادة الإلهية النافذة إلى هذا الحكم. ولو تخلّى الله عز وجل بحكمه عن النار، ولم يوجه إليها أمره بمهمة ما، في أي لحظة من اللحظات، إذن لما رأيت فيها أياً من معاني الحرارة ولا البرودة، ولتخلّت عما توهمته وظائف وأوصافاً لها.

وهذا معنى قول رسول الله : أصدق ما قاله لبيد: « ألا كل شيء ما خلا الله باطل» أي يكفي – كما قال الإمام ابن تيمية رحمه الله تعالى-لبطلانها وتلاشيها مجرد تخلّي الله عنها

فلا تخدعنك أوهام المعتزلة الذين أخذوا دهراً من الزمن بسمادير الفلاسفة، ثم أنقذهم الله منها وأيقظهم إلى بطلانها.

نعود الآن إلى الحكمة الخامسة، ونستلهم الله عز وجل ما ينبغي أن نقوله في شرحها.

يقول الله عز وجل: ((وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ )) [الذاريات:5156-58].

 ويقول عز وجل:((وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى )) [ طه:20132].

 تنطق هاتان الآيتان بما يلي: أقام الله الإنسان على وظيفة يؤديها لذاته العلية، هي أن يمارس عبوديته لله عز وجل بالسلوك الاختياري، كما قد خلق عبداً له بالواقع الاضطراري.. وأقام الله عز وجل ذاته العلية على وظيفة يؤديها تجاه الإنسان، يضمن له بها مقومات حياته ورغد عيشه.

فما الذي تقتضيه هذه القسمة من المسؤوليات؟

مقتضى هذه القسمة أن ينصرف الإنسان (المؤمن بالله طبعاً) إلى الوظيفة التي عهدت إليه وكلف بها، مقابل التزام الله عز وجل بما قد تعهد له به، من توفير مقومات عيشه وتسخير المكونات التي حوله لمصالحه ورغائبه. ذلك لأن هنالك شيئاً طلبه الله منا، وشيئاً آخر ضمنه الله لنا. ومن أوضح البدهيات أن علينا في هذه الحالة أن نصرف الجهد ونرهق الفكر في أداء الوظيفة التي كلفنا بها، وأن نطمئن بالاً إلى الضمانات التي ألزم الله ذاته العلية لنا بها. فلا نشغل بذلك فكراً ولا نحمل أنفسنا منه عنتاً أو اضطراباً.

ولكن في الناس من يجتهدون ويجدون ويرهقون أنفسهم فيما قد ضمنه الله  لهم، ويعرضون عن الوظيفة التي طلبها الله في مقابل ذلك منهم. وهذا دليل - كما قال ابن عطاء الله - على انطماس البصيرة من هؤلاء الناس.

وهو إن دلّ على شيء، فإنما يدلّ على عدم الثقة بوعد الله وما قد ضمنه للإنسان كما يدلّ على الرعونة النفسية التي تهيمن على كيانه وتفكيره.

ومن أهم ما يجب علمه أنه ما من مخلوق، حيواناً كان أو نباتاً أو جماداً إلا وأقامه الله تعالى على وظيفة، فهو منصرف إليها عاكف عليها. تأمل في أصغر الذرات أو الجزيئات التي لا تتبينها إلا بالمجهر، ثم تدرج منها إلى ما هو أكبر فأكبر، إلى أن تصل إلى أكبر الأجرام من الكواكب والمجرات، وسرح نظرك في عالم البهائم على اختلافها، وفي عالم الطيور وحيوان البحار، تجد كلاً من هذه المخلوقات قائماً على وظيفة أقامه الله عليها، لا يشرد عنها ولا يتمرد عليها. وهذا معنى قول الله عز وجل:((أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ  )) [ النور:2441],وهو معنى قوله عز وجل على لسان موسى خطاباً لفرعون: ((قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى )) [طه:2050] أي أعطى كل شيئ مظهره الذي أفرغه فيه, ثم هداه إلى المهمة التي كلفة بها.

