التعب في علم النفس

التعب في علم النفس

محمد عماد سعده

رد فعل دفاعي طبيعي للعضوية هدفه الحفاظ عليها، وينطوي على جملة من التغيرات الفيزيولوجية والنفسية الناتجة عن فقدان الطاقة وممارسة العمل لمدة معينة وتؤدي هذه التغيرات إلى انخفاض مؤقت في القدرة على العمل ومن ثمّ انخفاض مؤقت في إنتاجيته.

أشكال التعب

هناك عدة أشكال للتعب وذلك تبعاً لنوع العمل الذي يؤديه الفرد:

1ـ التعب الفيزيائي: ويظهر في أثناء بذل الجهد العضلي.

2ـ التعب الذهنـي: ويظهر في أثناء بذل الجهد الفكري.



3ـ التعب العصبي ـ النفسي: وهو التعب الناتج عن موقف الانتظار السلبي الذي يتميز بالمراقبة الفعالة في أثناء العمل مثل انتظار ظهور إشارة معينة أو هدف ما أو انحراف أحد أو بعض معايير العمل عن حدودها الطبيعية، ويحدث في مهن متعددة مثل: الاتصالات، العمل في غرف القيادة ومراكز العمليات، الطيران، قطار الأنفاق، الملاحة الأرضية، كما يمكن أن يظهر هذا الشكل من التعب في الحالات والمواقف الطارئة التي تظهر في أثناء العمل التي تتميز بضيق الوقت أو ظهور خطر معين أو تعقد ظروف العمل، أو ظهور خلل معين في عمل الآلات، أو ندرة المعلومات اللازمة لاتخاذ القرار المناسب في مجرى العمل، أو ظهور عائق يمنع الفرد من متابعة النشاط الذي يمارسه، أو مجموع هذه العوامل أو بعضها في حالات معينة.

المظاهر النفسية للتعب

يهتم علم النفس بالتعب بوصفه حالة يعاني منها الفرد، ويمكن أن نلاحظ المظاهر النفسية التالية للتعب:

ـ الإحساس بالتعب الخفيف: يشعر الفرد بانخفاض في القدرة على العمل لا يترافق مع انخفاض الإنتاج، هذا الانخفاض البسيط في القدرة على العمل يؤدي إلى معاناة الفرد من توتر بسيط ناتج عن شعور الفرد بعدم وجود القدرة اللازمة لمتابعة العمل بالمستوى المطلوب.

ـ تغيرات في الانتباه: تتجلى هذه التغيرات في صعوبة تركيز الانتباه على مثير معين لمدة كافية، وفي صعوبة توزيع الانتباه بين مثير وآخر، أو تحويله عند اللزوم، كما نلاحظ تحول الانتباه بشكل عشوائي من مثير لآخر.

ـ تغيرات في الحواس: تتجلى هذه التغيرات في انخفاض حساسية المُستقبلات، والذي يؤدي إلى زيادة قيمة العتبات الحسية المطلقة والفارقة وخاصة الحواس التي لها النصيب الأكبر في المشاركة بالعمل الذي يقوم به الفرد.

ـ تغيرات في الحركة: يؤدي التعب إلى بطء الحركة والتشوه في إيقاعها أو دقتها أو توازنها أو تناسقها، إذ يلاحظ عدم الدقة والتوازن في المهارات الحسية الحركية وخاصة المعقدة منها، كما يُلاحظ أيضاً انخفاض سرعة رد الفعل الحسي الحركي ورد الفعل الانتقائي ويمكن أن يُلاحظ أحياناً أن سرعة رد الفعل لا تتأثر بالتعب ولكنه يترافق مع بعض الأخطاء.

ـ تغيرات في الذاكرة: تظهر فيه صعوبات في استرجاع المعلومات من الذاكرة طويلة الأمد وانخفاض في حجم الذاكرة قصيرة الأمد، وانخفاض في فعالية الذاكرة العملياتية. ففي حالة التعب الشديد يعاني الفرد من صعوبات في تذكر التعليمات اللازمة للعمل أو للنشاط الذي يمارسه، مع أن الفرد يتذكر جيداً أشياء وحوادث ليست لها أي علاقة بالعمل أو بالنشاط الذي يمارسه.

