الحقد: تعريفه، وأضراره، وعلاجه، وحكمه في الإسلام

يعدُّ الحقد من آفات القلب التي ابتُلِي بها الكثير من الناس، حيث يحمله الإنسان بداخله كمرض خبيث قد يتسبب بهلاكه؛ إذ تعدُّ أمراض القلب من أصعب الأمراض علاجاً، والتي لا يقتصر ضررها على الشخص الحاقد فحسب، بل تتعداه لتؤذي المجتمع أيضاً، فتورث العداوة والبغضاء بين أفراده؛ كما أنَّ الحقد مذموم في كتاب الله وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم- وقد وجب على كلِّ شخص أن يجاهد نفسه لعدم الوقوع في شِركِه.



يقول ابن الرومي:

الحِقْدُ دَاءٌ دَفِينٌ لَا دَوَاءَ لَهُ           يبْرِي الصُّدُورَ إِذَا مَا جَمْرُهُ حُرِثَا
فَاسْتَشْفِ مِنْهُ بِصَفْحٍ أَوْ مُعَاتَبَةٍ فَإِنَّمَا يُبْرِئ المَصْدُورَ مَا نفثَا

فما هو الحقد؟ وما تعريفه، وأضراره، وما هي علاجاته، وما هي نظرة الإسلام إليه؟ هذا ما ستجدون إجاباتٍ عنه في مقالنا التالي.

ما هو الحقد؟

الحقدُ لغةً: الضغن، وهو إمساك العداوة في القلب.

الحقدُ اصطلاحاً: إضمار الشر للجاني في حال لم يتمكَّن المجني عليه من الانتقام منه، فأخفى ذلك الاعتقاد إلى أن تسنح له الفرصة بذلك؛ وفي هذا قال الجرجاني: "الحقد: إضمار سوء الظن في القلب على الخلائق لأجل العداوة".

نستنتج من ذلك أنَّ الحقد عبارة عن بُغض شديد، ورغبة في الانتقام مضمرة في نفس الحاقد حتى يحين وقت النيل ممَّن حقد عليه.

من مرادفات الحقد:

  • الضغينة: الحقد الشديد، أو الحقد المصحوب بالعداوة.
  • النقمة: الكراهية التي تصل إلى حد السُخط.
  • الغل: الحقد الكامن في الصدر.

أضرار الحقد:

إنَّ الحقد آفة خطيرة قد تتسبب بالعديد من الأضرار، منها:

  • قد يؤدي إلى خلق العداوة بين الأصحاب والأقارب والإخوة في العائلة الواحدة.
  • قد يورث الحسد الذي يدفع بصاحبه إلى تمني زوال ما عند غيره من نعم، وعدم الرضا بما لديه منها.
  • يخلق العداوة والقطيعة بين الشخص الحقود وبين مَن يحقد عليه، حتى لو كان أقرب المقربين إليه.
  • يعدُّ مصدراً حقيقياً للكثير من الرذائل المنهي عنها، من غيبة ونميمة، وافتراء على أبرياء، وسوء ظنٍ، وتتبع عورات، وهمزٍ ولمز، وتعيير الناس بمصائبهم أو عيوبهم البدنية أو النفسية.
  • يبوء الحاقد بغضب الله وعدم رضاه عنه.
  • قد يؤدي إلى الإضرار بالآخرين من قِبل الشخص الحاقد، وذلك من خلال التربص بمن يحقد عليه وإيذائه.
  • يؤدي إلى انتشار الأمراض النفسية والمشاعر السلبية من مشاحنة وعداوة وبغضاء وحسد بين أفراد المجتمع الواحد؛ ممَّا يؤدي إلى إضعاف وحدته وتفتيته من الداخل شيئاً فشيئاً.
  • يولِّد المشاعر السلبية تجاه مَن يحقد عليه، كشماتة الحاقد في حال وقع سوء وضرر على من يحقد عليه، وحب الانتقام في حال سنحت له الفرصة بذلك، وأيضاً الشعور بنوع من الغضب الدائم تجاه مَن يحقد عليه.

وأخيراً، فإنَّ الحقد من مظاهر دنو الهمة؛ فهو لا يصدر من النبلاء، ولا يليق بالعقلاء.

