الحب الإلكتروني

 

الحب أسمى المشاعر وأرقاها ولكنه الحب المسئول الطاهر ولكن مع التقدم التكنولوجي الهائل وظهور "البلورة المسحورة" شبكة الإنترنت وما كشفته لنا من مسافات شاسعة ظهر بين زوار الأنترنت "ما يسمي بالحب الألكتروني" عبر ما يسمي بالشات، ويكاد لا يخلو لقاء مع الشباب من طرح هذا السؤال: هل الشات من الأمور المخالفه للدين؟ أستاذي الحبيب: أجد في نفسي شيئاً والأمور تتطور وأنا في حيرة من أمري ماذا أفعل؟ وتزداد المشكلة يوما بعد يوم مع الانتشار الهائل لخدمة الإنترنت وتدور معظم الأسئلة حول هذا الموضوع وتتشابه دائما البداية.



 

إنه الشات يبدأ بصورة جادة صداقة بريئة تطرح فيها الموضوعات عامة للحوار وبالتدريج تطول الحوارات وتمتد لساعات طويلة ينحو فيها الحديث منحى آخر يدغدغ العواطف ويتلاعب بها وبسبب ما للإنترنت من خصوصية وما يمنحه لمرتاديه من جراءة لاحد لها فلا حرج ولا رقيب وتكثر الأكاذيب والأوهام فكل طرف يرسم صورة رائعة مختلفة عن الآخر، ثم تبدأ العلاقة في التطور.. الحديث عبر الهاتف ثم اللقاءات إن أمكن..هكذا وكما اتفقنا أن الحب مسئولية ورقي فكيف تقوم علاقة راقية علي الخداع والكذب؟ وكيف يتم التواصل والتفاهم عبر علاقة مزيفة بلا جذور؟ ولما كان الإسلام أحرص ما يكون على حماية قلب الشاب ومشاعره من الأوهام وحريص أيضا على وقته أن يهدر فيما لا يفيد وكما قال الشاعر:

حياتك أنفاس تعد فكلما.............مضى نفس منها انتقصت بها جزءا

ولذا أقول لكل شاب: إنني لست ضد الإنترنت بل على العكس أرى أنه من أعظم الاختراعات وأنفعها إذا أُحْسِنَ استخدامه وكلنا لمسنا تأثيره القوي على الإنتفاضة واستخدامه لنشر الدعوه والدفاع عن الإسلام وتقديم الصورة الحقيقية السمحة لديننا العظيم واعلم أخي الشاب أن الله قد جعل الاستقامة على القوانين الفطرة السوية الطبيعية وهي التي تلزم الإنسان أن يبني حياته على الطهارة والعفة والفضيلة والتقوي وأن أي خروج علي هذه القوانين لا يأتي من وراءه إلا كل ظلم للنفس وحيرة وضياع وتعاسة.

 

قال تعالى: (وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ) (الطلاق الآية 1) فالله سبحانه وتعالي شأنه أودع في طبائع خلقة حب الخير والاستقامة (رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى) (طه الآية 50) لذا لم أعجب من شكوى الشباب وحيرتهم في أمر العلاقات عبر الإنترنت فهم دائما يشعرون بأن هناك شيئا خاطئا ففطرتهم السوية وقلوبهم الغضة تجعلهم يميزون الأمر ويحيك بصدورهم وتكون الشكوي دائما والحيرة (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ) (الأعراف الأيتان 200 -201) فالأمر يحتاج إلى عزيمة وجهد واستعانة بالله.


فالشباب هو مرحلة الحيوية الدافقة والفتوة والجمال ودائما وسط الشيء يكون أقواه. الشمس أقوى ما تكون وسط النهار والشباب هو مرحلة القوة بين ضعفيين ضعف الطفولة وضعف الشيخوخة وقد ذكر الله سبحانه وتعالي في كتابه العزيز (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً ) (الروم 54) والإنسان يسأل يوم القيامة عن أربعة أشياء أساسية.. يقول الرسول صلى الله عليه وسلم لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع عن عمره فيما أفناه وعن شبابه فيما أبلاه وعن علمه ماذا عمل فيه وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه فقد خصص مرحلة الشباب من العمر لأهميتها فالله يمن على الشباب بوفرة في الصحة والوقت والجهد. ولكن مع وجود الفراغ وغياب التربية وضعف سلطة الأسرة والمثيرات الكثيرة ، يصبح الشباب عرضة للضياع والإهدار.

لذا أرى أن المبادئ التي رسمها الإسلام لبناء الفرد السوي الذي يكون في مستوى خير أمة أخرجت للناس كفيله إذا تحققت أن تحفظ الشباب.


وأول هذه المبادئ:

الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله باعتباره مفتاح الخضوع والمحبه لله فإذا آمن الشباب بأن الكون كله مخلوق لله وأن الرزق مقدر من الله، وأن بعد الحياة الدنيا حياة أخرى يحاسب فيها الإنسان على أعماله في الدنيا، وإذا امتلأت حياته كلها بمستلزمات ذلك الإيمان وانعكست آثار ذلك على الحياة التي يحياها.

ترجمة القيم الروحية والسلوكية في واقع الحياة، من البداية في الأسرة والمدرسة والمجتمع والمسجد والنادي فإن التربية على قيم الوفاء والإخلاص والأمانة والصدق والطهارة والنقاء والشجاعة والمروءة وتحمل المسئولية وغيرها من القيم، لا تتحقق في مجتمعات وأسر تقسم الكذب إلى أبيض وأسود، وتعتبرالعطف والشفقة من الضعف البشري وتعتبر الصدق والأمانة والإخلاص وغيرها من مخلفات المجتمعات القديمة.


هذه بعض المبادئ التي نسعي لتحقيقها، حتى يدخل شبابنا فيمن يظلهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظله، وهم الشباب الذين نشئوا في طاعة الله.

 

الأستاذ/ عمرو خالد لمجلة اليقظة بتاريخ 18/2/2004