التفكير الناقد: تعريفه ومهاراته واستراتيجياته وطرق تنميته

نحن نواجه كثيراً من المواقف التي تحتاج منَّا إلى التفكير بشأنها واتخاذ قرار سواء في حياتنا الاجتماعية والعاطفية أم العملية والمهنية، وحتى نتمكَّن من الوصول إلى القرار السليم أو حتى نتمكَّن من اتِّخاذ الحكم المناسب تجاه تلك المواقف، لا بدَّ من القيام بتحليل موضوعي وعقلاني دون أن نكون متحيزين أو عاطفيين.



نطلق على هذا التحليل المنطقي اسم التفكير الناقد؛ هذا التفكير الذي يساعدنا على تقييم أفكارنا وحلولنا وحتى المواقف والظروف التي نمر بها حتى نتمكن في الآخر من الحكم عليها بشكل أكثر عقلانية ومنطقية، فإذا أردت معرفة مزيد من المعلومات عن التفكير الناقد وتعريفه ومهاراته واستراتيجياته وطرائق تنميته، فتابع القراءة.

تعريف التفكير الناقد:

أول من استخدم مصطلح التفكير الناقد هو الفيلسوف "جون ديوي" وكان ذلك في الفترة الزمنية بين عام 1910 و1939، وعبَّر عنه بمصطلح التفكير التأملي أو المخالف، وقد وصل "جون ديوي" إلى هذا المصطلح اعتماداً على الاستقصاء؛ إذ يرى "جون ديوي" أنَّ أساس التفكير الناقد أو جوهره يكمن في التأني قبل إصدار أي حكم، وأنَّ إصدار الحكم بشأن أي موضوع يحتاج إلى التأمل والتحليل والتفكير بمنطق، وأيضاً استخدم "إدوارد جليسر" مصطلح التفكير الناقد لكن بشكل موسع أكثر.

لم يتم الاتفاق إلى اليوم على تعريف محدد للتفكير الناقد، وبذلك يوجد عدد من التعريفات لهذا المصطلح، وفيما يأتي سنعرض أهم التعريفات التي ذكرها علماء النفس والفلاسفة:

  1. يعرَّف التفكير الناقد على أنَّه ذلك التحليل المنطقي والعقلاني الذي يتم من خلاله تقييم المعطيات والأدلة والحقائق دون تحيز.
  2. التفكير الناقد هو تفكير تأملي.
  3. عرَّفه المجلس الوطني للتفكير الناقد بأنَّه تلك العملية الذهنية المنضبطة التي تتضمن تحليل وتقييم واستيعاب الملاحظات التي تصل إلينا بطرائق مختلفة قد تكون عن طريق التواصل أو التجريب أو التواصل، والتفكير الناقد النموذجي هو التفكير المبني على قيم فكرية محددة وواضحة ودقيقة وعميقة.
  4. التفكير الناقد هو التفكير الواضح والنظامي الذي يعتمد على العقل والمنطق مدعوماً بالأدلة.
  5. التفكير الناقد هو التفكير الذي يقودنا في نهاية المطاف إلى تحديد ما يمكننا رفضه وما يمكننا الاعتقاد به.

شاهد بالفيديو: 5 تقنيات فعالة للتفكير النقدي

أهمية التفكير الناقد:

مما لا شك فيه أنَّ التعجل في إصدار الأحكام والقرارات والاستناد إلى العاطفة وتغييب المنطق والعقل في الحكم على الأمور لن يصل بنا إلى نتائج جيدة؛ بل بخلاف ذلك قد يوقعنا في مشكلات نحن بغنى عنها، ومن هنا تظهر أهمية التفكير الناقد.

سنوضح فيما يأتي أهمية التفكير الناقد من خلال نقاط عدة هي:

