الثقة بقلم د.فائقة حبيب

يميل كل منا بحاجته للثقة والشعور بالأمان سواء أكان منبثقا من الذات أو من الآخر وبه، وقد فطر الرجل قبل المرأة بالثقة بالذات وبالسلوك الواثق ولذلك فقد أوصى عبد الله بن جعفر بن ابي طالب ابنته فقال: ( إياك والغيرة، فإنها مفتاح الطلاق، وإياك وكثرة العتب، فإنه يورث البغضاء،...)



لذلك فإن من الحاجات المهمة التي لا بد من تلبيتها لكل من الزوج والزوجة هي الحاجة لتحقيق الأمن والثقة والإطمئنان  الاجتماعي والنفسي والعاطفي والانفعالي، وبالتأكيد فإن تلبية هذه الحاجة تهدف إلى إيجاد نمو نفسي سليم وتحقيق النجاح والتكيف النفسي والاجتماعي للزوج ولأسرته، فضلا عن أهميته في تحقيق الاستقرار والسعادة الزوجية.

تساؤلات:

(ر، ش)

تسأل الأخت عن اسباب شكوك زوجها بها وهو ما يلبث أن يشك بها وتعاني من حرمانها من الخروج أو استخدام الهاتف ، وهو غالبا ما يشتكي منها ومن سلوكياتها وأحيانا يعاملها بقسوة.

وأثناء السنوات السابقة كانت تتحمل واليوم وبعد أن كبروا اولادها واصبح يتطاول عليها امامهم مما يؤدي بها إلى المعاناة من عدة امراض وصداع دائم والآلام في  المعدة وقلة الشهية وأغلب الوقت هي حزينة وكثيرة البكاء.

فهل استغني عن أولادي واتركهم له  واطلب الطلاق ام أبقى في معاناتي ولا سيما أن الجميع يقولون لي تحملي فهذا زوجك وهو على صوابّّ!!؟   فكيف يمكنني التحمل أو هل استطيع أن اجد حلا لمشكلتي؟؟

2. (ش،ح)

وتسأل الأخت (ش،ح) عن كيفية مساعدتها فهي  تعاني من كثرة الشك بزوجها ودائمة البحث في جيوبه وسيارته وموبايله ومتابعته في عمله وفي زياراته وفي الأوقات الذي يقضيها معها تساؤلاتها تجعله يهرب من المكان الذي تجلس فيه ولا تعرف ما السبب وأغلب الاحيان يكون غاضبا أو ساكتا لا يحدثها بأي امر أو احيانا يغلق هاتفه ولا يخبرها عن مكان زيارته؟؟ تقول لا اعلم كيف اتصرف ولا استطيع التحمل اكثر من هذه السنوات الست الماضية، بدأت حالتي هذه من بداية زواجنا ولم امسك عليه اية امور احاججه بها، وهو دائما يقول لي يا إمرأة خففي ظنونك فأنا أفكر فيك ولا أفكر بغيرك، ولكنني لا أقتنع لكثرة ما أراه كتوم ولا يصارحني بما لديه او أين يذهب؟؟.

اشعر بالضيق المستمر، بالضغط وبزيادة وسرعة انفعالي لأبسط الأسباب.

أفكار:

قبل الاجابة على اسئلة الاخوات وهي نماذج من المشكلات التي تعاني منها الاخوات مع ازواجهن، بداية أود التحدث عن البناء والتخطيط الإيجابي والتفاعل الذي يؤدي إلى وضع ثوابت العلاقة الزوجية في مسارها الصحيح والكفيل بإضفاء مشاعر الأمان والود والرحمة والسكن لكلا الزوجين وعندها تبدو مواقف الغضب والانفعال أقل حدة عند الجانبين.

إن العديد من الأزواج بحاجة إلى بناء الثقة وتعزيزها ، وتغيير الأفكار السلبية وتحويلها إلى افكار إيجابية، والأخت (2) ترغب في أن  تجد لها دليلا خلال السنوات الست الماضية ولم تجد لحد الأن ،

وهذا أحد الأدلة على أنها بحاجة لتبني الثقة قبل الشك والصراحة قبل الهروب وغلق الهاتف، وأن تمحو أية أفكار وصور ذهنية اكتسبتها من المجتمع أو  من بيئتها المباشرة لأنها  لا تنطبق على جميع الازواج فليس الازواج كلهم لديهم علاقات غير مرغوبة من قبل الزوجة وليس  من ا لمعقول أن تسعى للمشكلات ، ومن غيرالطبيعي أن يحدثها الزوج بكل شاردة وواردة وهي أيضا لا تتمكن من التحدث بذلك لضيق الوقت و كثرة المسؤوليات ولوجود مساحة ولو صغيرة من الحرية والخصوصية.

