التفكير الاستقرائي: خصائصه وأمثلة عنه

تمثِّل مسألة التفكير حجر الزاوية في كافة العلوم بشكل خاص وفي حياة الإنسان بشكل عام، فالتفكير هو نشاط ذهني معرفي طبيعي منظَّم لا غنى عنه، يستخدمه الفرد لقراءة ما بين السطور وإصدار الأحكام وإيجاد الحلول للمشكلات الحياتية المختلفة التي يواجهها ويستطيع من خلاله التكيُّف مع المواقف التي يتعرَّض لها في الطبيعة والمجتمع؛ إذ يستخدم الفرد أنماطاً متعددة من التفكير في اتِّخاذ قراراته، ومن هذه الأنماط التفكير الاستدلالي والذي يعني في مضمونه اشتقاق نتيجة صادقة من مقدمات مُعطاة وفق قواعد المنطق الذي يتضمن عدة أنواع منها:



1. التفكير التمثيلي:

هو نوع من الاستدلال يتم من خلال الانطلاق من الحكم على جزئية خاصة إلى الحكم على جزئية خاصة أخرى؛ إذ تجري فيه المقارنة بين شيئين يحملان أوجهاً من التشابه للوصول إلى حكم على واحد ونقله إلى الآخر؛ أي الانطلاق من "الخاص إلى الخاص".

2. التفكير الاستنباطي:

هو عبارة عن استدلال تنازلي؛ إذ ينطلق فيه الباحث من مقدمات عامة للوصول إلى استنتاج منطقي؛ أي يسير وفق قاعدة الانطلاق من "العام إلى الخاص" بمعنى ما ينطبق على الكل ينطبق على الجزء.

3. التفكير الاستقرائي:

هو عكس التفكير الاستنباطي؛ إذ ينطلق فيه الباحث من استنتاج واحد محدد وصولاً إلى قاعدة عامة؛ أي يسير الباحث من "الخاص إلى العام"، ويمثل التفكير الاستقرائي أساس ذكاء الإنسان وإبداعه ولا سيما في العصر الحالي.

تعريف التفكير الاستقرائي:

الاستقراء في جوهره يعني البحث عن أوجه الشبه والاختلاف في الأجزاء والحوادث والتفاصيل للوصول إلى القاعدة العامة والتعميمات؛ إذ يبدأ الاستقراء بملاحظة بسيطة لجمع الحقائق والأدلة عن عينة من مجموعة ما لإصدار حكم كلي ينطبق على جميع أفراد تلك المجموعة، وتوجد مجموعة من التعريفات الأكاديمية نذكر منها:

  1. مجدي حبيب: التفكير الاستقرائي هو "نمط التفكير الذي يعتمد على انتقال الفرد من الجزئيات أو الخصوصيات أو الملاحظات والتجارب إلى الكليات أو العموميات أو المفاهيم والمبادئ والنظريات".
  2. محمد أمين المفتي: "أسلوب التفكير الذي يتم بواسطته التطرُّق من الجزئيات أو الأمثلة والحالات الفردية إلى القاعدة العامة".
  3. جودت أحمد سعادة: التفكير الاستقرائي عبارة عن قيام المتعلم بربط الحقائق ببعضها ووصل الشبيه بالشبيه من المعارف والخبرات المكتسبة؛ للوصول إلى فكرة جديدة شاملة أو قانون عام يعتمد عليه.
  4. عُرِّف أيضاً: "تلك المهارة التي تُستخدم من أجل توسع أو زيادة حجم العلاقات القائمة على المعلومات المتوافرة، وتحديداً هي إحدى مهارات التفكير الأساسية التي تمكِّن المتعلِّم الانتقال من الحقائق والمفاهيم الجزئية إلى قاعدة عامة".
إقرأ أيضاً: التفكير المنطقي: مهارة يمكن اكتسابها

أنواع الاستقراء:

1. الاستقراء التام:

يُسمى أيضاً الاستقراء الكامل؛ ويعني الانتقال من الحكم على أفراد مجموعة ما فرداً فرداً إلى الحكم على المجموعة كاملة، ومثال عن ذلك إذا أراد معلم أحد الصفوف الدراسية القول إنَّ طلاب صفه والذين يبلغ عددهم 20 طالباً أذكياء، فيجب عليه أن يختبر ذكاء كل فرد من أفراد الصف حتى يتمكَّن من تعميم نتيجته بأنَّ جميع طلاب الصف أذكياء.

لكنَّ هذا النوع لا يطبق في كثير من الأحيان في العلوم الإنسانية؛ إذ يتعذر على الباحث استقراء جميع أفراد العينة.