إقرأ أيضاً: 6 أشخاص لاتجعل لهم مكاناً في حياتك

ما هو حكم الحقد في الإسلام؟

يعدُّ الحقد من السلوكات والأفعال التي نهى عنها الدين الإسلامي؛ وذلك لكون الإسلام ديناً يدعو إلى المحبة والرحمة والهدى، ولأنَّ الحقد والغل والبغضاء صفات ذميمة، وأمراض خطيرة تصيب قلب الشخص فتجعل منه إنساناً قادراً على ارتكاب الجرائم والأفعال السيئة والخطيرة، عليه وعلى المجتمع بأسره.

لقد حذر الشرع من هذه الصفة، حيث ذمها القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، ومدح من صفت قلوبهم وسرائرهم، ولم يضمروا في صدورهم حقداً أو غلاً على مسلم؛ وفي ذلك يقول عز وجل: ﴿وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ (47) لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُم مِّنْهَا بِمُخْرَجِينَ﴾ [سورة الحِجْر: الآيتين 47، 48].

وقد قال الطبري في تفسير ذلك: "وأذهبنا من صدور هؤلاء -الذين وصف صفتهم، وأخبر أنَّهم أصحاب الجنة- ما فيها من حقد وعداوة كان من بعضهم في الدنيا على بعض، فجعلهم في الجنة إذا أُدخِلهموها على سرر متقابلين، لا يحسد بعضهم بعضاً على شيء خص الله به بعضهم وفضَّله من كرامته عليه، تجري من تحتهم أنهار الجنة".

وقد عدَّ بعض العلماء الحقد من كبائر الباطن التي ينبغي على المؤمن أن يتنزه عنها، وأن يتوب إلى الله منها.

شاهد بالفديو: 15 قول عن التسامح والغفران

ايات عن الحقد والكراهية في القران:

  • يقول تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204) وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ} [سورة البقرة: الآيتين 204-205].
  • يقول تعالى: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ} [الأعراف: 43].
  • يقول عز وجل: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ} [الحجر: 47-48].
إقرأ أيضاً: 6 أنماط سلوكية تدرّب عليها لتحيا في سعادة وهناء

احاديث عن الحقد:

  • عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنه- قال: قيل: "يا رسول الله، أيُّ الناس أفضل؟"، قال: "كلُّ مخموم القلب صدوق اللسان؛ قيل: "صدوق اللسان نعرفه، فما مخموم القلب؟"، قال: "هو التقي النقي، لا إثم فيه ولا بغي، ولا غل ولا حسد". [صححه الألباني في صحيح ابن ماجة].
  • عن جابر -رضي الله عنه- أنَّ رسول الله -صلَّى الله عليه وسلم- قال: "تُعرَض الأعمال يوم الاثنين والخميس، فمِن مستغفر فيُغفَر له، ومِن تائب فيُتاب عليه، ويرد أهل الضغائن بضغائنهم حتى يتوبوا"؛ وقال المنذري: "الضغائن: هي الأحقاد". {رواه الطبراني}.
  • عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: كنَّا جلوساً مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "يطلع الآن عليكم رجل من أهل الجنة"، فطلع رجل من الأنصار، تنطف لحيته من وضوئه، قد علَّق نعليه بيده الشمال؛ فلمَّا كان الغد، قال النبي -صلى الله عليه وسلم- مثل ذلك، فطلع ذلك الرجل مثل المرة الأولى؛ فلمَّا كان اليوم الثالث، قال النبي -صلى الله عليه وسلم- مثل مقالته أيضاً، فطلع ذلك الرجل على مثل حاله الأولى؛ فلَّما قام النبي -صلى الله عليه وسلم- تبعه عبد الله بن عمرو، فقال:" إنِّي لاحيت أبي، فأقسمت أنِّي لا أدخل عليه ثلاثاً، فإن رأيت أن تؤويني إليك حتى تمضي فعلت"، قال: "نعم"، قال أنس: "فكان عبد الله يُحدِّث أنَّه بات معه تلك الثلاث ليالي، فلم يره يقوم من الليل شيئاً، غير أنَّه إذا تعار –تقلب على فراشه- ذكر الله عز وجل، وكبَّر حتى يقوم لصلاة الفجر. قال عبد الله: "غير أنِّي لم أسمعه يقول إلَّا خيراً؛ فلمَّا مضت الثلاث ليالي، وكدت أن أحتقر عمله، قلت: (يا عبد الله، لم يكن بيني وبين أبي غضب ولا هجرة، ولكن سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول لك ثلاث مرات: يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة، فطلعت أنت الثلاث المرات، فأردت أن آوي إليك، فأنظر ما عملك، فأقتدي بك، فلم أرَك عملت كبير عمل، فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم)؛ فقال: (ما هو إلَّا ما رأيت)، فلما وليت، دعاني فقال: (ما هو إلَّا ما رأيت، غير أنِّي لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشاً، ولا أحسد أحداً على خير أعطاه الله إياه)، فقلت: (هذه التي بلغت بك)". {رواه أحمد والنسائي}.
  • قال صلى الله عليه وسلم: "ثلاث من لم يكن فيه واحدة منهن، فإنَّ الله يغفر له ما سوى ذلك لمن يشاء: من مات لا يشرك بالله شيئاً، ولم يكن ساحراً يتبع السحرة، ولم يحقد على أخيه". {رواه البخاري في الأدب المفرد والطبراني عن ابن عباس بإسناد حسن}.
  • قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تصافَحوا يذهبُ الغِلُّ وتهادُوا تحابُّوا وتذهبُ الشَّحناءُ". {أخرجه مالك في "الموطأ"، وهو حديث مرسل ضعيف ولكنه يتصل من وجوه شتى حسان}.
إقرأ أيضاً: تعرّف على صفات الشخصية السيئة وطرق التعامل معها بسلام