ومن الأسباب أيضا التي تدعو الزوج أوالزوجة للشك وإلى الانفعال والتذمر والشكوى من الزوج الآخر هي قلة الرضا عن الزوج الآخر وعن معاملته، ففي مخيلة كل منا صورة ذهنية نرسمها في مرحلة ما من حياة كل منا عن فارس الأحلام أو زوج المستقبل ويحاول كل منا إسقاطها على الزوج ، وإذا لم يكن يتمتع بهذه الصفات إما علينا تغييره أو أنه لا يحب زوجته أو لديه عرقات غير مُرضية أو ما شابه ذلك من أمور، وينطبق الأمر في أغلب الأحيان على الزوجين ولكنه ينطبق على الزوجة أكثر ، لأن الزوج هو الذي يختار زوجته بعد أن يلاحظ ويسأل ويختار من العديد ممن يتقدم لهن ولذلك يحدث لديه التناغم والتناسق بين فارسة أحلامه وبين من يقتنع بها في الواقع، وإن كان في بعض الأحيان ولدى العديد من الأزواج يقتنعون بالفتاة التي يرغبون الزواج منها ويشطبون العديد من الصفات التي كانت في أذهانهم لعدة أسباب نتناولها في مقال آخر – أحلام الشباب-

وقد تبقى لدى البعض ترسبات أو إعجاب بشخصيات قد تجعل المقارنة بينها وبين الزوج تضعف ثقته في زوجته، وإن كانت مجرد أفكار إلا أنها تصل إلى الزوج على أنها تعلق بآخر وتكون حائلا لبناء الثقة بينه وبين زوجته ، وقد تكون الزوجة في بعض الحالات معجبة بشخصية عامة أو من الفنانين ويجد الزوج زوجته حريصة على متابعة صورهم وأخبارهم مما يؤدي إلى تعميمه لضعف الثقة بها لأنه لم يُشبع أحلامها وقلبها وعقلها لذلك هناك مساحة لأخرين في حياتها وإن كان مجرد خيال.

التحليل:

يرتبط مفهوم الثقة بذات كل فرد وينعكس على سلوكياته مع ذاته ومع الآخر أوالآخرين، فهي تشع وتنتشر على الأجواء المحيطة بنا وتسهم في الوقت ذاته ببناء علاقات واثقة وثابتة وتؤدي الى حدوث التوافق الزواجي بيسر وسهولة ، ويمكننا الاستفادة من هذه التساؤلات في تذكير أنفسنا وتطوير ذواتنا وإدراك الفكرة من قبل أزواجنا وأولادنا من خلال  تصرفاتنا معهم .

فلدى كل منا ما  يضمره في سريرته، ثم يقوم بتحويلها إلى فكرة تسيطر على أهدافه وأعماله ، ومن ثم تتجسد بسلوكيات مشاهدة وغير مشاهدة ،إذ أن الثقة  شعور داخلي يدركه الآخر أحيانا وقد لا يدركه أحيانا أخرى .

فكلنا زوجا أو زوجة يفترض أن نبدأ حياتنا الزوجية ونحن نسعى للوصول إلى الاستقرار النفسي والأسري وفي بداية الحياة الزوجية يظهر الزوج بتحمسه لبناء الأسرة  ولقيادته لهذه الأسرة، وتحمله مسؤولية استقرارها،  وبعد استقرار العلاقة الزوجية تصبح أحيانا كثيرة الثقة شبه مطلقة، بل ومطلوبة وأن كل زوج يعلم ما يقوم بإدائه صاحبه،  ليتحقق شعورهما  بالأمان.

ويرتبط  الأمر  ارتباطا وثيقا وإيجابيا  بالثقة بالذات فلا يشعر الزوج (الزوجة)  بلذة الأمان دون وجود الثقة والصراحة.

