الحب.. بين المشاكل والحلول

 

المشكلات العاطفية.... إن العلاقات الزوجية التي تكوّن الأسرة، والتي بدورها تعتبر لبنة من لبنات المجتمع، تساهم بشكل فاعل في إصلاحه، وفي حسن مسيرته، وهي خير منتج لأبناء المجتمع، فعندما تحسن التربية، فإن أفراد المجتمع سوف يكونون صالحين يساهمون في بنائه ورقيّه. ولا تستطيع الأسرة أن تنتج هذا النوع من الناس إلا إذا كانت علاقة الزوجين علاقة لا تشوبها المشاكل ولا تكون السيادة في حركتها هي تلك المشكلات. وبما أن العلاقة الزوجية، علاقة غير فردية، يتعامل فيها الزوج مع زوجته ويتشاركان في الحياة، فإن حلول شيء من المشكلات الزوجية غير بعيد، ومتوقّع في أي لحظة.



 

فقد يعتقد بعض الناس أن المشكلات عندما تحلّ في عش الزوجية الهادئ، فإنها نذير شؤم مستمر، أو علاقة انهيار واضح، ولكن ذلك غير صحيح، فإن أكثر الناس سعادة في حياتهم الزوجية قد مروا ببعض المشكلات، ولكنهم لم ينهزموا أمامها، فعندما تعترضهم مشكلة ما، فإنهم يعيرونها كل الاهتمام، لكي يتمكنوا منها. بل إن الكثير من الأزواج الذين عصفت بهم عواصف زوجية عاتية، صاروا أكثر سعادة ونجاحاً بعد أن استطاعوا تخطيها بسلام. إذاً الخطأ ليس في حلول المشكلة في جو العلاقة، إنما الخطأ الكبير هو الاستسلام لها والعزوف عن حلّها. والمشكلات العاطفية هي من أهم المشكلات التي تعترض الحياة الزوجية، وأخطرها في التأثير، لأنها معنية بالنفس التي تحكم العلاقة، والتي تضيف لها ذوقاُ لذيذاً، ودافعاً قوياً نحو تحقيق الأهداف والاستمرار.

فالعلاقة التي تتوّج بالعاطفة وتمتزج بأحاسيسها الصادقة، يصعب فكاكها، والتأثير عليها، فتكون قوية بقوة الروابط النفسية التي تصدر عنها كثير من الفضائل، مثل الحب، والعطف، والتضحية، والحنان والشفقة، والرحمة والاعتزاز، والوفاء والإحسان.. الخ.. التي من شأنها أيضاً تزويد العلاقة الزوجية بطعم الحياة الرائع، والإحساس بالسعادة، والراحة، والنجاح، وتشعر الإنسان بذاته وبوجوده وأهميته.

لذلك تكون المشكلات العاطفية من أهم المشكلات التي تعصف بالعلاقة الزوجية، فعندما تشوبها شائبة، فإن ذلك يعني تغيراً لطعم الحياة من الحلاوة إلى المرارة، وفقدان الثقة، وحلول التعاسة، والحزن، وعدم الراحة والاطمئنان، فلا يشعر الإنسان بقيمته وبقيمة أهدافه، فنتيجة لذلك، يتساقط الكثير من الأزواج والزوجات ضحية تلك المشكلات في دوامة القلق النفسي، والانحراف الخلقي، والإدمان والجريمة، والانتحار.. والذي يميز هذه النتائج عن غيرها هو منعطفها الحاد في التأثير وخطورتها التي يميل الناس إلى أن يحسموها بشكل سريع ودون تفكير، معتقدين أنها المحطة الأخيرة، بيد أنهم قادرون على إصلاح المشكلات مهما بلغ فتقها وعمقها.

فلا تقل لمن حمل في قلبه يوماُ كرهاً لك: "يستحيل حبك"، أو لمن لم يف لك في شيء ما، "إنه لا خير ولا أمل في وفائك".. بل إن جميع المشكلات العاطفية في الحب والبغض وسوء الظن والخيانة، والقسوة، والأنانية، والإهانة، وغيرها، لها حلول جميعاً، إذا رغبنا في إيجادها، لأن الأمر مرهون بإرادتنا..

فمثلما تتغير الحالات النفسية للأسوأ، تتغير للأحسن، وهذا دليل واضح على أننا نستطيع أن نحل مشكلاتنا النفسية والعاطفية في علاقاتنا الزوجية، ولا ينبغي أن يهمل الأزواج هذه الحقيقة، لأهمية العلاقة العاطفية في تثبيت العلاقة الزوجية. ومن الغريب أن يتهافت الناس على أبواب المستشفيات بسبب مرض بسيط في أجسادهم، أو أدنى جرح طفيف، يبغون علاجه، ولا يسعون ذات السعي لحل مشكلاتهم العاطفية.. بالرغم من أنها أهم وأكثر تأثيراً على الحياة.

