الحركة النسوية: تاريخها وأهم شخصياتها

ضجَّ العالم لأشهر بأخبار المحاكمة الشهيرة بين الممثل المشهور "جوني ديب" وزوجته الممثلة "آمبر هيرد"، وقد تبادل الطرفان الاتهامات وكشفا عن حقائق أشعلت مواقع التواصل الاجتماعي على شكل تريندات متواصلة، وخاصة بعد كلام "ديب" عن تعنيف "آمبر" له، وعرضت محامية "ديب" تسجيلات لـ "آمبر" تقول فيها إنَّك رجل من سيصدقك.



هذا ما أثار حفيظة الحركات النسوية واستهجانهن، فحادثة مماثلة لا تنفي ما تعرضت وتتعرض له النساء من ظلم وتعنيف عبر التاريخ، وإن كذبت "آمبر" هذه المرة فهذا لا يعني أبداً أنَّ كل النساء كاذبات، فتحولت القضية مرة أخرى إلى صراع جديد بين الإناث والذكور وتبادل لأدوار الظالم والمظلوم.

هذا ما يجعلنا نتساءل: هل تبالغ الحركات النسوية بردود أفعالها تجاه ما يحدث على أرض الواقع؟ وهل هي تأخذ مواقف عدائية من الرجال دون أسباب حقيقة؟ ومتى بدأت هذه الحركات نشاطها؟ وما هي أسباب تشكلها؟ ومن هم أهم شخصياتها؟ هذا ما سنناقشه في مقالنا اليوم.

أولاً: تاريخ الحركة النسوية وأسباب تشكلها

لا أحد يستطيع إنكار ما تعرَّضت له النساء من ظلم واستغلال واضطهاد عبر التاريخ، وكانت هذه المعاناة تتضاعف في أثناء الحروب والأزمات لتكون النساء الحلقة الأضعف دائماً، وهذا ما دفع معظمهن للبدء بالتحرك رفضاً لهذا الظلم، وقد تمَّ الاتفاق من قِبل المؤرخات النسويات على أنَّ نضال النساء للمطالبة بحقوقهن في المجتمع قبل ظهور الحركة النسوية المعروفة، يُدرج تحت اسم ما قبل النسوية، وحقيقةً لم يلقَ هذا المصطلح قبولاً واسعاً؛ بل لاقى انتقادات عديدة ورفضاً من قِبل العديد من النسويات.

ترجع جذور هذه الحركة التي نشأت للمطالبة بحقوق النساء ورفض التبعية المطلقة للذكور التي كانت سائدة في مختلف المجتمعات إلى القرن السابع عشر وإلى إنجلترا تحديداً، لتتبلور هذه الحركة أخيراً وتأخذ شكلها الحقيقي ويتم استخدام مصطلح النسوية لأول مرة في القرن التاسع عشر.

لقد صاغ هذا المصطلح الفيلسوف الفرنسي "شارل فورييه" عام 1837، وامتدت هذه الحركة في كل من فرنسا والولايات المتحدة، وكان لها فروع عدة ورفدتها العديد من الاتجاهات، وتم تقسيم تاريخ النسوية الحديثة في الفكر الغربي إلى ثلاث فترات، واختلفت كل فترة عن سابقتها بالأهداف؛ إذ انطلقت كل واحدة من إنجازات الفترة السابقة:

1. الحركة النسوية الأولى:

يمكن القول إنَّ هذه الموجة قد امتدت من القرن التاسع عشر حتى بدايات القرن العشرين، وقد ركز نضال النسويات فيها على تحصيل الحقوق السياسية والقانونية ومنها حق التصويت الذي كانت النساء محرومات منه.

2. أما الموجة النسوية الثانية:

فسادت خلال فترة الستينيات والثمانينيات من القرن الماضي، وكان هدفها الأساسي السعي إلى حصول المرأة على حقوقها الاجتماعية وأداء دورها الذي لا يجب أن يقلَّ عن دور الرجل؛ بل أن يكون مماثلاً له تماماً، كما طالبت بالمساواة مع الرجال على جميع الأصعدة والاعتراف بالمرأة بوصفها كائناً مستقلاً له الحق بالتحكم بجسده دون سلطة أو سيطرة من أحد.

3. امتدت الموجة الثالثة:

خلال التسعينيات من القرن الماضي وكانت أغلب جهودها منصبة على تصحيح مسار الموجتين الأولى والثانية؛ إذ عَدَّت ناشطات هذا الجيل أنَّ نضال المرأة لتأخذ دورها وحقوقها لا يعني أبداً أن تتحول إلى رجل؛ بل على النقيض من هذا عليها الفخر بجنسيتها، فما حاولت النساء الحصول عليه في الموجة الأولى والثانية لم ينفع في رفع شأن المرأة؛ بل ساهم بإظهارها بشكلين فقط إما ضحية ومضطهدة أو متسلطة وفاجرة.