ـ تغيرات في التفكير: يشكو الفرد فيه من ضعف قدرته على الفهم والاستيعاب، كما أنه يجد صعوبة في القيام بالمحاكمات العقلية والاستنتاجات، كما نلاحظ أن الفرد يعاني من صعوبة في اتخاذ قرارات جديدة في مواقف معروفة له سابقاً في العمل الذي يؤديه أو النشاط الذي يمارسه.

ـ تغيرات في السلوك الإرادي: يؤدي التعب إلى ضعف قدرة الفرد على اتخاذ القرارات اللازمة لمتابعة العمل، وعدم القدرة على التحكم بالذات، والانزعاج الشديد لأسباب تافهة كما نلاحظ اضطراب القدرة على الإصرار للوصول إلى هدف مرحلي في أثناء القيام بالعمل أو ممارسة نشاط ما.

ـ تغيرات في الدافعية للعمل: نلاحظ في المراحل الأولى للعمل الحماسة والرغبة في العمل والإقبال عليه، أما في مراحله الأخيرة فنلاحظ أن الدافعية تتمركز حول إيقاف العمل والامتناع عنه، وفي حال الاستمرار بالعمل يؤدي ذلك إلى ظهور ردود فعل انفعالية سلبية، ففي الحرب العالمية الثانية لوحظ لدى الجنود ما سُمي بتعب القتال الذي أعتبر من أعراض القلق والكآبة، ففي حالة القلق يعاني الجندي من آلام الصدر وصعوبة التنفس وخفقان القلب بسرعة والصداع والنزق، أما في حالة الكآبة فيعاني الجندي من الحاجة إلى الجهد الزائد للبدء بنشاط ما ومن صعوبة إتمام ما بدأه من مهمات، ومن صعوبة في النوم واضطراب الشهية.

ـ انخفاض في مستوى النشاط العام والرغبة في النوم: تظهر في حالة التعب الشديد لدى الفرد الرغبة في النوم كآلية تهدف إلى حماية العضوية إذ يمكن أن ينام الفرد في أية وضعية كالجلوس مثلاً.

وتظهر مؤشرات التعب تبعاً لشدته، فمثلاً: في حالة التعب الخفيف لا تحدث تغيُّرات ملحوظة في الوظائف النفسية ومع ذلك فإنه يشير إلى ضرورة القيام بالإجراءات الكفيلة بالحد من درجة تفاقم التعب، أما التعب الشديد فهو ضار جداً، ويؤدي إلى انخفاض إنتاجية العمل وتبدو المظاهر النفسية واضحة جداً، وبناءً على ما تقدم يمكن اعتبار التعب متلازمة نفسية ـ فيزيولوجية لفقدان الطاقة المرافقة باختلال التوازن في بعض الأنظمة الجسمية كالسكر وحمض اللبن والأكسجين.

مراحل التعب

للتعب ثلاث مراحل:

ـ المرحلة الأولى: تتميز بظهور شعور بسيط بالتعب، لا تنخفض إنتاجية العمل بشكل ملحوظ. وتتميز هذه المرحلة بظهور تغيرات بسيطة في الوظائف النفسية.

ـ المرحلة الثانية: تتميز بانخفاض ملحوظ في إنتاجية العمل يهدد بالتفاقم تدريجياً يلاحظ هذا الانخفاض على نوعية المنتوج وليس على كميته، كما تلاحظ التغيرات الواضحة في الوظائف النفسية.

ـ المرحلة الثالثة: تتصف بالمعاناة الشديدة من التعب، إذ يُلاحظ الانخفاض الواضح في إنتاجية العمل وغالباً ما يكون هذا الانخفاض متذبذباً صعوداً وهبوطاً، الأمر الذي يعبر عن محاولة الفرد الاحتفاظ بالمستوى المطلوب بإيقاع العمل والذي يمكن أن يتسارع أحياناً ولكن على نحو غير ثابت. تُلاحظ في هذه المرحلة التغيرات الواضحة جداً في الوظائف النفسية، كما يشعر الفرد بعدم إمكانية متابعة العمل أو النشاط الذي يمارسه.