والإنسان ليس بدعاً من هذه المخلوقات، فهو الآخر هُدِيَ إلى المهمة التي خلق من أجلها. إلا أن سائر المخلوقات الأخرى من دون الإنسان تمارس وظيفتــها بالقهر والاضطــرار أو بالغريزة والطبع. أما الإنسان فقد قضى الله عز وجل أن يخلق مختاراً ذا حرية وإرادة، وأن يُدعى بعد ذلك إلى أداء وظيفته والقيام بمهامّه من خلال حريته واختياره، دون أن يكون للغريزة سلطان قاهر عليه. وذلك تكريماًوتنزيهاً له عن أن يساق كالحيوانات العجماوات، إلى وظيفته، بعصا الغريزة القاهرة.

ولذا فإن الإنسان هو المخلوق الوحيد الذي يكثر فيه الشاردون بل المتمردون على الوظيفة التي كلف بالنهوض بها، في حين أن سائر المخلوقات الأخرى على اختلافها ماضية في العكوف على وظائفها والمهامّ التي خلقت من أجلها. إذ الإنسان يمارس وظيفته من خلال حريته ومدى رغبته، فظروف الإعراض عنها، كظروف الإقبال إليها، سانحة. أما غيره من المخلوقات الأخرى فيمارس وظيفته من خلال القسر  التكويني كما هو شأن الجمادات والنباتات، أو من خلال الدافع الغريزي كما هو شأن الحيوانات العجماوات، فظروف الإعراض عنها مغلقة غير سانحة. وانظر إلى مصداق هذا في قول الله عز وجل:

 {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ.. } { الحج: 22/18 }

من الواضح أن المراد بالسجود الخضوع للوظائف التي أقام الله المخلوقات عليها. فانظر إلى بيان الله عز وجل كيف عمّم خضوع المخلوقات كلها بأنواعها التي ذكرها، للوظائف التي أقامها الله عليها، حتى إذا تحدث عن الإنسان، أوضح أن في هذا الجنس الطائع والعاصي.. فيهم الخاضع لحكم الله وأمره، وفيهم المتأبي على حكمه الشارد عن المهام التي كلفه الله بها، ولذا عطف على سائر المخلوقات الساجدة لله عز وجل كثيراً من الناس، ولم يعطف عليها كل الناس،أكد هذه البعضية بقوله بعد ذلك: { ..وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ } { الحج: 22/18 }

والعجب في حال الإنسان أنه بدلاً من يزداد إقبالاً على الوظيفة التي أقامه الله عليها عن طريق الحوار والاختيار، يتخذ هذه المزية ذاتها في كثير من الأحيان سبيلاً للتمرد على أوامره وحكمه والعجيب في حال الإنسان أنه بدلاً من أن يزداد إقبالاً على المهام والوظائف التي كلّفه الله بها، وأن يكون أكثر انقياداً لها من الحيوانات العجماوات التي لم يمتعها الله بحرية السلوك والقدرة على الاختيار، يتخذ في كثير من الأحيان هذه المزية التي متّعه واختصه بها، سبيلاً للشرود عن أمره والتمرد على حكمه.

وما هي الوظيفة التي أقام الله الإنسان عليها؟

هي أن ينهض بعمارة الأرض التي أحياه الله عليها على النحو الذي بيّنه وشرعه له، طبقاً لقوله عز وجل: ((هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ  ))  [ هود: 1161].

واتباعه في ذلك للنهج الذي شرعه الله تعالى يحقق أمرين اثنين:

 أحدهما ممارسة العبودية لله بسلوكه الاختياري كما قد خلق عبداً له، بواقعه الاضطراري.

ثانيهما أن الأرض تُعْمَرُ عندئذ عمراناً مادياً وحضارياً على وجه سليم يسعد الناس مجتمعاً وأفراداً، ويمدّ فيما بينهم جسور الود، وينشر فوقهم مظلة العدالة والأمن.