الموجة الثالثة من الحركة النسوية كانت تسعى إلى إظهار المرأة القوية الحقيقية التي تعرف ما تريد وتفهم جيداً أنَّ الحرية لا تعني أن تزيح الرجل لتجلس مكانه لأنَّ في هذا اعتراف مبطن بتفوق الذكور؛ بل الهدف كان القضاء تماماً على كل محاولة لجعل القضية صراعاً بين النساء والرجال، وتأكيداً على هذا عملت هذه الموجة على فتح باب الانضمام لصفوفها لجميع المؤمنين بأفكارها سواء كانوا ذكوراً أم إناثاً.

نتيجةً لما وصلنا إليه اليوم من تطور وحداثة وسطوة لمواقع ومنصات التواصل الاجتماعي، ظهرت ما يمكن تسميتها الموجة الرابعة ولكنَّها إلى الآن لم تتبلور بوضوح ولم تتحد خطوطها، وتعتمد اعتماداً أساسياً على مواقع التواصل الاجتماعي لممارسة نشاطاتها والسعي إلى تحقيق أهدافها.

هذا ما أسهم بالإساءة بشكل أو بآخر لنضال النسويات الطويل، فهذه المواقع سمحت للكثيرات أن يقدمن أنفسهن بوصفهن ناشطات نسويات دون أن يمتلكن الخلفية الثقافية والأكاديمية المؤهلة لهن لذلك؛ وهذا ما أعاد الشرخ من جديد بين النساء والرجال وأزاح القضية النسوية عن مسارها الأساسي لترجع الأمور من جديد وتأخذ شكل العدائية للرجل، التي قد تكون مبررة في كثير من الأحيان، لكنَّها للأسف لا تساهم في إحداث أي تغيير حقيقي ضمن المجتمع.

فبين التحرر والابتذال خيط رفيع، وبين الحقوق والتجارب الشخصية مسافات كبيرة، فما قد تَعُدُّه النساء في بعض الأحيان نضالاً قد يكون بشكل ما تكريساً للذكورية ونظامها.

إقرأ أيضاً: 4 صفات تساعد المرأة لتكون موظفة ناجحة

ثانياً: أهم الشخصيات النسوية في العالم

كثيرات هنَّ النساء اللواتي ناضلن لحصول المرأة على حقوقها ورفض الظلم والاستغلال الذي لم يتوقف يوماً عن اللحاق بها، وقد اخترنا من بينهن الأكثر شهرة وتأثيراً في مجتمعاتهن:

1. سيمون دي بفوار:

سيمون دي بفوار

تُعَدُّ "سيمون دي بوفوار" إحدى أهم الشخصيات النسوية المؤثرة تأثيراً حقيقياً على مستوى العالم، وصاحبة المقولة المشهورة "المرأة لا تولد امرأة؛ وإنَّما تصير كذلك"، وإضافةً إلى عملها النسوي كانت "سيمون" كاتبة هامة لها العديد من المؤلفات في مجالات عدة أهمها الفلسفة.

نالت العديد من الشهادات في اختصاصات مختلفة كالفلسفة وعلم الاجتماع والأخلاق، وقد كانت في وقتها المرأة التاسعة التي تحصل على إجازة من "السوربون"، وقد حازت على المرتبة الثانية بعد الفيلسوف الفرنسي المشهور "جان بول سارتر" في امتحان الفلسفة الذي نال المرتبة الأولى.

عملت "دي بوفوار" معلمة للفلسفة، ونتيجة لخطاباتها النسوية ونقدها المستمر والعلني والرسمي لتصرفات المسؤولين، تمت إقالتها من عملها عام 1941، وكانت "سيمون دي بوفوار" كاتبة ذكية جداً قدَّمت العديد من المؤلفات التي نالت نجاحاً باهراً ومستحقاً، إضافةً إلى مقالاتها في الفلسفة التي تم نشرها في أهم الصحف والمجلات.

لقد تناولت في أعمالها ومؤلفاتها القمع الذي تتعرض له النساء لتقدِّم أخيراً كتابها (The second sex) الذي عُدَّ أحد أهم أعمالها الفلسفية التي ما زالت أفكاره حتَّى الآن موضوعاً للبحث والنقاش وتم نشره عام 1949، كما أدت "سيمون" دوراً بارزاً خلال السبعينيات؛ الفترة التي أصبح نشاط النسويات على أوجه في "فرنسا".