التعب والنمطية

يواجه الباحثون مشكلة تمييز التعب من بعض الحالات التي تشابهه من ناحية انخفاض إنتاجية العمل ومنها النمطية monotony في العمل، التي تتصف بسير العمل على وتيرة واحدة في بيئة مهنية فقيرة بالمثيرات، حيث يتواجد الفرد في مكان العمل جسدياً ولكنه شبه غائب نفسياً وذهنياً، الأمر الذي يؤدي بالفرد إلى الشعور بالملل والقلق والسأم وانخفاض الروح المعنوية لديه. تؤثِّرالنمطية سلباً على إنتاجية العمل إذ يُلاحظ الانخفاض المبكر في الإنتاجية قبل حلول التعب، أي إنَّ الإنتاج ينخفض في أفضل ساعات العمل.

العوامل المؤثرة في التعب

إنّ تطور حالة التعب يتوقف على مجموعة من العوامل مثل: الظروف الفيزيائية المحيطة بمكان العمل: كالإضاءة والتهوية والحرارة والضجيج، ونوعية العمل، وظروف سير العمل، وكذلك الخصائص الفردية للإنسان مثل:الصحة العامة، السن، الاهتمام والدوافع نحو العمل، سمات الشخصية. وتحدد هذه الخصائص طريقة تعامل الفرد مع التعب. وللعوامل النفسية أثر مهم في إنتاجية العمل ومنها:الرضا عن العمل والاهتمام به.

دراسة التعب وقياسه

يمكن دراسة التعب بالطرائق التالية:

ـ تقدير الفرد الذاتي على سلم التعب من ثلاث درجات: أشعر بالتعب كثيراً، نادراً، أحياناً. وقد تمدد الدرجات إلى خمسة.

ـ تقدير تعب الفرد عن طريق قياس كمية /أو نوعية إنتاجه.

ـ التقدير الميكانيكي بوساطة الأرجوغراف ergograph الذي يسجل على أسطوانة رفع ثقل تحركه العضلات المراد دراسة أدائها الوظيفي ويكون العمل المنجز مساوياً لجداء الثقل في الارتفاع وفي عدد الرفعات، ويدل ذلك على مستوى التعب.

ـ التقدير الكهربائي: يتم تسجيل التيار الكهربائي الذي ينتجه التقلص العضلي ويسمى هذا التيار تيار الفعل يبدأ قبل التقلص بقليل وينتهي بعد بدايته، فالتعب يقلل من اتساع الذبذبة الكهربائية، وحتى عندما يتوقف التقلص الإرادي تبقى العضلة حسَّاسة للتنبيه الكهربائي المباشر، الأمر الذي يعني أن مواردها لم تنفذ بعد، فالتعب قبل كل شيء ظاهرة حماية تبدو كخاصة من خصائص الجهاز العضلي والعصبي.

أساليب التخفيف من التعب

إن إعادة مستوى القدرة على العمل إلى وضعه الطبيعي مبني على أساس التوزيع السليم لأوقات الراحة والعمل، الذي يبنى على أساس ديناميكية القدرة على العمل وذلك بهدف ضمان إنتاجية عمل عالية والحفاظ على صحة الفرد. كما إن عملية توزيع أوقات العمل والراحة تقضي حل عدد من المشكلات المترابطة مثل:

تحديد طول مدّة العمل، وتحديد مدة الراحة في أثناء العمل وطريقتها: تعد الراحة في أثناء العمل من العوامل المهمة والمؤثرة في نتائجه، فهي ضرورية لتجديد القدرة على العمل، ويمكن أن تنفذ على نحو منظَّم ومخطَّط له مسبقاً أو أنها تنفَّذ بشكل ذاتي، وهذا يتوقَّف على طبيعة العمل ويُفضَّل أن لا تزيد مدتها على20 دقيقة، وتوزيع ساعات العمل خلال 24 ساعة، أسبوع، شهر، سنة، وتحديد المدة الزمنية المناسبة بين مدَّتي العمل، ونوع العمل وطبيعته وظروفه، وتدريب العامل على أفضل طرق العمل التي تقتصد الوقت والجهد، وذلك بعد دراسة العمل من ناحية الحركة والزمن، وإعادة النظر في آلات وأدوات ومعدّات العمل، واستبدال ما يؤدي منها إلى ضياع قدر كبير من الطاقة، وإعادة النظر في الظروف الفيزيائية المحيطة بمكان العمل: مثل الإضاءة، والتهوية، والضجيج، والحرارة؛ وتدريب الإنسان على الاسترخاء وتخفيف التعب، مستخدماً أجهزة التغذية الراجعة الحيوية bio feedback.

 

 

الموسوعة العربية

التعب في علم النفس