الحاجات الجمالية بين علم النفس والتصور الإسلامي

 

الإحساس بالجمال يجسد واحدا من الظواهر التي يدرجها علماء النفس في قائمة الدوافع البشرية , إلا أنهم يضعون هذه الحاجة في المرحلة الأخيرة من سلم الحاجات .


 

أما إسلاميا , فإن المشروع يأخذ هذا الجانب بنظر الإعتبار ويمنحه بعدا عباديا مثل سائر الحاجت وقد أشارت النصوص الإسلامية إلى هذا الجانب في نصوص من نحو : ( قل من حرم زينة الله ...) ومثل تعقيب رسول الله (ص) على رجل وجده : (شعثا شعر رأسه وسخة ثيابه سيئة حاله) فقال له : (من الدين: المتعة) , كما أن نصوصا قد إستفاضت في تأكيد المقولة المعروفة من أن : (الله جميل يحب الجمال) , كما أن سورة النحل التي ركزت الإهتمام بالثروة الحيوانية والطبيعية : طرحت مفهوم (الجمال) في سياق الثروات المذكورة مثل : (ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون) ومثل : (وتستخرجوا منه حلية تلبسونها) ....
بيد أن إشباع هذه الحاجات لا يتم منعزلا عن الإستثمار العبادي لها , فالنص القرآني الكريم يقرن الظواهر الجمالية المذكورة وغيرها بضرورة الشكر لمعطيات الله تعالى , كما أن نصوص الحديث التي أشارت إلى أن (الله جميل يحب الجمال) قرنت ذلك بالمفهوم العبادي أيضا مثل : (إن الله جميل ويحب الجمال ويحب أن يرى أثر نعيمه على عبده) .
ومن الواضح أن مجرد ربط الإشباع بعملية التواصل مع الله تعالى وإدراك معطياته يجسد : مشاركة فكرية ووجدانية لمفهوم الوظيفة العبادية التي أوكلها الله للإنسان .
من هنا , فإن أية ممارسة تتجاوز هذا الصعيد العبادي تظل موضع حظر بالغ الشدة , ففي الوقت نفسه تطالب التوصيات الإسلامية من خلاله بإشباع الحاجة الجمالية من نحو نصوص أخرى مثل : (فإياك أن تزين إلا في أحسن زي قومك) حيث تطالب هذه التوصية بأن يلبس الرجل أحسن الزي , لكن : في الوقت نفسه نجد أن نصوصا من نحو (أن الله يبغض شهرة اللباس) ومثل : (كفى بالمرء خزيا ان يلبس ثوبا يشهره) حيث تطالب هذه التوصية بألا يلبس الرجل ما يميزه عن غيره , بل تطالب توصيات أخرى بان يكون (خير لباس كل زمان لباس أهله) , فالملاحظ في هاتين التوصيتين أن البعد النفسي قد شدد المشرع عليه بنحو ملحوظ , فطالب بان يكون الملبس متوافقا مع مستوى البيئة الإجتماعية : تحسيسا بعدم الفارقية وطالب بألا يلبس ما هو متميز : حتى يئد حب الزهو والعلو والفوقية على الآخرين , والأمر نفسه بالنسبة إلى المسكن حيث تطالب النصوص مثلا بإن يتسع منزل الشخص مثل : (للمؤمن راحة في سعة المنزل) حيث أخذت الراحة النفسية بنظر الإعتبار من خلال المطالبة بسعة المسكن , إلا أن التوصيات الإسلامية تقول في الآن نفسه : (كل بناء ليس بكفاف فهو وبال على صاحبه يوم القيامة) ويقول أحد النصوص موضحا ما ليس بكفاف بأنه (إستطالة به على جيرانه ومباهاة لإخوانه) إن هذه التوصية الأخيرة تعد ملاحظة عيادية بالغة الدلالة , حيث تشير إلى طابع المرض والشذوذ الذي يطبع الشخصية في حالة إهتمامها ببناء المسكن خارجا عما هو ضروري حيث تستهدف من ذلك أن تستطيل على الجيران وأن تباهي به الآخرين : تعبيرا عن نزعة التعالي والزهو والكبرياء وسائر أشكال التورم الذاتي المفصح عن إضطراب الشخصية وأحاسيسها بالنقص فيما تعوضه بالنزعة المزهوة , المتعالية والمستطيلة على الآخرين....
والأمر نفسه بالنسبة إلى وسيلة النقل التي يستخدمها الشخص حيث تشير النصوص إلى أن الإستخدام لهذه الوسيلة بنحو متميز عن الآخرين : يعد تعبيرا عن تورم الذات .
إذا : أمكننا أن ندرك أهمية وخطورة هذه التوصيات الإسلامية التي تتناول حاجات ليست ملحة بالنسبة إلى قائمة الدوافع البشرية الأخرى و إلا أنها نظرا لإرتباطها ببناء الشخصية نفسيا وعباديا تظل ذات خطورة ملحوظة في ميدان السلوك وتعديله .
 

المصدر: شباب عالنت