علاج الحقد والكراهية:

يكمن علاج الحقد في سلامة الصدر التي تذيب الأحقاد وتجلب المودة بين الناس، ويتحقق ذلك من خلال ما يأتي:

  • دفع السيئة بالحسنة.
  • الإيمان الصادق الذي يقذفه الله تعالى في قلب العبد.
  • العلم النافع والعمل الصالح؛ فكلَّما اتسع علم العبد، انشرح صدره واتسع.
  • دوام ذكر الله تعالى على كلِّ حال، وفي كلِّ موطن؛ فللذكر تأثير عجيب في سلامة الصدر وانشراحه، ونعيم القلب، وزوال الهم والغم.
  • ترك فضول كلٍّ من: النظر، والكلام، والاستماع، والمخالطة، والأكل، والنوم.
  • اعتماد القلب على الله، والتوكل عليه، وحسن الظن به سبحانه وتعالى.
  • إفشاء السلام؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال (رسول الله صلى الله عليه وسلم): "لن تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولن تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم".
  • الهدية؛ فهي تُذهِب الحقد وتجلب المحبة؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "تهادوا تحابوا".
  • الصدقة والإحسان ما أمكن، إذ إنَّ لذلك تأثيراً عجيباً في سلامة الصدور؛ ولهذا بيَّن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنَّ أفضل الصدقة على ذي الرحم الكاشح؛ بمعنى أنَّ أفضل الصدقة على ذي الرحم الذي يضمر عداوته ويطوي عليها باطنه (كشحه).
  • الهدى والتوحيد الخالص من أعظم أسباب سلامة الصدر من الحقد؛ في حين أنَّ الضلال والشرك من أعظم أسباب الحقد والغل والبغضاء والحسد.
  • ترك العتاب على ما حصل من الأقرباء وغيرهم في الماضي، ونسيان كلِّ خطأ وقع فيه بعضهم؛ فلا يُعاتَب على ما مضى إلَّا إذا كان فيه مصلحة راجحة.
  • تفكُّر الشخص في الأجر والثواب الذي يحصل بسبب العفو والصفح، لقوله تعالى: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}. [آل عمران: 134].
  • الدعاء، فقد كان من دعاء النبي (صلى الله عليه وسلم): "ربِّ أعني، ولا تعن علي، وسدد لساني، واسلل سخيمة قلبي"؛ والسخيمة: الحقد في النفس والقلب.
  • صوم رمضان مع صوم ثلاثة أيام من كلِّ شهر يذهبن حقد وغش ووسوسة الصدر؛ لقول النبي (صلى الله عليه وسلم): "صوم شهر الصبر، وثلاثة أيام من كلِّ شهر، يذهبن وحر الصدر".

ووحر الصدر: غشه ووساوسه، وقيل: الحقد والغيظ، وقيل: العداوة، وقيل: أشد الغضب؛ فمن حافظ على صيام ثلاثة أيام من كلِّ شهر مع صيام رمضان، ذهب عنه -بإذن الله تعالى- حسد قلبه وغشه وحقده ووساوسه وغضبه، وغيظه أيضاً.

 

المصادر: 1، 2، 3، 4، 5، 6




مقالات مرتبطة