التواصل بين الزوجين التكامل العاطفي

كما أن هذا التهيؤ يؤشر إلى شيء آخر مهم جدا، وهو عدم السقوط في الإحباط النفسي، بمعنى أن الشخص الذي له فقط صورة إيجابية مثالية عن النسق الزواجي، بحيث لا يعطي أي قيمة أو يستصغر أحداث الخلاف داخل النسق الأسري يؤدي هذا إلى "الإحساس بالإحباط" حيث أنه أو أنها لم يجدان ما كانا يهفوان إليه من السعادة، مما قد يؤدي إلى اضطراب نفسي يهز التوازن الأسري.



 

التواصل بين الزوجين
التكامل التواصلي
 

 

 

التوازن الأسري

من اجل الحفاظ على التوازن الأسري الدائم رغم كل ما يصيبه من ضغوطات خارجية عائلية واجتماعية ينصح المختصون في التواصل احترام قاعدتين:

           -الإنصات المتميز

           -فسح المجال للتعبير عن العواطف.

وهاتين القاعدتين تتداخلان فيما بينها حيث يمكن القول بأن في هذا السياق يجب طلب إيضاح الموقف، توضيح الهدف من السلوك فطالما تناقض السلوك الظاهري مع النية، ولا لطالما خان التعبير اللغوي مكامن القلب. لهذا فالتعامل على أساس من المرونة مع السلوكيات الظاهرية يساعد على تجاوز الكثير من الصراعات الأسرية، خاصة حينما يتعامل الإنسان مع الطرف الآخر دائما. لذا لا يمكن للفرد أن يكون دائما رقيبا على ألفاظه، الشيء الذي نستطيع القيام به مع "الأجانب".

كما يمكن ربط قاعدة أخرى بما سبق، وهو أن يتصف التواصل الأسري "بعدم الاتهام" بمعنى أن لا تتسرع في اتهام الآخر بسوء النية لوجود فلتات اللسان وفلتات السلوك، وهنا أيضا أعطي مثالا لتقريب الفكرة للقراء: كلما استطعت أن تستعمل لفظ "أنا" بدل "أنت" وضعت نفسك على طريق التواصل الإيجابي وحافظت في نفس الوقت على التوازن الأسري .

 

بدل القول
تقول     
أنت سبب ألآمي  
إني حزينة أني أحس بالألم
أنت سبب مرضي
إني مريضة
أنت سبب شقائي
لا أدري لماذا أنا في هذه الحالة...
 

فاستعمال الفظ أنت مباشرة يجعل التأثير النفسي على الآخر مخالفا إذا استعمل لفظة "أنا"، لأن استعمال أنت يثير في الآخر حالة دفاعية فبدل أن يقوم بالبحث عن الأسباب ومحاولة المساعدة يدخل في صراعات تواصلية لا هدف منها إلا اهتزاز التوازن الأسري.

فاستعمال لفظ أنا يعني طلب المساعدة. واستعمال لفظ أنت تعني إصدار حكم تقييمي على شخصية الآخر، وهذه من تقنيات التواصل التي يمكن الاستفادة منها في جميع العلاقات التواصلية إذا كان الهدف هو التواصل الإيجابي بل أقول هذا هو الهدف الذي يطالب به الإسلام ويحث عليه.

 

التكامل التواصلي

يتجلى التكامل التواصلي حينما يستطيع كل من الزوجين إشباع بعض رغباته والوصول إلى الرضا عن عواطفه، وعن نفسه بصفة عامة داخل هذه العلاقة.

