التربية الجنسية ضرورتها وأهدافها

التربية الجنسية

خالد عبد الرحيم

التربية الجنسية sexual education هي تزويد الطفل بالخبرة الصالحة التي تؤهله لحسن التكيف في المواقف الجنسية في مستقبل حياته، ويترتب على إعطاء هذه الخبرة أن يكسب الطفل اتجاهاً عقلياً صالحاً إزاء المسائل الجنسية والتناسلية.

وتتصل التربية الجنسية اتصالاً وثيقاً بالحياة وبالتربية العامة التي ترمي إلى: تعديل سلوك الفرد وتطويره والتحكم به وضبطه وتنمية قدراته لتحقيق أهداف مرجوة، وتهدف إلى أن يكون هذا السلوك سوياً ومنتجاً يساعد الإنسان على التكيف الإيجابي مع محيطه الطبيعي والاجتماعي. والسلوك مرتبط بالدافعية. والدوافع هي المحرك الأساسي للسلوك، وإذا كانت المثيرات الخارجية والقيم تؤثر في السلوك وتحرض عليه أيضاً، إلا أن طاقتها التحريضية ناتجة من ارتباطها بدوافع تم إشباعها بطريقة جعلت المثير أو القيمة يقومان بدور الدافع.



والتربية تعترف بالدوافع كلها وتعمل على تهذيبها، وتساعد الفرد على تطوير الاستجابة الملبية لها، والدافع الجنسي أحد هذه الدوافع.

وإن المستقرئ للأدبيات التربوية يجد بعضها يغيب هذا الدافع ويضعه في قائمة المسكوت عنه والمحرم. في حين تقدم جهات أخرى معرفة جنسية ليست ذات نفع، بل ضارة وغير صحيحة في أكثر الأحيان، وهي في معظمها تبرز الجانب الشهوي في هذا الدافع.  

في رسالة بعث بها فرويد إلى صديق له كان قد سأله: هل يمكن، بوجه عام، أن نعطي الأطفال شروحاً بصدد الحياة الجنسية؟ وفي أي عمر، وبأية صورة نستطيع أن نفعل ذلك ؟ يتساءل فرويد مندهشاً: «إني أفهم حق الفهم أن يدور نقاش حول النقطتين الثانية والثالثة، ولكني لا أفهم إطلاقا أن يقع خلاف في الآراء بصدد النقطة الأولى. فما هو الغرض الذي يرمي إليه من يريد أن يخفي عن الأطفال، أو عن المراهقين بالأحرى، مثل تلك الشروح بصدد الحياة الجنسية للكائنات الإنسانية ؟!».

لم تأت آراء فرويد وتحليله النفسي من فراغ، فقد سبقته إلى تناول موضوع الجنس والتربية والتربية الجنسية والحب بين الجنسين طليعة من الفلاسفة والمفكرين والمربين والأطباء والأنتروبولوجيين أمثال أفلاطون وأرسطو وابن سينا وابن حزم وابن قيم الجوزية والرازي وابن خلدون ولوك وجان جاك روسو وابن حماد السمرقندي وابن عربي وغيرهم، ولعل الفيلسوف شوبنهور (1788-1860) كان من أكثر الفلاسفة في زمنه إفصاحا عن أهمية الحياة الجنسية في حياة الإنسان إذ يقول: «الإنسان تجسيد للغريزة الجنسية، ولكن الجنس لم يتوج علماً إلا بعد أن جمعت معطيات العلوم المتعلقة بالإنسان كالبيولوجيا العامة وعلم نشوء الإنسان وعلم الأعراق والسلالات والفلسفة وعلم النفس والطب والتاريخ والأدب والثقافة، وتأتي التربية العامة لتقوم بدورها التربوي بعد أن تمثلت كل ما تقدم من علوم إنسانية وفلسفات تربوية».    

 

ضرورة التربية الجنسية

التربية الجنسية جزء لايتجزأ من التربية العامة وركن أساسي من أركان تربية الجيل الناشىء، البدنية والأخلاقية، فإذا كانت التربية الحديثة تعمل على تربية الناس تربية وظيفية فإن الدراسات بينت أن كثيراً من المراهقين يعانون من مشكلات جنسية. وتسيطر على عقولهم هموم وتساؤلات لا تنتهي حول الفرق بين الحب الحقيقي والحب الزائف، ومسائل الزواج وفارق السن فيه، والاستمناء (العادة السرية)، والاتصال الجنسي قبل الزواج، والانحرافات الجنسية والجنوسة والايغاف والسادية والبرود الجنسي وعقدة أوديب ومسائل الوراثة والأمراض التي يمكن أن تنتج عن الاتصال الجنسي غير الصحي كالزهري والسيلان والإيدز وغير ذلك من أمور لا تعد ولا تحصى. وبينت تلك الدراسات أن الطُهرية المبالغ فيها التي تعمل على كبت المظاهر الجنسية الأولى للشباب بعنف جارح أحياناً قد تؤدي إلى تعرض الشباب، ولاسيما أصحاب الشخصية الحساسة، إلى الانهيار بتأثير الصدمات السلبية، وربما وصلت إلى حد الخصاء الكامل. الأمر الذي يؤدي إلى اضطراب الحياة الجنسية والزوجية لاحقاً.