يضاف إلى هذا كله أن الله الذي أقام الإنسان على هذه الوظيفة التي ما أقامه عليها إلاّ لخيره وإسعاده، ضمن له في مقابل ذلك مقومات عيشه وأسباب رغده وأدار الكون الذي من حوله لخدمته ورعايته!..

أليس من أعجب العجب، ومن أشد ما يبعث على الحياء والأسف، أن يعرض الإنسان - بعد هذا - عن الوظيفة التي لم يكلَّف بها إلا لخيره ومصلحته، وأن يقبل بدلاً عنها إلى ما قد ضمنه الله له من أسباب رزقه ورغد عيشه، فيضحي بوظائفه سعياً وراء ما قد تكفل له الله به من ذلك كله؟

 يقول الله له:((وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى )) [ طه: 20132] فيعرض عن أهله وأولاده، غير مبال بتربيتهم ورعاية دينهم وسلوكهم، معتذراً بأنه لا يملك مزيداً من الوقت الذي يصرفه لتجارته وملاحقة رزقه، لرعايتهم وتربيتهم.

يقول الله له:((وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا )) [الإسراء:1735]  فيتلاعب بالكيل والوزن، ويمعن في الغش وأسبابه، أملاً في أن يصل إلى ما قد وعده الله به، إن استقام على العدل، ولكنه يأمل ذلك عن طريق الظلم والفساد والغش.

يقول الله عز وجل للإنسان: ((مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُ حْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَ لَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )) [النحل: 1697] فيعرض عن العمل الصالح الذي أمره الله به، ثم يبحث عن الحياة الطيبة، في مراتع اللهو ومنعرجات الفسوق والعصيان.

يقول الله تعالى:((وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)) [ النور:2455]

وتتأمل في حال فريق كبير من الناس، وإذا هم معرضون عن وعد الله بهذا الاستخلاف إن هم أنجزوا أوامره ونفذوا وصاياه وأحكامه، ويبحثون للوصول إلى هذا الاستخلاف والحكم في الأرض، عن كل ما يتخيلونه من الوسائل والأسباب الأخرى، وربما وضعوا أنفسهم موضع المهانة في استجداء هذا الذي وعدهم الله به، من أعدائهم ومن الأمم أو الدول المتسلطة عليهم!!..

الغريب أن تجربة إعراض الإنسان عن الوفاء بعهد الله، يتجلى للعيان سوء نتائجها، ومع ذلك فمن شأن كثير من الناس الإمعان في هذا الإعراض!

والغريب أن تجربة هذا الإعراض عن الوفاء بعهد الله، مقابل ما ألزم الله به ذاته العلية من الوفاء بعهدهم، يتجلى للعيان سوء نتائجها، وخيبة آمال أصحابها بها، ومع ذلك فإنهم يمعنون، في هذا الإعراض عما كلفهم الله به من الوظائف، ويواصلون المضيّ في تجاربهم الفاشلة، التي تنقلهم من ذل إلى ذل، وتزيدهم بعداً عن الهدف الذي يطمحون إليه. فهل في التصرفات التائهة ما هو أعجب من هذا التصرف؟

ولو أن أحداث التاريخ لم تكن شاهداً عملياً لصِدْق وعد الله لعباده، إن هم صدقوا معه في إنجاز ما قد كلفهم به، لربما كان في الوعد النظري ما يبعث على الريبة والشك، نظراً لضعف ثقة المسلمين اليوم بوعود خالقهم ومولاهم.

ولكن تاريخ هذه الأمة، ينطق واقعه بشهادة تجلجل على أسماع الدنيا كلها، بصدق وعد الله عز وجل فيما أخبر والتزم!..