يعد التوافق بين الزوجين حول "الاستطاعة المادية" من أهم عناصر العلاقة السليمة، فلا الرجل يحس بأن زوجته تحتقره، وهو ما يمكن أن نسميه "بعقدة العار"، أي عدم قدرة الرجل تحمل المسؤولية المنزلية مما يفقده الإحساس بالرجولة، وهذا يؤدي انطلاقا من "عقدة العار" إلى استعمال الرجل آليتين دفاعيتين الأولى تتسم بالعدوانية نحو زوجته ليستعيد مركزه ودوره الأسري، أي الرجل القادر على تسيير شؤون المنزل وتحمل المسؤولية له الكلمة الأخيرة، أو آلية ثانية عكس هذه وتتسم بالإستكانة وهي نوع من التأكيد على عدم قدرته تحمل المسؤولية مما يؤدي إلى الرمي بكل مسؤولية البيت على المرأة، بل إلى عدم الاهتمام بأي عمل يساعد على تغيير المستوى المعيشي فهو في اعتقاده مهما فعل فالزوجة لن ترضى، ويصبح دائما عديم الجدوى غير قادر على تحمل المسؤولية.

كما أن إنفاق الرجل على منزله دون إفساده خارجيا، يدفع بالزوجة إلى احترام الرجل ومساعدته على التدبير، والعكس، يدفع المرأة إلى الإحساس بعقدة دونية وبالاحتقار من حيث عدم إهتمام الرجل بها، لأن المرأة عامة ما تحس بشيء من التحقير في نفسها من قهر المجتمع في "الماديات"، ولهذا فإذ كان الرجل لا يوازي بين قدرته الانفاقية وبين اهتمامه بزوجته، فهذا يجعل الزوجة تفقد الإحساس بأهمية مكانتها في المنزل، مما يجعلها تحول حبها من زوجها إلى حب أولادها أو حب المظاهر الخارجية.

 ولهذا فإن "عقدة العار" و"عقدة الدونية" يكونان عنصران مهدمان للحياة الزوجية، وبما أن هذه العقد تظهر عبر سلوكيات شعورية أو لاشعورية فإنها تعصف بالتواصل الداخلي ويؤدي إلى اختلال النسق الأسري.

صورة الذات

"صورة الذات" هي الأفكار التي يكونها الشخص عن نفسه. فمثلا حينما تقول عن نفسك "أنا شجاع، أنا صاحب إرادة"، أنا أحب الآخرين " أن أحب المال" أنا أكره العنف"... هذه صور ذهنية تحدد تصرفاتنا وتدفعنا إلى اتخاذ مواقف سلوكية.

 فالشخص الذي يعتقد أن "صورة الذات" إيجابية فهو يكرسها وحينما يعتقد أنها سلبية فيحاول أن يغيرها، وهذه الصورة تتأرجح بين الإيجابي والسلبي حسب التغيرات الاجتماعية والتفاعلات الآنية، فمثلا بعض الصور التي كان يعتقدها الرجل إيجابية، أصبحت بعد الزواج سلبية في نظر الآخر، فماذا بفعل هل يكرسها رغم سلبيتها التفاعلية مع زوجته أو أنه سيغيرها من أجل التقارب العاطفي مع زوجته؟ وهذا هو أساس مناقشة صورة الذات في موضوعنا حول الزواج.

هذا التكوين يبدأ مند الولادة فالعائلة أولا هي التي ترسم الصورة الأولية وبعد ذلك يقوم الفرد في تعامله مع المجتمع بتأكيد بعض هذه الصور أو تغييرها، ولكن هذه الصور لا تتغير بسرعة وتتطلب مجهودا خاصا، ونحن في هذا الموضوع نشير إلى أن العلاقة الزوجية تساعد على تكريس صورة ما أو تساعد على تغيير بعض الصور السلبية أو الإيجابية. لأن التفاعل المستمر بين الزوجيين يؤثر جدا على تكوين أو تغيير هذه الصور.

في الحياة الزوجية قد ينهج أحد الزوجين نوعا من التفكير باستدعاء أفكار تساهم في تسميم العلاقة بينهما. هذه الأفكار تحدث انفلاتا في الأعصاب، فيسهل استدعاء واجترار فقط اللحظات التي تساهم في إدانة الطرف الآخر في حين يتم تجاهل كل ما هو طيب من جهته.