  • تأتي أهمية التفكير الناقد بوصفه يعتمد على العقل والتحليل والتفكير بمنطق والمقارنة وجمع الحقائق والتصنيف وغير ذلك من خطوات التفكير السليم، حتى يتم في النهاية اتخاذ القرار المناسب والحل الأمثل.
  • إضافة إلى هذا فإنَّ القدرة على التفكير الناقد تعطي الشخص قيمة مضافة في أي مكان يوجد فيه وخاصة في أماكن العمل، فالقدرة على التفكير بهذه الطريقة التي تعتمد التسلسل المنطقي والوضوح والدقة تساعد كثيراً على حل المشكلات واتخاذ القرارات بالشكل الأنسب.
  • يساعد التفكير الناقد الشخص على مواكبة التغييرات التي تحدث في العالم، فقد غزت التكنولوجيا العالم وأصبح كل شيء يعتمد عليها اعتماداً رئيساً، وهذا ما يزيد الحاجة إلى التفكير الناقد الذي يجعل من الإنسان أكثر مرونة وأكثر قدرة على مواكبة التغييرات الكبيرة والمستمرة التي تحيط به.
  • يحسِّن مهارة التفكير ويحسِّن أيضاً مهارات الإلقاء واللغة، فمن المعروف أنَّ التفكير بشكل منهجي وواضح سيحسن طريقة التفكير، ومن ثم طريقة التعبير عن هذه الأفكار، وهذا سينعكس مباشرة على قدرة الفرد في التعبير عن نفسه.
  • يؤدي التفكير الناقد دوراً في صقل شخصية الإنسان وتطويره وتعزيز الإبداع لديه؛ وذلك لأنَّه لا يقبل ما يلاحظه كما هو؛ بل يقوم بتحليله وتقييمه قبل اتخاذ القرار واختيار الحل المناسب.
  • بوصف العلم يعتمد على التحليل والتجريب لتأكيد النظريات أو رفضها يعد التفكير الناقد أساساً للعلم، ومن خلاله يستطيع الإنسان الوصول إلى الحكم السليم للأمور بأسلوب علمي بعيد عن العاطفة والتحيز.

مهارات التفكير الناقد:

للتفكير الناقد عدد من المهارات التي يستخدمها الشخص الذي يعتمد على هذا الأسلوب في التفكير بوصفه طريقة في اتخاذ القرارات وحل المشكلات، وسنعدد فيما يأتي أهم مهارات التفكير الناقد:

1. تحديد المشكلة:

من أهم المهارات التي يجب على الإنسان الذي يفكر تفكيراً نقدياً امتلاكها هي تحديد المشكلة وتحديد نقاط الخلل والأماكن التي تحتاج إلى تعديلات أو تغييرات وأيضاً تحديد العوامل المؤثرة في المشكلة، فكل ذلك يساعد على اتخاذ القرار السليم بشأن المشكلة التي نواجهها.

على سبيل المثال قد يواجه شخص ما مشكلة الرسوب في الجامعة، فالتفكير العاطفي هنا لن يفيد بشيء؛ إذ يميل الكثير من الطلاب إلى البحث عن شماعات لتعليق أسباب الرسوب بعيداً عن أسلوب التفكير الناقد الذي يبدأ من تحديد المشكلة بدقة، كأن يسأل الطالب نفسه أين المشكلة؟ وما هي العوامل التي سببت الرسوب هذا العام؟ وكيف يمكن تغيير هذه العوامل بالشكل الذي يحدث تغييرات؟ وغير ذلك من الأسئلة التي تساهم في تحديد مواطن الخلل والثغرات.

شاهد بالفيديو: 5 نصائح لاكتساب مهارة حل المشكلات

2. البحث:

بعد تحديد المشكلة من الهام البحث عن الأسباب الحقيقية التي تقف وراء هذه المشكلة من مصادرها الحقيقية والموثوقة، فمن أكثر الأمور التي تعوق الوصول إلى حلول جدية هي تحديد أسباب مشوشة ومتحيزة وغير مناسبة، وهنا لا بد من التأكيد على ضرورة التفريق بين المصادر العلمية التي تعد مصادر موثوقة والمصادر الشائعة التي تؤدي إلى أسباب مشوشة وخادعة وغير حقيقية، وهذا ما يعوق الحل في نهاية المطاف.

3. عدم التحيز:

تنتشر في المجتمعات الكبيرة والصغيرة كثيراً من الأفكار وكثير منها في الحقيقة لا يستند إلى أساس علمي وموضوعي ومنطقي، وهنا سنطرح مثالاً بسيطاً جداً وعلى الرغم من بساطته فهو يقود إلى كثير من المشاحنات داخل الأُسر.

على سبيل المثال يُفرض على الأم في كثير من العائلات وضع عدد محدد من فصوص الثوم للطفل أول ولادته لحمايته من اليرقان، وهذا ما يدفع الكثير من الأمهات للانصياع والتسليم بحقيقة هذه العادة المرفوضة علمياً وطبياً، وغالباً ما يرجع سبب التسليم إلى العاطفة التي تمنعهن من التفكير بحيادية وموضوعية، فتتحول هذه الأفكار من أفكار عامة إلى خاصة، فاستخدام الأم التفكير الناقد والتحلي بالشجاعة لرفض هذه الأفكار ووضعها في قفص التساؤل قبل التسليم بها يتطلب مهارة عدم التحيز أو كشف التحيز التي تعد من أصعب مهارات التفكير الناقد.