2. الاستقراء الناقص:

هو النمط المُستخدم في البحث العلمي والأكثر استخداماً؛ إذ يدرس الباحث عيِّنة من المجموعة فقط ويطلق الحكم الكلي عليها؛ فمثلاً يرمي الباحث عدداً من الحجارة في مياه البحر ومن ثم يستخلص نتيجة تنطبق على جميع الأحجار الأخرى فيقول: "جميع الحجارة تسقط إلى قعر البحر".

3. الاستقراء الرياضي:

يُستَخدم هذا النوع من الاستقراء بشكل خاص في الرياضيات؛ إذ يُحكَم من خلاله على مجموعة تضم أعداداً، ومثال عن ذلك إذا كان العدد 2 يقبل القسمة على العدد 2 والعدد 4 يقبل القسمة على العدد 2 والعدد 6 يقبل القسمة على العدد 2؛ وهذا يعني أنَّ الأعداد 2، 4، 6 أعداد زوجية.

خصائص التفكير الاستدلالي (الاستقرائي):

يعتبر التفكير الاستدلالي أحد أشكال التفكير العقلاني الذي يستند إلى المنطق والمبررات المنطقية. خصائص التفكير الاستدلالي تشمل عدة عناصر أساسية، وهي:

  1. التفكير الاستقرائي هو استدلال تصاعدي ينطلق من الجزء إلى الكل ومن الخاص إلى العام.
  2. التفكير الاستقرائي يعتمد على ربط الأشياء أو الحوادث بين بعضها عن طريق الملاحظة.
  3. يؤدي الاستقراء إلى ظهور حقيقة جديدة أو قاعدة عامة جديدة.
  4. الاستقراء هو المنهج الذي يتبعه الباحثون في الأبحاث العلمية للوصول إلى نتائجهم.
  5. الاستقراء هو أكثر طرائق التفكير والمناهج المتَّبعة دقة وإيصالاً إلى الحقيقة.
  6. يتكون التفكير الاستقرائي من مقدمات ونتيجة؛ إذ تكون النتيجة أعم من المقدمات.
  7. يستند إلى معلومات ناقصة.
  8. لا يمكن إثبات صحة الفرضيات في التفكير الاستقرائي بصحة مطلقة.
  9. التعميم أساس التفكير الاستقرائي.
  10. فهم قوانين الطبيعة باستخدام الأدلة؛ إذ يجد الروابط التي يجمعها ويتوصَّل إلى قانون عام.
  11. يساعد الفرد على اكتساب مهارات البحث العلمي واستخدامها بشكل صحيح.
  12. يمكن للفرد اكتساب مهارات التفكير الاستقرائي من خلال التدريب والممارسة.
  13. تساعد مهارات التفكير الاستدلالي في اتخاذ القرارات.

شاهد بالفديو: 7 طرق لتجنب التفكير الثنائي

خطوات التفكير الاستقرائي:

  1. تحديد المشكلة وموضوع البحث.
  2. وضع أهداف البحث.
  3. الملاحظة الدقيقة وجمع البيانات والمعلومات عن كافة جوانب الظاهرة عبر استخدام الأدوات المناسبة.
  4. صياغة الفرضيات؛ إذ يعمل الباحث على صياغة فرضيات تحدد العلاقة بين متغيرات الظاهرة قيد الدراسة، وهي عبارة عن تخمين حل لمشكلة ما بشكل أولي وقد يصح الفرض وربما لا يصح، ويجب أن تكون الفرضيات واقعية وقابلة للقياس ولا تتعارض مع الحقائق العلمية.
  5. اختبار الفرضيات؛ إذ تُختَبَر الفرضيات من خلال التجربة.
  6. التحقق والتعميم؛ أي بعد أن يتحقق الباحث من الفروض ويتوصَّل إلى الاستنتاج يعممها لتصبح قاعدة.

أخطاء التفكير الاستقرائي:

تتجلى أخطاء التفكير الاستقرائي بالأساليب المُستخدمة في الوصول إلى النتائج، وتشمل هذه الأخطاء ما يأتي:

أخطاء العينة:

يُقصد بالعينة الكمية المحددة من شيء ما أو مجموعة ما، ويستخدمها الباحث في دراسة فرضيات بحثه للتأكُّد من صحتها أو نفيها، وتتعدد أخطاء العيِّنة.

