الحاضنات التكنولوجية: مفهومها ودورها في دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة

عندما يُولَد الأطفال قبل أوانهم أو عاجزين عن أداء وظائفهم الحيوية بشكل مستقل وبالكفاءة المطلوبة والمؤهلة للحياة، فإنَّ الأطباء يضعونهم فيما يسمى "الحاضنات"؛ حيث ينالون العناية المركزة والاهتمام البالغ كأنَّهم في أرحام أمهاتهم، ليخرجوا بعد أيام جاهزين لاختبار الحياة بأنفسهم وإثبات قدرتهم على النجاة فيها، والأمر ذاته تم تطبيقه على أفكار مشاريع الأعمال التكنولوجية التي تحتاج إلى الاهتمام البالغ والمركز والكافي لتتحول الفكرة إلى مشروع مستقل بنفسه قائم على قدم وساق.



إنَّ الجهة التي تقوم باحتضان الأفكار وتأمين متطلبات تحويلها إلى وقائع ملموسة سميت بالحاضنات التكنولوجية، فهي كما الحاضنات الطبية تستقبل أجنة الأفكار وتخرجهم مواليد قادرين على الإقلاع بعملياتهم الحيوية، وللمزيد من المعلومات عن الحاضنات التكنولوجية ومفهومها ودورها في دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة إليكم هذا المقال.

ما هي الحاضنات التكنولوجية؟

يمكن تعريف مفهوم الحاضنات التكنولوجية على أنَّه منظومة عمل متكاملة وتامة تعنى باحتضان المشاريع وتنشئتها لتصبح قادرة على الخروج إلى النور؛ إذ تتضمن حيزات مكانية مجهزة بشكل يمكِّنها من تقديم الرعاية التكنولوجية للمشروع الجديد وفق طبيعة القطاع التقني للمشاريع، إضافة إلى تقديمها للمشاريع المتبناة فترة إقامة مأجورة محددة، غالباً ما تكون أقل من ثلاث سنوات، تحظى خلالها المشاريع بحزمة من الخدمات الإدارية والمالية والاستشارية والتسويقية المتكاملة، ويضاف إليها الدعم الفني.

غالباً ما تُقام الحاضنات التكنولوجية بالتعاون مع الجامعات ومراكز الأبحاث التكنولوجية أو داخلها، وذلك للاستفادة من تجارب الطلبة والباحثين ومنتجات المعامل والمخابر والورشات الموجودة فيها.

إنَّ السمة المشتركة بين الحاضنات التكنولوجية هي تبعيتها للمؤسسات العلمية وارتباطها بها بمختلف إمكاناتها الفنية المتخصصة وأنواعها، مثل الجامعات أو التجمعات ومراكز الأبحاث، كما يوجد نوع من الحاضنات التكنولوجية يقع في داخل هذه المراكز ويكون جزءاً رسمياً منها يستفيد من برامج التطوير والبحث الموجودة في هذه المراكز.

بينما يقوم نوع آخر من الحاضنات التكنولوجية بمساعدة الهيئات العلمية وتحديداً المؤسسات الحكومية على استقطاب الاستثمارات الإقليمية والمحلية، وذلك عبر عرض أبحاثها وأهم التطبيقات المبتكرة فيها وتسويقها ورفع القيمة المضافة والمبالغ المالية الداعمة والممولة لهذه الأبحاث، كما تساهم في إنتاجها داخل إطار القطاع الذي تتبع له.

لا بد من الإشارة إلى أنَّ تنمية المشاريع المحلية الواعدة التي تنطلق شرارتها من قِبل أفراد أو أصحاب مشاريع محليين تساهم في المحافظة على أهم خطوط التنمية الاقتصادية الإقليمية دون أن يكون ذلك منوطاً برغبات الشركات العملاقة متعددة الجنسيات المهيمنة واهتماماتها، ولا بد من التأكيد على ضرورة توضيح الحدود بين الحاضنات التكنولوجية والمؤسسات التعليمية أو مراكز الأبحاث التي تستضيفها أو تتعاون معها بشكل لا يضر بالتكامل والترابط الذي بينهما.

من الضروري ألا يتعدى التعاون التسويقي والفني الحدود الإدارية التي يجب أن يكون لها تحفظات كبيرة تحمي مرونتها وتضمن لها حريتها في أداء مهامها والقيام بأبحاثها بشكل حر مستقل وغير منحاز، ولعلَّ خير مثل عن الحاضنات التكنولوجية الناجحة التي تجسد التعاون بين عالم الأعمال والجامعات هي حاضنة (UBC) (Research Enterprises) المتعاونة مع جامعة (University of British Columbia)، وهي من الحاضنات التكنولوجية من النمط داخل الجامعات.