4. الاستنتاج:

قبل إصدار الاستنتاجات يجب امتلاك القدرة على تحليل البيانات الموجودة بناء على ما تم جمعه من معلومات أولية.

5. الكشف عن الأهمية:

من مهارات التفكير الناقد أيضاً تحديد مدى أهمية المعلومات التي تم جمعها بناءً على درجة قربها من المشكلة، وترتيبها بدءاً من الأكثر قرباً من المشكلة إلى الأقل.

6. الفضول:

الفضول من أهم المهارات التي يجب على المفكر امتلاكها، فالفضول يقود الفرد إلى مزيدٍ من البحث والاستطلاع، وهذا يعزز التفكير الناقد وينميه.

إقرأ أيضاً: نصائح وأدوات وتقنيات لإثارة الفضول

استراتيجيات التفكير الناقد:

طوَّر العلماء العديد من استراتيجيات التفكير الناقد؛ إذ تؤدي هذه الاستراتيجيات دوراً كبيراً في تنمية مهارات التفكير الناقد وتطويره، وسنذكر فيما يأتي أهم هذه الاستراتيجيات التي تمارَس في الميدان التربوي والتي تهدف إلى تطوير عقلية الطالب وطريقة تفكيره لإبعاده قدر الإمكان عن الحفظ البصم والببغائي دون فهم وإدراك حقيقي للمعنى:

1. الاستراتيجية الاستنتاجية (Beyer):

يشارك الطلاب من خلال هذه المهارة بأنفسهم في العملية التعليمية وبصورة نشطة وفعالة، وتمر هذه الاستراتيجية بمراحل عدة أساسية هي تقديم المعلم للمهارة، تطبيق الطالب للمهارة، تخمين ما يدور في عقول الطلاب، تقييم وتطبيق الاستنتاجات التي وصل إليها الطلاب لاستخدامها مرة أخرى، مراجعة ما يدور في عقول التلاميذ في أثناء تطبيق المهارة.

2. استراتيجية (smith) لتقدير صحة المعلومات:

تهدف هذه الاستراتيجية إلى تطوير قدرة الفرد على محاكمة الأمور بشكل أكثر منطقية والبحث عن المصادر الموثوقة للمعلومات، وخاصة أنَّ العصر الذي نعيش فيه اليوم هو عصر المعلومات وعصر وسائل الإعلام التي لا تتوقف عن ضخ الأخبار والإعلانات والدعايات، وهذا ما يحتم على الجميع البحث عن الحقيقة والمعلومة الموثوقة وهذا يؤدي حتماً إلى تطوير مهارة التفكير الناقد.

إقرأ أيضاً: كيف تتحقق من صحة المحتوى والأخبار على شبكات التواصل الاجتماعي؟

طرائق تنمية التفكير الناقد:

مهارة التفكير الناقد كغيرها من المهارات من الممكن تنميتها، وسنعرض فيما يأتي بعضاً من طرائق تنمية التفكير الناقد:

  • عدم الانقياد وراء أفكار الناس والآراء الشائعة، واستخدام النقد العلمي باستمرار.
  • عدم التحيز العاطفي والنظر إلى الأمور من وجهة نظر شخصية متعصبة؛ بل بخلاف ذلك يجب أن نكون حياديين في الحكم على أيَّة مسألة مهما بلغت درجة قربنا منها.
  • لا يمكن أبداً حل أيَّة مشكلة تواجهنا بالذهاب مباشرة إلى النتائج؛ بل علينا التفكير والتأني وتحديد المشكلة وأسبابها ووضع الحلول ومناقشتها وتقييمها وبعدها نفكر بالنتائج.
  • الابتعاد عن العواطف والتمسك بالموضوعية والمنطق.

في الختام:

الحاجة اليوم في هذا العصر الذي نعيش فيه إلى التفكير الناقد أصبحت حاجة ملحة؛ وذلك نظراً للتطور الهائل الذي يشهده العالم ويفرض على المتلقي التحلي بطريقة تفكير تمكِّنه من تحليل وتقييم المعلومات التي تصله والحكم عليها بشكل دقيق بدلاً من تقبلها كما هي دون أي إدراك حقيقي لمعناها وقيمتها، فالبحث والتساؤل والاستقصاء من أهم الأدوات والمهارات التي يجب على الإنسان امتلاكها، وهذا طبعاً سينعكس إيجاباً على حياته وعلى قراراته سواء في فترة دراسته أم بعد التخرج والدخول في الحياة المهنية، ناهيك عن الأهمية الكبيرة للتفكير في الحياة الاجتماعية.




مقالات مرتبطة