من هذه الأخطاء:

  1. العدد مثلاً الذي يكون قليلاً ولا يمثل المجموعة، ومثال عن ذلك عند دراسة الباحث لذكاء الطلبة في مدرسة ثانوية تتألف من ألف طالب، فيختار عينة مكوَّنة من عشرين طالب فقط.
  2. يمكن أن تنتج أخطاء العيِّنة عن مرور المجموعة التي تخضع للدراسة في ظروف معيَّنة أو استثنائية؛ كأن يدرس الباحث التحصيل الدراسي لمجموعة من الطلاب يعانون من عدوى مرض ما.
  3. كم قد يميل الباحث إلى اعتماد الدليل الذي يدعم الفرضيَّة التي وضعها وعدم الاكتراث بالأدلة الباقية التي تنفيها.

أخطاء تتعلق بتجاهل الباحث للمعلومات:

مثل اعتماد الباحث على معلومات إحصائية قديمة عن الظاهرة، وعدم إجراء بحث إحصائي جديد، وكذلك من الأخطاء الشائعة تمسُّك الباحث بفرضية تفتقر إلى وجود بيانات عنها.

أخطاء التفكير الاستقرائي الناتجة عن العوامل الاجتماعية:

مثل عدم تمتُّع الباحث بالموضوعية واتِّصافه بالذاتية؛ كأن يتمسك الباحث بآرائه عن قضية ما ويتجاهل آراء الآخرين، بالإضافة إلى تقييم الباحث للفرضيات بشكل إيجابي أو سلبي وفقاً لموقفه من أفراد العينة؛ فيشكك في مصداقيتهم وصحة آرائهم.

  1. قد يرجع خطأ الاستقراء إلى النقص في المعلومات الناتج عن ضعف الملاحظة الناتجة بدورها عن ضعف الأدوات المُستخدمة في الملاحظة أو ضعف حواس الملاحظ ووجود صعوبة في الإدراك.
  2. خطأ التسرُّع في إطلاق الأحكام

أي دراسة عدد قليل من الحالات المتعلقة بالظاهرة وإطلاق حكم بناءً على ذلك، ولكنَّ هذه الحالات لا تمثل الظاهرة المدروسة بشكل كافٍ.

أمثلة على التفكير الاستقرائي والاستنباطي:

  1. تجربة العالم غاليليو: نقض العالم الإيطالي غاليليو نظريةَ أرسطو التي تقول: "إنَّ الأجسام الأثقل تسقط أسرع من الأجسام الأخف"، وتوصَّل غاليليو إلى "قانون السقوط الحر" لكن بصيغة بدائية للقانون؛ إذ قال: "إنَّ أي جسمين من نفس المادة يسقطان خلال نفس الوسط فإنَّهما يسقطان بنفس السرعة"؛ وذلك بعدما رمى مادتين مختلفين من أعلى برج بيزا المائل.
  2. مثال عن الموت: زيد سوف يموت، أحمد سوف يموت، كل هؤلاء أناس، النتيجة: كل إنسان سوف يموت.
  3. مثال على التفكير الاستقرائي: الحصان كائن حي يتنفس، الثعلب كائن حي يتنفس، الإنسان كائن حي يتنفس، النتيجة: كل الكائنات الحية تتنفس.
  4. ثمرة البندورة مفيدة للصحة، ثمرة الخيار مفيدة للصحة، النتيجة: كل الخضروات مفيدة للصحة.
  5. عندما يقترب طفل من وعاء موضوع على النار فيمد يده ويحترق بالنار فيطلق حكما أنَّ كل نار أينما وُجدت هي حارقة.
إقرأ أيضاً: مستويات التفكير ومعوقات التفكير

في الختام:

لا يمكن للإنسان أن يستغني عن التفكير الاستقرائي والاستنباطي، فغالباً ما تستخدم مهارة الاستقراء في أغلب أعمال حياته اليومية؛ إذ يعتمد فيه على الملاحظات للكشف على القوانين والقواعد العامة، فالمعرفة التي نحصِّلها عن طريق التفكير الاستقرائي هي معرفة مقصودة وشعورية؛ وذلك بسبب تحديد الهدف المراد منذ البداية واعتماد الدقة والموضوعية في الوصول إلى الحقيقة، وهكذا فإنَّ هذه طريقة التفكير الاستنباطي والاستقرائي تنطلق من الأمثلة الجزئية وصولاً إلى القاعدة.

المصادر:

  • عبد اللطيف محمد العبد، البحث العلمي منهجاً وتطبيقاً، كلية دار العلوم، جامعة القاهرة.
  • أمل فايز صالح حمد الله، أثر استخدام استراتيجية التعلم المعكوس في تنمية التفكير الاستقرائي لدى طالبات الصف الثامن في مادة قواعد اللغة العربية، كلية العلوم التربوية، قسم الغدارة والمناهج، جامعة الشرق الاوسط، .2016
  • المنهج الاستقرائي



مقالات مرتبطة