التدخين وتصحيح المفاهيم

هناك العديد من المفاهيم المغلوطة والشائعة عند كثير من الناس عن تدخين السجائر والتي تحتاج الى تصحيح أو إلى إعادة نظر. وذلك لأن هناك الكثير من المعلومات التي استجدت فيما يتعلق بالتدخين وآثاره. ظهرت هذه المعلومات مؤخرا ولم تكن معروفة في السابق بينما ظلت المفاهيم القديمة والمغلوطة شائعة بين الناس إما جهلا بما استجد من معلومات عن الدخان أو رضوخا للدعاية المكثفة من قبل الشركات المصنعة للتبغ والتي ما لبثت تروج لآفة التدخين بشتى الوسائل ولو على حساب فهم وصحة الناس سعيا وراء الربح ولا شيء سوى الربح.



ومن المفاهيم التي ينبغي أن يدركها الناس اليوم هي أن تعاطي التدخين في حد ذاته يعتبر "مرضا" (وليس مجرد عامل من العوامل المسببة للأمراض) وذلك حسب التصنيف العالمي للأمراض من قبل منظمة الصحة العالمية (ICD-10). فمثلا أعطيت أرقام التصنيف التالية: تعاطي التبغ –Z72.0 ، أمراض التبغ والنيكوتين – T65.2. وكذلك يعتبر الدخان المستنشق من السجائر عقارا كيميائيا (وليس مجرد دخان) له أعراضه المباشرة وأعراضه الجانبية وله مضاعفاته المختلفة قريبة الأجل وبعيدة الأجل كما هو الحال مع أي عقار آخر. وان كان هذا الدخان (العقار) لا يمثل خطورة على صحة المدخن نفسه وحسب وإما يتعداه إلى كل من هم حول المدخن أيضا (من المدخنين سلبا وذلك باختلاطهم بمن يدخنون). وعليه ينبغي على المرء أن يعي خطورة التدخين، وان يدرك أنه يسعى بنفسه جاهدا من أجل أن يصاب بمرض هو في غنى عنه أصلا.

التدخين ليس عادة يعتادها المدخن كما يظن الكثيرون ولكنه وبكل بساطة ووضوح نوع من "الإدمان" الذي ينبغي معالجته جديا من قبل المصاب (لأن إدمان النيكوتين هو الآخر يعتبر مرضا قائما بحد ذاته). كما أن إدمان التدخين يجر الى المزيد من الإدمان لمواد أخرى مثل الكحول (الخمر) والمخدرات. وهذا ثابت ومشاهد من دون مواربة. وقد أصبح ثابتا الآن أن مادة النيكوتين في تبغ السجائر لا تقل في قدرتها على الإصابة بالإدمان عن مادتي الكوكايين والهيروين. وهذا ما يفسر لنا صعوبة الإقلاع عن التدخين عند الكثير من المدخنين. كما ينبغي العلم بأن هذه الحقيقة العلمية كانت معروفة لدى القائمين على تصنيع التبغ والسجائر منذ زمن طويل ولكن الشركات المصنعة لهذه الآفة دأبت طويلا على إخفاء هذه الحقيقة عن الناس وذلك أملا في وقوع المزيد من الضحايا في شرك التدخين وبالتالي المزيد من الكسب لهذه الشركات الشيطانية.
لقد أثبتت الدراسات والإحصاءات أن أكثر من ثلثي المدخنين يودون بل ويرغبون في الإقلاع عن التدخين ولكن الكثير منهم لا يقدرون على ذلك إلا بعد محاولات عدة، أو يقلعون لفترة معينة قد تطول أو تقصر ثم لا يلبثون أن يعودوا للتدخين ثانية. وقلة هم الذين ينجحون في الإقلاع عن التدخين من أول محاولة ودون مساعدة خارجية.. لماذا؟ الجواب هو لأن التدخين هو الإدمان بعينه. وهو مرض قد يصعب علاجه أحيانا.
يعتبر تدخين السجائر أو غيرها من آفات الدخان مثل تدخين السيجار أو الشيشية من أهم العوامل المؤدية للوفاة مبكرا وللإصابة بالأمراض الخطيرة والمزمنة التي من الممكن جدا الوقاية منها قبل الإصابة بها، وذلك وبكل سهولة يكون بالامتناع عن التدخين أصلا أو الإقلاع عنه مبكرا قبل الإصابة بمضاعفات أمراض التدخين المختلفة. فلا يخفى على أي أحد اليوم ما في التدخين من مضار جمة منها إن التدخين يعد من أهم مسببات السرطان في عصرنا الحاضر، فقد ثبت انه المسبب الرئيس لسرطان الرئة والفم والمريئ والمعدة والأمعاء الغليظة والبنكرياس والمثانة والرحم وبعض أنواع سرطان الدم. كما إن التدخين سبب رئيس للإصابة بالتهابات الشعب الهوائية المزمنة (الإنفيسيما)، وأمراض القلب والشرايين. ولا يخفى تأثير التدخين على الجنين في حالة تدخين الأم الحامل وهو سبب للوفاة المفاجئة للخدج. الى غير ذلك من الأضرار الفادحة على صحة المدخن أولا ومن حوله من المدخنين سلبا ثانيا. فأي عاقل يسعى بنفسه وبكامل إرادته إلى الوقوع في مستنقع التبغ والتدخين مع كل هذا الكم الهائل من الأمراض التي قد يجنيها في النهاية على نفسه وعلى أللآخرين.
يعتقد بعض المدخنين أن استعمال الشيشة أو الأرجيلة قليل الضرر بالمقارنة مع منتجات التبغ الاخرى كالسجائر أو السيجار أو الغليون. ولكن الحقيقة العلمية والدراسات تشير الى أن تدخين الشيشة لا يقل ضررا عن تدخين السجائر إن لم يكن أكثر ضررا. ومن المعلوم والثابت علميا ان مدخني السيجار مثلا هم الأكثر عرضة للإصابة بسرطان الفم والحلق بالمقارنة مع غير المدخنين.
 