تأخذ هذه الحاضنة على عاتقها مهمة تمويل جميع النشاطات والفعاليات الخاصة بتسويق وإدارة الاختراعات والابتكارات المنتجة من مخابر الجامعة، كما تسوق لأبحاثها الجديدة في مجال الصناعة، وكذلك فإنَّها تقدِّم الاستشارات المطلوبة والدعم اللازم للمشاريع الجديدة التي تنطلق شرارتها من الجامعة وتبدأ رحلة البحث الخاصة بها عن الجهات التمويلية ورجال الأعمال والأسواق.

آلية عمل الحاضنات التكنولوجية:

يمكن توضيح آلية عمل الحاضنات التكنولوجية على أنَّها مبنى يستقبل ما يقارب 20 شركة بشكل وسطي لدعمها من ناحية تقديم المشورة التقنية والعلمية والخدمات الإدارية بتكاليف قليلة، وعليه فإنَّ الحاضنات التكنولوجية عبارة عن أنظمة لها مدخلات ومخرجات، فأما المدخلات فتكون عبارة عن:

  • مبتكرين ورواد أعمال.
  • اختراعات وابتكارات جديدة.
  • رؤوس أموال مغامرة وداعمة للتجارب الجديدة.
  • مقدِّمي خدمات إدارية.
  • مسهلي معاملات مع السوق ومع الجهات الحكومية.
  • مستشارين علميين وتقنيين.
  • دعم من قِبل اسم الحضانة والراعين لها.

إذا ما توحَّدت جهود المستشارين ومقدمي الخدمات والمبدعين من أصحاب الأفكار والتجارب، فإنَّ مخرجات الحاضنة التكنولوجية ستكون على الشكل الآتي:

  • شركات جديدة صاعدة بأفكار خلاقة مبتكرة بدأت تقف على قدميها وتتخلى عن الدعم المقدَّم من الحاضنة التكنولوجية.
  • تسويق لمخرجات متعلقة بالبحث والتطوير.
  • شركات هامة ذات معدل نمو مرتفع وقيمة مضافة عالية.
  • مساهمات تخلق تنوعاً حقيقياً في الاقتصاد.
  • فرص عمل هامة وجديدة وإنتاجية.
  • خدمات استشارية وخدمات تقنية جاهزة لتقوم بدور المرشد في السوق.

شاهد بالفيديو: تعزيز الإبداع والابتكار في فريق عملك

 

أهمية الحاضنات التكنولوجية:

تؤدي الحاضنات التكنولوجية دوراً كبيراً في تحويل الأفكار المبتكرة إلى مشاريع قائمة على أرض الواقع، وذلك عن طريق تقديم الدعم المالي والاستشاري والإداري والفني لها، لتتحول بذلك إلى طور الإقلاع والانطلاق في سوق العمل، كما تتحمل الحاضنات التكنولوجية مسؤولية الجانب التسويقي لمخرجات نظامها.

تتبدى أهمية الحاضنات التكنولوجية في أيامنا هذه في انتشارها الكبير وخاصةً في العقد الماضي؛ إذ تحول الاقتصاد إلى شكل جديد يدعى الاقتصاد المبني على المعرفة (KNOWLEDGE-BASED ECONOMY)؛ إذ يتضمن هذا التوجه الجديد العديد من النظريات أهمها نظرية النمو الجديدة (NEW GROWTH THEORY) التي تطرح مفهوم النمو المستدام الذي يخالف فكرة النمو المؤقت وقصير الأمد، والذي يرتكز ارتكازاً أساسياً على ثلاثة عوامل هي النمو التكنولوجي والمستوى التكنولوجي ومعدل الادخار، واضعاً بذلك عوامل النمو التقليدي في درجة أدنى من الأهمية التي كانت القوى العاملة ورأس المال، فهي تؤثر تأثيراً غير مباشر عن طريق النمو التكنولوجي والمستوى التكنولوجي.

لقد خلقت المفاهيم الجديدة ثورة في الاقتصاد العالمي، فبدل أن كانت القيمة المضافة تُقاس بأعداد الأيدي العاملة وقيم رأس المال المستثمر، أصبح المستوى التكنولوجي والنمو التكنولوجي للبلاد من القيم المضافة العالية بالنسبة إلى الاقتصاد العالمي، ولا بد من التوكيد على أنَّ الحاضنات التكنولوجية هي من أهم الآليات التي تسعى إلى تحقيق النمو التكنولوجي، وما يؤكد على ذلك أعداد الحاضنات التكنولوجية التي تزيد عن 1000 في الولايات المتحدة الأمريكية، والتي تُقدَّر بالمئات في فرنسا وبريطانيا وألمانيا.

