التعصب القبلي يعيق التنمية

لم تكن القبيلة يوما بمنأى عن مداركنا فكلنا في المجتمعات العربية نعرف القبيلة ونفهم مدلولاتها خاصة المجتمع السعودي، حيث تشكل السعودية مساحة واسعة يدور في رحابها أكبر تجمع قبلي في العالم بأسره، ومفهوم التعصب من المفاهيم التي تناولتها أدبيات العلوم الإنسانية والاجتماعية، وكذلك للتعصب أشكال مختلفة ومتباينة؛ فهناك التعصب العرقي والتعصب الثقافي، والتعصب الديني، والتعصب القبلي الذي نحن بصدده ومع ذلك فإن التعصب في مختلف صوره وتجلياته يؤكد على جوهر واحد هو الانقياد العاطفي لأفكار وتصورات تتعارض مع الحقيقة الموضوعية بل قد يتعداها إلى ما هو أمر من ذلك ليلقي بصاحبه في بحور الانزواء والتخلف.



ويعرف "هويت" القبيلة بأنها: "تجمع كبير أو صغير من الناس يشغلون إقليما معينا ويتحدثون نفس اللغة وبينهم علاقات اجتماعية خاصة تعبر عن التجانس الثقافي بينهم" وقد كانت القبيلة سابقا تمثل هذا التعريف بحذافيره، زد على ذلك أنها كانت تمثل رابطة الأخوة والانضباط وكان بها من الالتزام والانقياد والاحترام للأعراف والعادات والقيم ما يمكنها من المثول في وسط القبائل متمتعة بالعزة والمنعة والاحترام للآخر، ولعلي لا أجد ضيرا للتحدث عن حال القبيلة اليوم وأنا ابنتها، بداية من وسط أفرادها والوصول إلى أعلى قمة في تجمعها، وقد أكون ناقلا للخبر كما هو لأنه ليس من سمع كمن رأى، أملا في أن تنبذ بعض العادات والمعتقدات التي لم ينزل الله بها من سلطان، وهذا ما جعلني مندفعة في الحديث عن واقع للأسف أعيشه ويعيشه الكثير من أبناء وبنات القبائل، وقد أكون خرجت من غلافي وتحدثت بما يؤلمني وغيري من أبناء القبيلة، فقد وجدنا محاصرين في بوتقة من الشعارات الزائفة والمراء الفاضح أمام أنفسنا فنجامل ذواتنا بقيم ومثل هي بعيدة عنا كل البعد، فترانا نبتعد عن التطور والحضارة بينما نجد المجتمعات الأخرى ترتقي بسرعة البرق حضارة وتطورا ومواكبة للعصرنة المتقدمة.

ونحن نضيع في عتمة دهاليز مفاهيم كثيرة تثير فينا النرجسية والأنانية والتعالي على الآخر، مفاهيم عايشناها منذ وعينا على الدنيا نتجرع مرارتها في أعين أهالينا ولا نفهم مدلولاتها أحيانا كثيرة، فترسخت كجزء لا يتجزأ من واقعنا المحموم بالخيلاء والزهو بالنفس البشرية التي خلقت من طين وتراب وجميع بني الإنسان خلق منهما فأثارت النعرة القبلية بيننا وأججت نيران الجاهلية الجهلاء في مضمار الوعي الزائف بالقبيلة، فأوهمنا أنفسنا بأننا قادرون على تجاوز الخط الفاصل بين الحضارة والتقدم وبين التخلف والانزواء، وأجد من المناسب أن أستعرض بعض النظريات في العلوم الإنسانية والاجتماعية في سياق الحديث عن القبيلة، ومنها على سبيل المثال نظرية الصراع الواقعي بين الجماعات، حيث تقوم هذه النظرية على أساس افتراض أنه حينما يحدث صراع وتنافس بين جماعتين من الجماعات نتيجة لأي عوامل خارجية كالصراع القائم بين الجماعات على المصالح (الموارد المادية والطبيعية) من شأنه أن يستثير اتجاهات تعصبية متبادلة فيما بينها، فلكل فئة أو جماعة مصالحها وأوضاعها التي تتناقض مع مصالح أو أوضاع فئات أو جماعات أخرى بحيث إن سعي جماعة ما إلى تحقيق أهدافها يمكن أن يشكل تهديدا مباشرا لمساعي جماعة أخرى نحو تحقيق نفس الأهداف، الأمر الذي يؤدي إلى تكوين مشاعر عدائية بينهما. وبناء على ذلك فإن التعصب القبلي يمكن أن ينشأ نتيجة للصراع الواقعي بين الجماعات في النواحي الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.

وكذلك نظرية الهوية الاجتماعية التي تقوم على افتراض الهوية الاجتماعية للأشخاص وتستمد قوتها من عضويتهم في مختلف الجماعات وتضع في حسابها كلا من العمليات المعرفية والدافعية عند تفسير إدراكات الجماعة الداخلية وأشكال سلوكها نحو أعضاء الجماعات الخارجية. ويستلزم التصنيف إلى فئات اجتماعية أكثر من مجرد التصنيف المعرفي للأحداث والأشخاص، إذ إنه يتمثل في عملية تتأثر بالقيم الثقافية والتصورات الاجتماعية، وأكثر من هذا أهمية دور كل من عضوية الفئة الاجتماعية، والمقارنة الاجتماعية التي تتم بين الفئات في استمرار الهوية الاجتماعية للشخص، وهو الدور الذي يقوم به الأفراد للبحث عن أوجه التميز بين جماعتهم التي ينتمون إليها والجماعات الأخرى، خصوصا على أساس الأبعاد ذات القيمة الإيجابية.

وأتساءل هنا عن الضبط غير الرسمي الذي كانت القبيلة تطبقه على أبنائها فقد كانت القبيلة هي التي تطلق الأحكام على الخارج عن حدود الأدب فيها وكانت تربي أبنائها قبل أن يربيهم الضبط الرسمي في الدولة؟ فأين كل هذا؟ ولماذا تبخرت كل تلك القيم من بيننا؟ إنني أطالب أبناء القبائل بنبذ التعصب القبلي وراء ظهورهم والالتفات إلى الركب الحضاري علنا نستطيع اللحاق به في ظل دولة تحق الحق وتبطل الباطل وتحارب الأفكار الهدامة التي ليس لها صلة بالإنسانية جمعاء فلنستظل جميعنا تحت ظل هذه القيادة ونحاول تأصيل الحقيقة الواقعية أننا جميعا أبناء آدم وحواء نتساوى في الخلق جميعا.

المصدر: الفريق الاجتماعي