2. بيتي فريدان:

بيتي فريدان

وُلدت الكاتبة والمناضلة النسوية البارزة "بيتي فريدان" في الولايات المتحدة الأمريكية من عام 1921، وتنتمي الكاتبة إلى الجيل الثاني من الحركة النسوية، وقيل عنها "كما هو "مارتن لوثر كينغ" بالنسبة إلى السود فكذلك هي "بيتي فريدان" بالنسبة إلى النساء".

كتبت "بيتي" العديد من المقالات التي هدفت من خلالها إلى توعية المرأة بمكانتها ومساعدتها على رفض الدور الاجتماعي المرسوم لها، لتتبلور تجربتها أخيراً من خلال إصدارها لكتاب "اللغز الأنثوي" عام 1963، ويُعَدُّ هذا الكتاب أحد أهم الكتب التي شكلت علامة فارقة في التاريخ النسوي الأمريكي ولـ "بيتي" على المستوى الشخصي أيضاً.

ناضلت "بيتي" لتنال المرأة حقها في الإجهاض كالكثير من ناشطات الجيل الثاني، لكنَّها في الوقت نفسه حاربت الحركات النسوية المتطرفة، كما كانت ناشطة ماركسية؛ وهذا ما جعلها ترفض الظلم والتحيز والتعصب والحروب خلال مسيرتها.

إضافة إلى "اللغز الأنثوي" قدمت "بيتي" خمس كتب أخرى، وتوفيت عام 2006 بعد مسيرة طويلة من النضال جعلها من أكثر الشخصيات النسوية الأمريكية تأثيراً.

3. ريبيكا ووكر:

وُلدت عام 1969 في ولاية "مسيسبي" الأمريكية، وهي كاتبة وناشطة نسوية أمريكية، وتُعَدُّ من أهم شخصيات الموجة الثالثة، وأسست جمعية لدعم النساء على اختلاف أعراقهن وألوانهن وحتى ميولهن الجنسية، ولها العديد من المؤلفات ونشرت الكثير من المقالات في أهم الصحف العالمية.

شاهد بالفديو: المرأة العاملة كيف توفق بين أسرتها وعملها؟

ثالثاً: أشهر الشخصيات النسوية العربية

طبيعة المجتمعات العربية وحتى دول العالم الثالث تجعل النضال النسوي مبهماً وغير واضح المعالم، فما تناضل من أجله النسويات في العالم الغربي من سعي حثيث إلى رفض الفروق البيولوجية بين الذكور والإناث غير وارد أبداً في نضال النساء في المجتمعات العربية، فالكثيرات هنا ما زلن يناضلن لنيل حقهن بالتعليم والعمل والتعبير عن الرأي دون خوف، ومن ثمَّ ما زال هناك أشواط كبيرة من النضال بانتظارهن.

توجد الكثير من النساء اللواتي أحدثن تأثيراً في المجتمعات العربية من خلال نضالهن النسوي، ومنهن الناشطة السورية "هند نوفل"، وهي المؤسسة لمجلة "نسائية كلياً"، وعملت من خلالها على الترويج للحركة النسوية، ولمعت أسماء الكثير من الناشطات أيضاً في "مصر"، كالناشطة "هدى شعراوي" التي ناضلت لتحصل المرأة المصرية على حقها بالتعليم، وتبقى "نوال السعداوي" إحدى أكثر الشخصيات النسوية المثيرة للجدل.

في الختام:

كما رأينا فيما سبق نضال النساء لنيل حقوقهن المشروعة ليس أمراً جديداً، لكن بنظرة سريعة على واقع المجتمعات يظهر بوضوح كامل أنَّ هذا النضال لم يحقق حتى الآن أهدافه، حتى إنَّ هذا الحراك وفي أماكن كثيرة قد ضلَّ طريقه؛ وهذا ما سبب تشويهاً كبيراً لتاريخ الحركة النسوية ونضالها ونضال النسويات الحقيقيات اللواتي أمضين حياتهن في السعي لتأخذ المرأة دورها الفاعل في المجتمع.

لكنَّ هذا النضال لا يعني أبداً النضال ضد الرجل نفسه أو إزاحته لتحلَّ هي محله، فعلى الرجال والنساء على حدِّ سواء الاقتناع أنَّ كل واحد منهما يكمل الآخر، وأيَّة محاولة من أحد الطرفين لإقصاء الطرف الآخر وتهميشه ليست إلا مراوحة في المكان ومحاربة لطواحين الهواء.

المصادر: 1، 2، 3، 4، 5




مقالات مرتبطة