كما تسعى الصين وتبذل جهوداً حثيثة من أجل اعتماد مفهوم الحاضنات التكنولوجية في نهضتها الاقتصادية، وتنضم إليها كل من سنغافورة وتايوان وكوريا وماليزيا، وإنَّه لمن الفخر أن نقول إنَّ بعض الدول العربية قد آمنت بأهمية الحاضنات التكنولوجية والدور الهام الذي تقوم به فتبنَّت هذا المفهوم، وإنَّ كلاً من تونس والبحرين والمغرب ومصر قد طبقت هذا المفهوم مع عدد من الجامعات، كما توجد أكثر من حاضنة تكنولوجية في دولة الإمارات العربية المتحدة.

إقرأ أيضاً: إطار عمل "أدابت": كيف تتعامل مع التغيرات التكنولوجية؟

دور الحاضنات التكنولوجية في دعم المشاريع الصغيرة والمتوسِّطة:

دور الحاضنات التكنولوجية في دعم المشاريع الصغيرة والمتوسِّطة

قبل الدخول في الحديث عن دور الحاضنات التكنولوجية في دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، لا بد من الإشارة إلى أنَّ المؤسسات الصغيرة والمتوسطة تمثِّل أكثرية المؤسسات العاملة في معظم الدول، وهي المسؤولة عما يقارب نصف الإنتاج الوطني لكل بلد، كما أنَّ هذه المؤسسات تقدِّم من 40-80% من إجمالي فرص العمل، ولكنَّ النمو التكنولوجي وانفتاح الأسواق على السوق العالمي خلق بالنسبة إليها الكثير من التحديات وخاصةً بعد سيطرة الاقتصاد التنافسي في البلدان النامية تحديداً.

لذا فإنَّ أهم دور قد أدته حاضنات الأعمال في دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة كان عبر إنشاء مفهوم عالمي جديد لمساعدتها على التحديث والتطوير، يساعد على الإسراع بتنفيذ برامج التنمية التكنولوجية والاقتصادية وإنشاء فرص عمل جديدة.

إنَّ دور الحاضنات التكنولوجية في دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة يكون عن طريق تنمية ورعاية الأفكار المبدعة والمبتكرة والأبحاث التطبيقية الواعدة وبذل الجهود وتقديم الاستشارات اللازمة وخدمات التمويل والدعم الفني من أجل تحويلها من مجرد أفكار في طور البحث والتطوير إلى خطط منفذة ومشاريع قائمة.

لقد برز دور الحاضنات التكنولوجية في دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة في أنواع محددة من القطاعات، وساهم في تسهيل نقل وتوطين التطورات التكنولوجية الحديثة والمستجدة، والتركيز على التنمية التكنولوجية لهذه القطاعات.

كما يظهر دور الحاضنات التكنولوجية في دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة في تركيزها على المشاريع التي تقوم على الأفكار التكنولوجية المبتكرة التي تؤدي إلى ظهور منتج قابل للتسويق، فتوفر لها الدعم المالي والتجاري والقانوني الذي تحتاجه، ومن ثمَّ فإنَّ دور الحاضنات التكنولوجية في دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة هو المساهمة في تشجيع الأفكار الرائدة والتجديد في هذه المشاريع.

إضافة إلى تشجيع الصناعات التي تقوم على التقنيات الحديثة وتشجيع رؤوس الأموال المخاطرة وشركات الاستثمار والمنح الحكومية لتكون مصدر تمويل لهذه المشاريع، فضلاً عن التسويق للدراسات والأبحاث التي يتم إجراؤها في المختبرات التجريبية، وتحرص الحاضنات التكنولوجية على اختيار المشاريع التي ستقوم باحتضانها بعناية وفق آليات محددة تخلق معايير تفاضل بين المرشحين.

إذاً، فإنَّ دور الحاضنات التكنولوجية في دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة يكون عن طريق فتح أبوابها لاستقبال طلبات الاحتضان من قِبل أصحاب هذه المشاريع الذين يقومون بعرض أفكارهم وأبحاثهم المرتبطة بشكل أساسي بخدمة أو منتج تكنولوجي، لتقوم الحاضنات التكنولوجية بدراسة جميع هذه الأفكار وانتقاء الأفضل لتقوم باحتضانه وتقديم جميع أنواع الدعم له ليخرج إلى النور ويصبح مشروعاً قائماً بحد ذاته.

إقرأ أيضاً: حاضنات الأعمال: مفهومها، وأنواعها، وأهدافها

في الختام:

جعل النمو التكنولوجي العالمي من الاقتصاد القائم على المعرفة أساساً لعمليات التطور، وإنَّ العديد من المؤسسات والمراكز تفتقر إلى مستلزمات مواكبة هذا النمو، الأمر الذي جعل الحاضنات التكنولوجية هي الخيار الفعال لاقتناص الأفكار التكنولوجية الإبداعية وتبنيها وتبني أصحابها مادياً وقانونياً وتسويقياً ولوجستياً من أجل أن تتحول هذه الفكرة من مجرد تجارب مخبرية إلى مشاريع قائمة بحد ذاتها.




مقالات مرتبطة