أصبح من المقطوع به اليوم أن التدخين السلبي (وهو التعرض لدخان السجائر من غير المدخنين) لا يقل خطورة على صحة الإنسان من التدخين المباشر. وله نفس الأضرار ويسبب نفس الأمراض التي قد تصيب المدخن. وبهذا يتضح ان المدخن بتدخينه لا يكتفي بجلب الضرر على نفسه وحسب وإنما يتعدى ذلك ليجلب الضرر للآخرين من حوله كأفراد أسرته مثلا. فأين هؤلاء من قول الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم): "لا ضرر ولا ضرار".
ظهرت مؤخرا دراسة علمية تتبعيه، تابعت آثار التدخين على المدخنين على مدى 50 عاما. وتبين إن التدخين يقصر من عمر المدخن. حيث إن أهم ما توصلت إليه هذه الدراسة إن أعمار المدخنين تقل عن أعمار نظرائهم من غير المدخنين بنحو 10 سنوات في المتوسط. وأن الإقلاع عن هذه الآفة يخفض من أثار تلك المخاطر على الصحة. بحيث إذا أقلع المدخن عن التدخين في سن مبكرة – سن الثلاثين عاما فما قبل – فإنه بالإمكان تجنب مخاطر التدخين المسببة للوفاة المبكرة. كما أكدت الدراسة على العلاقة الوطيدة بين تعاطي التبغ والإصابة بأمراض القلب، وأن تدخين التبغ هو السبب المباشر لما يقرب من 25 مرضا، وأن نسبة الوفيات عند المدخنين ترتفع الى ما يقرب من المثلين بالإصرار على التدخين. ومن خلال هذه الدراسة المطولة – على مدى 50 عاما - تمكن الباحثون من الكشف عن ان ما يقرب من نصف المدخنين ماتوا بسبب التمسك بآفة التدخين، وان ما يقرب من ربع هؤلاء ماتوا قبل سن السبعين من العمر بل إن العديد منهم ماتوا في الأربعينيات من أعمارهم. كذلك تبين من خلال الدراسة ان الإقلاع عن آفة التدخين له فوائد تعود على صحة المدخن بحيث كلما أقلع المدخن مبكرا كلما كان ذلك أفضل وأصح. فقد تبين ان الذي يقلع في سن الثلاثين او قبل ذلك فإنه يتوقع ان يعيش نفس العمر المتوقع لغير المدخن، اما الذي يقلع عن التدخين في سن الخمسين فإنه يفقد أربع سنوات من العمر المفترض، واما الذي لا يقلع عن التدخين لما بعد الخمسين من العمر فانه يفقد 10 سنوات من العمر المفترض.
وأخيرا فقد اتفق جل علماء الإسلام اليوم - وبعد ظهور مضار الدخان جلية واضحة على حرمة تعاطي هذه الآفة الخبيثة. فقد أصبح تعاطي الدخان والتبغ بأنواعه معصية تورث الإثم وغضب الرب. فحري بنا أن نبتعد عنها ونمقتها. وللإطلاع على تفاصيل بعض الفتاوى في هذا الجانب فإني احيل القارئ الى موقع "لا للتدخين في العالم العربي" المتخصص بمكافحة آفة التدخين وباللغة العربية على العنوان: stopsmokingarab.com.

المصد: كنانه أنلاين