كان المسلمون في صدر الإسلام حفنة من عرب الصحراء، فلما أصغوا إلى خطاب الله لهم، وتبينوا الوظيفة التي حمّلهم الله إياها، وآمنوا بألوهيته ووحدانيته، ووثقوا بوعده وحكمه، وسعوا سعيهم الجاد إلى أداء وظائفهم التي كلفوا بها فمارسوا عبوديتهم لله بالسلوك الاختياري، كما قد فطروا عليها بالواقع الاضطراري، أنجز الله لهم الوعد الذي ألزم به ذاته العلية (ولا ملزم له جلّ جلاله) في مثل قوله عز وجل: ((وَلَنُسْكِنََّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ )) [ إبراهيم: 141314].

 فأزاح عن طريقهم امبراطوريات الروم والفرس واليونان، وأقام من تلك الحفنة من عرب الصحراء قادة وحكاماً لشعوب تلك البلاد، وأورثهم أرضهم وديارهم بكل ما فيها من ذخر وخيرات!..

وإن المتأمل في تاريخ ذلك الرعيل، ليعجب بالوفاء الذي بادل الله به وفاءهم، في أحداث ناطقة بهذه الحقيقة لا تحتمل أي ريب.

وإن من أبرز مظاهر هذا الوفاء وآثاره، قول عمر لأبي عبيدة، وقد وصل عمر إلى مشارف الشام مرتدياً مرقعته المعروفة التي كانت تحوي ما لا يقل عن اثنتي عشرة رقعة، والتي أثارت عتباً خفياً همس به أبو عبيدة في أذن عمر:

 «نحن قوم أعزنا الله بالإسلام، فمهما طلبنا العزّ بغير ما أعزنا الله به أذلنا الله»!..

ألا، فلتعلم هذه الأمة، أن كل حرف من هذه الكلمات، يرتل نشيد وفاء مع الله عز وجل، تجاه ما قد أنجزه لتلك الحفنة من الوعد الذيطعه على ذاته العلية لها.. هذا بالإضافة إلى الذوق العالي الذي تتألق به هذه الكلمات وتزدان به معانيها. لو أن عمر كسا جسمه ثياب الأبهة والفخار، وأقبل إلى أباطرة الشام مزهواً بها، لكان في ذلك ما يشعر بأن العرب (وإنما عمر ممثل لهم في ذلك الموقف) إنما انتصروا وتغلبوا، بهذه الفخامة والمظاهر، وفي ذلك تزييف للسبب الحقيقي، وتناسٍ للفضل الإلهي الذي نصرهم مع ضعفهم، وأغناهم من فقر، وأعزهم من ذل. إذن يجب أن يراهم أباطرة الشام على حالتهم التي كانوا عليها، حتى يعلموا أن اليد التي انتشلتهم وسمت بهم إلى هذا الشأو الباسق، إنما هي يد الله عز وجل. وحتى يكون ذلك بمثابة إعلان منهم، بأنهم ليسوا مدينين في ذلك كله إلا لمنة الله وفضله!..

ذلك هو الشعور العالي الذي كان يساور عمر الذي أصرّ أن لا يراه زعماء الشام وأباطرته إلا بتلك المرقعة التي تنطق لهم بحقيقتين اثنتين:

أولاهما: افتقار العرب إلى أدنى مقومات النصر وتجرُّدُهم عن كل أسبابها المادية الطبيعية.

الثانية: اليد الإلهية التي رفعت لهم شأناً وخلدت لهم ذكراً وأورثتهم (وهم يتمرغون في ضعفهم وفقرهم) أجلّ درجات القوة والغنى.

أما نحن اليوم، أحفاد ذلك الرعيل، فلا نحن بالوظيفة التي كلفنا الله بها ننهض، ولا بوعده الذي قطعه لنا نثق، ولا بذلك الواقع التاريخي الناطق نعتبر!.. نتطوح ذات اليمين وذات الشمال، ونطرق كل الأبواب المذلة ما عدا باب الله المعزّ!.. وتزيدنا التجارب التائهة خسارة إثر خسارة، دون أن نعود من هذه التجارب الخائبة والمخيبة، إلى الباب الذي دلنا عليه الله، وإلى العكوف على الوظيفة التي خلقنا الله لها وأقامنا عليها!..