وقد يتبادر إلى ذهن أحدنا كيف أبدأ لأكون  من الواثقين والموثوق بهم  في كل ما تقدم؟؟

وأقول أن تكون لدينا النية الصادقة المخلصة للتغييرأعني تغيير كل منا لذاته  ، إذ قال تعالى (فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا وأطيعوا وأنفقوا خيرا لأنفسكم ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون)

وهنا أشير إلى ما أكده رأي أغلب علماء النفس على حقيقة مهمة أن الفرد  السوي  يتمتع بصحة نفسية و تكون لديه القدرة على العمل بما هو مقتنع به و تكون خططه وأهدافه وبرامجه   منسجمة مع طموحاته وأن تكون لديه منظومة قيمية  يسعى لتطبيقها في سلوكياته ، وكلما قل احتدام الأفكار والمعتقدات مع السلوكيات كلما شعر بالصحة النفسية وكان فردا متزنا وناجحا وسويا

ولكل فكرة لا بد من وسائل لتدعيمها وإظهارها إلى الواقع والتعرف على نتائجها وآثارها .

ولنتذكر:

عند الاختيار/ الذي يبدأ من بداية العزم على نية الإقدام أو (الموافقة على) الزواج، وأن يبدأ الزوج أو الزوجة بالتساؤل هل لدي ثقة بمن سأرتبط به؟؟
بالكلمة/ تعد اللغة من العناصر المهمة في عملية الاتصال ونقل الرسائل فإذا كانت هذه اللغة فيها الثقة وصدق المشاعر والأحاديث والمواقف سيكون لها تأثيرها السحري وتؤدي بنا إلى السعادة ودوام المحبة والرحمة والألفة، أما إذا كانت فيها من التشكيك وضعف الثقة ستؤدي بنا إلى قنوات لا نحب أن تكون نهاية لعلاقاتنا الزوجية والأسرية. إذ أن من أهم عناصر الاتصال الفعال في العلاقات الإنسانية عامة والزوجية خاصة هو الحوار والنقاش وهنا أقول للأزواج لتكن حواراتكم  تنم عن الثقة بالذات وبالآخر ، والابتعاد عن الشك وعن الجدال غير المجدي.

بالمشاعر/ التعبير بالمشاعر الواثقة والمنبعثة من نفس ثابتة غير مترددة وأن نثق أيضا بأن الزوج الآخر لا يستهزيء بهذه المشاعر ويتقبلها ولا يشك فيها.

بالإخلاص/ أن يشعر الزوج لزوجه بقوة الثقة به وعمق الإخلاص له، والبدء  بالكشف عن المشاعر الصادقة ، وأن يثبت للزوج الآخر من خلال العديد من المواقف بأنه مخلصة له وحده وأنه هو الوحيد في حياته، ويشركه ببعض اهتماماته، وأن يعبر بكلمات مطلوبة مبينا حبه ووده وتعلقه بالزوج أو الزوجة ويقبله بكل صفاته ويرغب في الاستمرار معه طول العمر في الدنيا والآخرة.

القبول/ أن يتخلى كل منا عن فكرة كيف أغير الآخر لأشعر بالسعادة؟؟ بفكرة أكثر قبولا وهي كيف أغير ذاتي ،إذ قال تعالى ( إن الله لايغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) ولنبدأ بأنفسنا لنشعر ذواتنا والآخر بالسعادة ولا يأتي ذلك إلا إذا كان كل منا واثقا بنفسه وبشريكه  ، إن كان بقربه أو بعيدا عنه، ولنفكر بإيجابية وباهتمام وبحب وبحاجة لأزواجنا  وأولادنا.

الثبات/ الثبات على السلوك الإيجابي وبتكرار كل هذه السلوكيات ليس من الزوجة فحسب بل من الزوجين معا وللآخر سنصل إن شاء الله إلى تغيير الفكرة المسيطرة أو السلوكيات أو العبارات التي نرددها أحيانا لبعضنا .

البرمجة/ أن نبرمج ذواتنا بتغذية أفكارنا بعيارات إيجابية مثلا للأخوات السائلات "حاولي أن ترددي عبارات إيجابية ( أني أثق بزوجي ولا أعتقد أنه يستحق مني أن أشك في سلوكه) (أنا اعلم أنه يحبني فلماذا أثير المشكلات) (لقد اختارني ولم يجبره أحد على الإرتباط بي).

الأفكار/ تدوين أفكار إيجابية وقراءتها لتسيطر على سلوكياتنا مثلا، غيري العبارات  إلى عبارات إيجابية (أراك مشغول هذه الأيام ونحن  لم نتعود البعد عنك أو نفتقدك) وإذا أصبح زوجك (زوجتك) يتكلم كثيرا  مع غيرك بالهاتف أو سواه راجعي مواقفك لماذا ينشغل عنك بغيرك قبل أن تراجعيه)، فليس من  الضروري أن نتهمه أو نشك في سلوكه. وليكن حب الزوج لزوجه ( زوجته) دليلا له على حب الآخر له.