فالنظرات التشاؤمية أو التفاؤلية تزيد من حدة الصراع أو تخفف منه. لنفترض أن تفكير أحد الطرفين تجاه الآخر على شكل :  »إنه أناني مستغرق في نفسه فقد نشأ على هذا الأسلوب وسيضل عليه «  أو على شكل   »صحيح أنه كثير المطالبة الآن لكنه كان يراعي مشاعري من قبل وربما هناك ما يضايقه في عمله « . إن النظرة الأولى تشاؤمية وهي تساهم في استمرار الصراع. في حين أن النظرة الثانية تفاؤلية ترجع اللحظة السيئة التي يمر بها الزوجان إلى ظروف مؤقتة يمكن أن تتغير.

إن صورة الذات تسقى بنظرة الآخرين إليها، فهي إما أن تزداد قوة أو أن تتهدم حسب نوعية التواصل الذي يربطنا بالآخرين. وأهمية هذه القاعدة تتجلى في النظرة المتبادلة التي يلقيها الزوجان على بعضهما، فهي إما أن تكرس صورة الإيجابية عن الذات أو تجعل المساوئ تتغلب وفق نظرة الزوج. وهكذا يأتي تغيير السلوك بين الزوجين نتيجة لهذه النظرة فالنسق الزوجي مرتبط جدا بالألفاظ المستعملة وبالتواصل الإيجابي، وهو ما يمكن أن نسميه بصفة خاصة، استحسان سلوك اللآخر. ويمكن أن نعطي أمثلة على ذلك:

-إحساس كل واحد منهما بأنه يجتهد في إرضاء الآخر.

-إحساس الآخر بأن التزين هو له وليس للغير.

-الوقت والمال للزوجة والعكس صحيح.

 

الصعود التماثلي. Escalade symétrique

الخلاف شيء طبيعي ويجب القبول به، فهو نوع من التهيؤ النفسي الذي يساعد في التغلب على القلق والتوتر الناجم عن الاختلاف، فمن المعروف في علم النفس أن التهيؤ يخفف من حدة المشاكل وكذلك محاولة إيجاد حلول مناسبة تساعد الفرد على التأقلم داخل النسق الأسري، ومن تم الإحساس بطبيعة الحدث.

كما أن هذا التهيؤ يؤشر إلى شيء آخر مهم جدا، وهو عدم السقوط في الإحباط النفسي، بمعنى أن الشخص الذي له فقط صورة إيجابية مثالية عن النسق الزواجي، بحيث لا يعطي أي قيمة أو يستصغر أحداث الخلاف داخل النسق الأسري يؤدي هذا إلى "الإحساس بالإحباط" حيث أنه أو أنها لم يجدان ما كانا يهفوان إليه من السعادة، مما قد يؤدي إلى اضطراب نفسي يهز التوازن الأسري.

إذن ونحن ننطلق من فردية وجود خصومات أسرية إلا أن القضية المطروحة في كيفية التواصل من داخل هذه الخصومات.

إن علم النفس التواصلي يطرح لنا منهجية عملية يجب التعامل من خلالها وهو السيطرة على ما نسميه "بالصعود التماثلي" (و هو أن لا نتفوه بكلمة أكبر من التي قيلت، كانت لها علاقة بالموضوع أو لم تكن، حيث يكون هدفنا هو التحكم في الكلام وتكون لنا الغلبة والكلمة الأخيرة)، وهذا يعني عدم الدخول في استعمال ألفاظ تؤدي بنا إلى هذا الصعود السلبي، بحيث نخرج حتما من هذا الصعود من معالجة خطأ يهم المشكل "الموضوعي" إلى الجدال في أخطاء الشخصية بأكملها ومن ثم المرور إلى الجدال حول أخطاء العائلة  برمتها.