وكأني ببعض من يطلع على ما أقول يستشكل أو ينتقد قائلاً.

ألم تقل في شرحك المطول للحكمة الثانية: إن على المسلم أن يمارس الأسباب وأن لا يعطلها؟.. ألم تؤكد أن الإعراض عن الأسباب مع انتظار أن يخلق الله النتائج من دونها، سوء أدب مع الله عز وجل؟..

إذن فلا بدّ من الاجتهاد فيما ضُمِنَ لنا، وذلك بأن نسعى وراء أرزاقِنا ومصالحنا الدنيوية عن طريق الأسباب التي أقامها الله أمامنا.

والجواب يتلخص في أن الاجتهاد المذموم في نيل ما قد ضمنه الله للعبد، يتمثل في أن يجعل من انشغاله بأسباب دنياه صارفاً له عن القيام بوظائفه وواجباته الدينية المختلفة.. يدعو الداعي إلى المسجد لشهود صلاة الجماعة فيعرض عن الداعي وعن صلاة الجماعة لانشغاله بأسباب تجارته أو زراعته أو وظيفته، حتى إذا أوشك وقتها أن يزول، أقبل إليها إقبال من يريد التخلص منها بأقل ما يمكن من دقائق، هذا إن تذكرها ووجد لديه حافزاً لتداركها قبل الفوات!.. تلاحقه أوامر الله بأن يربي أولاده، وأن ينشئهم في ظل التعاليم الإسلامية، وأن يدخل حب الله وتعظيمه في قلوبهم، وأن يراقب سلوكهم أن لا يشرد عما قد أمر الله به، وأن لا يجنح إلى ما قد نهى الله عنه، فيعرض عن هذه الوظيفة، محتجاً بأن مشاغله الدنيوية، أياً كانت، لا تترك له وقتاً كافياً لذلك، ويترك أهله وأولاده لرياح المجتمع وتخبطاته ومغريات الشهوات الأهواء!..

يطلب الله عز وجل منه أن يتعلم إسلامه وأن يتفقه في دينه وأن يتلو كتاب الله تلاوة صحيحة متقنة بتدبر وتمعن، فيعود إلى الإعراض والاعتذار بأن المشاغل التي تلاحقه لا تترك له فضلة وقت يلتفت فيها إلى تلاوة القرآن أو التفقه في الدين أو دراسة شيء من علوم الإسلام!.. ومن المعلوم أن مشاغله هي الدنيا التي تكفل الله له بها، وما يلح في الإعراض والاعتذار عنه، هو الوظيفة التي خلقه الله عز وجل من أجلها!..

فهذا هو مراد ابن عطاء الله باجتهاد المسلم فيما قد ضمنه الله له، وإعراضه عما قد كلفه الله به.. أن يضحي بالتكاليف التي خلق من أجلها، لحاقاً وراء الدنيا التي ضمنها الله له.

أما الذي يقبل إلى واجباته الدينية التي كلفه الله بها في حق نفسه وفي حق أهله وأولاده، فيتعلم أحكام دينه ويتشبع بمعرفة عقائد الإسلام ودلائلها، ويتعلم القرآن تلاوة ثم دراية وتفسيراً، ويقبل إلى أهله وأولاده فيربيهم التربية الإسلامية التي أمره الله بها، ثم يقبل إلى الدنيا فيمارس أسباب رزقه حسب ما قد أقامه الله فيه، وينشط في اكتساب رزقه بالطرق المشروعة التي أمكنه الله منها، فإن مما لا ريب فيه أن نشاطه هذا وإن كان في ظاهره دنيوياً إلا أنه في حقيقته جزء لا يتجزأ من الوظيفة التي كلفه الله بها. لا سيما إن اتجه منه القصد إلى تلبية أمر الله عز وجل بالكدح والسعي من أجل الرزق، وذلك في مثل قول الله عز وجل:((هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ  )) [ الملك: 6715].