والسؤال هنا كيف تحلون مشاكلكم العاطفية؟

وللإجابة على هذا السؤال لا بد أن نبين أدواراً متعددة للمساهمة في لأم هذا الصدع.

دور العقل:

إن الصفات العاطفية مثلها مثل جميع الصفات الإنسانية، الأخلاقية والسلوكية، لا تستغني عن العقل في كبح جماحها، وتنسيقها، فإذا أطلق العنان للحب مثلاً فسوف يعبد المحبوب وعكسه إذا ترك الحبل على الغارب للكره بين الأزواج، لذلك قال الإمام علي (ع): "أحبب حبيبك هوناً ما عسى أن يكون بغيضك يوماً ما، وابغض بغيضك هوناً ما عسى أن يكون حبيبك يوماً ما". فإن الصفات النفسية- في العادة- مطلقة وسارحة، وتحتاج إلى المرشد وهو العقل، كما يقول الإمام علي (ع): "النفوس مطلقة ولكن أيدي العقول تمسك أعنتها عن النحوس".

دور العقل يأتي قبل حلول المشكلة وبعدها، قبلها ليكون مرشداً ومانعاً من الوقوع في الخطأ، والمشكلة التي تأتي عن طريق الخطأ في التوجيه العقلي لن تكون في قساوة المشكلة النفسية البحتة التي تفتقد العقلانية، وكذلك يأتي دور العقل بعد حلول المشكلة بين الزوجين ليساهم في حلها، بأن يعيد الأمور إلى نصابها، ويتراجع الإنسان عن خطئه.

دور الثقافة:

أكثر الناس الذين يقعون في شباك المشكلات النفسية العاطفية في علاقتهم الزوجية هم أولئك الذين يكونون بعيدين عن الثقافة الزوجية التي تهتم بالعلاقة بين الزوجين، ومن الخطأ الكبير مايعتقده بعض الناس من أن إشباع الرغبة الجنسية هو هدف الزواج فقط، ويقتصر على المطالعة فيها، ولا يعير الجانب العاطفي أي اهتمام، لذلك تكون السرعة في نشوب المشكلات. فإن "العلم قائد" كما يقول الرسول الأعظم (ص)، وينبغي أن تطالع في كتب العلاقات الزوجية وأن تقرأ المجلات الخاصة بذلك، وكتب الأخلاق وفن السلوك، أو أن تحضر محاضرات للتثقيف الزوجي، لكي تكون مصلحاً لمشكلاتك بنفسك، وبأفضل السبل وأنجحها.

دور الخبراء:

وهم أولئك الذين تخصصوا في ميادين العلاقات الزوجية من أطباء النفس، وعلماء الأخلاق والخبراء في العلاقات الزوجية، وغيرهم ممن يتصدى لحل المشكلات الزوجية، فالذي يصاب بالمشاكل العاطفية يرى نفسه غير قادر على حلها، ولا بد أن يلجأ للخبراء الذين يحفظون سره، ويعالجون ما ألم به، كما يلجأ إلى طبيب الجراحة أو الأمراض الباطنية..

ولعلك تنظر إلى هذا الأمر بحرج وحياء شديدين، ولكن بالنظر إلى أهمية حل المشكلات العاطفية، وبالنظر إلى ما قد تسببه من مشكلات أخرى في حياتك، فإنك سترى أن زيارة الخبراء أمر شديد الأهمية، ولا داعي إلى ذلك التحرج..

دور الأزواج الناجحين:

من المساهمين في حل المشكلات العاطفية أيضاً الأزواج الناجحون في حياتهم الزوجية، والذين ثبت أن تجربتهم قد أثمرت ثماراً طيبة، فإنك تأخذ من أولئك الخبرة التي اكتسبوها في حياتهم. فإن "التجارب علم مستفاد"، كما يقول أمير المؤمنين (ع) ويقول (ع): "رأي الرجل على قدر تجربته". ومن أولئك الأزواج والخبراء الذين ينبغي استشارتهم، أهل الزوج وأهل الزوجة، ولكن ليس مطلق الأهل كما يفهم بعضنا، إنما العقلاء منهم الذين اكتسبوا خبرة تمكّنهم من الإرشاد الصحيح. نلاحظ كلمة (حَكَماً) التي تدّل على قدرة في إيجاد الحلول والفصل والحكم بين الزوجين، فمن كان من الأهل أهلاً للحكم يُلجأ إليه، كما أن هناك شرطاً آخر يتمثّل في كلمتي (من أهله) و(من أهلها)، وهي الحالة التي ينبغي أن تسكن قلب الزوجين: حالةُ الرضا بمن سيستشار، بحيث يطمئنان لرأيه ولا يخافان الميل إلى طرف دون آخر.

 

موقع الأسرة السعيدة