وللممارسات الجنسية المبكرة والمنفلتة من عقالها أضرار قد تتعدى ما ينتج عن الطهرية المبالغ فيها، فقد ثبت أن الفتيات اللاتي يمارسن الجنس في سن مبكرة يتهدم نموهن العاطفي ولا يتطور لديهن حب حقيقي. وينخفض لديهن أيضاً مستوى التصعيد والتسامي الضروريين للفرد والمجتمع، وذلك لأن ترك الدوافع الجنسية تتفتح من دون ضوابط تعمل على تحويل طاقاتها ومنافذ تعبيرها نحو التسامي يؤدي إلى انحلال الضوابط الأخلاقية ووهن الحضارة.

فالمجتمعات التي غلبت فيها الدوافع الجنسية على أي اعتبارات أخرى معنوية كانت أو أخلاقية أو اجتماعية نتيجة للثورة الجنسية وحرية الإنسان التي نادى بها كثير من الكتاب والمفكرين بدءاً من النصف الثاني من القرن العشرين مثل: هافلوك اليس و د.هـ.لورنس و جرمين جرير ونانسي فرايدي وهنري ميلر ومارجريت ميد وهربرت ماركوزه وجان بول سارتر، وغيرهم، ذهبت فيها هذه الحرية كل مذهب، بفعل كبت سابق مقيم، وطاقة جنسية ملحاح تفجرت بعد أسر، فازدادت الانحرافات الجنسية، وتفككت الأواصر العائلية، وما انفكت نسب الطلاق، وعمليات الإجهاض، وتناقص المواليد، والانفلات الجنسي، وانتشار الإيدز، تتصاعد وتتفاقم.     

 

أهداف التربية الجنسية

يقتضي تحديد أهداف التربية الجنسية دراسة الدافع الجنسي، ومعرفة أنماط السلوك التي يحرضها، وتحديد أمثل الصيغ للسلوك الجنسي، ولكن هذا الدافع يراوغ الباحث، فإذا كان هذا الدافع يتصل أساساً بمسألة التكاثر والإنسال فإن نشاطه يصاحب بتغيرات بيوكيمياوية تطلق الرغبة في اللذة وتؤجج الغلمة وتنشط إفراز الدوبامين بالدماغ وتستثير الجوانب الشهوية مما يجعل الوظيفة الأساسية أمراً مرغوباً فيه لدى الذكور والإناث، فضلاً عما يخالط هذا الدافع من تعبيرات أخرى كالحب بدرجاته. إن مآل ذلك كله أن الدافع الجنسي يتجلى في أنماط من السلوك يصعب حصرها، وتشمل طيفاً واسعاً يبدأ من الانحراف الجنسي البسيط ليصل إلى المعقد منه، ويمكن للتصعيد أن ينال هذا الدافع  فينتهي عند تخوم الحب العذري والتصوف، وبين هذا وذاك يقع السلوك  الجنسي المتوازن السوي الذي يعد الوصول إليه هدفاً من أهداف التربية الجنسية.

ولا يظنن أحد أن تحديد هذه الأهداف أمر سهل، إذ الأمر بخلاف ذلك. فعلى سبيل المثال هل نربي ما هو شهوي أم ما هو إنسالي في الدافع أو الأمرين معاً؟ من هي الفئة التي نتجه بالتربية إليها، الأطفال والبالغين أم نقصرها على البالغين؟ هل يجب دمج الشهوي في العاطفي وتنمية القدرة على الحب؟ ما حدود التحريم والكف اللذين يفرضهما مجتمع ما وثقافته على المربي؟

إن كل ذلك يجعل تحديد الأهداف بحيث تكون واحدة في المجتمعات كلها أمراً مستعصياً  وغير منطقي، ويكفي هنا الإشارة إلى الحد الأدنى من الأهداف التي يمكن أن تكون مقبولة ومشتركة في المجتمعات التي تحرِّم العلاقات الجنسية خارج المؤسسة الشرعية وهذه الأهداف هي:

ـ أن يعد النشاط الجنسي وجهاً من وجوه النشاط البدني، على أن لا يعزل هذا النشاط عما هو عاطفي. بل يدمج في وعي الطفل ما هو جنسي بما هو عاطفي، ذلك أن الجنسانية التي عمت المجتمعات الغربية مخالفة لطبيعة الأشياء، ولذلك هناك دلائل قوية على الاعتراضات الشديدة على عدم التوازن، وعدم الضبط في التربية الجنسية.

ـ التخلص من الشعور بالإثم الذي يرافق النشاط الجنسي السوي والذي كونته آليات الكبت الثقافي والاجتماعي والمحرمات.

ـ الوقاية من الأمراض الناتجة من الجنس جسدياً، والأمراض النفسية المتصلة به.

ـ قبول المرء لذاته الجنسية (البنات على الخصوص) واحترامها، ومعرفة المزايا والإيجابيات والخصوصية التي تحملها هذه الذات، والقدرة على ممارسة الأدوار الاجتماعية المترتبة على الجنس والمنوطة به.