بل إن هذه الأنشطة بهذا الضابط الذي أوضحته، وبالقصد الذي ذكرته، تغدو نوعاً من الجهاد في سبيل الله.

روى الطبراني في معجمه الصغير والكبير من حديث كعب بن عجرة أن رسول الله خرج ومعه جمع من الصحابة فرأوا رجلاً قد بكر إلى العمل، ورأوا من جَلَدِهِ ونشاطه ما أعجبهم، فقال أحدهم: ويح هذا، لو كان في سبيل الله، فقال عليه الصلاة والسلام:

 «إن كان خرج يسعى على ولدٍ له صغاراً فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخين فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على نفسه ليعفها فهو في سبيل الله، وإن كان يسعى على أهله فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى تفاخراً أو تكاثراً فهو في سبيل الشيطان».

إن اسم العبادة ليس خاصاً بالصلاة والصيام والحج وما هو معروف ومحفوظ من أحكام الإسلام وتوابعه من نوافل القراءات والأذكار، بل هو شامل لكل سعي يُبتغى منه التقرب إلى الله. فإذا تحقق هذا القصد فإن كافة أنواع التجارات والصناعات وكل أنواع الفلاحة والزراعة والبناء، جزء لا يتجزأ من العبادة، بل إن خوض غمار السياسة والنهوض بمسؤولياتها المتفاوتة، من جوهر العبادة ولبها.

ولكن فلتعلم أن القصد إلى بلوغ مرضاة الله بذلك؛ لا يكون إلا حيث تكون هذه الأعمال والأنشطة كلها مشروعة مباحة، ثم إنه لا يكون أيضاً إلا بعد التنسيق مع الواجبات الأساسية الأخرى، من سائر أنواع العبادات والنسك التي تمثل أركان الإسلام وذيوله وآدابه، وفي مقدمة ذلك كله العكوف على معرفة الإسلام متمثلاً في مصدرَيْه القرآن والسنة، وفي معرفة أحكام الشريعة الإسلامية الأساسية والمتعلقة بكل فرد.

وإلا فكيف يكون السعي اللاهث وراء التجارة أو الصناعة أو الأنشطة السياسية، سعياً في سبيل الله أو لوناً من ألوان العبادات والقربات، إذا كان صاحب هذا السعي غافلاً عن صلواته ونسكه، معرضاً عن دراسة الإسلام وتعلم عقائده وأحكامه؟!.

مثل هذا الإنسان لا يعقل أن يكون قصده من أعماله وأنشطته الدنيوية التقرب إلى الله عز وجل، إذ لو وجد هذا القصد لديه حقاً، لساقه سوقاً، إلى حضور الجمعات والجماعات، وإلى مجالس العلم وحلق الذكر.

إن أكثر الأنشطة الدنيوية التي يلهث وراءها أبطالها اليوم، بعيدة كل البعد عن حال من وصفه رسول الله بأنه في سبيل الله. إنك تنظر فتراهم يعرضون ناسين أو متناسين أوامر الله تعالى ووظائفهم الأولى التي خلقوا من أجلها. يقدحون زناد الفكر للتفنن في السباق اللاهث إلى أعلى درجات الغنى، والفوز بأبهى أنواع البذخ والمتع، وهم بأبسط أحكام دينهم جاهلون، والرسالة القرآنية المبعوثة إليهم من الله عز وجل مطروحة ومنسية وراء ظهورهم، غريبة ألفاظها عن ألسنتهم، مجهولة المعاني من عقولهم.. إنهم حقاً مظهر صادق لقول ابن عطاء الله: «اجتهادك فيما ضمن لك، وتقصيرك فيما طلب منك، دليل على انطماس البصيرة منك».

ودعوني أقل لكم ما يلي:

يلاحقني كثير من هؤلاء الأغنياء المترفين، بالدعوات المتلاحقة إلى حضور حفلات يقيمونها بمناسبة عقود نكاح أو أفراح أخرى، في بعض من هذه الصالات الفخمة التي تعرفون.. فأستجيب لما تتاح لي الاستجابة إليه منها.. غير أني أقول لهؤلاء الداعين وأمثالهم الموجودين في الحفل، من خلال الكلمة التي أدعى إلى إلقائها:

ها أنا أستجيب جهد استطاعتي لدعواتكم، فهلاّ استجبتم لحفلاتي التي أدعوكم إليها، مع العلم بأن دعواتكم تستبطن غاية دنيوية ونجاحاً في سباق إلى حظ من حظوظ النفس، أما دعوتي فهي متجهة إليكم باسم الله عز وجل، إلى حضور درس من الدروس العلمية التي تقربكم إلى الله، وتصعد بكم من حمأة هذه الدنيا ومنافساتها وصراعاتها، إلى صعيد من النشوة والانتعاش بذكر الله.

ثم إني أحسن الظن وأنتظر الاستجابة، وألتفت باحثاً بين وجوه الآلاف الذين يغشون درسي في شرح هذه الحكم أو غيره، فلا أرى إلا المقبلين إلى الله من الشباب وذوي الدخل المحدود من عامة الناس. أما تلك الطبقة المتميزة، فلا أجد منها أحداً في مثل هذه المجالس، إنهم يتقنون فن الدعوة إلى حفلاتهم الباذخة، وأسلوب النقد والعتب الشديد إن تغيبت ولم أستجب، ولكنهم لا يعرفون أبداً السبيل إلى المجالس التي من خلالها يمكنهم النهوض بالوظيفة القدسية الكبرى التي خلقوا من أجلها.

وصفوة القول في فهم هذه الحكمة على الوجه الشرعي السليم، تتمثل في قول الله عز وجل:((فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ )) [ النور: 2436-38]

لاحظ أن الله وصف هذه النخبة من الناس بقوله: { رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع.. } { النور: 24/36 - 38 } أي أنهم أولئك الذين لا تصدّهم تجاراتهم وأسواقهم ولا تشغلهم عن وظائفهم الدينية التي أقامهم الله عليها وكلفهم بها. والمعنى أنهم يعطون هذه الوظائف حقها من جهودهم وأوقاتهم, دون كاملاً غير منقوص, تحولوا بعد ذلك إلى دنياهم وشؤونهم التجارية, يؤدون من خلال أنشطتهم فيها واجباً كلفهم الله به.

كل هذا تدركه من قوله جلّ جلاله: { لا تلهيهم } { النور: 24/36 - 38 } وكم من فرق بينه وبين ما قال: (( لا يشغلون بتجارة ولا بيع... )).

الكلمة القرآنية:((لا تلهيم)) تقول ببيان مركز وبليغ موجز:

اجعلوا وظائفكم الدنيوية دائرة في فلك واجباتكم الدينية.. وعندئذ تتحول دنياكم التي كانت تشغلكم عن الله إلى دين يقربكم إلى الله عز وجل.

ثم إن هذا الحكم الرباني الذي يتجلى في هذا النص القرآني، قبل أن يبرز حكمة في كلام ابن عطاء الله، ينطبق على الأفراد، وعلى المجتمعات متمثلة في القادة والحكام.

في كلا الحالين يجب أن تدور الأنشطة الدنيوية المختلفة في فلك الواجبات والوظائف الدينية التي أقام الله عباده عليها.

والضمانة التي ألزم الله بها ذاته العلية، لمن سعى بجدٍّ في تنفيذ الوظائف التي كلفه الله بها، تنطبق على المجتمعات كما تنطبق على الأفراد.

وإن تاريخ هذه الأمة خير مظهر لهذا التطبيق، في كل من حالتي الطرد والعكس.

انظر إلى شأن الرعيل الأول من قادة هذه الأمة وحكامها: فتح الله أمامهم مغاليق الدنيا، وأخضع لهم الحضارات، وبدد أمامهم القوى، وفجر لهم عوامل الغنى من داخل الفقر، ونسج فيما بينهم وحدة ظلت مضرب المثل؛ عندما أقاموا من أنفسهم خدماً لدين الله، وجعلوا من أنفسهم جنوداً لأداء الوظيفة التي كلفهم الله بها، وصدقوا الله فيما بايعوه عليه وألزموا أنفسهم به. فصدق فيهم قول الله عز وجل:

((وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ )) [ إبراهيم:1413-14] وينطبق هذا على كل الذين جاؤوا بعد ذلك الرعيل الأول, سائرين على نهجهم, في القيام بالوظائف التي أقامهم الله عليها وكلفهم بها, من أمثال نور الدين الشهيد, وصلاح الدين الأيوبي, وعثمان أرطغرل مؤسس الخلافة العثمانية, ومحمد الفاتح معجزة عصره_ كما يقول الأوربيون _ وفاتح القسطنطينية, وعبد الداخل مؤسس الدولة الأموية في قلب الديار الوربية... إلخ.

 ثم انظر إلى أولئك الذين ذاقوا لذة الدنيا، ممن جاؤوا على أعقابهم، أو سبقوا بعضاً منهم، فسكروا بها وركنوا إليها، ونسوا الوظائف القدسية التي كلفهم وشرفهم الله بها، فجعلوا ديدنهم جمع المزيد ثم المزيد من المال، وتشييد القصور الباذخة، والتقلب في فنون المتع والنعيم، متوهمين أن مفاتيح الأبواب إلى متعهم وشهواتهم، هي ذاتها مفاتيح الأبواب إلى قوتهم وانتصاراتهم!.. إلام آلت عاقبتهم؟

كانت عاقبة أمرهم خسراً، كما قال الله تعالى، أفقرهم الله على الرغم من الأموال المكتنزة في باطن أراضيهم، وأذلهم الله على الرغم من القوة المادية وأشعّة الأبهة التي تزدان بها قصورهم وجباههم، ومزق الله شملهم وأقام عوامل النزاع فيهم محل نسيج الوحدة الذي كان جامعاً لأشتاتهم.

 ثم إن الله أقصاهم من ساحة الأحلام والآمال الدنيوية التي جعلوا منها بديلاً للنهوض الجادّ بما قد كلفهم الله به، وسلّط عليهم أعداءهم الذين توجهوا إليهم من كل نافذة وصوب!.. فلا هم بالأمانة القدسية التي عهد الله بها إليهم نهضوا، ولا على أحلامهم وأمانيهم الوردية الضبابية عثروا. ودونك فتأمل في جنبات العالم العربي والإسلامي، هل تجد إلا مصداقاً بيناً دقيقاً لما أقول؟!..

والمصيبة كل المصيبة تتمثل في انطماس البصيرة الذي أودى بقادة الأمة إلى سوء هذا المنقلب. إذ أنساهم مصدر عزهم الذي هو الإسلام، فتنكروا له وأعرضوا عنه، ثم إنهم بحثوا وبحثوا عن البديل الذي يعزهم، فلم يعثروا على شيء. فها هم أولاء يجترون عواقب تيههم الذي تطوحوا فيه. وتُوقِّع الليالي والأيام بتوقيع من النور على حكمة ابن عطاء الله التي تصيدها من كتاب الله: «اجتهادك فيما ضمن لك، تقصيرك فيما طلب منك، دليل على انطماس البصيرة منك».

 المصدر: دار الفكر دمشق للدكتور محمد سعيد رمضان البوطي